ومنذ أن بدأت الدعوة الإسلامية تشق طريقها لمع عدد من الأطفال والصبية في حياة النبي – صلى الله عليه وسلم – ، فأسلم "على بن أبى طالب" وهو في العاشرة من عمره ، وكان "زيد بن ثابت" من كتاب الوحي الذين يكتبون القرآن لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو لا يزال صبيًّا صغير السن ، وكان "أنس بن مالك" خادم رسول الله وكاتم أسراره وهو في العاشرة من عمره .
وخلال المدة التي قضاها النبي – صلى الله عليه وسلم – ظهر عدد كبير من الأطفال بفضل تشجيع النبي – صلى الله عليه وسلم – ورعايته لمواهبهم وتوجيهها إلى الطريق الصحيح ، فصار منهم الخلفاء والقادة والعلماء .
·علي بن أبي طالب : هو "على بن أبى طالب بن عبد المطلب" ، ابن عم النبي – صلى الله عليه وسلم – تربى في بيته، لأن أباه كان كثير العيال قليل المال ،
فأراد النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يخفف عنه أعباء المعيشة فأخذ "عليًّا" ليعيش معه في بيته ، وظل معه حتى شهد بعثته – صلى الله عليه وسلم – وكان ضمن أول ثلاثة أعلنوا إسلامهم .
كان "على بن أبى طالب"- رضى الله عنه- منذ صغره شجاعًا قويًّا ، فنام على فراش النبي – صلى الله عليه وسلم – حين خرج مهاجرًا ، وهو يعلم أن فرسان قريش خارج المنزل يريدون قتل النبي ، ولو اقتحموا المنزل لقتلوه ظانين أنه النبي – صلى الله عليه وسلم – وقد شهد "على ابن أبى طالب" مع النبي – صلى الله عليه وسلم – غزوة "أحد" و "الخندق" ، وبارز في تلك الغزوة فارس قريش و العرب "عمرو بن عبد ود" ، وتغلب عليه وطعنه طعنة أسقطته قتيلا ، وأعطاه النبي – صلى الله عليه وسلم – الراية في غزوة "خيبر" وقال :
"لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله" . (رواه أحمد)
واشتهر "على بن أبى طالب" بالفصاحة والبلاغة والعلم الغزير والمعرفة بكتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم- ، وهو أحد العشرة الذين بشرهم النبي – صلى الله عليه وسلم- بالجنة، وتزوج "فاطمة" ابنته ، وأنجب منها "الحسن" و"الحسين" ، وهما اللذان حفظا نسل الرسول – صلى الله عليه وسلم- وقد تولى "على بن أبى طالب" الخلافة بعد استشهاد "عثمان بن عفان"- رضى الله عنه- وقد دامت فترة خلافته أربع سنوات ، مات بعدها شهيدًا سنة (40 هـ)
·أسامة بن زيد :
ولد "أسامة بن زيد" بمكة المكرمة في العام الرابع من بعثة النبي – صلى الله عليه وسلم – ونشأ في الإسلام فلم يعرف دينًا سواه ، فأبوه "زيد بن حارثة" من أول الناس إسلامًا ، وتربى في بيت النبي – صلى الله عليه وسلم – حيث كان يعيش أبواه .
كان "أسامة" فارسًا شجاعًا منذ صغره ، يحب الجهاد في سبيل الله ، فخرج مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في غزوة "أحد" وكان في الرابعة عشرة من عمره تقريبًا ، لكن النبي- إشفاقًا منه ورحمة بأسامة- أرجعه إلى المدينة لصغر سنه ، ثم اشترك في غزوة "الخندق" بعد أن كبرت سنه واشتد عوده ، كما اشترك في غزوة "مؤتة" تحت قيادة أبيه الذي استشهد في الغزوة .
ولما بلغ "أسامة" الثامنة عشرة من عمره ولاه الرسول – صلى الله عليه وسلم – إمارة الجيش المتجه إلى الشام لتأديب بعض القبائل ، وكان تحت قيادته كبار المهاجرين والأنصار ، لكن هذا الجيش لم يخرج إلا بعد وفاة النبي – صلى الله عليه وسلم – وعاد ظافرًا منتصرًا .
وكان النبي – صلى الله عليه وسلم – يحب "أسامة" كما كان يحب أباه ، وبلغ من حب النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه جعله مثل أهله ، فكان يأخذه هو و"الحسن بن على بن أبى طالب" ويقول: "اللهم أَحبهَّما فإني أُحب" . (رواه البخارى)
وتوفى أسامة بن زيد عام (54 هـ) .
·عبد الله بن عمر بن الخطاب :
أسلم مع أبيه وهو طفل صغير في العام السادس من البعثة ، وكان عمره حوالي سبع سنوات ، وهاجر إلى "المدينة" قبل أبيه .
نشأ "عبد الله بن عمر" في بيت صالح ، وشب محبًّا للجهاد ، وحاول أن يشهد غزوة مع رسول الله ، لكن الرسول – صلى الله عليه وسلم- رده لصغر سنه مع غيره من الصبيان الذين لم يشتد عودهم ، وأول غزوة شهدها مع رسول الله كانت غزوة "الخندق" واشترك في غزوة "مؤتة" كما أنه جاهد في معركة "اليرموك" ، وشارك في فتح "مصر" .
وعرف "ابن عمر" بأنه كان شديد الاتباع لسنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كثير الرواية عنه ، لذلك كان من أكثر الصحابة الذين رووا أحاديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، وتوفى "ابن عمر" سنة (73 هـ ) .
·عبد الله بن عباس :
هو ابن عم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، ولد في "مكة" قبل الهجرة بثلاث سنوات ، هاجر إلى المدينة مع أبيه قبل فتح "مكة" سنة (8 هـ) ، ولازم النبي – صلى الله عليه وسلم – عامين ونصفًا وروى عنه أحاديث كثيرة ،
، من ذلك : الحديث المشهور الذي يقول فيه :
"كنت خلف رسول الله فقال : يا غلام إني أعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، وإذا اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك بشيء إلا بشيء قد كتبه الله عليك .. " . (رواه الترمذى)
وكان "ابن عباس" منذ صغره مجتهدًا في طلب العلم لافتًا للنظر بذكائه وحسن تصرفه ، وقد دعا له النبي – صلى الله عليه وسلم – بأن يزيده الله فهمًا وعلمًا .
ولما توُفى النبي – صلى الله عليه وسلم – كان "ابن عباس" في الثالثة عشرة من عمره ، وبدأ رحلته الطويلة في التعلم والتفقه في الدين على يد كبار الصحابة ، حتى صار فقيهًا كبيرًا وهو لا يزال صغير السن ، وكان "عمر بن الخطاب" يدعوه إلى مجلسه مع كبار الصحابة ويستشيره في الأمور التي تحتاج إلى تفكير عميق ورأى سديد ، وكان يقول له :
" لقد علمت علمًا ما علمناه " .
واشتهر "ابن عباس" بعدة ألقاب مثل : "حبر الأمة " والحبر هو العالم المتمكن ، و"ترجمان القرآن" لسعة علمه بالقرآن .
وتوفى ابن عباس بالطائف سنة (68 هـ) عن إحدى وسبعين سنة .
· زيد بن ثابت :
أسلم "زيد بن ثابت" صغيرًا ، وكان عمره إحدى عشرة سنة لما دخل النبي – صلىًّ الله عليه وسلم- إلى المدينة مهاجرًا من "مكة" ، وكان على صغره محبًّا للجهاد في سبيل الله مجدًّا في طلب العلم والمعرفة ، أراد أن يشترك مع المسلمين في غزوتي "بدر" و"أحد" ، لكن الرسول رده لصغر سنه ، وأول غزوة اشترك فيها هي غزوة "الخندق" وكان ينقل التراب مع المسلمين ، وقد صحب "زيد بن ثابت" النبي – صلى الله عليه وسلم – منذ قدومه إلى المدينة ، فقد أتى به قومه إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – وقالوا له : هذا غلام قد حفظ مما أنزل عليك سبع عشرة سورة ، فلما قرأ على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أعجبه ذلك ، وطلب منه أن يتعلم اللغة السريانية التي يكتب بها اليهود في "المدينة" حتى يأمن مكرهم ، فتعلمها في مدة وجيزة ، وصار يكتب بها لرسول الله ، وإلى جانب ذلك كان يكتب القرآن عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فكان إذا نزل عليه شيء من القرآن بعث إليه وأمره أن يكتب ما نزل عليه .
ولما توفى النبي – صلى الله عليه وسلم – أمره "أبو بكر الصديق" أن يجمع نسخة واحدة من القرآن ، وكان هذا عملاً شاقًّا جدًّا لا يمكن أن يقوم به إلا الأفذاذ من الرجال ، وقد قام زيد بهذه المهمة على خير وجه ، ونجح في جمع القرآن وكتابته على الصورة التي نقرؤها اليوم في المصاحف .
وتوفى "زيد بن ثابت" سنة (45 هـ) ، ولما مات قال "أبو هريرة"- رضى الله عنه : اليوم مات خير هذه الأمة وعسى الله أن يجعل في "ابن عباس" منه خلفًا.
· أنس بن مالك :
ولد "أنس بن مالك" قبل الهجرة بعشر سنين ، ولما هاجر النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى المدينة التحق بخدمته وهو في العاشرة ، وظل يخدمه حتى وفاته – صلى الله عليه وسلم – ويقول "أنس" :
"خدمت النبي – صلى الله عليه وسلم- عشر سنين فما ضربني ولا سبني ولا عبس في وجهي".
وكانت أول وصية له من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في بدء خدمته له أن يكون أمينا على السر كاتمًا له ، والتزم "أنس بن مالك" بذلك التزامًا تامًّا ، ولم يستطع أحد أن يجعله يفشى سرًّا لرسول الله .
ونشأ أنس منذ صباه تحت رعاية رسول الله – صلى الله عليه مسلم – فتعلم كثيرًا وتهذب بخلق رسول الله ، وروى عنه أحاديث كثيرة تجاوزت ألفى حديث ، وعرف بلقب " راوية الإسلام".
وشهد أنس بن مالك مع النبي – صلى الله عليه وسلم –"صلح الحديبية" ، وفتح "مكة" ، و"حنين" و"الطائف" و"خيبر" . وعاش بعد وفاة النبي – صلى الله عليه وسلم – طويلاً ، حتى قيل إنه كان آخر أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم- موتًا ، فقد توفٍّى سنة (91 هـ) في بعض الأقوال .
· الحسن بن على :
أبوه "على بن أبى طالب" ، وأمه "فاطمة الزهراء" بنت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ولد في شهر "رمضان" من العام الثالث للهجرة ، وتربى تحت بصر النبي – صلى الله عليه وسلم – وكان كثيرًا ما يحمله ويداعبه ويلاعبه هو وأخاه "الحسين".
ويروى أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بينما هو على منبره يخطب فجاء "الحسن" و"الحسين" وعليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران ، فنزل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من على المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه ، ثم قال :
"رأيت هذين يمشيان ويعثران في قميصهما فلم أصبر حتى نزلت فحملتهما" . (رواهالنسائي) .
ونشأة "الحسن بن على" نشأة نبوية فكان كريم الخلق عفيف اللسان ، فصيح العبارة سخي اليد ، فارسًا مغوارًا .
وحينما استشهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه بايع الناس ابنه الحسن ، ودارت أحداث وتنازل الحسن عن منصبه لمعاوية ، وكان هذا رغبة منه في لم شمل المسلمين ، وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
"إن ابني هذا سيد ، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين " . (رواه البخارى)
وأقام "الحسن بن على" في المدينة وكان موضع احترام الناس وإجلالهم لكرمه وسخائه حتى توفي سنة (50 هـ) .
· الحسين بن على :
ولد في شهر "شعبان" من العام الرابع للهجرة ، وكان هو وأخوه "الحسن" أحب أهل البيت إلى جدهما النبي – صلى الله عليه وسلم – وكان لا يطيق غيابهما عنه ، فيأمر بإحضارهما أو يذهب هو إليهما ، وكم من مرة يركب "الحسن" و"الحسين" ظهر النبي – صلى الله عليه وسلم – وهما يمرحان معه ، وأحيانًا وهو ساجد في صلاته فيظل في سجوده حتى ينزلا .
وقد شب "الحسين بن على"- مثل أخيه – على حب الفروسية والشجاعة ، فشارك في الجهاد في سبيل الله في خلافة "عثمان"، وكان بين الجيوش التي قاتلت الروم في بلاد المغرب العربي ، وشاركسنة ثلاثين من الهجرة مع جيش "سعد بن أبى وقاص" في معارك آسيا وفتح طبرستان