تخطى إلى المحتوى

تفسير الاستعاذة تفسير : () : الشيخ زيد البحري- انتقاء موفق 2024.

( شرح الاستعاذة )

تفسير :

(( أعوذ بالله ))

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ

ما زال الحديث حول توضيح وتفسير كلمة الاستعاذة :

وهي قولنا:

( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم )

قد ثبت في سنن أبي داود :

أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل في صلاته استعاذ بهذه الصيغة :

(( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه ))

وفي رواية أخرى:

( أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه ) .

الهمز :

هو الوسوسة ، ومنه الصرع والجنون .

النفخ :

هو الكِبر والغطرسة .

النفث :

هو الشعر المذموم

فالنبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله جل وعلا من الشيطان وبالأخص من وسوسته التي هي همزه ومن نفخه ومن نفثه .

فالهمز :

هو الوسوسة ومنه الصرع والجنون .

والنفخ :

هو الكبر ،

والكبر : خُلُق ذميم ، ولهذا حسن التعبير بالكبر بأنه نفخ

ولذا:

إذا رُئي الإنسان متغطرسا مترفعا ماذا يقال عنه ؟

يقال : نافخ نفسه بهذا التعبير

ولذا :

قال عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم

( لن يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة )

أي وزن نملة

( من كبر ، فقال رجل يا رسول الله : الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا )

هذا الرجل تصور أن الكبر قد يدخل في تحسين الثياب في تجميل النعال ، في إبراز المظهر بصورة جميلة طيبة

فقال عليه الصلاة والسلام :

(( إن الله جميل يحب الجمال ))

ثم فسر الكبر

بالنسبة إلى إبراز الإنسان نفسه بصورة حسنة وبصورة جميلة هذا شيء طيب ويحمد عليه

ولكندون أن يبالغ فيه فإن المبالغة في ذلك من الأمور المذمومة

ولذا :

جاء رجل إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقال :

( يا رسول الله )

وهذا في الأدب المفرد للبخاري

( قال يا رسول الله : إني لا أحب أن يفوقني أحد لا بحسن ثوب ولا بجمال نعل الكبر ذاك ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : لا ، الكبر بطر الحق وغمط الناس )

ولذا:

قال عليه الصلاة والسلام :

( إن الله يجب أن يرى أثر نعمته على عبده )البعض من الناس أعطاه الله جل وعلا مالا ، زاده ثراء ، زاده غنى ومع ذلك يُقتِّر على نفسه وعلى أسرته ولا يظهر هذا المال لا على نفسه ولا على عائلته

ومرد هذا المال إلى هؤلاء الورثة

كما قال عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم :

(( يقول ابن آدم مالي مالي، وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت ، أو تصدقت فأمضيت ) )

وقال عليه الصلاة والسلام:

( ( أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله ؟

فقالوا يا رسول الله : ما أحد يحب أن يكون مال وارثه أحب إليه من ماله ))

فمالي أحب إلي من محبتي مال وارثي

فقال عليه الصلاة والسلام :

(( فإن مالَه ما قدَّم ))

له يوم القيامة :

((وإن مال وارثه ما أخر ))

بقدر ما تحبس من الأموال والنقود

فإنما هذا المال وهذه النقود إنما هو للورثة

فقال عليه الصلاة والسلام :

(( الكبر بطر الحق وغمط الناس ))

هنا حصر منه عليه الصلاة والسلام للكبر ،

الكبر لا يخرج عن هذين الأمرين:

ــ إما أن يتعلق بحق الخالق جل وعلا

ـــ أو يتعلق بحق المخلوق

انظر إلى هذا التعبير الحسن اللطيف المختصر والذي يحوي معاني عظيمة :

قال عليه الصلاة والسلام :

( الكبر ) صنفه في أمرين :

ــ ( بطر الحق ) :

يعني دفعه وعدم الرضا به

وهذا موجود وللأسف عند كثير من الناس :

ويزداد الأمر إثما حينما يكون دفع الحق في أمر من الأمور الشرعية ، قد يجمع مجلس من المجالس اثنين فيتناظران في مسألة من المسائل ، وإذا بأحدهما يعلم أن الحق مع صاحبه ، وأن الدليل مع صاحبه لكنه يدافع كي ما ينتصر لرأيه كي ما ينتصر لنفسه

وهذا هو الكبر :

لأنه يتعلق بحق الخالق جل وعلا ، حتى في المناقشات المتعلقة بأمور الدنيا ولو لم تكن في الأمور الشرعية كذلك يعتبر كبرا فإذا دفعت الحق وأنت تعلم بأن هذا الحق قد جرى على لسان صاحبك فقد وجدت فيك صفة الكبر

فـ ( الكبر بطر الحق ) هذا يتعلق بالخالق جل وعلا ولذا :

قال الله عز وجل :

( الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني فيهما عذبته )

ثم قال :

( وغمط الناس ) :

هذا يتعلق بالمخلوق

والله جل وعلا من فضله ومن كرمه ومن عظيم فضله أنه إذا ذكر حقه يذكر حق المخلوق

وهل بعد هذا الكرم من كرم ؟

وهل بعد هذا الفضل من فضل ؟

سبحان الله العظيم !

الله جل وعلا بجلاله وعظمته إذا ذكر حقه في الغالب يذكر حق المخلوق

قال تعالى:

{ وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ }

حق من ؟

حق الله

{ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } حق المخلوق

وقال جل وعلا :

{ قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } الأنعام151

{ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } الأنعام151

جمع جل وعلا بين حقه وبين حق المخلوق

( وغمط الناس ):

احتقار الناس وازدراؤهم كأن يرى أن له فضلا ومزية على غيره

والكبر يختلف عن العُجب

العجب : بوابة إلى الكبر فهو بريد الكبر

العجب : هو أن الإنسان يرى نفسه بعين العظمة إلى الآن يرى أن له مزية وفضلا وأن له مكانة مرموقة يعلو بها على الناس لكن إلى الآن لم يتكبر هذه عظمة يرى نفسه برؤية وبعين العظمة فيدفعه هذا العجب إلى أن يتكبر على الخلق

فقال عليه الصلاة والسلام :

( أعوذ بالله من همزه ونفثه ونفخه )

النفخ:

هو :

الشعر المذموم ،

الشعر منه ما هو محمود ومنه ما هو مذموم

قال عليه الصلاة والسلام :

( الشعر بمنزلة الكلام حسنه حسن وقبيحه قبيح ) فالقبيح مذموم شرعا هذا مما لا خصام ولا نزاع فيه .

لكن نأتي إلى الشعر الحسن المحمود الذي يحتوي على معاني طيبة ، الذي يدعو إلى أخلاق رفيعة ، هذا الشعر الحسن

قد يكون مذموما في بعض الحالات ،

متى ؟

إذا طغى على وقت الإنسان .

ولذاقال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين (( لأن يمتلأ جوف أحدكم قيحا خير له من أن يمتلأ شعرا ))

لماذا ؟

لأن هذا الشعر طغى على وقت هذا الرجل فأشغله عن ذكر الله عز وجل ، أشغله عن قراءة القرآن ، البعض من الناس يحفظ آلاف الأبيات لكنه لا يحفظ جزءا من كتاب الله عز وجل

(( لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا خير له من أن يمتلئ شعرا ))

انظر إلى التعبير ( لأن يمتلئ )

وهذا يدل على أن المذموم منه ما أشغل الإنسان عن وقته وعما هو أنفع له من هذا الشعر

ولذا :

قال جل وعلا :

{ وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ{224} أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ{225} وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ }

واستثنى طائفة من الشعراء:

هناك من الصحابة من هو شاعر معروف:

حسان بن ثابت ،

عبد الله بن رواحة ،

كعب بن مالك ،

كعب بن زهير ،

قال تعالى :

{ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً }

فلابد من ذكر الله عز وجل :

{ وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ } .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــ

نعود إلى الاستعاذة :

الاستعاذة ليست آية من كتاب الله عز وجل وهذا بالإجماع كما نقل ذلك ابن كثير رحمه الله

لكن ما معنى الاستعاذة ؟

( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم )

فيه ما يقابل الاستعاذة وهو ما يسمى :

باللياذة :

فيه أعوذ بالله ، وألوذ بالله .

أعوذ بالله يعني :

أعتصم بالله جل وعلا من شيء أخافه وأستوحش منه .

أما ألوذ بالله :

يعني أطلب منه جل وعلا الخير :

يا من ألوذ به فيما أؤملــه ومن أعوذ به مما أحــاذره
لا يجبر الناس عظما أنت كاسره ولا يهيضون عظما أنت جابره

انظر قال :

يا من ألوذ به فيما أؤملــه

إذاً:

اللياذة تكون في الأمور الخيرة ،

وأما الاستعاذة فتكون في الأمور الشريرة .

( أعوذ بالله )

يعني : أعتصم بالله جل وعلا وأستجير به ، والاستعاذة :

عبادة من صرفها لغير الله فقد أشرك بالله شركا أكبر ،

بوب الإمام محمد بن عبد الوهاب مجدد الدعوة قال رحمه الله :

[ باب من الشرك الاستعاذة بغير الله ]

ثم ذكر النصوص الشرعية :

قال جل وعلا :

{ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً }

ما تفسير هذه الآية ؟

لها تفسيران والآية تحتملهما معا ولا تعارض ولا تباين بين هذين التفسيرين فالآية تحتمل هذين التفسيرين :

{ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً }

انظر قال: { بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ }

إذاً :

الجن فيهم رجال وفيهم نساء ،

وإبليس له ذرية ،

قال جل وعلا:

{ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ } الكهف50

ولهذا تنازع العلماء :

ما صفة توالد وتناسل الشياطين ؟

بعض الأحاديث أتت بأن الشياطين تبيض وتفرخ قال عليه الصلاة والسلام لأحد الصحابة :

( لا تكن أول من يدخل السوق فإن الشيطان قد باض فيه وفرخ )

قيل : بالوسوسة

وقيل : تبيض وتفريخ حسي طبيعي .

ـــــــــــــــــ

فهذه الآية:

كانوا في الجاهلية إذا أظلم عليهم أي المسافرين إذا أظلم عليهم الليل وأتوا في وادي استرهبوا هذا الوادي وخافوا ممن فيه من الجن

فكانوا يقولون :

(( نعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه )) فأنكر الله جل وعلا عليهم فقال :

{ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً }

يعني:

أن استعاذة الإنس بالجن أرهق الإنس إرهاقا شديدا حتى بلغ أبدانهم ،

وقيل إن استعاذة الإنس بالجن زاد الجن طغيانا وكفرا وإثما

ولذلك:

إذا جمعهم الله يوم القيامة كما في سورة الأنعام

قال جل وعلا :

{ وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ }

ما كيفية وما توضيح وما تفسير هذا الاستمتاع ؟ الآية الأخرى

{ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً }

{ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِيَ أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ } الأنعام128 .

فإذاًالجملة الأولى من الاستعاذة :

( أعوذ بالله ) : أي أستجير بالله جل وعلا وأعتصم به من شيء أخافه .

وللحديث إن شاء الله تتمة في توضيح هذه الكلمة .

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد

لاكي

بارك الله فيكم ونفع بكم

بارك الله فيك

نفع الله بماااااا كتبت
لقد استفدت واستمتعت شكرااا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.