تخطى إلى المحتوى

وجوب وقاية النفس والأهل من النار 2024.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بـســم الله الـــرحـمــن الرحيـــــم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بســم الله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، أما بعد :

فيقول الله جل وعلا في كتابه الكريم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا

قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا

مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَـــــا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ

مَا يُؤْمَرُونَ)التحريم6، يأمر الله سبحانه عباده المؤمنين

بأن يقوا أنفسهم وأهليهم عذاب الله وذلك بتقــــوى الله

وإلزام الأهل بها ؛ فالوقاية مـن النار تكون بتقوى الله ،

والاستقامة على دينه ، وهكذا مع أهلك توصيهم بتقوى

الله والاستقامة علــى دينــه مـــن والدين وأولاد وإخوة

وسائر الأقارب، وذلك بالتواصي بالحق، والتعاون على

البر والتقوى، وبالتناصح والأمر بالمعروف والنهي عن

المنكر – هكــــذا المؤمن مع أهله ومع إخوانه المؤمنين

ومع غيرهم- بالدعوة إلى الله عز وجل، يسعى في وقاية

نفسه ، وفي وقاية غيره من عذاب الله ، وهـــذا الأمــــر

يحتاج إلى صبر، وإخلاص لله وصدق، ومداومة ، فأحق

الناس ببرك وإحسانك أهلك وقراباتك كمــا قال صلى الله

عليـــــه وسلـــم " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ،

فالإمام راع ومسئول عن رعيته والرجل راع فـــي أهله

وهـو مسئول عن رعيته "(1) ، وأعظم الرعاية العناية

بمـا يتعلق بنجاتهم من عذاب الله ، بأن توصيهم بتقوى

الله وأن تلزمهم بأمــر الله وأن تحذرهم من محارم الله ،

وأن تستمر في هذا الخير العظيم حتى تلقى ربك كما قال

الله عز وجل في كتابه الكريم ( وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ

بِهِ شَيْئاً)ثم قال سبحانه(وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى

وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ )النساء36، فأمر سبحانه بعد حقه

وهـو توحيده والإخلاص له وترك الإشراك به ، أمر بعد

ذلك بالإحسان إلــــى الوالدين والأقارب وهم أهل بيتك ،

فالواجب علـــى كل مسلم أن يهتم بهذا الموضوع ، وأن

يحرص أن يكـون سببـــا لنجاتهم يـوم القيامة بسبــــب

نصيحته لهـم وقيامه عليهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم

عــن المنكر ، وهكـــذا يجب على المسلم أن يكون كذلك

مــــع إخوانه المسلمين ، وأن يكــــــون ناصحاً مبصراً

موجهاً إلى الخير يرجو ثواب الله ويخشى عقابه ؛ كمــا

قــــال سبحانه ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء

بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ)التوبة71

هكذا المؤمنون فيما بينهم ومع أهليهم، يقومون بالواجب

مــــع أهليهم ويقومون بالواجب مـــع إخوانهم المسلمين

يرجون ثواب الله ويخشون عقاب الله ، وقد قال الله لنبيه

عليــــه الصــلاة والســلام ( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ

عَلَيْهَا ) وذكــر سبحانه عن نبيه ورسوله إسماعيل عليه

الصلاة والسلام أنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا،

وكـان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا،

وذلك في قوله تعالى في سورة مريم ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ

إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً ،وَكَانَ

يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً ) ؛

فأهلك وأولادك وقراباتك أحق النــــاس ببرك وإحسانك ،

وبالسعي لخلاصهم من النار ، فهـــذا من أعظم الإحسان

إليهم عملا بالآية السابقة وهـــــي قــوله تعالى ( يَا أَيُّهَا

الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً ) فهذا الأمر العظيم

أهم من أن تعطيهم الدراهم والدنانير وما يحتاجون إليـه

في الدنيا ، فالسعي في خلاصهم من عذاب الله ونجاتهم

من غضب الله يوم القيامة أمر مهم وعظيم ، والإحسان

إليهم بالصدقات وبالنفقة من جملة الخير الـــــذي أنـــت

مأمور به ، ولكن الأهم من ذلك أن توصيهم بطاعة الله،

وأن تلزمهم بمــــا أوجب الله عليهم حسب طاقتك ، وأن

تمنعهم مما حرم الله عليهم ، وأن تستقيم في ذلك، وأن

تكون أسوة حسنة ، وقدوة طيبة في كل خير ، فتـبـــدأ

بنفســـــك ، حــتــى يتأسوا بك في كل خير ، ومــن ذلك

المسارعة إلــى الصلاة والمحافظة عليها في الجماعة ،

وفـي حفظ لسانك عمــا لا ينبغــي ، وفي إكرام الأقارب

والجيران ، وفــي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،

وفـي الدعوة إلى الله ، وفي غير ذلك من وجوه الخير .

تكـــون قدوة حسنــــة لأهل بيتك ولجلسائك ولزملائك

وجيرانك ، وهـــذا المقام يحتاج إلى صبر وإلى إخلاص

لله وصدق فهو مقام عظيم: مقام دعوة، لرشاد ونصح،

مقام سعي في خلاصك وأهلك من النار عملا بقـول الله

سبحانـه ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً

وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ) الآية ، ناداهم الله سبحــانه

بوصف الإيمان لأن الإيمان يأمرهم بهـــذا الأمـــــــر

ويدعوهم إليه وإن كان الأمر واجبا على الجميع .

فكل المكلفين واجب عليهم أن يتقوا الله وأن يجتهدوا في

خلاصهم وخلاص أهليهم وكل الناس من عذاب الله، فكل

مكلف مأمور بذلك ، لكن أهل الإيمان أخص بهذا الأمر ،

والواجب عليهم أعظم؛ لأنهم آمنوا بالله وعرفوا ما يجب

عليهم ، فالواجب عليهم أعظم ، ولهذا خاطبهم سبحــانه

بقــوله ( يَا أَيُّهَا الّـَذِيـــنَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً

وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) فاحذروا أن تكونوا من وقودها

ثم قال سبحانه (عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ

مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) المعنـى أنهـــم ينفذون

مــا أمروا به ليسوا مثل أهل الدنيا قد يخونون وقد تنفع

فيهم الرشوة ، أمـــا هؤلاء الملائكة فلا يمكن أن يتركوا

ما أمروا به بل ينفذون ما أمروا بــه مـــن إدخالك النار

أنت وغيرك، فاحذر أن تلقى ربك وأنت على حال تغضب

الله سبحانه عليك وتوجب دخولك النار، ولا بد من عناية

مستمرة بهذا الأمر ، وصدق وإخلاص ، وسؤال لله جـل

وعلا بأن يعينك ، وأن يمنحك التوفيق ، ويجب أن تكون

قدوة صالحة لأهلك ، ليروا منــــك المسارعة والمسابقة

إلى الخيرات حتى يتأسوا بك في الخير ، ولا بد أن يروا

منك أيضـــاً الحذر من السيئات والبعد عنها حتى يتأسوا

بك في ترك الشر ، وهــذه الدار دار مجاهدة ، ودار صبر

وتعاون علـــى الـبـر والتقـــوى وتواص بالحق والصبر

عليه ، أمـــــــا الدار الأخرى فهي دار الجزاء عما عملت

من خير أو شر ، وهـــذه الـــدار أعني دار الدنيا هي دار

العمل، ودار الإعداد، ولهذا يقول سبحانه (وَالْعَصْرِ ، إِنَّ

الْإِنسَانَ لَفِــي خُسْرٍ ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ

وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ) ويقــول سبحانه :

( وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَـى الإِثْــمِ

وَالْعُدْوَانِ ) ويقول النبي صلى الله عليه وسلم " الدين

النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة " قيل لمن

يا رسول الله؟ قال " لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة

المسلمين وعامتهم "

فلا بد من التواصي بالحق، والتناصح والصدق، والصبر

حتى تلقى ربك وأنت صابر محتسب مجاهد، ولهذا يقول

جل وعلا ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ

لَمَعَ الْمُحْسِنِيــنَ ) ؛ فالمجاهد في الله الصادق يهديه الله

ويعينه ويسدده ، فقوله سبحانه ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا )

يعنـي جاهدوا أنفسهم ، وجاهدوا أعداء الله ، وجاهدوا

الشيطان ، وجاهدوا الشهوات ولهـــذا أطلـــق سبحـانه

الجهاد في الآية المذكورة ليعم أنواع الجهاد ، فقــــــال

( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا ) أي في الله ( لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا

وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ) .

فاجتهد في طاعة ربك وجاهد نفسك حتى تستقيم، وجاهد

من تحت يدك حتى يستقيم والله معك ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا

فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ) ..

نســأل الله أن يجعلنـــا وجميع المسلمين من المجاهدين

في سبيله ، ونسأل الله أن يجعلنا جميعاً من دعاة الهدى

وأنصار الحق ، وأن يمنحنا التوفيق والمسارعة إلــــى

كل خير، والحذر من كل شر، إنه سميع قريب ، وصلى

الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه .

المصدر : موقع الشيخ عبد العزيز بن باز

(1) رواه البخاري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.