إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا
من يهده الله فلا مُضل له و من يضلل فلا هادي له
و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمداً عبده و رسوله
قال تعالى :
(هَذَا بَيَان لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَة لِلْمُتَّقِينَ)
آل عمران :138
۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞
أخوتى فى الله
خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم
الحمد لله الذي جعل لكل شيءٍ سببا وأنزل على عبدهِ كتاباً لم يجعل له عوجا
فيه من كل شيءٍ حكمة فيه أنباء من قبلكم وخبر من بعدكم
إن فضل قراءة القرآن وتدبر معانيه شيئا عظيما حثتنا عليه آيات الذكر الحكيم والحديث الشريف
فقد جعل الله تبارك وتعالى لكتابه فضلا عاما عظيما يشمل جميع السور والآيات لقوله تعالى :
قال تعالى:
(اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ
ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ)
الزمر:23
وقال جل وعلا:
(وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا )
الإسراء :82
و هذا الموضوع سنلقى فيه الضوء على سور القرآن الكريم من حيث:
1
التعريف بالسورة
2
سبب التسمية
3
محور مواضيع السورة
4
سبب نزول السورة
5
ما أشتملت عليه السورة من تعاليم واحكام وحكم وعبرودلائل وبراهين
يتبع
۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞
سورة الأَنفَالُ
ما معنى الأنفال؟
الأنفال هي الغنائم التي ينفلها اللّه لهذه الأمة من أموال الكفار
وكانت هذه الآيات في هذه السورة قد نـزلت في قصة بدر أول غنيمة كبيرة غنمها المسلمون من المشركين
فحصل بين بعض المسلمين فيها نـزاع فسألوا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عنها
كيف تقسم وعلى من تقسم؟
فأنـزل اللّه سبحانه وتعالى :
(يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ )
الأنفال :1
وللصحابة تعليق لطيف على سورة الأنفال فإنهم يقولون:
فينا نحن معشر أصحاب رسول الله نزلت سورة الأنفال حين اختلفنا على النفل وساءت فيه أخلاقنا
وليس سوء الخلق الذي يتحدثون عنه هو الذي نعرفه اليوم ولكن عبروا عن اختلافهم بذلك لعظيم أدبهم وتواضعهم
(نزلت فيَّ أربعُ آياتٍ . أصبتُ سيفًا فأتى به النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ . فقال :
يا رسولَ اللهِ ! نفِّلْنيه . فقال ( ضَعْه ) ثم قام . فقال له النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ( ضَعْه من حيثُ أخذتَه ) .
ثم قام فقال : نفِّلْينه . يا رسولَ اللهِ ! فقال ( ضَعْه ) فقام . فقال : يا رسولَ اللهِ ! نفِّلْينه .
أأجعلُ كمن لا غناءَ له ؟ فقال له النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ( ضَعْه من حيثُ أخذتَه ) قال : فنزلت هذه الآيةُ :
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلهِ وَالرَّسُولِ )
الراوي: سعد بن أبي وقاص – المحدث: مسلم – المصدر: صحيح مسلم
خلاصة حكم المحدث: صحيح
(أخذ أبي من الخُمُسِ سيفًا . فأتى به النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ . فقال : هبْ لي هذا . فأبى .
فأنزل اللهُ عزَّ وجلَّ : يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلهِ وَالرَّسُولِ )
الراوي: سعد بن أبي وقاص – المحدث : مسلم – المصدر: صحيح مسلم
خلاصة حكم المحدث: صحيح
۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞
محور مواضيع السورة :
سورة الأنفال إحدى السور المدنية التي عنيت بجانب التشريع
ما يتعلق بالغزوات والجهاد في سبيل الله
فقد عالجت بعض النواحي الحربية التي ظهرت عقب بعض الغزوات
وتضمنت كثيرا من التشريعات الحربية والإرشادات الالهية
التي يجب على المؤمنين إتباعها في قتالهم لأعداء الله وتناولت جانب السلم والحرب وأحكام الأسر والغنائم
۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞
التعريف بالسورة :
مدنية ماعدا الآيات من 30 إلى 36 مكية
نزلت بعد سورة البقرة
وهي في ترتيب المصحف بعد سورة الأعراف
عدد آياتها 75 آية
هي السورة الثامنة في ترتيب المصحف
تبدأ السورة بفعل ماضي (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ )
اهتمت السورة بأحكام الأسرى والغنائم ونزلت بعد غزوة بدر
إنه يوم الفرقان
وقد أنزلت هذه السورة بعد غزوة بدر للتعقيب عليها
(لذلك سماها بعض العلماء سورة بدر)
وغزوة بدر هي أول معركة في الإسلام وسماها الله تعالى في هذه السورة بيوم الفرقان
لأنه اليوم الذي فرّق الله به بين الحق والباطل يوم يمثل فرقاً بين عهدين في تاريخ البشرية
عهد كان الإسلام فيه مستضعفاً وعهد سيكون فيه الإسلام قوياً وله أمة قوية تدافع عنه إلى يومنا هذا
لقد كان يوماً عظيماً في تاريخ البشرية لذلك نزلت السورة كلها للتعقيب على ذلك اليوم
ولو كان النصر يقاس بالمقاييس المادية فإن المسلمين لم يكونوا لينتصروا في ذلك اليوم
لأن عدد المسلمين كان ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً ولم يكونوا مهيئين نفسياً أو مجهزين عتاداً للقتال
في حين كان عدد الكفار ما يقرب من ألف مقاتل كامل الجهوزية للحرب.
والجدير بالذكر أنه كان مع المسلمين في هذه المعركة فرسٌ واحد في حين كان مع المشركين ثلاثمائة فرس
فبالمقاييس المادية كان من المستحيل أن ينتصر المسلمين في هذه المعركة
ولكن النصر من عند الله
۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞
إن السورة تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول :
يركّز بشدة على أن منزّل النصر هو الله تعالى
و القسم الثاني :
يتحدث عن الأسباب المادية التي ينبغي الأخذ بها حتى ينزل النصر علينا
وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱلله
إن السورة تتحدث عن القوانين التي يعتمد عليها النصر
وهذا مناسب لجو السورة وسبب نزولها
فبعد أن انتصر المسلمون في بدر نزلت السورة لترسخ للمسلمين الأسباب الكونية للنصر
فهو لا يأتي من قبيل الصدفة ولا العبث وإنما للنصر قوانين مادية وقوانين ربانية
وهذا يعني أن للنصر سببين هامين:
أولا:
لابد أن يكون اليقين بأن النصر من عند الله عز وجل
ثانيا :
هوالأخذ بالأسباب والسعي الجدي لتقريب موازين القوى مع الأعداء
بل والتفوق عليها إن كان ذلك ممكناً ووضع الخطط والدراسات وكل ما له تأثير مادي على النصر
وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱلله
فالآية تشير إلى أن الفعل في التأثير ليس إلا لله الواحدولكن بشرط أن تأخذ بالأسباب ما أمكن
فيجب أن ندرك أن النصربين أمرين:
1- تدبير الله جل وعلا
2- جهد البشر وعمل القدر
فالسورة ترشدنا إلى التوازن بين
أن نؤمن بتدبير الله أولاً وأن نبحث عن الشروط المادية لتحقيق النصر التى تتلخص فى قوله تعالى :
(وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ
وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ)
الأنفال:60
يتبع
۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞
ماترشدنا إليه السورة الكريمة
أهمية الأخذ بالأسباب وأثر ذلك على النصر ومنها :
ترتيب المعركة
الإعداد النفسي للمعركة
التجهيز المعنوي والنفسي للجيش
التجهيز المادى للجيش
حسن أختيارمكان المعركة وزمانها
تحديد موازين القوى المادية ومعرفة قوة العدو
ونجد آيات كثيرة في هذه السورة توفِّق بين مفهوم التوكّل ومفهوم الأخذ بالأسباب
وفي آخر السورة وهو الجزء الثاني والمادي من أسباب النصر والمختص بالأخذ بالأسباب جاءت صفات المؤمنين بأنهم:
قال تعالى :
" ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَـٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱلله وَٱلَّذِينَ ءاوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَـئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقّاً"
الأنفال : 74
وأخيراً ختمت السورة بنسخ حكم الميراث الذي كان متعاملاً به بين الصحابة
وهو أن الأخ يرث أخاه في الله
فالتوارث بين المتآخين كان مرحلة مؤقتة قبل غزوة بدر لتعميق معاني الأخوة بين المؤمنين
فلما جاء النصر وكانت الأخوة من أسبابه تحقق انصهار المجتمع لأن النصر يصلح مشاكل نفسية كثيرة في المجتمعات.
قال تعالى :
(وَالَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنكُمْ وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ
بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )
الأنفال:75
۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞
وهذا تلخيصا لمنهاج السور السبع الاولى
لنعلم كيف تتكامل هذه السور في رسائلها لتكون سلسلة واحدة متماسكة في موضوعاتها
۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞
ولنا لقاء قريب بمشيئة الله مع تدبر
سورة التوبة
تمت الاستعانة ببعض التفاسير المتخصصة
دوما مواضيعك قيمة جدا
بارك الله في مواضيعك ومجهوداتكِ القيمة
جزاكِ الله خيرا وجعلكِ منبرا من منابر الدعوة