تخطى إلى المحتوى

الذنوب سبب العقوبات 2024.

الذنوب سبب العقوبات

لا يقع شيء في ملك الله إلا بأمره، وما يصيب الناس من نكبات هو نتيجة أعمالهم، والله حكم عدل، فهم يعيشون تحت رحمة حسناتهم أو نقمة سيئاتهم،
وكلما استقام العبد على شرع الله استقامت له الدنيا على ما ينفعه ولا يضره، فضلا عن الثواب العظيم في الآخرة، ويسر
الله له كل عسير، وخدمه القريب والبعيد، وكثرت في مجتمعه الخيرات،
كما قال تعالى: "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ" "الأعراف 96".
وقال في أهل الكتاب:
"وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاء مَا يَعْمَلُونَ" "المائدة 66".

ولا ينغص عليه نعمته إلا ذنب يصيبه،
قال تعالى:
"فكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنبِهِ"
وقال: "وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ" "الشورى 30".
وقال: "أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" "آل عمران 165"
وقال: "مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ" "النساء 79"…

وعن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر المهاجرين! خصال خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن:
لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا،
ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر
من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوهم من غيرهم فأخذوا بعض ما
كان في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله عز وجل ويتحروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم. ‌

وهكذا تفعل الذنوب، ما حلت نذرها بساحة قوم إلا ساء صباح المنذرين، فانكشفوا عن عدو أباد خضراءهم، واجتاح أرزاقهم،
واستباح حرماتهم، وقيد حرياتهم، وفعل بهم من المنكرات على قدر ما أصابوا من السيئات، وفاتهم من المسرات بحسب
ما فوتوا على أنفسهم من الطاعات، والرب حكم عدل.

وقد تَعْلَقُ ذنوب الرعية بسلطانهم حتى يصيبه منهم بعض ما فيهم، فروى الإمام أحمد عن رجل أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلمفقرأ بالروم فتردد في آية، فلما انصرف قال: إنه يَلبِسُ علينا القرآن أن قوما منكم يصلون معنا لا يحسنون الوضوء، فمن شهد الصلاة معنا فليحسن الوضوء.

قال ابن كثير: وهذا إسناد حسن، ومتن حسن، وفيه سر عجيب، ونبأ غريب، وهو أنه صلى الله عليه وسلم تأثر بنقصان
وضوء من
ائتم به! فدل ذلك على أن صلاة المأموم متعلقة بصلاة الإمام.

وعن عبادة بن الصامت قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبر الناس بليلة القدر، فتلاحى رجلان من المسلمين،
قال النبي صلى الله عليه وسلم: خرجت لأخبركم فتلاحى فلان وفلان، فرُفِعت! وعسى أن يكون خيرا لكم، فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة.

وأي علم هذا الذي أضاعته الذنوب على أهلها؟! فلئن كان هذا الإنساء لا يضر كثيرا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم،
لأنهم مجتهدون في العبادة علموا ليلة القدر أم لم يعلموها، فإن اطلاع أمثالنا عليها يعد من أعظم الغنائم، وتضييعها يعد من أكبر الهزائم، والحكم لله وحده.

قال تعالى:
"وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" "الأنفال 25".
قال الباجي: وقد يذنب القوم الذنب فتتعدى في الدنيا عقوبته إلى غيرهم فيجزى به من لا سبب له في ذلك الذنب، وأما في الآخرة فلا تزر وازرة وزر أخرى.

وقد يرتكب الناس من الذنوب ما يوجب أن يُسلط عليهم شدة السلطان فيغلظ لهم العقوبة، قال ابن تيمية: ثبت عن عمر بن الخطاب
أنه أمر بتحريق حانوت كان يباع فيه الخمر لرويشد الثقفي، وقال: إنما أنت فويسق لا رويشد. وكذلك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
أمر بتحريق قرية كان يباع فيها الخمر.

فالأحوال التي تغيرت في عهد عمر كانت أخف مما كان في عهد علي، لكن ذنوب الرعية أوجبت اجتهاد الخليفتين في أمر كانت عقوبته أخف في أصلها من التحريق بالنار، فسلطت الذنوب على أهلها شدة الخليفتين.

قال الشيخ ابن عثيمين: فكما جاء في الأثر
"كما تكونون يولى عليكم"
فخير القرون لا يولى عليهم إلا من هو خيرهم. ولذلك كان السلف يوصون الناس عند وجود السلطان الظالم بأن يعيدوا
النظر فيما بينهم وبين الله لا أن يخرجوا عليه، فعن الحسن أنه كان يقول زمن الحجاج: اتقوا الله فإن عند الله حجاجين كثيرين.

وعن الحسن البصري أنه سمع رجلا يدعو على الحجاج، فقال له: لا تفعل، إنكم من أنفسكم أتيتم، إنما نخاف إن عزل
الحجاج أو مات أن يتولى عليكم القردة والخنازير، فقد روي أن أعمالكم عمالكم، وكما تكونوا يولى عليكم.

وعن منصور بن أبي الأسود قال: سألت الأعمش عن قوله تعالى:
"وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ" "الأنعام 129"
ما سمعتهم يقولون فيه؟ قال سمعتهم يقولون: إذا فسد الناس أمر عليهم شرارهم. وقال الخليفة عبد الملك بن مروان: ما أنصفتمونا
يا معشر الرعية! تريدون منا سيرة أبي بكر وعمر، ولا تسيرون فينا ولا في أنفسكم بسيرتهما! نسأل الله أن يعين على كل حال.

وقال قتادة: قالت بنو إسرائيل: إلهنا أنت في السماء ونحن في الأرض، فكيف نعرف رضاك من سخطك؟ فأوحى الله تعالىإلى بعض أنبيائهم: إذا استعملت عليكم خياركم فقد رضيت عنكم، وإذا استعملت عليكم شراركم فقد سخطت عليكم.

ولقد سُلط الحجاج على الأمة بظلمه الكبير، ولما رأى الحسن البصري تذمر الناس من ولايته نصح لهم فقال:
إن الحجاج عقوبة من الله لم تك، فلا تستقبلوا عقوبة الله بالسيف، ولكن استقبلوها بتوبة وتضرع واستكانة، وتوبوا تُكْفَوه.

م،ن،ق،من،،ايميلي

لاكي
لاكي بارك الله فيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.