تخطى إلى المحتوى

النفس 2024.

النـــــفــــس

قال الله سبحانه وتعالى حكاية عن يوسف عليه السلاملاكي وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي ) سورة يوسف – 53- .
وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم(( أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك ثم أهلك ثم عيالك )).
وروي أن أعرابيه دعت لرجل فقالت: (( كتب الله كل عدو لك إلا نفسك )) فأخذه بعض الشعراء فقال:

قلبي إلى ما ضرني داعي ……………. يكثر أسقامي وأوجاعي
كيف احتراسي من عدوي …………… إذا كان عدوي بين أضلاعي

فإذا كانت النفس أضر أعداء الإنسان وبلاؤها عليه أشد بلاء يجري به الزمان فحقيق على الإنسان أن يشتغل بمعالجتها وقمعها عن الإنهماك في شهواتها وأن يسيء الظن بها في جميع حالاتها لأن جنس الظن بها ذريعة إلى تحكيمها, وتحكيمها داع إلى سلاطتها وفساد الأخلاق بها.
وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: (( العاجز من عجز عن سياسة نفسه )) وقال بعض الحكماء: (( من ساس نفسه ساد ناسه )) وقال النبي عليه السلام: (( الشديد من غلب نفسه )) وعن عون بن عبدالله أنه قال: (( إذا عصتك نفسك فيما كرهت فلا تطعها فيما أحببت ولا يغرنك ثناء من جهل أمرك )). فيلزم الإنسان أن يشتغل بعلاج نفسه لأن داءها أعضل الداء ودواؤها أشكل الدواء وإنما ذلك لأمرين:
# أحدهما: أنه عدو من داخل, واللص إذا كان من داخل صعبت الحيله فيه وعظم الضرر منه.
# والثاني: أنه عدو محبوب, والإنسان أعمى من عيب محبوبه لا يكاد يبصره. وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (( حبك الشيء يعمي ويصم )).
كما قال الشاعر:

فعين الرضا عن كل عيب كليلة ………… ولكن عين السخط تبدي المساويا

فإذاً يستحسن الإنسان من نفسه كل قبيح ولا يكاد يطلع لها على عيب يدنسها فإذا كان كذلك فما أوشك أن توقعه في فضيحة وهلاك وهو لا يشعر إلا من عصمه الله برحمته وإنما كانت أشد الأعداء لأنها لا يمكن التجرد عنها ولا أن يقهرها بمرة فيشتغل بغيرها لأنها مطيته التي يقطع بها مسافة العمر ولا مطمع له في الموافقه على الطاعه والخير لأنها مجبولة على اتباع الشهوة التي هي معدة كل شيء فحياة الإنسان مقرونة بحياتها وموته متعلق بموتها. كما قال الشاعر:

ولقد همـمـت بـقـتلـها مـن اجـلـها ……….. كيما تكون خصيمتي في المحشر
ثم ارتجعت فقلت روحي روحها ……….. فإذا هـمـمـت بـقـتلـه لــم أقــدر

فلما كان حال النفس هكذا كان الإنسان محتاجاً إلى أن يلجمها بلجام التقوى لتبقى له فلا تطغى وتمرح فيستعملها في الصالح والراشد ويجنبها طرق المهالك والمفاسد لإن هذه النفس دابة جموح ومطية صعبه إن أسرفت عليها في التأديب أهلكتها وأهلكت نفسك وإن أهملتها أضرت بك وصرعتك. فتحتاج إلى طريقة بين طريقتين وتغذيه بقدر ما تحتمل من فعل خير وترك شر فأنت من أمرها في علاج شديد ونظر لطيف.
فإن قيل ما الحيله في تذليل هذه الدابه حتى تنقاد بلجام التقوى فاعلم أن العلماء قالوا: (( إنما تتذلل النفس ويكسر هواها بثلاثة أشياء:
# إحداها: منع الشهوات بالصوم وغيره فإن الدابه الحرون تلين إذا نقص من علفها, ولذلك قال عليه السلام: (( معاشر الشباب من استطاع منك الباءة فليتزوج, ومن لم يستطع فليصم فإن الصوم له وجاء )) يعني خصاء, والمعنى في ذلك أن الصوم يضعف النفس ويكسر شهواتها.
# والثاني: حمل أثقال العبادة عليها, فإن الحمار إذا زيد في حمله مع نقصان علفه تذلل وانقاد.
# والثالث: الاستعانه بالله والتضرع إليه أن يعينك وإلا فلا مخلص لك من شرها. أما تسمع قول الصديق عليه السلام: (( وما أبرىء نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي )) سورة يوسف – 53 -.
فإذا واظبت على هذه الأمور الثلاثة انقادت لك النفس الجموح بإذن الله تعالى, فحينئذ تبادر أن تلجمها وتملك أمرها من شرها فإن قيل: فبين الان ما هو التقوى حتى نعلمه؟
فاعلم أن العلماء قالوا:(( التقوى تبرئة القلب عن ذنب لم يسبق عندك مثله, حتى تجعل العبد من قوة العزم على تركها وقاية بينه وبين المعاصي )) وذلك لأن أصل لفظة التقوى في اللغه هو الوقاء بالواو وهو مصدر وقى يقي وقاية ووقوا. فأبدلت الواو ياء كما هو في الوكلان والتكلان ونحوها فقالوا تقوى, فإذا لما حصلت وقاية بين العبد وبين المعاصي من قوة عزمه على تركها وتوطين قلبه على ذلك فيوصف بأنه متق, ويقال لذلك التنزيه والعزم والتوطين تقوى. والتقوى أصل جامع لخير الدنيا والاخره وهي وصية الله الذي هو أرحم الراحمين وأنصح الناصحين لعباده الأولين والاخرين.
قال الله سبحانه: (( ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله )) سورة النساء – 131 -. ولو كانت في العلم خصلة هي أصلح للعبد وأجمع للخير وأعظم في الأجر من هذه الخصلة التي هي التقوى لكان الله سبحانه أمر عباده بها وأوصى بها خواصه بذلك لكمال حكمته ورحمته, وكأن خيرات الدنيا والأخره جمعت فجعلت تحت هذه الخصله الواحدة التي هي التقوى. وتأمل في القراّن من ذكرها كم علق بها من خير وكم وعد عليها من ثواب وكم أضاف إليه من سعادة يطول ذكر ذلك. ويكفي فيه قول الله تعالى: (( الا ان أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين اّمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخره )) سورة يونس – 63 – ثم الذي يخص هذا الشأن من أمر العباده ثلاثة أصول:
# أحدها: التوفيق والتأييد أولا وهو للمتقين كما قال الله تعالى: (( إن الله مع الذين اتقوا )) سورة النحل – 128 – .
# الثاني: إصلاح العمل وتمام التقصير وهو للمتقين كما قال الله تعالى: (( اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم )). سورة الأحزاب – 70 -.
# الثالث: قبول العمل وهو للمتقين, وقال الله تعالى: (( إنما يتقبل الله من المتقين )) سورة المائده – 27 -.
ومدار العباده على هذه الأمور الثلاثه التوفيق أولاً حتى يعمل, ثم الإصلاح للتقصير حتى يتم, ثم القبول إذا تم. وهذه الثلاثة من أجلها يتفرغ العابدون إلى الله تعالى ويسألون ويقولون ربنا وفقنا لطاعتك وأتمم تقصيرنا وتقبل منا. وقد وعد الله ذلك للمتقين سألوا أو لم يسألوا إلى سائر ما وعد لهم من أصناف الخيرات وأنا أذكر بعضها لتستدل على جملتها.
# منها المدحة والثناء, قال الله تعالى: (( وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور )) سورة آل عمران – 186 –
# ومنها الحفظ والحراسه من الأعداء, قال الله تعالى: (( وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً )) سورة آل عمران – 120 -.
# ومنها النجاة من الشدائد والرزق الحلال, قال الله تعالى: (( ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب )) سورة الطلاق – 2 – .
# ومنها المغفرة, قال الله تعالى: (( اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم )) سورة الأحزاب – 70 –
# ومنها محبة الله تعالى, قال الله تعالى: (( إن الله يحب المتقين )) سورة التوبه – 4 – .
# ومنها الإكرام والإعزاز, قال الله تعالى (( إن أكرمكم عند الله أتقاكم )) سورة الحجرات – 13 –
وبالجملة, إن كل خير وسعاده في الدارين تحت هذه التقوى, رزقنا الله منها أوفر حظ ونصيب.

مشكورة اختى على المعلومات المفيدة
الوسوم:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.