في ترتيب الخلفاء
وفي معاملة الله تعالى مع أهل البيت
ليس عندنا من مصادفات الزمان ولا نتيجة لمؤامرة أو تخطيط، أن يخلف النبي e بعد وفاته رجل من بني تيم بدلاً من أن يشغل هذا المنصب فرد من أفراد الأسرة النبوية التي كانت تتمتع من غير شك بأوصاف وفضائل إنسانية عالية، وهو أبو بكر الصديق y، الذي قام بأعباء الخلافة باختيار علمٍ واستحسان من المسلمين، على أنه لم يكن من بني هاشم ولا من بني المطلب، ذلك لكي يتبين للناس ويرسخ في أذهانهم لأول وهلة، أنَّ الإسلام ليس نظاماً وراثياً، ولا قضية عائلية، بل العبرة في الإمامة والخلافة بالكفاءة العملية والخدمات، وباختيار المسلمين وقضائهم .
كما أنني لا أرى من حكم المصادفات أو الاضطرار أن يوكل سادة أهل البيت وفضلاؤهم بعد ذلك إلى فضائلهم وسيرتهم وأخلاقهم وزهدهم وحميتهم الدينية وعزمهم الراسخ فيستحقون بذلك تعظيم الأمة المحمدية ن ويتبوؤن منصب القيادة الدينية والإمامة العلمية، فقد كانت الأمة تقدم إليهم ضريبة الحب والإعجاب، ووفقهم الله سبحانه لنصرة الأمة الإسلامية في أحرج المناسبات عدة مرات، ووقفوا في وجوه أعداء الإسلام حرباً عليهم، ونفخوا في جسم المجتمع الإسلامي قوة وروحاً جديدة بروحانيتهم الصادقة وعزيمتهم الراسخة ((ذلك تقدير العزيز العليم)) .
لقد أسلفنا في الرقم (2) أن الشرط الثالث للنبوة الخالدة أن تكون الصحيفة السماوية الأخيرة التي نزلت على النبي الخاتم والتي تعتبر أساساً لدينه، ومصدراً لتعاليمه ودعوته، ووسيلة دائمة لربط الخلق بخالقه، مصونة سالمة في كل حرف من حروفها ونقطها، وجديرة بالفهم وفي متناول الإنسان، ويستمر عمل قراءتها وتلاوتها وتحفيظها واستحضارها وتفهيمها وتعميمها في كل زمان، دون أن تمسها يد التحريف كالصحف السابقة، ولا أن تودع كأثر تاريخي أو كوثائق ومستندات ووصايا العائلات في طبقة أو أسرة، أو مكتبة خاصة بالنوادر والمخطوطات، فلا تعرض إلا على الخاصة من الناس وهم الذين يطلعون عليها دون غيرها .
إن تصريحات القرآن الكريم في هذا الشأن قطيعة وصريحة، وعندما كان جبريل الأمين يبلغه إلى الرسول الكريم e، وكان الرسول كثير الاهتمام بحفظه وتحفيظه بالنص الأصيل وإبلاغه إلى الآخرين، وعده الله بالجمع والقراءة حيث قال {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة :17- 19]
تشير الآيات إلى جمع القرآن في الصدور وتلاوته كاملة غير منقوصة، ثم تهيئة الأسباب لشرحه وبيانه، ومسؤولية استمراره إلى يوم الدين، ثم لما وصل القرآن إلى الناس وحفظوه كلياً أو جزئياً في البلدان، وحدثت في الزمان ثورات، تولى الله سبحانه مسؤولية صيانة القرآن بألفاظه إلى يوم القيامة، يقول: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9]
جزاك الله خيرا …وجعله في موازين حسناتك …
بارك الله فيكم
وفقنا الله لخدمة دينه ورزقنا الوعي الكامل لطبيعة المرحلة
اللهم زاد الطريق ..
وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم