ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بـســم الله الـــرحـمــن الرحيـــــم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مـن عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى مـن يراه
ويطلع عليـه من إخواني المسلميـــن وفقني الله
وإيــاهم لمـا يرضيه وجنبني وإياهم مساخطه
ومعاصيه آمين . أما بعد .
فإن وصيتي لكل مسلم تقوى الله سبحانه وتعالى
فـي جميع الأحوال وأن يحفظ لسانه عــن جميـع
الكلام إلا كلاما ظهرت فيـه المصلحة ; لأنـه قــد
ينجر الكــلام المباح إلـى حرام أو مكروه ، وذلك
كثير بين الناس قال الله سبحانه وتعالى(مَا يَلْفِظُ
مِــن قَـوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيــبٌ عَتِيدٌ ) وقــال تعــالـى
( وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْــسَ لَكَ بِــهِ عِـلـْمٌ إِنَّ السَّــمْـــعَ
وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً)
وقــال صــلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق
عـليـه عن أبي هريرة رضي الله عنه " مـن كان
يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت"
وهنــاك أشياء قــد يجــرهـا الكلام ينبغي التنبيه
عليها والتحذير منهــا لكونها مـن الكبائر التــي
توجب غضـب الله وأليم عقابه وقــد فشت فــي
بعض المجتمعات من هذه الأشياء :
1- الغيبة : وهـي ذكرك أخاك بما يكره لـو بلغه
ذلك ســواء ذكرته بنقص في بدنــه أو نسبـه أو
خلقه أو فعله أو قوله أو فــي دينه أو دنياه بــل
وحتـى في ثوبه وداره ودابته . فعن أبـي هريرة
رضــي الله عنه أن رسول الله صــلى الله عليــه
وســـلم قـال : « أتدرون ما الغيبة ؟ قالوا : الله
ورســولـه أعلـم ، قال : ذكرك أخاك بما يكره ،
قـال : أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قـال :
إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لـــم يكـن
فيه ما تقول فقد بهته » رواه مسلم .
والغيبة محرمة لأي سبـب مــن الأسباب ســواء
كانــت لشـفــــاء غـيــظ أو مجــامـلـــة للجلساء
ومساعدتهم عــلى الكــــلام أو لإرادة التصنع أو
الحسد أو اللعب أو الهزل وتمشية الوقـت فيذكر
عيوب غيره بما يضحك . وقد نهى الله سبحانـه
وتعــالى عنـهــا وحذر منهـــا عباده فــي قولــه
عز وجل ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ
الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب
بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيـــهِ
مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ)
وفـي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنــه أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال« كل المسلم
عـلـى المسلم حرام دمه ومالـه وعرضه » رواه
مسلم . وقال صلى الله عليه وســلم فــي خطبته
فــي حجــة الـــوداع « إن دماءكم وأمــوالكــــم
وأعراضكم حـرام عليكـم كحرمة يومكم هــــذا ،
فــي شهركم هذا في بلدكم هذا ، ألا هل بلغت »
رواه البخاري ومسلم … والأحاديث الثابتة عن
رسـول الله صــلى الله عليــه وسلـم في تحريم
الغيبة وذمها , والتحذير منها كثيرة جدا .
2 – مما ينبغي اجتنابـه والابتعاد عنــه والتحذير
منه ( النميمة ) التي هي نقل الكلام مـن شخص
إلـى آخر . أو من جماعة إلـى جماعة . أو مــن
قبيلة إلى قبيلة لقصـــد الإفساد والوقيعة بينهــم
وهـي كشف ما يكره كشفه سواء أكــره المنقول
عنه أو المنقول إليـــه . أو كره ثالث ، وســواء
أكـان ذلك الكشف بالقول أو الكتابة أو الرمز أو
بالإيماء , وسـواء أكان المنقول من الأقوال أو
الأعمال , وسواء كان ذلك عيبا أو نقصا في
المنقول عنه أو لم يكن .
فيجب أن يسكت الإنسان عــن كـل مـا يراه مــن
أحــوال الناس إلا مـا فــي حكايته منفعة لمسلم
أو دفع لشر .
والباعث عـلى النميمة إمـا إرادة السوء للمحكي
عنه أو إظهار الحب للمحكي عليه أو الاستمتاع
بالحديث والخوض في الفضول والباطـــل وكــل
هذا حرام ,وكل من حملت إليه النميمة بأي نوع
مـن أنواعها يجــب عليــه عــدم التصديق ; لأن
النمام يعتبر فاسقا مردود الشهادة قال الله تعالى
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَــاءكُـــمْ فَاسِـــقٌ بِنَـبَأٍ
فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ ) الحجـرات6 ،
وعلــيه أن ينهاه عـن ذلك وينصحه ويقبح فعله
لقوله تعالى ( وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ)
وأن يبغـضــه فــي الله وألا يظن بأخيـه المنقول
عنــه السوء بل يظن به خيــرا لقــولــه تعــالـى
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُــوا اجْتَنِبُوا كَثِيــراً مِّــنَ الظَّنِّ
إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ )ولقول النبي صلى الله عليه
وسلم « إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث»
متفق على صحته .
وعـليـه ألا يتجسس عــلى مــن حكي لــه عنــه
وألا يرضى لنفسه ما نهــى عنــه النمام فيحكي
النميمة التي وصلته .
وأدلة تحــريـم النميمة كثيرة من الكتاب والسنة
منهـا قــوله تـعالى ( وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ ،
هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ ) وقولـــه تعــالى ( وَيْلٌ لِّكُلِّ
هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ )
وعن حذيفة رضي الله عنه قال قال رســـول الله
صلى الله عليه وسلم : « لا يدخل الجنة نمام »
متفق عليه . وعن ابن مسعود رضي الله عنــه
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال « ألا أنبئكم
ما العضه ؟ هي النميمة القالة بين الناس »
رواه مسلم .
والنميمة من الأسباب التي توجب عذاب القبـــر
لما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال«إنهما
يعذبان وما يعذبان في كبير ، ثم قال : بلى كان
أحدهما لا يستتر من بوله وكـــان الآخر يمشي
بالنميمة » متفق عليه .
وإنمــا حرمت الغيبــة والنميمة لمــا فيهــما من
السعــي بالإفساد بيــن النــاس وإيجـــاد الشقاق
والفوضى وإيقاد نار العـــداوة والغـل والحســـد
والنفاق وإزالــة كــل مودة وإماتة كــل محبــــة
بالتفـريـــق والخصام والتنافـر بيـــن الأخـــــوة
المتصافين ، ولما فيهما أيضا من الكذب والغدر
والخيانة والخديعة وكيل التهـــم جزافا للأبرياء
وإرخاء العنان للسب والشتائم وذكــر القبائح ،
ولأنهما من عناوين الجبن والدناءة والضعف ،
هذا إضافة إلــى أن أصحابهما يتحملون ذنوبــا
كثيرة تجر إلى غضب الله وسخطه وأليم عقابه
3 – وممـا يجــب اجتنابه والبعــد عنــه الخصلة
الذميمة ألا وهــي الحســد ، وهــي أن يتــمــنـى
الإنسـان زوال النعمة عن أخيه في الله سبحانـه
سـواء أكانت نعمة دين أو دنيا . وهذا اعتراض
على ما قضاه الله وقسمه بيــن عبـاده وتفضــل
بـه عليهـــم ، وظلـم من الحاسد لنفسه فينقص
إيمانه بذلك ويجلـب المصائب والهموم لنفســه
ويفتك بها فتكا ذريعا . قال الله سبحانه وتعالى
( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّــاسَ عَــلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِــن
فَضْلِهِ ) النساء54 ، وعــن أبي هــريرة رضي
الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قـــال :
« لا تحاسـدوا ولا تبــاغضــوا ولا تـــدابـــروا
ولا تناجشوا ولا يبع بعضكم على بيع بعــض
وكونوا عباد الله إخوانا » رواه مسلم …
4 -كما أنه ينبغي الابتعاد عن الظلم وهو الجور
ووضــع الشـيء فــي غيــر موضعه الشرعي ،
وأكبره الشرك بالله سبحانـه وتعــالى ومبارزته
بالمخالفة والمعصية قال الله سبحــانه وتعــالى
( إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) لقمان13 ، وقال عز
وجـــل ( وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) البقرة254
وكذا أخذ مال الغير بغير حق أو اغتصاب شيء
من أرضه أو الاعتداء عليه وهو أيضـــا كبيرة
من الكبائر ومعصية لله ، وهـــو والعـــياذ بالله
ناشئ عـن ظلمة في القلب لأنه لو استنار قلبه
بنور الهدى لاعتبر قال الله سبحــانـه وتعـــالى
( مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ) غافر
وقـال تعالى ( وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ ) الحج
وقال تعالى ( وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ
الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيــَوْمٍ تَشْخَـصُ فِيــــهِ
الأَبْصَارُ ) إبراهيم42 ، وقـــال تعالى ( وَمَن
يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً ) الفرقان19 .
وفي صحيح مسلم عن أبي ذر رضــي الله عنــه
عـن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال « يقول
الله تعــالى : يا عـبادي إني حرمت الظــلم عــلى
نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا»الحديث
وعن جابر رضي الله عنه أن رســول الله صــلى
الله عليـه وسلــم قــال « اتقــوا الظلم فإن الظلم
ظلمات يوم القيامة »الحديث . وعن عبد الله بن
عمـرو بن العاص رضــي الله عنهــما أن النبــي
صلـى الله عليه وسلــم قــال «المسلم من سلـــم
المسلمون من لسانه ويده ، والمهاجر مـن هجر
ما نهى الله عنه » متفق عليه . وهذه الأحاديث
وما جاء فـي معناها تدل على وجوب الحذر من
الظلم فــي الأنفس والأعراض والأموال لمـا في
ذلك مــن الشر العظيم والفساد الكبير والعواقب
الوخيمة ، كما تدل عـلى وجوب التوبة إلى الله
سبحانه مــما سلــف مـن ذلك والتواصي بترك
مــا حـرم الله مــن الظلـم وغيــره مــن سائر
المعاصي .
وفقنــي الله وإيــاكــم لمحاسن الأخلاق وصالــح
الأعمــال وجنــبنا مساوئ الأخــلاق ومنكـــرات
الأعمال وهــدانا صراطه المستقيم إنــه جـــواد
كريم . وصــلى الله وسلم على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه . . .
مجموع فتاوى العلامة عبد العزيز بن باز ( بتصرف )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ