توجد قصيدة مشهورة لدى الصوفية وهي للبوصيري مشهورة باسم ( البُردة ) يُرددونها كثيرا في احتفالاتهم وموالدهم وجلساتهم .
وقد بين العلامة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ما في هذه القصيدة من شرك وغلو ، لكن بعض الكتّاب ردّ على الشيخ ، فهيّأ الله أحد طلبة العلم وهو الشيخ عبدالعزيز السعيد وهو الآن أستاذ في جامعة الإمام بالرياض في قسم السنة وكتب : الحمد لله وحده والصلاة والسلام على خاتم أنبيائه ورسله أما بعد
فقد أنكر الشيخ ابن عثيمين على البوصيري غلوه في البردة ومن ذلك قول البوصيري :
فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم
قال الشيخ ابن عثيمين :
(( مثل هذه الأوصاف لا تصح إلا لله عز وجل ، وأنا أعجب لمن يتكلم بهذا الكلام إن كان يعقل معناه كيف يسوغ لنفسه أن يقول مخاطباً النبي عليه الصلاة والسلام : ( فإن من جودك الدنيا وضرتها ) ومن للتبعيض والدنيا هي الدنيا وضرتها هي الآخرة ، فإذا كانت الدنيا والآخرة من جود الرسول عليه الصلاة والسلام ، وليس كل جوده ، فما الذي بقي لله عز وجل ، ما بقي لله عز وجل ، ما بقي له شيء من الممكن لا في الدنيا ولا في الآخرة .
وكذلك قوله : ( ومن علومك علم اللوح والقلم ) ومن : هذه للتبعيض ولا أدري ماذا يبقى لله تعالى من العلم إذا خاطبنا الرسول عليه الصلاة والسلام بهذا الخطاب . . ))
فاعترض أحد الكتاب على قول الشيخ محمد بن عثيمين – رحمه الله تعالى – :
(( فما الذي بقي لله عز وجل ؟؟ ))
زاعما أن الشيخ محمد بن عثيمين – رحمه الله تعالى – بهذا الكلام قد حد علم الله تعالى وحد جوده وكرمه ، كما زعم أنه لم يسبق الشيخ أحد من العلماء في الإنكار على البوصيري :
وجوابا على هذا يقال : مدار الكلام على أمرين : الأمر الأول : اتهام الشيخ محمد بن عثيمين بأنه يرى أن علم الله محدود وكذا جوده وكرمه ، لأن الشيخ قال : (( فما الذي بقي لله عز وجل ؟؟ ))
وهذا الفهم لكلام الشيخ غير صواب من وجهين :
أحدهما : أن الشيخ رحمه الله تعالى في كتبه ورسائله يقرر أن علم الله شامل لكل شيء وأنه يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون ، وهذا لا ينكره إلا معاند مكابر ، أو جاهل بمؤلفات الشيخ وكلامه وكذا ما قرره الشيخ في جود الله وكرمه , وإذا تقرر هذا فإن كلام الشيخ يفهم مجموعا بعضه إلى بعض .
الثاني : أن هذا الذي ذكره الشيخ على سبيل الاستفهام الإنكاري سائغ في لغة العرب ، ألا ترى أن الملك من ملوك الدنيا يكون له ملك عظيم ، فإذا تجرأ أحد على شيء عظيم من ملكه صح أن يقال : وماذا أبقى فلان للملك ؟ على سبيل الإنكار والاستفهام , ولا مفهوم له ، ولا يُلزم قائله بمفهوم مخالفته ، خاصة وأنه لم يكن خارجا ممن يصح أن يكون قوله تشريعاً.
والشيخ رحمه الله حين أنكر على البوصيري هذه المقالة واستعظمها هو في ذلك معتمد على النصوص الشرعية كقوله تعالى : ((قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ))
ولو كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم ما في اللوح المحفوظ لم يكن لهذه الآية معنى صحيح ، وكذا في قصة الإفك ، وشجه صلى الله عليه وسلم وكسر رباعيته في أحد ، كل هذا وأمثاله مكتوب في اللوح المحفوظ ومع ذلك لم يعلمه صلى الله عليه وسلم حتى أعلمه الله ووقع عليه ، فدل هذا على بطلان قول البوصيري من أنه صلى الله عليه وسلم يعلم ما في اللوح المحفوظ
الأمر الثاني : وهو ما ذكره الكاتب من أن أحدا لم يسبق الشيخ في الإنكار على البوصيري ، وهذا قول مغالط أو جاهل ، فإن الشيخ قد سبق بالإنكار على البوصيري من جمع من أهل العلم سواء هذا البيت أو غيره من أبيات البردة ، وتركا للإطالة فأحيل الكاتب والقاريء إلى كتاب : ( بردة البوصيري بالمغرب والأندلس ) للأستاذ سعيد بن الأحرش ص 570 فما بعدها فقد ذكر بعض الأبيات التي أنكرت على البوصيري .
عبد العزيز السعيد