تقريب الأديان فكرة تهدف إلى إزالة الفوارق بين الأديان ويرفضها المسلمون
حوار الدعوة واجب وهو نهج الأنبياء.. وحوار التقريب والتلفيق كفر وردة
الفوارق بين المسلمين وغيرهم كثيرة وتختلف باختلاف الملل والنحل
لا يجوز أن نضع الناس كلهم في سلة واحدة فالقرآن علّمنا أنهم «ليسوا سواء»
من المهم أن نمتلك الحق ولكن الأهم أن نحسن عرضه والدعوة إليه
حاوره/ وليد دويدار
أكد الدكتور منقذ السقار أن فكرة تقريب الأديان فكرة تهدف إلى إزالة الفوارق بين الأديان وصهرها في بوتقة واحدة يخلط فيها الحق والباطل للوصول إلى صيغة توفيقية تلفيقية، وهو لون منكر في تلاقح الثقافات يرفضه المسلمون, وقال: إن الفوارق بين المسلمين وغيرهم كثيرة جداً، وتختلف باختلاف الملل والنحل، مشيراً إلى أن بعض الملل تنكر وجود الله، وغيرها تقر بوجوده ولكنها تنسب إليه ما لا يليق. وأشار إلى أنه يجب ألا نضع الناس في سلة واحدة، فهناك المنصف للإسلام والجاهل والجاحد وغيرهم.
< في البداية ما المقصود بقول البعض: «التقريب بين الأديان»؟>
(تقريب الأديان) فكرة تهدف إلى إزالة الفوارق بين الأديان، وصهرها في بوتقة واحدة، يخلط فيها الحق والباطل، يتنازل كل واحد عن شيء من دينه ومعتقده للوصول إلى صيغة توفيقية تلفيقية، وهو لون منكر من تلاقح الثقافات أو قل ذوبانها وتلاشيها، ويرفضه المسلمون، كما يرفضه غيرهم ممن ينتمون إلى أديان ويعتزون بانتمائهم إليها، وعليه فالجميع يرفض التماهي في أديان الآخرين، ويؤسفني أنه خلال تاريخ المسلمين ظهرت ولكن بصورة ضعيفة دعوات للتقريب بين الأديان، وفي ذلك يقول ابن تيمية رحمه الله عن بعض هؤلاء التقريبيين: «بل يجوّزون التهود والتنصر، وكل من كان من هؤلاء واصلاً إلى علمهم فهو سعيد، وهكذا تقول الاتحادية منهم, كابن سبعين وابن هود والتلمساني ونحوهم، ويدخلون مع النصارى بِيَعهم، ويصلون معهم إلى الشرق، ويشربون معهم ومع اليهود الخمر، ويميلون إلى دين النصارى أكثر من دين المسلمين»، وبالخلاصة فهذه الدعوة مرفوضة، ولمثل هؤلاء قال الله لكفار قريش: {لكم دينكم ولي دين}.
< ماذا يعني مصطلح (حوار الأديان)؟
> (حوار الأديان) يراد منه معنيان:
الأول: الحوار الدعوي بين أتباع الأديان حول مسائل المعتقد والشريعة بغية إثبات الحق والدعوة إليه، فهو حوار يتركز حول المختلف عليه، ومن هذا اللون حوار الأنبياء مع أقوامهم وما يجري من مناظرات بين المسلمين وغيرهم في إثبات صحة الإسلام ودحض معتقدات الآخرين.
والمعنى الثاني – وهو الأشهر – ما يجري اليوم من مؤتمرات حوارية بين أتباع الأديان، وأسميه حوار التعايش، وهو حوار يتجاوز نقاط الاختلاف الدينية، ليبحث في المشتركات الإنسانية التي تجمعنا؛ سعياً للوصول إلى تحقيق مصالحنا الإنسانية المشتركة، كوقف التلوث والقضاء على الجريمة والفقر والأمراض، ونحو ذلك مما يهم البشرية على اختلاف معتقداتها.
< هل الحوار مع الطرف الآخر غير مشروع بالمرة؟
> إذا تبين أن الحوار أنواع، فالجواب يتعدد بحسب أنواعه، أما حوار الدعوة فهو واجب، وهو نهج الأنبياء ووظيفة الدعاة، بينما حوار التقريب والتلفيق كفر وردة، وأما حوار التعايش فهو جائز إذا لم يتلبس بمنكرات، كتمييع الخلافات أو المداهنة أو التلفيق بين الأديان، وقد تطرقت لهذه الضوابط تفصيلا في كتابي (الحوار مع أتباع الأديان.. مشروعيته وآدابه).
< ما أهم نقاط الخلاف بين المسلمين وغيرهم غيرهم إجمالاً؟
> الفوارق بين المسلمين وغيرهم كثيرة جداً، وتختلف باختلاف الملل والنحل، فبعض الملل تنكر وجود الله، وغيرها تقر بوجوده، ولكنها تنسب إليه ما لا يليق من صفات البشر كالضعف والتجسد والبداء.
ومن الملل من ينكر النبوات تماماً، ومنهم من يؤمن ببعض ويكفر ببعض، وكذلك فمن الملل من يؤمن بالبعث والنشور، ومنهم من لا يؤمن باليوم الآخر، هكذا يطَّرد الموضوع في كل المعتقدات والشرائع.
< هل نهى النبي [ عن قراءة كتب الملل الأخرى؟
> الأصل ألا يقرأ المسلم في كتب أهل الكتاب، فما من خير إلا دلنا عليه القرآن، وما من شر إلا حذرنا منه، فما الذي يبتغيه المسلم بقراءة هذه الكتب؟!
في مصنف ابن أبي شيبة أن عمر بن الخطاب أتى النبي [ فقال: يا رسول الله، إني أصبت كتاباً حسناً من بعض أهل الكتاب، قال: فغضب [، وقال: «أمتهوكون فيها يا بن الخطاب؟! والذي نفسي بيده، لقد جئتكم بها بيضاء نقية.. لو كان موسى حياً اليوم ما وسعه إلا أن يتبعني». وهكذا فلا يجوز قراءة هذه الكتب استهداء بما فيها، وقد أغنانا الله عنها ببعثة محمد [.
وأما قراءة هذه الكتب بقصد بيان باطلها وتناقضاتها، أو للرد على أهل الكتاب بما يعتقدون قدسيته، فهذا جائز، وهو خاص بأهل العلم دون غيرهم.
< ما معنى قول النبي [: « وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأَمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ» رواه مسلم؟
> ببعثة محمد [ لزم كل إنسي وجني الإيمان بالنبي [، ولم يعد الإيمان بإخوانه من الأنبياء كافياً للخلوص من النار ودخول الجنة؛ فلا يصح الإيمان بموسى إذا لم يقترن بالإيمان بأخويه عيسى ومحمد وغيرهما من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
وتقوم حجة الله على البشر عموماً وعلى أهل الكتاب خصوصاً بمجرد سماعهم بالنبي [، فالواجب عليهم التفكر بما جاء به [، والبحث في مكنون الدين الذي أرسل به، لاستكمال مرتبة الإيمان التي لا تتحقق ولا تقبل إلا بالإيمان به [.
وهذا أمر يذكرنا بواجب الدعوة إلى الله وتعريف الخلق به وبدينه، وأن نبذل دون ذلك الغالي والرخيص استنقاذاً لهذه الأنفس الآدمية من أن تؤول إلى النار والعياذ بالله.
< ما موقف المسلم من الشرائع السماوية السابقة، وهل هناك فرق بينها وبين غير السماوية؟
> المسلم يؤمن بما أنزل الله على أنبيائه قبل محمد [: {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحدٍ من رسله}، وهذه الرسالات الإلهية مزج فيها الحق بالباطل، حين تعرضت للتحريف والضياع والعبث في قصة يطول شرحها؛ ولذلك فإن صحيحها منسوخ ببعثة نبينا [، وباطلها مردود على أصحابه.
ورغم التحريف الذي طرأ على هذه الرسالات؛ فإن الشريعة تفرق بين (اليهودية والمسيحية) وبين غيرها من الديانات الوثنية، رغم اشتراكها في بعض صورها، لكن لما كان لليهودية والمسيحية أصل سماوي فقد خصت الشريعة الغراء أتباع هذين الدينين بما لا يكون لغيرهما، كحل الزواج من نسائهم، وكذا أكل ذبائحهم، ونحوه مما هو مقرر في كتب السادة الفقهاء.
< وهل الملل الأخرى فعلاً تحترم الإسلام؟>
احترامنا لأنبياء الله السابقين ليس موقفًا تكتيكيًا، نصانع به الآخرين أو نؤلف به قلوبهم، بل هو معتقد ندين الله به، وعليه فلا يؤثر في معتقدنا موقف الآخرين منا ومن نبينا [.
لكن دعني أوضح أنه لا يجوز لنا أن نضع الناس كلهم في سلة واحدة، فالقرآن علمنا أنهم {ليسوا سواء}؛ لذا أقول: الآخرون في نظرتهم للإسلام فيهم الجاهل وهو الأغلب، الذي قصرنا في دعوته وتبيان الحق له.
وغير المسلمين بالجملة على أنواع، فمنهم الجاهل الذي قصرنا بتبيان الإسلام له، ومنهم العدو المكابر الذي يرى الإسلام عدوا، وفيهم المنصف الذي عرف الإسلام ويحترم ما يحمله من قيم ومعتقدات، من غير أن يدخل فيه، وباختصار فينبغي التفريق بين أبي طالب وأبي لهب.
< كلمة أخيرة يحب الشيخ أن يوجهها لمجلة (الفرقان) وقرائها.
> تحية ممهورة بالحب ممزوجة بصادق الدعاء لرواد الإعلام الإسلامي الذين بدأت بصماتهم في الظهور عبر هذه الصحوة الإسلامية الهادرة، فأسأل الله أن يبارك في جهودهم، وننتظر المزيد من الاحتراف الإعلامي الذي يؤهلنا لمقارعة الآخرين، فلا ريب أنه من المهم أن نمتلك الحق، لكن من المهم أيضاً أن نحسن عرضه والدعوة إليه.
الاســــم: د. منقذ بن محمود السقار.
• ماجستير من جامعة أم القرى في مجال الفرق والمذاهب الإسلامية.
• دكتوراه من جـامعة أم القرى في مجال مقارنة الأديان.
الإنتاج العلمي:
1- كتاب: هل العهد القديم كلمة الله؟ (عربي وفرنسي).
2- كتاب: هل العهد الجديد كلمة الله؟
3- كتاب: الله جل جلاله، واحد أم ثلاثة؟ (عربي وإنجليزي وفرنسي).
4- كتاب: هل افتدانا المسيح على الصليب؟ (عربي وإنجليزي).
5- كتاب: هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله عليه وسلم؟ (عربي وإنجليزي وفرنسي).
6- كتاب: التكفير وضوابطه.
7- كتاب: الحوار مع أتباع الأديان.
8- كتاب: دلائل النبوة.
9- كتاب: التعايش مع غير المسلمين في المجتمع المسلم.
10- كتاب: تعرّف على الإسلام (عربي وإنجليزي وفرنسي).
11- كتاب: الدين المعاملة (صفحات من هدي الأسوة الحسنة [).
12- كتاب: تنزيه القرآن الكريم عن دعاوى المبطلين.
13- سلسلة كتيبات بعنوان: (مناظرة مع قسيس).
9/8/2016