على الإنسان الذي يريد صلاح ظاهره وباطنه أن ينظر في ألفاظه ويتمعن فيها جيدا فان كانت تدل على خير حرص على التلفظ بها و إن كانت تدل على أصلها أو فيما تدل عليه من دلالات على شر وبال على صاحبها ابتعد عنها وحذر منها وأنني لأتكلم في هذا المقام عن الألفاظ لأن اللسان رأس كل بلية ( وهل يكب الناس في النار إلا حصائد ألسنتهم ) فعلى الإنسان العاقل أن يتعهد منطقة في كل ما يرضى الله عزوجل فقد قال تعالى {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} (18) سورة ق
فحري بنا أن ننظر جيدا في ما تدل عليه ألفاظنا ثم نستبدلها بلفظ أولى وأفضل منها
فمن هذه الألفاظ الشائعة قول بعض الناس ضرة او ضرائر فالضر مأخوذ من الضرر وقد نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله ( لا ضرر ولا ضرار ) فضرر المسلم لأخيه المسلم لا يجوز فكيف يتلفظ بهذه اللفظة مع ان الرسول صلى الله عليه وسلم لم يتلفظ بها كما في الحديث لا يحل لامرأة أن تطلب طلاق أختها لتستأثر صحفتها فإنما لها ما قدر لها .
فانظروا إلى المربي بأبي هو وأمي صلوات ربي وسلامه عليه كيف جاء بلفظ أختها بدلا من ضرة فشتان مابين هاتين اللفظتين من دلالات يدركها كل ذي لب .
فالأولى الابتعاد عن هذه اللفظة ضره واستبدالها بلفظ أخت
أو جارة لأن الأخت تدل على الأخوة و المحبة و الجار يدل على الإكرام و الود فقد يقول قائل بأنني أتلفظ بلفظة ضرة لان بعض الزوجات يصدر منهن الضرر لبعضهن الآخر ؟
فأقول حتى لو صدر الضرر فيما بينهن فهل يعقل بأن تأتي أنت فتزيد الطين بله وتطلق عليهن هذه اللفظة ضرة ثم ان ضرر بعض الزوجات لبعضهن الآخر إنما يصدر أولا و آخرا من الرجل فلو كان الرجل صالحا يخاف من الله ويعدل لما حصل ذلك الضرر ألبته بل ستعرف كل واحدة منهن
بأن زوجها لم يهضم من حقوقها شيئا فيرتاح بالها فتعرف بعد ذلك بان زواجه بأخرى إنما هو قضاء وقدر وان المبرر هو قول تعالى { فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ } (3) سورة النساء
من الألفاظ الشائعة بين أوساط النساء خاصة لفظة كشخة و بالرجوع الى معناها تعني الديوث فالأولى الابتعاد عن هذه النقطة واستبدالها بأي لفظ آخر مناسب لها كأن تقول جميلة أو ما أشبه ذلك .
من الألفاظ الشائعة أيضا لفظة شاطر وتقال كثير للأطفال وهي بمعنى قاطع الطريق وبمعنى الخبيث الفاجر واطلاق المدرسين له على المتفوق في الدرس خطأ فينتبه . انتهى
نعم الشاطر في اصطلاح الصوفية هو السابق المسرع إلى الله فانظروا كيف سرى هذا الاصطلاح الصوفي إلى تلقينه الطلاب بل تشجيع فلذات الأكباد بهذا اللفظ الذي لا وقع له في النفس مطلقا فلماذا لا تستبدل هذه اللفظة بلفظة أخرى لها أثرها في النفس لما تدل عليه من دلالات كأن تقول أنت ذكي أو ممتاز أو بارك الله فيك ونحوهما
من الألفاظ الشائعة أيضا لفظ سيستر وقد تكلم عنها الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد حفظه الله فقال هذه اللفظة في اللغة الانجليزية بمعنى الأخت وقد انتشر النداء بها في المستشفيات للممرضات وبخاصة الكافرات وما أقبح المسلم ذي لحية يقول لممرضة كافرة أو سافرة يا ستستر أي يا أختي !!
وأما الأعراب فلفرط جهلهم يقول الواحد منهم مدللا على تحضره نعم على بغضه وكثافة جهله .
ومثله قولهم للرجل سير او مستر بمعنى سيد فعلى المسلم أن يحسب للفظه حسابه و ألا يذل وقد أعزه الله بالإسلام . انتهى .
من الألفاظ التي تكلم عنها فضيلة أيضا لفظة أنا حر فقال إن حكم هذا اللفظ ونحوه أنا حر في تصرفي أو تصرفاتي حسب المقام فان كان في مقام ينهى فيه عن محرم فهي محرمة لأنه مضبوط بالشرع لا بالتشهي و الهوى وان كانت في مقام المباحات فلا باس بها وهكذا . انتهى
من الألفاظ الشائعة أيضا لفظة عليك نفسك فعن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعا أن أحب الكلام إلى الله سبحانك اللهم و بحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا اله غيرك وان ابغض الكلام إلى الله عز وجل ان يقول الرجل للرجل اتق الله فيقول عليك بنفسك رواه البيهقي في شعب الإيمان
كذلك من الألفاظ قول البعض أنا مؤمن أو أنا مؤمن حقا يقول ابن القيم رحمه الله وقد ذهب المحققون في مسألة أنا مؤمن الى هذا التفصيل بعينه فقالوا له أن يقول ( آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله ولقائه و لا يقول أنا مؤمن لان قوله أنا مؤمن يفيد الإيمان المطلق الكامل الآتي صاحبه بالواجبات التارك للمحرمات بخلاف قوله آمنت بالله فتأمله … انتهى
أيضا قريبة منها قول البعض أنا مؤمن عند الله قال ابن أبي حاتم رحمه الله تعالى والناس مؤمنون في أحكامهم ومواريثهم ما هم عند الله عز وجل فمن قال انه مؤمن حقا فهو مبتدع ومن قال هو مؤمن عند الله فهو من الكاذبين ومن قال أني مؤمن بالله فهو مصيب انتهى
وسئل ابن رشد من قال لا يحتاج إلى لسان العرب فقرر في جواب له انه لا يقول إلا جاهل فعليه التوبة إلى الله تعالى ويؤدب ان كان لخلل في دينه نحو كراهيته لغة العرب .
ومن الألفاظ أيضا قول البعض يا غائث المستغيثين فهذا لحن صوابه يا مغيث المستغيثين لأنه من أغاث الرباعي و يقال يا غياث المستغيثين
من الألفاظ الشائعة كثيرا بين أوساط الناس قول يا حمار يا كلب يا تيس
فعن المسيب قال : لا تقل لصاحبك يا حمار او كلب يا خنزير فيقول يوم القيامة أتراني خلقت كلبا أو حمارا أو خنزيرا ؟ قال النووي رحمه الله فصل : ( ومن الألفاظ المذمومة المستعملة في العادة قوله لمن يخاصمه يا حمار يا تيس يا كلب و نحو ذلك فهذا قبيح لوجهين أحدهما انه كذب و الآخر انه إيذاء وهذا بخلاف قوله يا ظالم و نحوه فان ذلك يسامح به لضرورة المخاصمة مع انه يصدق غالبا فقل إنسان إلا وهو ظالم لنفسه ولغيرها انتهى
من الألفاظ أيضا قول البعض فلان ما يستاهل هذا ويقال ما يستحق هذا شرا إذا كان بعضهم مريضا او مصابا وهذا اللفظ اعتراض على الله في حكمه وقضائه وأمر المؤمن كله خير .
من الألفاظ الشائعة أيضا قول البعض الغاية تبرر الوسيلة وقد تكلم الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد عنها فقال حفظه الله هذا على اطلاقة تقعيد فاسد لما فيه من العموم في الغايات و الوسائل فالغاية الفاسدة لا يوصل اليها بالوسيلة و لو كانت شرعية والغاية الشرعية لا يوصل إليها بالوسيلة الفاسدة فلا يوصل إلى طاعة الله بمعصيته نعم الغاية الشرعية تؤيد الوسيلة الشرعية ومالا يتم الواجب إلا به فهو واجب مع ان لفظه تبرر هذا غير فصيح في اللسان والله اعلم .
أيضا تكلم فضيلته عن قوله {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (5) سورة الفاتحة بتخفيف الياء فيهما، فتشديد الياء في الموضعين متعين، و في تخفيفهما قلب للمعنى ، لو اعتقد الإنسان لكفر قال الخطابي ( و مما يجب أن يراعي في الأدعية الإعراب الذي هو عماد الكلام وبه يستقيم المعنى وبعدمه يختلف ويفسد وربما انقلب المعنى باللحن حتى يصير كالكفر إن اعتقد صاحبة كدعاء من دعا أو قراءة من قرأ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (5) سورة الفاتحة بتخفيف الياء من إياك ، فان الايا : ضياء الشمس فيصير كأنه بقول : شمسك نعبد وهذا كفر ، وأخبرني محمد بن بحر الرهني قال : حدثني الشاه بن الحسن : قال : قال أبو عثمان المازني لبعض تلامذته : عليك بالنحو فان بني إسرائيل كفرت بحرف ثقيل خففوه قال الله عزوجل (إني ولدتك فقالوا إني ولدتك فكفروا) انتهى
ومن الألفاظ أيضا قول البعض (لاحول الله) و قد أجاب فضيلة الشيخ محمد العثيمين رحمه الله عن مدى صحة هذه اللفظة فقال( وأما قوله لاحول الله فما سمعت أحدا يقولها وكأنهم يريدون ( لاحول ولا قوة إلا بالله) فيكون الخطأ فيها في التعبير والواجب أن تعدل على الوجه الذي يراد بها فيقال( لاحول ولا قوة إلا بالله ) انتهى
أعزائي القراء :
إذا كانت بعض الألفاظ الشائعة بين أواسط الناس اليوم بالرجوع إلى أصلها في اللغة فإنها تدل على دلالات غير لائقة التلفظ بها فان الرجل لينطق بالكلمة من سخط الله لا يلقي بالا تهوي به في النار أبعد ما بين المشرق و المغرب فكيف بألفاظنا الكثيرة التي يصعب عدها في يوم واحد .
قال الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى ( اعرف من يعد كلماته من الجمعة إلى الجمعة )
فهذا الكلام يدل على قلة كلام ذلك الرجل العاقل العارف وعلى محاسبته لنفسه فان من محاسبة النفس النظر في الألفاظ وخير الناس من تكلم فغنم أو سكت فسلم .
وأخيرا هذه الكلمات المتبقية هي عبارة عن أسئلة لي ولجميع من يقرأ مقالي هذا لماذا نقضي الساعات الطوال على كلام لا داعي له على الهاتف مثلا ؟
وحتى لو كانت دقائق معدودة ترى لو استغللنا هذه الدقائق المعدودة في قول سبحان الله وبحمده مائة مرة فغفرت لنا ذنوبنا وان كانت مثل زبد البحر
هل سنندم بذلك الكنز العظيم الذي حصلناه في هذه الدقائق كلا و الله فنحن بحاجة ماسة الى مغفرة الذنوب والآثام من الله الكبير المتعال .
أوليس عندنا من الغفلة ما يكفينا ,
فقد سال ابن القيم رحمه الله رجلا فقال هل يجوز أن اشتغل بمباح الملاهي؟
فقال له عند نفسك من الغفلة ما يكفيها
ومن ذلك جلوسنا على لحوم الناس و أكلنا أعراضهم مع أن ذلك لا يسمن ولا يغني من جوع !!
يقول عبد الله بن المبارك رحمه الله لو كنت مغتابا أحدا لاغتبت والدي لأنهما أحق بحسناتي من غيرها
وقال أن أردتم أن تغتابوا اغتابوا أبويكم لئلا يرد اجر عملكم إلى الأجنبي بل إليهما
فغيبتنا للآخرين لا تنفعنا بشيء بل تؤخذ من حسناتنا إن كان من حسنات وتعطى لمن تكلمنا عنه في غيبته فنكون كالمنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى
فأوصي نفسي المقصرة ثم من يقرأ كلامي بعدم نسيان كفارة المجلس حتى ولو كان ذلك بعد مجلس ذكر وبالرجوع لكتاب معجم المناهي اللفظية ويليه فوائد في الألفاظ للشيخ بكرابن عبد الله أبو زيد حفظه الله تعالى فهو قيم ومفيد , وسبحانك اللهم ربنا وبحمدك نشهد أن لا اله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك .
المصدر : قافلة الداعيات
جزيتي خيرا وبورك فيكِ .