*نسبه*:
محمد عليه الصلاة و السلام خير الخلق أجمعين و سيد ولد آدم، و أشرفهم حسبا، و أفضلهم نسبا من قبل أبويه معا.
يلتقي نسبه من والديه بكلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر، و هو الملقب بقريش ، و إليه تنسب القبيلة، ثم يرتقي النسب الشريف إلى عدنان.
أبوه:عبد الله بن عبد المطلب بن المغيرة بن قصي بن كلاب …
أمه: آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب…
و قال عليه الصلاة و السلام:"إن الله اصطفى من ولد ابراهيم اسماعيل، و اصطفى كنانة من ولد اسماعيل، و اصطفى قريشا من كنانة، و اصطفى هاشما من قريش ، و اصطفاني من بني هاشم"(رواه مسلم)
و قال أيضا:"بعِثت من خير قرون بني آدم قرنا فقرنا، حتى بعِثت من القرن الذي كنت فيه"(رواه البخاري)
و قال أيضا:"أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، إن الله تعالى خلق الخلق فجعلني في خير خلقه، ثم جعلهم فرقتين فجعلني في خير فرقة، ثم جعلهم قبائل فجعلني في خير قبيلة، ثم جعلهم بيوتا فجعلني في خيرهم بيتا، فأنا خيرهم نسبا، و خيرهم نفسا"(مسند أحمد)
*مولده*:
ولد الرسول عليه الصلاة و السلام بشعب بني هاشم صبيحة الاثنين التاسع من شهر ربيع الأول عام الفيل الموافق العشرين من نيسان571 م. و أرسلت أمه إلى جده عبد المطلب تبشره بحفيده فسماه محمدا، و صار له بعد النبوة خمسة أسماء قال:"إن لي خمسة أسماء ، أنا محمد و أنا أحمد ، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، و أنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر ، و أنا العاقب"
و قال أيضا:"أنا محمد و المقفى و الحاشر و نبي التوبة و نبي الرحمة" (مسلم و أحمد) و نبي الملحمة( الطبراني).
*رضاعه و صباه*:
أول من أرضعه بعد أمه ثويبة مولاة عمه أبي لهب، ثم استرضع
له حليمة السعدية، و رأت من بركته ما قصت منه العجب، حتى إذا كان في السنة الرابعة أو الخامسة من عمره، وقع حادث شق صدره ،و استخرج الملك جبريل علقة هي حظ الشيطان منه، ثم غسله في إناء من الذهب بماء زمزم ثم لَأَمَهُ و أعاده إلى مكانه فخشيت عليه حليمة و أعادته إلى أمه فكان عندها حتى بلغ ست سنين.
*وفاة والده و جده*:
خرجت به أمه تزور قبر والده بيثرب، و عند عودتها ماتت بالأبواء بين مكة و المدينة، فكفله جده عبد المطلب ، بحنانه و حبه حتى بلغ ثماني سنوات فتوفي جده ، و كفله عمه أبو طالب.
*في رعاية عمه*:
نهض عمه بحقه على أكمل وجه فوق أربعين سنة يحميه و يخاصم من أجله، و أقحطت مكة فاستسقى عمه بوجهه الغمام فانفجر الوادي و أخصب، و ارتحل به عمه إلى الشام تاجرا، و هو ابن اثني عشر عاما فالتقاه بحيرا الراهب و تعرف به صفات النبوة،فنصح عمه ألا يقدم به الشام خوفا عليه من اليهود، فرده عمه مع بعض غلمانه إلى مكة.
و لما وقعت حرب الفجار بين قريش و قيس عيلان، شارك الرسول عليه الصلاة و السلام في تجهيز النبل للرمي لعمومته، و أبرمت قريش إثر هذه الحرب حلف الفضول لمناصرة المظلومين فشهده النبي و قال:"لقد شدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم، و لو أدعى به في الإسلام لأجبت"(سيرة ابن هشام)
*كفاحه و شبابه*:
عمل في أول شبابه برعي الغنم،و تاجر و هو في الخامسة و العشرين من عمره بمال خديجة بنت خويلد، فوجدت من أمانته و بركته ما دعاها إلى الزواج منه ، و هي أفضل نساء قومها نسبا و ثروة و عقلا، و كانت أول امرأة تزوجها و عمرها أربعون عاما ،و لم يتزوج عليها غيرها في حياتها.
*التحكيم و الحجر الأسود*:
أعادت قريش بناء الكعبة ،و اختلفوا فيمن يضع الحجر الأسود مكانه ، فاحتكموا إلى النبي عليه الصلاة و السلام، فأمر بوضع الحجر في رداء يرفعه رؤساء القبائل، فلما أوصلوه إلى موضعه أخذه بيده، و وضعه مكانه بحصافة رضي بها القوم.
*سماته قبل البعثة*:
امتاز بأخلاق فاضلة و شمائل كريمة بها قومه،فهو الصادق الأمين الخلوق الصائب الفكر ، سديد النظر و الوسيلة و الهدف ،الفطن المشارك في محاسن قومه ، و المعتزل أباطيلهم و أوثانهم ، وقد حماه الله من لهو الجاهلية و مساوئها.
ولما قارب الأربعين صار يخلو شهرا في غار حراء ، يقضي حوائج قاصديه ، و يتعبد و يفكر و يتأمل في الوجود و ما وراءه، حتى اختاره الله لرسالته و هداية العالمين.
*محمد نبيا و رسولا*:
لما بلغ محمد الأربعين من عمره، اختاره الله تعالى ليكون آخر أنبيائه و خاتم رسله بشيرا و نذيرا إلى الناس كافة يتنزل عليه جبريل بالوحي من رب العالمين، و يقول له:اقرأ، فيجيبه الرسول: ما أنا بقارئ ، قال الرسول عليه الصلاة و السلام: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال:اقرأ، فقلت : ما أنا بقارئ ، فأخذني فغطني الثانية ثم أرسلني فقال:اقرأ، فقلت : ما أنا بقارئ ، فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال:<اقرأْ باسمِ ربّكَ الذيْ خلقَ _ خلقَ الإنسانَ منْ علقٍ _ اقرأ و ربّكَ الأكرمُ _ الذي علّمَ بالقلمِ _ علّم الإنسانَ ما لمْ يعلمْ>(العلق 961-5)
فرجع بها رسول الله عليه الصلاة و السلام يرجف فؤاده فيدخل على خديجة رضي الله عنها: فقال:"زملوني، فزملوه و أخبرها بالخبر و قال:لقد خشيت على نفسي"(رواه البخاري)
و فتر الوحي ثم عاد و حمي و تتابع بمراتبه من الرؤية الصالحة إلى ما يلقيه الملك في روعه دون أن يراه ، إلى أن يتمثل له رجلا يخاطبه حتى يعي عنه ما يقول، و في هذه المرتبة كان يراه الصحابة أحيانا، أو يأتيه مثل صلصلة الجرس أو يرى الملك في صورته التي خلق عليها ، أو ما أوحاه الله إليه و هو فوق السماوات ليلة المعراج من فرض الصلاة أو غيره ، إلى كلام الله له منه إليه بلا وساطة ملك ، مما ثبت ذلك في حديث الإسراء.
*أمره بالنبوة و الرسالة*:
قال تعالى:<يا أيّها المّدثرُ _ قمْ فأنذرْ _ و ربّكَ فكبّرْ _ و ثيابك فطهّرْ ـ و الرّجزَ فاهجرْ _ و لا تمننْ تستكثرُ _ و لربّك فاصبر> (المدثر 741-7)
وجعله نبيا و رسولا للناس كافة ، قال تعالى :<قلْ يا أيّها النّاسُ إنّي رسولُ اللهِ إليكمْ جميعا الذي له ملكُ السّمواتِ و الأرضِ لا إلهَ إلّا هوَ يحيي و يميتُ فآمنوا باللهِ و رسولهِ النّبيّ الأمّيِّ الذي يؤمن بالله و كلماتهِ و اتّبعوهُ لعلّكم تهتدونَ> (الأعراف 7158)
و قام النبي بأعباء الرسالة في مكة خلال ثلاث عشرة سنة تقريبا، بدأها بالدعوة السرية لألصق الناس به ، ثم اجتمعوا سرا في دار الأرقم ، يصلون فيها الصلاة المفروضة أولا ركعتين في الغداة و في العشي،و علمه كيفيتها و كيفية الوضوء قبلها جبريل عليه السلام.
ثم أمر بالجهر بالدعوة و بمهاجمة الباطل و الأصنام فدعا أهله أولا ، ثم بطون قريش ثانيا ، فتصدى له عمه أبو لهب و أساء إليه فنزلت فيه سورة المسد و تولى الوليد بن المغيرة تكذيبه فنزلت فيه الآيات"<إنّهُ فكّر و قدّرَ _ فقُتِلَ كيف قدّرَ _ ثمّ قُتِلَ كيف قدّر _ ثمّ نظرَ _ ثمّ عبسَ و بسرَ _ ثمّ أدبرَ و استكبرَ _ فقالَ إنْ هذا إلّا سحرٌ يؤثرُ _ إن هذا إلّا قولُ البشرِ _ سأصليهِ سقرَ> (المدثر 7418_26)
و صبر النبي عليه الصلاة و السلام على تنوع أساليب قريش في مهاجمة الدعوة و السخرية منها و تشويهها و معارضة القرآن بأساطير الأولين ، إلى مساومات مضحكة ، و اضطهادات و إيذاءات للنبي و أصحابه ، مما جعل الرسول يدعو على زعماء الإيذاء أبي جهل و رهطه، فصرعوا جميعا في غزوة بدر .
وكان أبو طالب عم الرسول يحميه و يمنعه فهددته قريش بمنازلته و ابن أخيه، ثم أعلنوا المقاطعة العامة لبني هاشم و بني المطلب كافرهم ومسلمهم ، و حاصروهم في شعب أبي طالب ثلاثة أعوام حتى نقضت صحيفة المقاطعة و انفك الحصار، و يموت أبو طالب و يتوفى الله خديجة زوج النبي فتتراكم الأحزان عليه ، و يجابه النبي و المسلمون الأحداث بالصبر و الثبات .
* أحداث الدعوة قبل الهجرة*:
تفاقمت اضطهادات قريش للنبي صلى الله عليه و سلم و أصحابه، فأمر بعضهم بالهجرة الحبشة و عرض نفسه على أهل الطائف فآذوه ، و استجاب له نفر من أهل يثرب ، و أكرمه الله تعالى برحلة الإسراء و المعراج حيث فرضت الصلوات الخمس على المسلمين .
و بدأ الإسلام ينتشر في يثرب ، و يهاجر مسلمو مكة إليها ، فتقرر قريش قتل النبي بضربة واحدة من سيةف فتيانها.
فيأذن الله تعالى له بالهجرة إلى المدينة المنورة، فيقيم علي بن أبي طالب مكانه في سريره ليؤدي الودائع إلى أصحابها المكيين ،و ينطلق و صاحبه أبو بكر الصديق سرا إلى المدينة.
و يكمن الرسول و صاحبه في غار ثور و يتعقبهما القرشيون فيعمي الله أبصارهم عنهما ، و يدركهما سراقة بن مالك فيعجز عن إيذائهما و يطلب الأمان.
و تقع في طريق الهجرة أحداث عجيبة ومنها خيمة أم معبد ، إذ تأذن للرسول في حَلْب شاة هزيلة فيدر لبنها و يشرب و من معه، ثم يحلبها ثانية و يترك الإناء مليئا من تلك الشاة العجفاء ، و يزل بقباء فيقيم فيه مسجدا يصلي فيه ،و يلحقه إليها علي بن أبي طالب و تزحف المدينة لتحيته و استقباله أروع استقبال بالتحميد و التكبير و الغناء و السرور ، و ينزل في بيت أبي أيوب الأنصاري حيث توافيه زوجته سودة و بنتاه فاطمة و أم كلثوم و أسامة بن زيد و أم أيمن، و عيال أبي بكر و منهم عائشة ، و بقيت ابنته زينب فلم يمكنها زوجها أبو العاص من الهجرة إلى ما بعد بدر.
و كانت بيئة المدينة فاسدة صحيا فدعا الرسول عليه الصلاة و السلام لها بقوله :"اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد حبا ، و صححها ، و بارك في صاعها و مدها ، و انقل حماها و اجعلها بالجحفة"(رواه البخاري"
*محمد عليه الصلاة و السلام في المدينة المنورة*:
كانت الهجرة تعني بناء مجتمع جديد آمن، يتطلب من كل مسلم الإيمان الحق بالإسلام و التخلق بأخلاقه ، و العمل على رفعة شأنه ،و لذلك بدأ الرسول أعماله في المدينة ببناء المسجد النبوي و المؤاخاة بين المهاجرين و الأنصار في أروع عمل سجله التاريخ، و أعلن ميثاق التحالف الإسلامي و قضى على النزعات الجاهلية و القبلية، و ربى الصحابة على الإسلام ، فكان منهم أعظم مجتمع على وجه الأرض.
و أبرم معاهدة مع اليهود رسخ فيها علاقات المسلمين بغيرهم في المدينة عاصمة الدولة الإسلامية.
و قضى الرسول بقيادته الحكيمة على القلاقل و الفتن الداخلية و الخارجية لاستئصال الإسلام، و انكشف المنافقون، و أذن الله تعالى للمسلمين بالقتال فكانت غزوة بدر الكبرى أول معركة فاصلة _ نصر الله بها نبيه على قريش.
و خالف الرماة أوامر النبي قائدهم في غزوة أحد ، فحلت الهزيمة بالمسلمين، غير أن الرسول بحكمته و صبره و صموده مع من معه من المؤمنين قاموا ببطولات نادرة ، أنقذوا الموقف ، و انكفأ المشركون على مواعدة التلاقي العام المقبل في بدر.
و تتابعت الغزوات و السرايا و المعارك ، و الحرب سجال، حتى صلح الحديبية ، فكانت الهدنة مع الوثنيين و انتهت بفتح مكة، و تفرغ الرسول بعدها لمكاتبة الملوك و الأمراء ، فمنهم من أسلم و منهم من أرسل الهدايا و لم يسلم، و منهم من تمرد فأزال الله تعالى ملكه.
و بدأ الناس يدخلون في دين الله أفواجا حتى انتهاء حياة الرسول الكريم.
و إذا كانت المآثر تعني القدم في الحسب ، و ذكر المكارم و المفاخر من قوم عن قوم، فإن فيما قدمناه آنفا من أصالة نسب النبي عليه الصلاة و السلام ، و قيامه بأعباء الرسالة ، و جهاده و صبره و ثباته ، ما يجعلنا نأتسي به لنصل إلى قمة المجد و العزة في الدنيا و الآخرة ….
من كتاب والدتي رحمها الله"محمد عليه الصلاة والسلام..مأثره وشمائله"