سؤال:
قام بعمل عمرة ولبس الملابس العادية بدون حلق شعر الرأس ، بحجة أنه ليس برأسه شعر ، (حيث إنه قد قام بعمل عمرة قبلها بيومين) وقد سأل شيخا وقد نصحه بذلك وأن هذا هو إحلال إحرامه فهل هذا الحكم صحيح أم عليه فدية ؟
الجواب:
الحمد لله
من اعتمر وحلق رأسه وتحلل من عمرته ، ثم اعتمر مرة أخرى قريبا ، ولم ينبت له شعر ، فلا يلزمه إمرار الموسى على رأسه ، بل إذا فرغ من سعيه تحلل ولا شيء عليه . وأما إذا نبت شعر ولو يسيرا ، فإنه يمر الموسى عليه .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " : الأفضل للمتمتع أن يُقصر فإذا حلق يحلق يوم العيد .
السائل : يوم العيد ما يجد شيئاً .
الشيخ : لكن لا بد أنه ينبت ، الشعر يتبين خلال يوم وليلة ، يكفي أن يمر الموسى على هذا " انتهى من "شرح كتاب الحج من صحيح البخاري".
وقال في شأن الأصلع الذي لا شعر برأسه مطلقا : " وذكر أيضاً [أي ابن قدامة] في هذا الفصل أنه لو كان الإنسان أقرع الرأس ليس له شعر فإنه يسقط عنه الحلق والتقصير لعدم المحل كما لو قطعت يده فإنه لا يلزمه أن يغسل بدلها العضد ولكن يقول : يستحب أن يمر الموسى على رأسه . هذا فيه نظر ، إلا إذا كان يخشى أن يكون هناك شعرات في هذا الصلع فيحتاط : فنعم ، وعليه يحمل حديث ابن عمر إن كان ثبت عنه . وأما إذا تيقن أنه ليس هناك شعرات فإمرار الموسى على الرأس عبث ، وهذا كقول بعض العلماء إن الرجل الأخرس إذا أراد أن يقرأ يحرك لسانه وشفتيه وهذا لا معنى له ، والصواب أنه إذا كان أقرع الرأس فإنه لا يسن له إمرار الموسى على رأسه لعدم الفائدة فهو عبث ، والشريعة لا تأتي بالعبث إلا إذا كان يخشى أن يكون هناك شعرات يسيرة فالأولى من باب الاحتياط أن يفعل " انتهى من "شرح كتاب الكافي لابن قدامة" .
وبناء على ذلك فإن كان المسئول عنه لم ينبت له شعر ، لكونه حلق رأسه قبل يومين ، فلا شيء عليه ، وعمرته صحيحة ، وإن كان نبت له شيء من الشعر فإنه كان يجب عليه أن يمر الموسى على رأسه ، فإن لم يفعل ، فإنه يظل على إحرامه ، ويجب عليه الآن أن يتجرد من المخيط ، ويحلق أو يقصر شعره ، وبهذا يتحلل من عمرته ، ولا شيء عليه فيما ارتكبه من محظورات جهلا بأن تحلله من العمرة لم يتم .
والله أعلم .
أسباب انتكاسة المستقيم حديثاً ونصائح لمن يريد طلب العلم
سؤال:
أريد نصيحة لمن التزم حديثاً ، وماذا يفعل لكي لا ينتكس ؟ ونصائح بماذا يبدأ بالقراءة من الكتب بعد القرآن .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
يفرح الله تعالى بتوبة عبده مع أنه تعالى هو الموفِّق لهذا التائب أن يتوب ، وهو سبحانه لا تضره معاصي الخلق ولو كثرت ، وهذا من عظيم رحمة الله تعالى بخلقه ، وعظيم فضله ، والذي ننصح به إخواننا المستقيمين على الهداية والمتوجهين نحو طريق الخير هو :
1. حمد الله تعالى وشكره بصدق وإخلاص ، أن وفقهم لأن يهتدوا لطريق الجنة ، وأن يعلموا أنه لولا الله ما اهتدوا ولا صلوا ، ويحتاج مع الحمد والشكر إلى دعاء الله تعالى أن يثبته على الدين والحق ؛ فإن القلوب بيد الله يقلبها كيف يشاء ، وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : ( يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ، يا مصرف القلوب اصرف قلبي إلى طاعتك ) ونحن أولى بهذا الدعاء منه صلى الله عليه وسلم .
2. التزام طاعة الله تعالى بأداء الواجبات المفروضة ، والحرص على زيادة التقرب إلى الله تعالى بعد الفرائض بفعل السنن ؛ لتحصيل محبة الله تعالى ، ومن أحبَّه الله ثبَّته على الطريق ، وزاده هدى وتوفيقاً .
فعَنْ أَبِي هُريرة رضي الله عنه قالَ : قَالَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : ( إنَّ الله تَعالَى قَالَ : مَنْ عَادَى لِي وَلِيّاً ، فَقَدْ آذنتُهُ بالحربِ ، وما تَقَرَّب إليَّ عَبْدِي بشيءٍ أحَبَّ إليَّ مِمَّا افترضتُ عَليهِ ، ولا يَزالُ عَبْدِي يَتَقرَّبُ إليَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ ، فإذا أَحْبَبْتُهُ ، كُنتُ سَمعَهُ الّذي يَسمَعُ بهِ ، وبَصَرَهُ الّذي يُبْصِرُ بهِ ، ويَدَهُ الَّتي يَبطُشُ بها ، ورِجْلَهُ الّتي يَمشي بِها ، ولَئِنْ سأَلنِي لأُعطِيَنَّهُ ، ولَئِنْ استَعاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ ) . رواهُ البخاريُّ ( 6137 ) .
3. التطلع إلى رضوان الله تعالى ، والتشوق للقائه سبحانه ، وعدم الانشغال بالدنيا ، بمباحاتها وملذاتها ، ولتكن همة هذا المستقيم على الطاعة علوية لا سفلية ، وليكن هدفه تحصيل السعادة الأبدية في دار لا يهرم فيها ولا يمرض ، وهي الجنة .
4. وعليه بطلب العلم ، وأول الطلب البداءة بحفظ كتاب الله تعالى ، ثم النظر في السنَّة المطهرة ، والقراءة في كتب العقيدة السلفية والتوحيد والفقه ، ومن شأن معرفة المسلم لدينه أن يزداد تمسكاً به ، ومن أعظم أسباب الانتكاس والسقوط في الطريق ، الجهل بالدين وعدم معرفته .
5. وعليه أن يحرص على الصحبة الصالحة ، وترك الصحبة الفاسدة ، وخاصة من كان معه في طريق الغواية من قبل ؛ لئلا يكون هؤلاء سبباً في رجوعه طريقه القديم ، وقد شبَّه النبي صلى الله عليه وسلم الجليس الصالح بحامل المسك ، فهو إما أن يعطيك منه ، وإما أن تشم منه رائحة طيبة ، وشبَّه جليس السوء بنافخ الكير ، فهو إما أن يحرق ثيابك ، وإما أن تشم منه رائحة خبيثة ، وهكذا هو الصاحب الصالح ، والصاحب السيئ ، فالأول إما أن يدلك على الخير ، ويرشدك إلى الصواب ، وإلا فإنك سترى منه الخير في سمته وهديه وخلُقه ، وأما الصاحب السيئ فهو إما أن يدلك على المعصية فتفعلها ، أو أنه يباشرها بنفسه فلا ترى منه إلا شرّاً وتشجيعاً على فعل الفواحش ، فيجب الحرص على الصحبة الصالحة ، كما يجب هجر الصحبة الفاسدة .
6. الحذر من المعاصي الصغائر منها والكبائر ، فإن معظم النار من مستصغر الشرر ، والمعصية تأتي بأختها ، والقلب إذا أظلم واسودَّ بسبب المعاصي : لم يعد قلباً حيّاً يعرف المعروف ، وينكر المنكر ، فالحذر الحذر من المعاصي .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ ، فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُهْلِكْنَهُ ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ لَهُنَّ مَثَلا : كَمَثَلِ قَوْمٍ نَزَلُوا أَرْضَ فَلاةٍ ، فَحَضَرَ صَنِيعُ الْقَوْمِ ( أي : طعامهم ) ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْطَلِقُ فَيَجِيءُ بِالْعُودِ ، وَالرَّجُلُ يَجِيءُ بِالْعُودِ ، حَتَّى جَمَعُوا سَوَادًا ( أي : شيئاً كثيراً ) ، فَأَجَّجُوا نَارًا ، وَأَنْضَجُوا مَا قَذَفُوا فِيهَا ) .
رواه أحمد ( 37 / 467 ) وحسَّنه شعيب الأرناؤوط ، وصححه الألباني .
7. الحذر من فتنة المال ، فعلى من رزقه الله تعالى مالاً أن يجعل ذلك المال عوناً له على طاعة الله ، وينفقه في مرضات الله ، كبناء المساجد ، وطباعة الكتب ، وتسجيل الأشرطة ، وتوزيع المطويات ، وليحرص على أداء العمرة والحج ، وليحذر من إسرافه في المباحات ، أو تبذيره في المحرمات ، فقد يكون المال سبباً لفتنة الإنسان في دينه ، وصدق الله العظيم إذ يقول : ( إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم ) التغابن/15
8. على المهتدي تعمير قلبه بالإيمان ، فالقلب إذا صلح صلحت الأعضاء ، وإذا فسد فسدت الأعضاء ، فليحرص على قراءة القرآن ، والاستكثار من الطاعات .
9. وقد يكون من أسباب انتكاس الشاب : عدم وجود زوجة ، فليحرص على الزواج ، وتكوين أسرة ، وليحرص على تأديبهم وتعليمهم ، وكونه عزباً مظنة للوقوع في المعاصي ، والتعلق بالشهوات ، وكثرة السهر ، وترك الحياة الجدية ، والرضا بحياة الراحة والدعة والكسل .
10. وأخيراً : فإن المتهدي حديثاً يحتاج إلى التعقل في أداء الطاعات ، والحكمة في دعوة الناس ؛ فإن بعض من يهديه الله تعالى لطريق الحق يُشدِّد على نفسه بالطاعات ، ويقسو على الآخرين في دعوتهم وتذكيرهم ، ولعلَّ هذا أن يكون سبباً في انتكاسته ، فليحرص على التعقل ، والحكمة ، والرفق ، وليحرص على مشاورة أهل العلم والاستفسار منهم ، واستنصاحهم ، فإن في ذلك الخير العظيم له .
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةً ، وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ ، فَمَنْ كَانَتْ شِرَّتُهُ إِلَى سُنَّتِي فَقَدْ أَفْلَحَ ، وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ ) .
رواه ابن حبان في " صحيحه " ( 1 / 187 ) ، وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " ( 56 ) .
وانظر شرح هذا الحديث وتفصيل هذه النقطة في جواب السؤال رقم : ( 70314 ) .
ونسأل الله تعالى أن يثبتنا على الحق ويرزقنا الإخلاص والصدق في القول والعمل .
ثانياً :
وأما طالب العلم المبتدئ في الطلب : فلا بد من توجيه نصائح له في طلبه للعلم ؛ حتى يكون مأجوراً مثاباً على الطلب ، وإلا صار عليه نكالاً :
1. أخلص في نيتك في طلب العلم .
واعلم أن طلب العلم عبادة ، وأن الله تعالى لا يقبل من العبادات إلا ما كان خالصاً لوجهه ، فلا تطلب العلم من أجل الشهرة والرفعة والتعالي والمال ومجاراة السفهاء ومماراة العلماء ، بل اجعل طلبك خالصاً لوجه الله تعالى ، تمتثل به أمر الله تعالى ، وترفع الجهل عن نفسك ، وعن غيرك .
2. اصبر في الطلب ، ولا تستعجل قطف الثمرة ، فالطريق طويل وشاق ، و " من كانت بدايته محرقة كانت نهايته مشرقة " .
3. اعمل بما تعلم ، فقد " هتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل " .
4. ابدأ بصغار العلم قبل كباره ، فلا تبدأ بـ " فتح الباري " و " المجموع " و " المحلى " ، بل ابدأ بالمتون الصغيرة إلى أن تصل إلى تلك الكبيرة .
5. احرص على أن تقرأ على شيخ موثوق في دينه وعلمه ، فإن لم يكن فطالب علم ممن سبقوك في الطريق .
6. نوِّع طرق الطلب حتى لا تمل ، فاجعل منها القراءة والسماع والمشاهدة .
7. احرص على اقتناء الكتب المحققة .
8. لا تبدأ بكتب الخلاف قبل ضبط أصول الأدلة من القرآن والحديث الصحيح .
9. تواضع لله تعالى ، وإياك من داءين خطيرين : الكبر ، والحسد ، وقد كان السلف يسمعون ممن هو أكبر منهم ليتعلموا الأدب ، وممن هو أصغر منهم ليتعلموا التواضع ، وممن هو مثلهم ليزيلوا داء الحسد من قلوبهم .
10. لا تستعجل الفتوى ، واحرص على المذاكرة ، وتلخيص ما تقرأ ، وتدوين الفوائد ، ومراجعتها ، واحرص على تعليم الجاهل ما استفدته من العلم ، وقد قال تعالى : ( وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ) البقرة/3 .
وانظر جواب السؤال رقم ( 10324 ) ففيه جملة من آداب طالب العلم .
ثالثاً :
وأما الكتب التي يبدأ بقراءتها بعد قراءة كتاب الله تعالى ، والحرص على حفظه : فهي كثيرة ، وقد ذكرنا أهم هذه الكتب الموثوقة ، وما يناسب كل مرحلة من مراحل طلب العلم ، فانظرها في جوابي السؤالين : (14082) و (20191)
وننبه على أن في موقعنا هذا تحت تصنيف " العلم والدعوة / العلم " جملة وافرة من الأجوبة التي يستفيد منها طالب العلم في الآداب والأحكام والنصائح .
ونسأل الله دائما أن يوفقك ، وأن ييسر لك العلم النافع ، والعمل الصالح ، ومن يهده الله تعالى فهو المهتدي ، ومن يضلل فلا هادي له .
والله أعلم
يدفع مبلغا مقدما للمؤجر في مقابل أن يخفض له أجرة المسكن
سؤال:
انتشر عندنا في المغرب بكثرة ظاهرة رهن السكن , ولقد قمت بمراجعة الفتاوى المطروحة في الموقع , لكن قضيتي تختلف بعض الشيء , وهو أنه عندنا زيادة على دفع ثمن الرهن ، فإنني أدفع مبلغاً متواضعاً شهرياً كإيجار, مثلا ; ثمن إيجار سكن هو 1000 درهم لكن في حالة الرهن يتغير ثمن الكراء, إذ عندما أتفق مع صاحب السكن على الرهن لمدة سنة بثمن 20240 ألف درهم سوف يقوم في مقابل تسليفه المبلغ المذكور لهذه المدة بتنزيل ثمن الكراء الشهري إلى النصف, يعني 500 درهم , فما رأي سيادتكم في الأمر ؟
الجواب:
الحمد لله
ما فهمناه من سؤالك أنك ستستأجر سكنا لمدة سنة ، وتدفع مقدما قدره 20240 ، وفي مقابل ذلك سيخفض المؤجر الإيجار من 1000 درهم إلى 500 درهم ، مقابل انتفاعه بالمبلغ المقدم.
وإذا كان هذا المقدم سيعاد إليك في نهاية المدة ، فإنه يعتبر قرضا منك للمؤجر ، وهو قرض ربوي لأنه يجر منفعة لك ، وهي تخفيض الأجرة من 1000 إلى خمسمائة ، فكأنك أقرضته 20240 ليردها 20600 ، وقد اتفق الفقهاء على أن كل قرض جر نفعا فهو ربا .
قال الإمام ابن قدامة رحمه الله : " وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف . قال ابن المنذر : أجمعوا على أن المُسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية ، فأسلف على ذلك ، أن أخذ الزيادة على ذلك ربا . وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرضٍ جَرَّ منفعة . ولأنه [ يعني : التسليف ] عقد إرفاق وقربة ، فإذا شرط فيه الزيادة أخرجه عن موضوعه " انتهى من "المغني" (6/436).
ولا يخفى عليك ما جاء في الربا من الوعيد الشديد ، فهو كبيرة عظيمة من كبائر الذنوب ، وفاعله مُتوعَّد بالحرب من الله تعالى ، قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ ) البقرة/278-279 .
وروى مسلم (1598) عن جابر قال : ( لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء ).
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم ، أشد عند الله من ستة وثلاثين زنية ) رواه أحمد (21450) والطبراني ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (3375)
نسأل الله لك التوفيق والسداد ، وأن يغنيك بالحلال عن الحرام .
والله أعلم .
هل يجوز الاشتراط على المقترض أن يدفع فرق سعر العملة إذا نقصت ؟
سؤال:
أنا طالب في إحدى الجامعات البريطانية ، وبصفتي طالب بريطاني فالحكومة ها هنا تعطيني قرضاً لكي أتم دراستي ، القرض هذا – كما يكتب في شروطه – أنه ليس بربوي يسقط بعد 25 عاماً من تاريخ أخذه ، لا يدفع إلا إذا أصبح الطالب يعمل ويتقاضى راتباً فوق الخمسة عشر ألف باوند ، لكنه فيه ما يعرف بالتضخم ، أي : إذا نزلت قيمة العملة بمقدار 0.01 بالمائة يجب عليَّ دفعها ، سألت كثيراً ، بعض هيئات الفتوى في أوروبا أفتاني بالجواز ، وكذا بعض المشايخ ، وبعض المشايخ أفتى بحرمة ذلك فلا أعلم فماذا أفعل ؟
الحمد لله
لا يجوز لمن استدان من أحدٍ مالاً أن يلتزم بإرجاع قيمته وقت القرض ، بل يجب عليه أداء القرض بمثل ما أخذه لا بقيمته ، وهذا قول جمهور العلماء قديماً وحديثاً ، وهو ما تفتي به المجامع الفقهية المعاصرة ، وهذا في حال أن تبقى العملة متداولة ، كما هي ولو تغير سعر صرفها .
أما إذا ألغيت العملة بالكلية وصار الناس لا يتعاملون بها : فهنا للعلماء فيها أقوال :
فمنهم من قال : على المدين القيمة وقت القرض .
ومنهم من قال : إن المعتبر قيمتها وقت المنع .
وقال آخرون : المعتبر قيمتها وقت الوفاء .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – :
" وأقرب شيء أن المعتبر : القيمة وقت المنع ؛ وذلك لأنه ثابت في ذمته " عشرة فلوس " إلى أن مُنعت ، يعني : قبل المنع بدقيقة واحدة لو طلبه لأعطى عشرة فلوس ، ولكان الواجب على المقرض قبولها ، فإذا كان كذلك : فإننا نقدرها وقت المنع " انتهى .
" الشرح الممتع " ( 9 / 104 ) .
هذا هو الحكم في حال إبطال العملة ، والعمل بغيرها ، أما إذا كانت العملة باقية ويتعامل بها الناس: فإن الواجب أداؤها كما هي ، ولو تغير سعر صرفها بالنسبة لغيرها ، ولو اختلفت القوة الشرائية ، ولو حصل تضخم ، وهذا نص قرار " مجمع الفقه الإسلامي الدولي " المنبثق عن " منظمة المؤتمر الإسلامي " وهو كافٍ وافٍ في المسألة :
قرار رقم : 115 ( 9 / 12 ) :
بشأن موضوع
" التضخم وتغير قيمة العملة "
إن " مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي " المنبثق عن " منظمة المؤتمر الإسلامي " في دورته الثانية عشرة بالرياض في المملكة العربية السعودية ، من 25 جمادى الآخرة 1421هـ – 1 رجب 1421هـ ، الموافق 23 – 28 أيلول ( سبتمبر ) 2024 م .
بعد اطلاعه على البيان الختامي للندوة الفقهية الاقتصادية لدراسة قضايا التضخم ( بحلقاتها الثلاث بجدة ، وكوالالمبور ، والمنامة ) وتوصياتها ، ومقترحاتها ، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حول الموضوع بمشاركة أعضاء المجمع وخبرائه وعدد من الفقهاء .
قرر ما يلي :
أولاً : تأكيد العمل بالقرار السابق رقم 42 ( 4 / 5 ) ونصه :
" العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملة ما هي بالمثل ، وليس بالقيمة ؛ لأن الديون تقضى بأمثالها ، فلا يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة ، أيّاً كان مصدرها بمستوى الأسعار " .
ثانياً : يمكن في حالة توقع التضخم التحوط عند التعاقد بإجراء الدين بغير العملة المتوقع هبوطها ، وذلك بأن يعقد الدين بما يلي :
أ. الذهب أو الفضة .
ب. سلعة مثلية .
ج. سلة ( مجموعة ) من السلع المثلية .
د. عملة أخرى أكثر ثباتاً .
هـ. سلة ( مجموعة ) عملات .
ويجب أن يكون بدل الدين في الصور السابقة بمثل ما وقع به الدين ؛ لأنه لا يثبت في ذمة المقترض إلا ما قبضه فعلاً .
وتختلف هذه الحالات عن الحالة الممنوعة التي يحدد فيها العاقدان الدين الآجل بعملة ما مع اشتراط الوفاء بعملة أخرى ( الربط بتلك العملة ) أو بسلة عملات ، وقد صدر في منع هذه الصورة قرار المجمع رقم 75 ( 6 / 8)
ثالثاً : لا يجوز شرعاً الاتفاق عند إبرام العقد على ربط الديون الآجلة بشيء مما يلي :
أ. الربط بعملة حسابية .
ب. الربط بمؤشر تكاليف المعيشة ، أو غيره من المؤشرات .
ج. الربط بالذهب أو الفضة .
د. الربط بسعر سلعة معينة .
هـ. الربط بمعدل نمو الناتج القومي .
و. الربط بعملة أخرى .
ز. الربط بسعر الفائدة .
ح. الربط بمعدل أسعار سلة من السلع .
وذلك لما يترتب على هذا الربط من غرر كثير ، وجهالة فاحشة ، بحيث لا يعرف كل طرف ما له وما عليه ، فيختل شرط المعلومية المطلوب لصحة العقود .
وإذا كانت هذه الأشياء المربوط بها تنحو منحى التصاعد : فإنه يترتب على ذلك عدم التماثل بين ما في الذمة وما يطلب أداؤه ، ومشروط في العقد : فهو ربا .
وهذا القرار من المجلس يوافق ما يفتي به علماء اللجنة الدائمة ، والشيخ عبد العزيز بن باز ، والشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمهما الله – .
قال علماء اللجنة الدائمة :
يجب على المقترض أن يدفع الجنيهات التي اقترضها وقت طلب صاحبها ، ولا أثر لاختلاف القيمة الشرائية ، زادت أو نقصت .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 14 / 146 ) .
وانظر جواب السؤال رقم ( 23388 ) فسؤاله مطابق لسؤالك ، ويكتمل الجواب بما ها هنا وهناك .
والله أعلم
إذا قام الإمام إلى ركعة خامسة
سؤال:
إذا قام الإمام إلى ركعة خامسة في الصلاة ناسيا ، وسبحنا له ولكنه لم يرجع ، فماذا يفعل المأموم ؟
الجواب:
الحمد لله
إذا قام الإمام إلى ركعة خامسة ناسيا ، وجب على المأمومين تنبيهه ليرجع ، فإن لم يرجع ظناً منه أنه على صواب ، لم يجز للمأموم الذي يعلم أنها الخامسة أن يتابع الإمام ويقوم معه ، لأنه بذلك يكون قد زاد ركعة في الصلاة عالماً عامداً ، وهذا مبطل للصلاة .
بل يجلس المأموم ويتشهد ثم يسلم أو ينتظر الإمام ويسلم معه .
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن إمام قام إلى خامسة فسبح به فلم يلتفت لقولهم وظن أنه لم يسه فهل يقومون معه أم لا؟
فأجاب :
"إن قاموا معه جاهلين لم تبطل صلاتهم ، لكن مع العلم لا ينبغي لهم أن يتابعوه ، بل ينتظرونه حتى يسلم بهم ، أو يسلموا قبله ، والانتظار أحسن" انتهى .
"مجموع الفتاوى" (23/53) .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" (7/128) :
" وأما المأموم الذي تيقن أن الإمام زاد ركعة – مثلا- فلا يجوز له أن يتابعه عليها، وإذا تابعه عالماً بالزيادة، وعالماً بأنه لا تجوز المتابعة بطلت صلاته .
أما من لم يعلم أنها زائدة فإنه يتابعه، وكذلك من لا يعلم الحكم" انتهى .
وجاء فيها أيضاً (7/132) :
" من علم من المأمومين أن إمامه قام ليأتي بركعة زائدة كخامسة في الصلاة الرباعية سبح له، فإن رجع فبها، وإلا جلس وانتظر الإمام حتى يسلم بسلامه" انتهى .
والله أعلم
هل يشاهد البرامج التي تقدمها مذيعة سافرة؟
سؤال:
في بعض البرامج التعليمية أو الأخبار يكون المقدم لها امرأة سافرة ، هل يأثم الرجال في مشاهدة هذه البرامج – خاصة وأن المواضيع التي يتحدثون عنها ليست حراماً – ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
يجب على المرأة المسلمة أن تغطي بدنها كله عن الرجال الأجانب ، ولا يحل لها من باب أولى إبداء زينتها كالشَّعر والصدر والذراعين .
وفي جواب السؤال رقم ( 11774 ) تجد حكم تغطية وجه المرأة بالأدلة التفصيلية .
وفي آخر ذلك الجواب ذكرنا مفاسد إظهار الوجه للأجانب ، ومنها : فتنتها بنفسها وبجمالها ، وزوال الحياء عنها ، وافتتان الرجال بها .
فإذا كان هذا هو حكم من أظهرت وجهها ، وهذه بعض آثار ظهوره أمام الأجانب : فماذا سيكون حكم إظهار الصدر والشعر معه ؟! وما هي الآثار التي ستترتب على ذلك ؟! .
ونأسف للحال التي قبلت المرأة لنفسها أن تصبح عليه من كونها سلعة رخيصة يتاجِر بها المرضى من أهل الشر والفساد ، فهل يمكن أن تُختار امرأة للعمل مذيعة في فضائية وليست جميلة ؟! إنه المقياس الأول الذي يُبحث عنه ؛ ليُمتَّع المشاهد بالنظر إليها والتغزل بها ، فكيف رضيت المرأة لنفسها أن تكون محط أنظار الملايين يتأملون بها ، ويغازلونها ، وهل ستكون في نظرهم تلك المرأة الشريفة المحافظة على عفافها وحيائها وهم يرونها تتزين للمشاهدين ما لا تتزينه لزوجها ؟! .
ثانياً:
وأما نظر الرجل إلى وجه الأجنبية وصدرها وشعرها : فلا يجوز أن يشك في تحريمه.
قال النووي رحمه الله:
"ويحرُم نظر رجل بالغ إلى عورة حرة كبيرة أجنبية ، وكذا وجهها وكفها ، عند خوف الفتنة ، وكذا عند الأمن على الصحيح" انتهى .
قال ابن شهاب الدين الرملي رحمه الله شارحاً كلام النووي :
"ووجهه الإمام – أي : الجويني – باتفاق المسلمين على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه ، وبأن النظر مظنة الفتنة ، ومحرك للشهوة".
" نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج " ( 6 / 187 ، 188 ) .
وقال الدكتور محمد إسماعيل المقدَّم :
أجْمَع العُلماء جميعًا – ومِنهم عُلماء المذاهِب الأربَعَة – على وجوب تَغطيةِ المرأةِ جَميعَ بَدَنِها عَن الأجانب ، سواء مَن يَرىَ مِنهم أنَّ الوَجْه والكَفَين عورَةٌ ومَن يَرىَ أنَّهما غَيرُ عورَةٍ ، لَكِنَّه يوجِبُ تَغطيتَهما في هذا الزمان ؛ لفساد أكثر النَّاس ؛ ورِقَة دينِهم ؛ وعَدَمِ تورُّعِهم عَن النَّظَرِ المُحَرَّم إلى وَجْه المرأة الذي هو مَجْمَعُ المحاسِن ، ومِعيار الجَمال ، ومِصباح البَدَن .
" عودة الحِجاب " ( ص 432 ) بتصرف .
وفي " الموسوعة الفقهية " ( 26 / 269 ) .
" إذا كانت المرأة أجنبيّةً حرّةً : فلا يجوز النّظر إليها بشهوة مطلقاً ، أو مع خوف الفتنة ، بلا خلاف بين الفقهاء" انتهى
وفي ( 26 / 270 ) :
" هذا ، وقد اتّفق الفقهاء على أنّ النّظر إلى المرأة بشهوة حرام ، سواء أكانت محرماً أم أجنبيّةً عدا زوجته ومن تحلّ له .
وكذا يحرم نظر الأجنبيّة إلى الأجنبيّ إذا كان بشهوة" انتهى.
والنظرة للأجنبية المعفو عنها في الشرع : هي النظرة التي تكون من غير قصد ، وإذا حصلت تلك النظرة فإنه يجب على الناظر صرف بصره ، ولا يجوز له استدامة النظر ، وكلام العلماء في هذا المنع إنما هو في النظر إلى وجهها ، وأما النظر إلى ما صدرها وشعرها – كما تُخرجه المذيعات – فلا يَشك أحد في تحريمه ، ولا ينبغي أن يُختلف في هذا .
قال تعالى : ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ) النور/30 .
وعموم غض البصر المأمور به المسلم في هذه الآية يشمل العورة التي لا يحل إظهارها إلا لزوجها ، والأعضاء التي لا تُظهرها إلا للنساء والمحارم ، والوجه المختلف فيه بين العلماء .
قال ابن كثير رحمه الله :
"هذا أمرٌ مِن الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم عما حرَّم عليهم ، فلا ينظروا إلا إلى ما أباح لهم النظر إليه ، وأن يغضوا أبصارهم عن المحارم ، فإن اتفق أن وقع البصر على مُحرَّم من غير قصد : فليصرف بصره عنه سريعاً … .
ولما كان النظر داعية إلى فساد القلب ، كما قال بعض السلف : " النظر سهام سم إلى القلب " ؛ ولذلك أمر الله بحفظ الفروج كما أمر بحفظ الأبصار التي هي بواعث إلى ذلك ، فقال : ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ) " انتهى .
" تفسير ابن كثير " ( 6 / 41 ، 42 ) باختصار .
وعن جرير بن عبد الله قال : ( سألت النبي صلى الله عليه وسلم عَنْ نَظَر الفَجْأةِ ؟ فَأَمَرَنِي صلى الله عليه وسلم أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي ) رواه مسلم ( 2159 ) .
وعن بريدة بن الحصيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي : ( يَا عَليّ ، لاَ تُتْبِع النَّظْرَةَ النَّظْرَة ، فَإِنَّ لكَ الأُولَى ، وَلَيْسَت لكَ الآخِرَة ) .
رواه الترمذي ( 2777 ) وأبو داود ( 2149 ) ، وحسَّنه الألباني في " صحيح الترمذي " .
قال ابن القيم رحمه الله :
ونظرة الفجأة هي النظرة الأولى التي تقع بغير قصد من الناظر ، فما لم يتعمده القلب لا يعاقب عليه ، فإذا نظر الثانية تعمّداً : أثم ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم عند نظرة الفجأة أن يصرف بصره ، ولا يستديم النظر ؛ فإن استدامته كتكريره .
" روضة المحبين " ( ص 96 ) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
إذا رأى الرجل المرأة وهي سافرة : فإن عليه أن يغض بصره ، ويصرفه عنها ، فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة فقال : ( اصرف بصرك ) و ( إن لك الأولى وليست لك الأخرى ) ، والمعنى : أنه لا حرج عليه في الأولى التي نظرها صدفة ، ولم يقصدها لما صادفها من باب خارجة ونحوه وهو داخل ، أو في طريق ، فإنه يصرف بصره ولا يتبع النظرة نظرة أخرى ، بل عليه أن يغض بصره .
" فتاوى ابن باز " ( 22 / 208 ) .
وقد سبق في إجابة السؤال رقم ( 22917 ) : فوائد غض البصر ، فلينظر .
والخلاصة :
1. يجب على المرأة المسلمة أن تستر جميع بدنها ، وأن الصحيح أنه يجب عليها ستر وجهها وكفيها .
2. لا يحل لها – من باب أولى – أن تُظهر للأجانب ما تظهره للنساء ولأقاربها المحارم .
3. يحرم على المرأة العمل مذيعة في تلفاز أو فضائية لما يستلزمه هذا العمل من إظهار وجهها وشعرها . … وغير ذلك في الغالب ، واستدامة نظر المشاهدين لها المنافي للأمر بغض البصر.
4. وأولى بالتحريم من خرجت أمام الناس كاشفة شعرها وصدرها وذراعيها ، ولا تخلو هذه المرأة – عادة – من ارتكاب محرمات أخرى كالنمص ، واستعمال أدوات التجميل والعطور أمام الرجال الأجانب عنها .
5. لا يجوز للرجل الأجنبي النظر إلى المذيعة ، وليس له إلا النظرة الأولى ، والتي تكون من غير قصد .
6. لا فرق بين ظهور المذيعة في نشرة الأخبار وبرامج تعليمية ، وبين ظهورها في أفلام ومسلسلات من حيث النظر .
والله أعلم
هل من السنة المصافحة باليدين جميعا ؟
سؤال:
هل من السنة المصافحةُ باليد اليمني فقط ؟ وماذا عن وضع يد المسلَّم عليه بين يدي المسلِّم ( احتواء يد واحدة بين يدين ) ؟
الجواب:
الحمد لله
المصافحة عند اللقاء والسلام من آداب الإسلام وأخلاقه الكريمة ، فهي تعبير عن المحبة والمودة بين المتصافحين ، كما أنها تذهب الغل أو الحقد والكراهية بين المسلمين ، وقد جاء في فضلها حديث عظيم جليل يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ فَيَتَصَافَحَانِ إِلَّا غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا ) رواه أبو داود (5212) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
وقد كانت المصافحة من العادات المشهورة بين الصحابة رضوان الله عليهم .
فعَنْ قَتَادَةَ قَالَ : قُلْتُ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : هَلْ كَانَتْ الْمُصَافَحَةُ فِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : نَعَمْ . رواه البخاري (6263) .
قال ابن بطال : المصافحة حسنة عند عامة العلماء . وقال النووي : المصافحة سنة مجمع عليها عند التلاقي . كما في "فتح الباري" (11/55)
ثانيا :
تقع المصافحة حين يضع الرجل صفح كفه في صفح كف صاحبه ، هذا ما تقتضيه اللغة العربية ، كما في "معجم مقاييس اللغة" (3/229) وغيره ، وعليه تفهم ظواهر الأحاديث السابقة التي جاءت في المصافحة .
ولذا فقد ذهب أكثر أهل العلم إلى أن المصافحة باليد الواحدة هي السنة المجزئة ، وهي العادة المطردة التي كانت بين المسلمين وبين الصحابة رضوان الله عليهم .
يقول الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1/22) في ذكره لفوائد بعض الأحاديث :
" الأخذ باليد الواحدة في المصافحة ، وقد جاء ذكرها في أحاديث كثيرة ، وعلى ما دل عليه هذا الحديث يدل اشتقاق هذه اللفظة في اللغة .
قلت : وفي بعض الأحاديث المشار إليها ما يفيد هذا المعنى أيضا ، كحديث حذيفة مرفوعا :
( إن المؤمن إذا لقي المؤمن فسلم عليه وأخذ بيده فصافحه تناثرت خطاياهما كما يتناثر ورق الشجر ) قال المنذري (3/270) : " رواه الطبراني في " الأوسط " ورواته لا أعلم فيهم مجروحا " قلت : وله شواهد يرقى بها إلى الصحة .
فهذه الأحاديث كلها تدل على أن السنة في المصافحة : الأخذ باليد الواحدة " انتهى .
أما ما ذهب إليه بعض الفقهاء من الحنفية والمالكية من استحباب المصافحة بكلتا اليدين ، فيضع بطن كفه اليسرى على ظهر كف أخيه ، فهذا لم يثبت فيه سنة معتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ، وإنما غاية ما فيه أنه جاء في بعض الأحاديث ما يدل على أخذ النبي صلى الله عليه وسلم يد الصحابي بكلتا كفيه لمزيد عناية من تعليم وإرشاد وغيره ، كما في صحيح البخاري (6265) ومسلم (402) عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : (عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّشَهُّدَ وكَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ ) .
ولكن لم يكن ذلك هو العادة المطردة ، بدليل التقرير السابق في كون الأصل هو المصافحة باليد الواحدة ، وما جاء في بعض الروايات من التصريح بذلك ، بل وفي هذا الحديث دليل عليه أيضا ، إذ لو كانت العادة هي المصافحة باليدين جميعا لما ذكر ابن مسعود تلك الحالة ، فذِكرُهُ لها دليل على أنها لم تكن من عادة النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه .
ومع هذا ، فلا توصف المصافحة باليدين جميعا بأنها بدعة ، بل هي أمر جائز ، غير أن السنة والأفضل الاقتصار على المصافحة بيد واحدة .
فقد جاء عن حماد بن زيد أنه صافح عبد الله بن المبارك بكلتا يديه . كما في صحيح البخاري معلقا (ص/1206).
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (24/125) :
" أما المصافحة باليدين جميعا فلا نعلم فيه شيئا ، ولكنه لا ينبغي ، فالأَوْلى أن يكون بواحدة " انتهى .
وانظر "الموسوعة الفقهية" لفظ (مصافحة)، "تحفة الأحوذي" (7/431-433)
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب