كتبه/ عصام حسنين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
قال -تعالى- في وصف عباد الرحمن: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً) (الفرقان:63)
أي: بسكينة ووقار، متواضعين غير متكبرين.
قال الحسن البصري -رحمه الله-: علماء حلماء.
والإضافة في قوله -تعالى-: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ): إضافة تشريف ورفعة ورحمة.
وقد بدأ الله -تعالى- بأول صفة من صفاتهم، وهي التواضع؛ ليدل على عظيم منزلتها وأهميتها.
فالتواضع أساس كل خير وجِماعه، ويؤخذ هذا من قوله -صلى الله عليه وسلم-: (ما نقص مال من صدقة، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً، ومن تواضع لله رفعه) رواه مسلم.
فمن تواضع أنفق شفقة بالفقراء والمساكين، ومن تواضع عفا عمن ظلمه، ووصل من قطعه، فاستحق الرفعة في الدنيا الآخرة، فأخَّره -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه أساس ما سبق من الخير وجِماعه، كما قال -صلى الله عليه وسلم- في السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب: (هم الذين لا يسترقون، ولا يتطيرون، ولا يكتوون، وعلى ربهم يتوكلون) فهذا وصف قوم لا يقتربون من الأسباب المكروهة توكلاً على الله -تعالى-، لذلك أخَّر -صلى الله عليه وسلم- التوكل لأنه أساس وجماع ما سبق -والله أعلم-.
وقد أمر -صلى الله عليه وسلم- بالتواضع، وكان ألو المتواضعين، فقال: (إن الله -تعالى- أوحى إلي أن تواضعوا، حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد) رواه مسلم.
وكان -صلى الله عليه وسلم- أول المتواضعين، حيث كان يمر على الصبيان فيسلم عليهم، وكانت الأمة تأخذ بيده الشريفة -صلى الله عليه وسلم- فتنطلق به حيث شاءت.
وكان إذا أكل لعق أصابعه، وكان يكون في خدمة أهله، ولم يكن ينتقم لنفسه قط، وكان يخصف نعله، ويرقع ثوبه، ويحلب الشاة لأهله، ويعلف البعير، ويأكل مع الخادم، ويجالس المساكين، ويمشي مع الأرملة واليتيم في حاجتهما.
ويبدأ من لقيه بالسلام، ويجيب دعوة من دعاه ولو إلى أيسر شيء.
وكان -صلى الله عليه وسلم- سهل العشرة، ليِّن الخلق، كريم الطبع، طلق الوجه، بسَّاماً، متواضعاً من غير ذلة، جواداً من غير سرف، رقيق القلب، رحيماً بكل مسلم، خافض الجناح للمؤمنين، لَيِّن الجانب لهم.
وكل هذا من ثمرات تواضعه -صلى الله عليه وسلم-.
ولنا فيه -صلى الله عليه وسلم- أسوة حسنة خاصة العلماء والدعاة الذين بوأهم الله -تعالى- أعظم منزلة، وهي منزلة التبليغ، والدعوة إلى الله، فأولى بهم هذا الخلق الشريف، فبه تزكو النفوس، وتنفتح القلوب.
وحذار من صنف يرون لأنفسهم فضلاً على الناس! يسلمون على غيرهم بأطراف أصابعهم، فيا عجباً ممن يرى فضلاً على غيره بشيء ليس منه، إنما هو من ربه -تعالى-!
فينبغي علينا أن نتواضع بجميع صور التواضع لإخواننا المسلمين، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (المائدة:54)
(أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ): ذل رحمة وعطف وشفقة.
قال عطاء: للمؤمنين كالوالد لولده.
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ألا أخبركم بمن يحرم على النار، تحرم على كل قريب هيِّن لَيِّن سهل) رواه الترمذي وقال حسن.
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما قِيِِد انقاد) رواه أحمد بسند صحيح.
ويتبع -إن شاء الله-.
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ألا أخبركم بمن يحرم على النار، تحرم على كل قريب هيِّن لَيِّن سهل)