أخواتي بارك الله فيكم ساعدوا في نشر هذا الموضوع وسأنشره على حلقات وهو عبارة عن رسالة لكل مسلمة تحب ربها
مقدمة
"وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربكم وجنةٍ عرضها السمواتُ والأرضُ أعدت للمتقين" (آل عمران 133).
من قلب فتاة أضناه البحث عن الطريق، فتخبط في ظلمات الجهل تارة، وسقط في بحر الحيرة والضلال وهوى النفس تارة أخرى، وولى وجهه شطر طريق الأشواك، فانغمس رغماً عنه فيها، فأدماه وخز الشوك. ولأنه لم يسر في اتجاه الهدف، فما وصل إلى عبق الورد.
من قلب فتاة أضناها البحث عن الطريق، ولمّا لم تجد حولها إلا قلوباً واهنة، وأيادٍ لا تمتد إلا لتأخذ بيدها لتسلمها إلى عرين الأسد، فقد صارت فريسة سهلة في يد الشيطان، وأصبحت أسيرة لهوى النفس، فغرقت في لجة التبرج، وذاقت بسببه أقسى مشاعر الوحدة والاغتراب عن النفس. فأراد الله بها خيراً، فامتدت لها عنايته لتقيلها من عثرتها وتنتشلها من مشاعر الإحباط والاغتراب والإحساس بالوحدة وسط عالم يعج بالمعاصي والذنوب.
أكتب إليكِ أختي المسلمة هذه الرسالة، وما أبغي بها سوى وجه الله عز وجل، عسى أن تكون توبة صادقة لي ولكِ، وعسى أن يتقبلها الله منا حين يعلم صدق توبتنا ورجوعنا إليه، فيفك عنا أسر هذه القيود التي تكبلنا، ويخرجنا من ظلمات الجهل الذي يسكننا إلى رحاب نور الإيمان. فهل تأتين معي وتعيريني قلبك قليلاً في رحلة إلى دنيا صافية بعيدة عن المعاصي؟ هل تأتين معي إلى جنة الدنيا؟
نعم أختاه، ففي الدنيا جنة رائعة، ألا وهي حلاوة الإيمان التي إن ذاقها قلبك ومست شغافه، لتمنى أن يولد من جديد ليرتدي من أول وعيه ثوب الإيمان ليتحول إلى قلب يستضيء بنور الإيمان بعدما غلفه الصدأ من كل الأجناب. نعم، فالقلب أيضاً يصدأ. فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن العبد إذا أذنب ذنباً، كان نكتة سوداء في قلبه، فإن تاب منها ثقل قلبه وإن زاد زادت، فذلك قول الله تعالى: "كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون" (المطففين 14)."
رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
هكذا هو القلب عندما يغرق في المعاصي، يصبح كقطعة من الثلج أحاطتها الحرارة من كل جانب، فذابت واختفت معالمها، أو كوردة ملقاة على الأرض فداستها الأقدام، فاستحالت إلى بقايا ميتة بلا شذا، وأبداً لن يعود القلب إلى نقائه إلا بشيء من الإصرارعلى توفير المناخ المناسب الذي لن يوجد من تلقاء نفسه، ولكن بالتوبة الصادقة والعزيمة القوية وصدق اللجأ إلى الله عز وجل والإخلاص في التقرب إليه، وكذلك شيء من الحب لأنفسنا والحنو على ذواتنا لنقي أنفسنا ناراً عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون لله أمراَ.
"ياأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون" (التحريم 6).
شيء من الصبر على تهذيب أرواحنا، والسمو بأنفسنا، لنصل إلى منزلة أصحاب القلوب السامية. فالإنسان في حاجة دائمة إلى الصبر على الطاعة ليصل إلى أسمى مراحل الإيمان وأعلى درجات الصفاء النفسي. شيء من التحدي لشيطان أنفسنا وأهوائنا. شيء من التطلع إلى مكانة أسمى لدى الله، ولحظتها سنجد النتيجة مبهرة تماماً، سنجد داخلنا نبعاً متدفقاً من الإيمان. نعم، فكل منا بداخله فطرة نقية، وزهرة تحتاج إلى نور الإيمان لتحيا. أما إذا منعنا عنها ماء الهدى وأحطناها بجبال المعصية فإنها تذبل وتختنق.
أختاه لقد مر من العمر الكثير، والباقي لا نضمن منه لحظة واحدة. فهل لنا أن نعيد ترتيب أوراقنا، وأن نعلن توبتنا؟ لعل وعسى أن تعود الفطرة الهاربة إلينا.
هل آن لنا أن نصبح مسلمين بحق؟ هل نكف عن مبارزة الله بالمعاصي والتبغض إليه بالذنوب، وهو الذي يتحبب إلينا بالنعم؟ هل آن لنا أن نسرع إلى الله الخطا؟ أن نمشي إليه ليهرول إلينا؟ هل آن لنا أن نعود إلى الله، وإلى إسلامنا وإلى حقيقتنا الطاهرة؟ اللهم اهدنا للإسلام. اللهم ردنا إلى دينك رداً جميلاً. اللهم إنك تعلم أننا نحب طاعتك ولكن نفوسنا ضعيفة، فمد يد العون لنا، وطهر قلوبنا وباعد بيننا وبين ذنوبنا.
معنى الإسلام
"فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماَ" (النساء 65).
كان المسلمون الأوائل يفهمون معنى الإسلام. كانوا يعيشون الإسلام بكل مقتضياته. لذلك كانوا خير الناس، وخير القرون. اقترن عندهم معنى الإسلام بالعمل. رضوا بالدين ككل متكامل، ولم يجزئوه. لم يأخذوا منه ما يتوافق مع أهوائهم ويساير رغباتهم، ويتركوا ما عدا ذلك. أما اليوم، فقد صار الإسلام في نفوس المسلمين كلمة أو هوية تلحق بصاحبها، ونسوا أن "الإسلام ما هو الإ الانقياد" (لسان العرب). ونسوا أو تناسوا أن الهدف الذي خلق الإنسان من أجله هو العبادة، "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" (الذاريات 56). فما هي إذاً تلك العبادة التي خلقنا من أجلها؟ يقول شيخ الإسلام: "العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال الظاهرة والباطنة"، ويقول أيضا: "العبادة هي طاعة الله بامتثال ما أمر الله به على ألسنة الرسل". فهل حقق المسلمون اليوم معنى العبادة؟ وهل أدت المرأة المسلمة حق الله عليها، وقامت بهذه العبادة كما ينبغي؟ إن معنى إقرارنا بالشهادة وقبولنا الإسلام ديناً، أن نلتزم بكل التكاليف التي أمرنا الله بها. يقول ابن كثير في تفسيره لمعنى العبادة: "عبادته هي طاعته بفعل المأمور وترك المحظور". ولا تظن المرأة المسلمة التي تستبيح أوامر الله، وتنتهك حرمته، وتسير عارية الرأس، متبرجة؛ تعرض زينتها لكل عين كأنها تبارز الله بالمعصية، لا تظن هذه المرأة أنها بذلك تكون مسلمة بحق. فها هو معنى الإسلام والإيمان يتلخص في آية؛ "وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً" (الأحزاب 36). أما الاعتراف باللسان فقط، فهذا دون الإيمان، "قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسملنا ولمّا يدخل الإيمان في قلوبكم" (الحجرات 14). "ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين" (النور 47).
أما الإيمان فهو كما قيل الاعتراف باللسان والتصديق بالقلب والوفاء بالفعل والاستسلام لله في جميع ما قال وقدر. ويتضح لنا ذلك في قول الله عز وجل: "قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين" (الأنعام 162).
فسلي نفسك أيتها المسلمة، التي أحبت ربها، ورضيت به رباً، وقبلت الإسلام، ورضيت به ديناً، سلي نفسك هل أنت مسلمة حقا؟ هل استسلمت لربك في جميع أوامره، وخضعت لأحكامه بكل حب ورضا؟ بل سلي نفسك هل رضيت بالله رباً؟
أظنك الآن غاضبة ثائرة تتعجبين وتقولين: أنى لي أن ارضى بالله رباً؟ وأجيبك: لو أنك رضيتِ بالله رباً، لهرولتِ إلى دينك، وتجرعتِ تعاليمه، وأحللت حلاله، وحرمت حرامه. لو أنك رضيت بالله رباً، لنبض قلبك بحبه، ورضيت بالإسلام ديناً، ولكنت أسرع الناس تنفيذا لأحكام الله وتكاليفه، ولفعلت مثلما فعلت نساء الأنصار، فقد روى حاتم وأبو داود في سننه من طريق صفية بنت شيبة قالت: "بينما نحن عند عائشة قالت: فذكرنا نساء قريش وفضلهن، فقالت عائشة رضي الله عنها: إن لنساء قريش لفضلاً، وإني والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار، أشد تصديقاً لكتاب الله، ولا إيماناً بالتنزيل، لقد أنزلت سورة النور "وليضربن بخمرهن على جيوبهن" انقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل الله إليهم فيها، ويتلو الرجل على امرأته وابنته وأخته وعلى كل ذي قرابته، فما منهن امرأة إلا قامت إلى مرطها فاعتجرت به تصديقاً وإيماناً بما أنزل الله من كتابه، فأصبحن وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم معتجرات كأن على رؤوسهن الغربان" (حديث صحيح رواه أبو داود).
وها أنا ذا أتركك إلى نفسك لتحاسبيها قبل أن يحاسبك الله، ربما ينبعث في قلبك نور الإسلام ونور الإيمان، فتضيء داخلك حقيقة معناه، فتسارعي إلى تطبيقه في حياتك.
SIZE][/COLOR]
وإني والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار، أشد تصديقاً لكتاب الله، ولا إيماناً بالتنزيل، لقد أنزلت سورة النور "وليضربن بخمرهن على جيوبهن" انقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل الله إليهم فيها، ويتلو الرجل على امرأته وابنته وأخته وعلى كل ذي قرابته، فما منهن امرأة إلا قامت إلى مرطها فاعتجرت به تصديقاً وإيماناً بما أنزل الله من كتابه، فأصبحن وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم معتجرات كأن على رؤوسهن الغربان"
أجزل الله لكِ العطاء
الفصل الثاني
حقيقة الدنيا[/CENTER]
بداية أقول لك: انتبهي واحذري، فالعمر يسرع الخطى، واليوم الفائت كالسر يخرج من فمك محال أن يعود ليصبح سراً مرة أخرى. الأيام لا تقف معنا، بل هي حجة علينا. انظري كم مر من عمرك وأنت لاهية عابثة تتعلقين بالدنيا، ولا تذكرين الموت وهو زائر قريب جد قريب، إذا أتى، فلن يطرق الأبواب، ولن ينتظرك للحظات لكي تعلني توبتك وتمحي آثار الذنوب والمعاصي من صحيفتك، "فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون" (النحل 61).
يالها من غفلة ما بعدها غفلة. غفلة نخضع لها بإرادتنا. نعلم أن العمر ليس بأيدينا وأن عودتنا إلى الله آتية لا محالة وأن نهايتنا قد تكون على وشك الاقتراب منا في أية لحظة وأن الحساب قد اقترب "اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون" (الأنبياء 1).
نعلم كل هذا وبالرغم من ذلك لا نألوا جهداً في الابتعاد عن درب الهداية. نقترب من الله لحظات وساعات وربما أيام، ثم نبتعد شهوراً طويلة وسنوات. نترك أيماننا للظروف إن هي أتت مواتية لهوانا، نسارع إلى الله، وإلا فإننا أبعد ما نكون عنه. فهل هذا هو الإيمان؟ وهل نكون بذلك قد حققنا معنى الإسلام؟ يالها من أماني زائفة تجعلنا نؤجل التوبة، وما نملك من الثقة في الآتي إلا ما يملكه المعدم. إن الحياة أقصر ما تكون، والدنيا عند الله أهون ما تكون، فهي عند الله لا تساوي جناح بعوضة. هذه الدنيا التي تتعلق بها أنفسنا إلى حد العبودية هي نفسها التي تعرض عنا إن نحن سعينا وراءها، وتهرول إلينا إن نحن أدبرنا عنها، فقد قيل: "من عشق الدنيا، نظرت إلى قدرها عنده، فصيرته من خدمها وعبيدها وأزلته، ومن أعرض عنها، نظرت إلى كبر قدره، فخدمته وذلت له". فانظري من أي الفريقين أنت! فإذا كنت من الذين عشقوا الدنيا، وصاروا من خدمها، فنسوا الله وأدبروا عنه، وطغوا بذنوبهم، أقول لك: إن الله إذاً يبشرك بعذاب أليم، "فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى" (النازعات 38). وقد تكونين ممن يظنون بأنفسهم خيراً ويحسبون أن أعمالهم عند الله مقبولة على الرغم من أنهم ينسون تعاليمه ولا يقيمون حدوده، "قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً" (الكهف 103).
يا أختي إن الدنيا التي ما زال قلبك بها متعلقاً، ما هي إلا دار لهو وندامة، ومتاعها زائل، "اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفراً ثم يكون حطاماً وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور" (الحديد 20). إنه اختيار صعب، أصعب ما يكون على الغافلين، وفي الوقت ذاته سهل، أسهل ما يكون على اليقظين.
فهل تتركين الغفلة وحب الدنيا؟ تلك الدنيا التي تشبه تماماً العملة، اليوم في يدك وغداً في يد غيرك، وأبداً لا تستقر في يد أحد. فهلا سارعت لتشتري نفسك بهذه العملة؟ وهلا سارعت فاشتريت بها تجارة رابحة، تجارة محال أن تبور؛ التجارة الوحيدة التي تنجيك من عذاب أليم.
فلتسارعي قبل أن يضيع عمرك؛ كل رأس مالك، فتخرجي من الدنيا وأنت بلا زاد يدخلك الجنة. تلك العروس التي لا ترضى بمهر غير ترك الشهوات، وفعل الخيرات، والمسارعة بالطاعات، والتوبة الصادقة من المعاصي والذنوب. فأما إن ظللت على هذه الحال، فستخرجين من الدنيا وأنت معدمة، ولحظتها سترددين: "رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين" (المنافقون 10). أختي لا أجد من الكلمات ما أدعوك بها إلى الجنة التي فيها ما لا عين رأت غير هذه الدعوة الربانية: "سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم" (الحديد 21). ها هي الدعوة، والله هو الداعي، فهل قبلت الدعوة؟ وهاهي الجنة تتزين لك بكل ما هو عظيم، فهل تزينت لها بطاعة الله وبستر ما أمرك الله بستره؟ وهل أقبلت على نفسك باستكمال فضائلها؟ كما قيل:
ياخادم الجسم كم تسعى لخدمـــــته أتطلب الربح مما فيه خـسران؟
أقبل على النفس واستكمل فضائلها فأنت بالنفس لا بالجسم إنسـان! [/SIZE[/COLOR]]
أين الحرية؟
يا من تاهت في دروب الضلال، فاتبعت شهواتها، وخلعت حجابها، ما أنت يا مسكينة سوى جارية وأمة!
معذرة هذه هى الحقيقة المؤلمة، فأنت الآن أمة تخضع للعبودية والرق بكامل إرادتها، ولكنها عبودية من نوع مغاير تماماً لتلك العبودية التي تتوقعينها. أنت الآن أمة في سوق الرجال، وعبوديتك تمتد لتشمل كل هؤلاء الرجال الذين يحيطونك بنظراتهم النهمة، تلك النظرات التي تتفحص جسدك، وتحدد كل معالمه التي تبرزينها لهم بغفلتك. وهم ينظرون، وينتظرون المزيد من الغفلة ليتمتعوا بهذا الجسد الذي تأسرينه خلف جدران الرجعية ودعاوى الحرية الزائفة، وليتمتعوا بهذا الشعر على كتفيك، وهذه السيقان العارية، والأذرع المكشوفة. كل هؤلاء الرجال الذين تتزينين لهم، ينظرون ويتمتعون وينتظرون المزيد والمزيد. وقد يأخذهم الخيال إلى ما هو أبعد وأحقر من ذلك. فهل تقبلين كل هذه المهانة؟ وهل ترتضين لنفسك هذه الصورة المخجلة؟ أعرف أنك ستثورين وتقولين: أنا لم أقصد أبداً أن أزرع في نفوسهم هذه النظرة الدنيئة. ولكن هاهي الحقيقة، وأنت وحدك المسئولة عن هذا الوضع المشين. أنت وحدك المسئولة عن ضياع حيائك وكرامتك بين هذه النظرات الحيوانية والرغبات التي لا تنام ولا تهدأ في القلوب المريضة والنفوس الضعيفة، وقد قيل:
كل الرجال وإن تعفف جهده لابد ولو بنظرة سيخون
إن هذا الأسلوب الذي تعيشين به يدمر أقدس ما في المرأة، يدمر حياءها ويقضي على فطرتها المستقيمة، الفطرة التي ترفض كل ما هو قبيح وكل ما هو مبتذل. ومن المؤكد أنك ذات فطرة سليمة وقلب مشتاق إلى نور الإيمان، فيامن أحبت ربها ولكنها ضلت الطريق إليه، هل تبحثين لنفسك عن الحرية؟
نعم، لتكن الحرية غايتك التي تسعين وراءها، ولكن عليك أن تفهمي أولاً المفهوم الصحيح للحرية.
إن الحرية التي تنجرف المرأة وراءها اليوم، ماهي إلا سهم مسموم يدمر حياتها. هذه الحرية التي تولدت عن مفاهيم خاطئة، وحضارة تستهدف إخضاع الإنسان للشهوات والرذائل، وتحطيم إنسانيته، وذلك ما لا يرضاه الله عز وجل لك، فلقد كرمك ربك فأحسن تكريمك.
لقد أراد الله لنا الكرامة، وأرادت دعاوى الحرية الزائفة لنا المهانة. أراد لنا الإسلام العفة والطهارة، وأراد لنا من يتبعون الشهوات، الضعة والسقوط في بئر الحيوانية والرذيلة، "والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاَ عظيماً" (النساء ـ40).
لقد نظر الإسلام إلى المرأة على أنها إنسان حر، وهي مسئولة أمام الله عز وجل عن أفعالها مثل الرجل تماماً، "من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب" (غافر40).
أما الحضارة الحديثة، فقد نظرت إلى المرأة على اعتبار أنها جسد يجب ألا يخضع لعوامل الطهر، والتي تعتبر عندهم عوامل نقص في شخصية المرأة المتحضرة وحصاراً مفروضاً على المرأة المسلمة، وعليها أن تفلت منه. ولكن العجب كل العجب، أن النساء في الغرب يهرولون إلى الإسلام ويدخلون فيه أفواجا، لما وجدوا فيه من إرضاء الفطرة الطاهرة، واحترام عفة المرأة وحريتها، بعدما ذاقوا ويلات الحرية الكاذبة، وبعدما انغمسوا في الشهوات، فخرجوا منها بشتى أنواع الأمراض النفسية والضياع النفسي.
إن ثقافة المرأة اليوم سطحية في غاية السطحية؛ لأنها لا ترضى لنفسها إلا أن تكون وجها مشوها بالزينة، وجسدا مكشوفا، وعقلا فارغا من أية عقيدة، وقلباً بعيداً عن الله وعن تعاليمه. فهلا تحررتِ من كل هذه الدعاوى الزائفة وبحثت عن الحرية الصحيحة داخل حدود دينك لتعثري على هذه اللؤلؤة المكنونة في داخلك وتزيلي عن قلبك هذا الصدأ الذي تراكم عليه؟ ولحظتها ستجدين داخلك إنسانا آخر، هدفه الحقيقي طاعة الله. ستجدين جسدا ثائراً على هذه الملابس التي تظهر مفاتنك، جسداً يطالبك بزي إسلامي يصونه ويحميه. ستجدين شعراً يطير شوقاً إلى الخمار، شوق الظمآن إلى الماء. ستجدين عقلاً هدفه الحقيقي الوصول إلى مرضاة الله، لا الوصول إلى نظرة إعجاب في أعين لا تعرف كيف تصون حرمات الله. الحرية أختاه ألا تخضعي لغير الله، وهاهو الحجاب شرع الله، قد يبدو لأول وهلة قيداً لحريتك، ولكن الحقيقة غير ذلك، فدائما تختفي اللؤلؤة الثمينة داخل الصدفة لتحتمي بها من الخدوش. لو أن لديك كنزاً من الذهب أو الماس، هل ستقذفين به في الأسواق تتعلق به أعين اللصوص والطالبين، أم أنك ستحوطينه وتغلقين عليه وتحتاطين لحمايته والحفاظ عليه؟ إنها روعة الإسلام والمكانة الفريدة التي وضع المرأة فيها. فأنت ياابنة الإسلام هذا الكنز، والإسلام يحميك. فلتنظري ولتتدبري الأمر لتدركي مدى أهميتك، ومكانتك في دينك.
ياله من إحساس رائع، لا يشعر به إلا من تحرر من أسر هذا التبرج البغيض، إحساس يجعلك حين تناجين ربك، تشعرين بأنك جديرة بأن يكون هذا الإله العظيم إلهك، وهذا الدين الحنيف دينك، وإلا فما الفائدة من هذه الحياة؟ ونحن نبتعد عن الهدف الحقيقي الذي خلقنا من أجله، "وما خلقت الجن والإنس إلا ليــعبدون" (الذاريات 56). وهاهم الجن يستمعون إلى كلام الله، وســـــرعان ما تكون التلبية، "قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا" (الجن 1-2). بل إنهم يسمعون ويلبون ويدعون قومهم للإيمان، "ياقومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم" (الأحقاف 31). فأين نحن من كل هذا؟ نسمع ولا نلبي!! نكذب على أنفسنا ونقول: الإيمان داخل القلب. كلا!! فليس هذا بإيمان حقيقي!! فالعمل شرط الإيمان، وشرط رضا الله على العبد. قد تقولين إنك سليمة النية، لا تبغين الفساد، ولا تريدين أن تتعلق بك أعين الرجال! نعم ربما تكون هذه هي الحقيقة، ولكن هذا لا ينفي أن الخمار فرض، وأن المؤمن الحقيقي هو الذي يطيع ولا يجادل في أوامر ربه، "وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن" (النور 31). هذا هو الفرض فما هو قولك؟ "إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا لله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون" (النور 51). والآن فاسألي نفسك بعد دعوة الله لك، هل ستقولين سمعا وطاعة، أم ماذا ستقولين؟ ولتعلمي أن النية وحدها لا تكفي، وإلا فكيف يدخل الجنة من أطاع وتنازل عن شهواته ابتغاء مرضاة الله عز وجل مع من عصى واستكبر وأصر على اتباع شهواته؟ فترفقي بنفسك، وقها لهيب النار وغضب العزيز الجبار، واتقي يوما تعودين فيه إلى الله وتقفين بين يديه، ولتشفقي على نفسك من هول يوم الحساب، "واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله" (البقرة 281). "يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه" (آل عمران 30).
واحذري أن تقولي: إنني لست مقتنعة الآن بالحجاب. فهذا من ضعف الإيمان، "وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا" (الأحزاب 36). وأقول لك: إذا اخترت الله، فليس أمامك إلا طاعته، وإذا اخترت الإسلام دينا، فعليك تقبل أحكامه. وربما تقولين إنك تعترضين على الحجاب فقط، أما باقي أوامر الله، فأنت تقولين عند سماعها: سمعا وطاعة. إذاً فالله يحذرك أن تكوني مثل اليهود، "أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض، فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا، ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون" (البقرة 85). وربما يأخذك الخيال إلى أنك ما زلت صغيرة على الحجاب، ولكنك ياغافلة لست بصغيرة على الموت الذي قد يخطفك ويذهب بروحك في أية لحظة. فالموت قد يخطف الصغير قبل الكبير والمعافى قبل السقيم.
فكم من صحيح مات بغير علـــــــة وكم من سقيم عاش حينا من الدهر
وكم من فتى أمسى وأصبح ضاحكا وقد نسجت أكفـــانه وهو لا يدرى
وكم من عروس زينوها لزوجــــها وقد قبضت أرواحــهم ليلة العرس
ثم إنه من المحال أن تكونى صغيرة على طاعة الله، فربما تكونين فى سن الشباب أو سن النضج، فهل تنتظرين حين يتساقط شعرك ويهرم سنك؟ ولحظتها ترتدين الخمار وتتوبين إلى الله! فهل هذه توبة؟
"إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب" (النساء 17).
وربما تقولين إنك ستهرولين إلى الخمار بعد الزواج، إذاً فأنت تستخدمين جسدك وجمالك استخداما دنيئا، لنيل زوج، يريد امرأة يشار إلى جمالها بالبنان. فاعلمي إذاً أن هذا الزوج لن يكون أميناً، أو وفياً، وسوف تتعلق نفسه بغيرك من الجميلات بعد الزواج، بعدما يصبح جمالك عادياً مألوفاً بالنسبة إليه. أما الذي يختارك من أجل دينك فهذا نعم الزوج، ونعم الرفيق، إن أحبك أكرمك، وإن كرهك لن يظلمك. ثم إن ما عند الله لا ينال إلا بطاعة الله، وأخيراً أقول لك: إن هذا التبرج البغيض الذي تقعين أسيرة له يضيع حياءك وقد جاء في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت" (رواه البخاري). والحياء ما هو إلا خلق يبعث على ترك القبائح ويمنع من التفريط في حق صاحب الحق كما قيل، فهل تستحين من الله؟ أم أنك قد ودعت خلق الحياة وأصبح الله عندك أهون الناظرين؟
كتابة متقنة..نفع الله بها..
جزاك الله خير وبارك فيك..
حجاب عصري جدا
عندما حرم الله التبرج حرمه بكل صوره، وشتى أنواعه، حرمه على الجميلة والدميمة، الغنية والفقيرة، حرمه على من تزوجت ومن لم تتزوج بعد، فليس هناك في الإسلام تفرقة بين الناس في الحلال والحرام وكذلك لما حرم التبرج حرمت كل وسائله فلا تظن المسلمة التي ترتدي الحجاب وترتدي معه الملابس القصيرة أو الضيقة أنها بذلك قد أطاعت الله وأدت ما عليها من فرض كلا إن هذا كله ما هو إلا خداع ولكن من الذي تخدعه هذه المسلمة المحجبة المتبرجة هل تخدع الله أم تخدع نفسها "يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون" (البقرة 9). لقد نهى الله عز وجل عن التبرج نهيا صريحا فقال ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى" (الأحزاب 33). والتبرج هو التكشف والظهور للعيون أو كما قال الزمخشري: التبرج تكلف إظهار ما يجب إخفاؤه. وقد أخذ التبرج في عصرنا هذا حدا تعدى كل الحدود وتعمدت النساء إظهار زينتهن وزعمن أنهن ذوات نية حسنة ولا يقصدن إثارة الشهوات ولكن النية الحسنة محال أن تحول الحلال إلى حرام بل يبقى الحرام حراما وإن حسنت النية. نعم إن هذه المرأة التي بدأت الطريق إلى ربها قد قطعت أولى خطواتها إلى الله ولكن ألا تريد هذه المسلمة أن تكمل المسيرة إلى الله.
إن الإنسان منا في رحلة طويلة وإذا لم يتزود بالإيمان أقبل عليه الشيطان ولبس عليه أمور دينه فيريه الباطل حقا والحق باطلا، فهذا الحجاب العصري يشتمل على عدة أنواع جلية واضحة من التبرج فزي المرأة في الإسلام يخضع لشروط معينة وهي:
1- ألا يشف ويصف ما تحته ويظهر هذا في قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبو هريرة: "صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنامة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة خمسمائة عام" (رواه مسلم).
ومعنى قوله كاسيات عاريات: أي تستر بعض بدنها وتكشف بعضه إظهارا لجمالها وقيل تلبس ثوبا رقيقا يصف لون بدنها. ومعنى مائلات: أي مائلات عن طاعة إلله وقيل يمشين متبخترات ومميلات أي إنهن مميلات لقلوب الرجال. ومعنى قوله كأسنمة البخت: أي يصففن شعورهن فوق رؤوسهن أو يكبرنها ويعظمنها بلف عمامة أو عصابة. معنى ذلك أن الثوب يجب أن يكون فضفاضا غير ضيق لا يظهر لون البشرة أو يجسم العورة ولا يبرز مواضع في جسد المرأة من شأنها إثارة الفتنة، وبذلك لا يصلح مع الحجاب الملابس الضيقة أو الخفيفة. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "رب كاسية في الدنيا عارية في الأخرة" (رواه البخاري عن أم سلمة)
2- ألا يشبه هذا الثوب ملابس الرجال، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم " المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء، قال: قلت له وما المترجلات من النساء؟ قال: "المتشبهات من النساء بالرجال" (أخرجه البخاري). وبذلك يحرم على المرأة لبس البنطلون ولا يصلح أبدا الحجاب مع هذا الزي الذي هو في الأصل زي الرجال وإلا استوجب ذلك اللعنة، ومن منا تحتمل لعنة الله ورسوله.
3- ألا يشبه لباس الكافرات من اليهوديات والنصرانيات والوثنيات فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من تشبه بقوم فهو منهم" (حديث حسن رواه أحمد وأبو داود عن ابن عمر).
4- ألا يكون ثياب شهرة يستهدف لفت الأنظار، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة ثم ألهب فيه نارا" (أخرجه أبوداود وابن ماجه وإسناده حسن).
5- ألا تكون ألوان هذا الثوب ملفتة للأنظار لأن هذا في حد ذاته زينة "ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها" أي بدون تعمد.
6- أن يكون الثوب ساترا لجميع جسد المرأة لقوله عز وجل: "ياأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما" (الأحزاب 59).
هذا عن شروط الثوب الإسلامي ولكن التبرج لا يقف عند حد الثياب فما دمنا نريد الاستقامة على طريق الإيمان فيجب علينا سد كل وسائل التبرج وإثارة الشهوات ومن هذه الوسائل جذب الرجال ببعض أنواع الزينة الخفية مثل العطور. عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة أصابت بخورا فلا تشهدن معنا العشاء" (رواه مسلم). لقد حرم الله على المرأة الخروج متعطرة وإن كانت ذاهبة إلى المسجد للصلاة لما في ذلك من إثارة للشهوات.
كذلك حرم على المرأة الخضوع بالقول وهو الرقة واللين في القول وذلك حتى لا يطوع من في قلبه مرض والمقصود بالمرض هنا شهوة الزنا "فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا" (الأحزاب 32).
فيا أختي المسلمة قد بان لك الأمر على حقيقته إن كنت تجهلينه فماذا أنت قائلة بل ماذا أنت فاعلة أظنك الآن ترددين سمعا وطاعة يارب وأظن بك خيرا وأنك ستهجرين كل أنواع التبرج لأنك تحبين الله وتحبين طاعته ولأنك تخافين غضبه وعقابه أما إذا استحوذ عليك الشيطان فأنساك الله فلتخافي إذا على قلبك أن يختم عليه الله ويحول بينه وبين الهدى "ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا" (الكهف 57).
بداية الطريق
"وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم" (الأنعام 54).
يالها من لحظة رائعة تلك اللحظة التي تمتزج فيها دموع التوبة والندم بنور الإيمان وحرارة الشوق إلى الطاعة فيذوب الجليد المتراكم فوق قلوبنا وننطلق بنور الإيمان في طريق الخير ولا نلتفت إلى خفافيش الظلام الذين يريدون لنا حياة حيوانية تقوم على معصية الله. إنها لحظة بعمر الإنسان كله عندما يبكي لربه متضرعا يرجو عفوه وصفحه ويطلب منه التوبة ومد يد العون. وهنا يفرح الله بعودة عبده التائب إليه، فقد روي في الصحيحين من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :"لله أشد فرحا بتوبة عبده المؤمن من رجل في أرض دوية مهلكة معه راحلته عليها طعامه وشرابه فنام فاستيقظ وقد ذهبت فطلبها حتى أدركه العطش ثم قال أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى الموت فوضع رأسه على ساعده ليموت فاستيقظ وعنده راحلته عليها زاده وطعامه وشرابه فالله أشد فرحا بتوبة عبده المؤمن من هذا براحلته" (متفق عليه).
ياله من إحساس رائع حين يشعر المذنب العائد إلى ربه أنه يتلقاه بفرحة عظيمة وأنه يتوب عليه ويبدل سيئاته حسنات، وهل هناك أجمل من أن تشعري أختي المسلمة بفرحة الله به وبعودتك إليه تائبة نادمة ومقرة بذنبك؟ فهل بعد هذا تصرين على المعصية؟ لا والله إني لأحسبك على خير وأنك ستهرولين إلى الفلاح "وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون" (النور 31).
ولقد وصانا النبي صلى الله عليه وسلم بالتوبة الدائمة حين قال :"ياأيها الناس توبوا إلى الله إني أتوب إليه في اليوم مائة مرة" (رواه مسلم).
فإذا كان هذا هو حال الني وهو الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فكيف حال غيره من أمثالنا؟
إن الذنوب سد يقف بيننا وبين صفاء القلب وبين الوصول إلى الجنة وإلى رضا الله عز وجل كما قيل: "إن الذنوب حجاب عن المحبوب والانصراف عما يبعد المحبوب واجب" (مختصر منهاج القاصدين). وهل هناك حجاب بين المؤمنة والجنة أعظم من التبرج وهاهي دعوة مفتوحة من الله للتوبة والمغفرة مهما عظم ذنبك فعن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروى عن رب العزة أنه قال: "أذنب عبدي فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به ثم عاد فأذنب فقال أي رب اغفر لي ذنبي فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به ثم عاد فأذنب فقال أي رب اغفر لي فقال تبارك وتعالى أذنب عبدي ذنبا وعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب اعمل ما شئت فقد غفرت لك" (متفق عليه).
ولكن كيف تكون التوبة ونحن ما زلنا نتخبط في ظلمات الذنوب. إن أول طريق التوبة الندم. نعم الندم على كل ما فرطنا فيه من حق الله عز وجل وحق أنفسنا. وعندما يندب القلب وتبكي العين تطهر النفس من دنس الذنوب ويحيي الله القلب بعد موته "اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها قد بينا الآيات لعلكم تعقلون" (الحديد 17). ولكن ما هي التوبة وما شروط التوبة الصادقة؟ التوبة كما قال الحسن البصري: هي أن يكون العبد نادما على ما مضى مجمعا على ألا يعود إليه. وقيل: إنها الرجوع إلى الله من مخالفته إلى طاعته وهي الإقلاع عما يكرهه الله والندم عليه والرجوع إلى طاعته.
شروط التوبة الصادقة:
التوبة الحقيقية لا تتم إلا بالإقلاع عن الذنب فلا تصح التوبة مع الإصرار على الذنب ثم الندم الصادق على ما فرطنا في جنب الله. وكما قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: من ذكر خطيئة ألم بها فوجل منها قلبه محيت عنه في أم الكتاب". ويأتي بعد ذلك العزم الصادق على عدم معاودة الذنب مرة أخرى. ولقد قيل إن توبة آدم قبلت لخمس خصال ولم تقبل توبة إبليس لعنه الله لخمس خصال؛ فآدم أقر على نفسه بالذنب وندم عليه ولام نفسه وأسرع في التوبة ولم يقنط من رحمة الله تعالى وإبليس لعنه الله لم يقر على نفسه بالذنب ولم يندم عليه ولم يلم نفسه ولم يسرع في التوبة وقنط من رحمة الله تعالى فمن كان حاله مثل حال آدم قبلت توبته ومن كان حاله مثل حال إبلس لم تقبل توبته.
هذه هي التوبة الصادقة والله ينادينا ليتوب علينا ويطهرنا فهل نلبي النداء ونغمر قلوبنا بنور الإيمان أم نصر على ذنوبنا ونؤجل توبتنا حتى إذا أتت النهاية ندمنا ورددنا "رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت" (المؤمنون 99).
وهنا لا يقبل الله التوبة "إنما التوبة للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما" (النساء 17-18). أختي التائبة أريد أن أهمس في أذنك بكلمة أخيرة وهي أننا ونحن في طريقنا للتوبة ربما نتذكر ذنوبنا وكم كنا نعصي الله فيقنطنا الشيطان من رحمة الله ليبعدنا عن الجنة ونحن نقطع أولى خطواتنا إليها ولكن رحمة اللن وسعت كل شيء ولا يسعني إلا أن أتلو قول الله عليك "قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا إليه من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون" (الزمر 53-54). فهيا إلى توبة صادقة وميلاد جديد لقلوبنا لننعم بحياة هادئة وآخرة هانئة.
وماذا بعد التوبة ؟
الحمد لله الذي هدانا وجعل قلوبنا تهفو إلى التوبة الصادقة ومنحنا القدرة على مخافة هوى النفس وإجابة داعي الحق. أختي المسلمة أجدني الآن أسأل نفسي: وماذا بعد التوبة؟ ما الذي علي أن أفعله ليثبت الإيمان في قلبي وتظل حلاوته معي ولا يكون مجرد وهج سرعان ما ينطفئ وشعاع سرعان ما يختفي وسرعان ما أجد الإجابة فأحب أن نتواصى بالخير ونكون ممن تعاونوا على البر والتقوى.
1- التوبة الدائمة:
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" ما من رجل يذنب فيتوضأ ويحسن الوضوء ثم يصلي ركعتين ويستغفر الله عز وجل إلا غفر له" حديث حسن رواه الترمذي.
فما أجمل أن نبدأ توبتنا بصلاة ركعتين نستغفر فيهما الله وندعوه أن يتوب علينا ويثبتنا على طريق الحق.
2- الإكثار من الاستغفار:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"ياأيها الناس توبوا إلى الله إني أتوب إليه في اليوم مائة مرة" (رواه مسلم). ولقد حثنا الله عز وجل في العديد من آيات القرآن على الاستغفار وبين لنا أن للاستغفار بركات تحل على المستغفر في الدنيا والآخرة "فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا" (نوح 10-12). وعلينا أن نتذكر دائما أنه لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار.
3- الإكثار من الحسنات:
"إن الحسنات يذهبن السيئات" (هود 114). من كرم الله علينا أننا عندما نتوب يبدل الله سيئاتنا حسنات ولذا علينا بالإكثار من الطاعات وفعل الخيرات وأن نمشي بالخير في كل طريق عصينا فيه الله وأن نتبع السيئة الحسنة كما قال صلى الله عليه وسلم :"أتبع السيئة الحسنة تمحها" (حديث حسن رواه الترمذي). مجالات الخير واسعة ولتعلمي أن الناس في سباق إلى الله كما قال الحسن البصري، فإن استطعت ألا يسبقك إلى الله أحد فافعلي. ووجوه الخير كثيرة مثل الصدقة والإحسان إلى الأيتام وصلاة السنن وصيام ثلاثة أيام من كل شهر.
4- محاسبة النفس:
"يأيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد" (الحشر 18). كان عمر ابن الخطاب يقول :"حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا". ومحاسبة الإنسان لنفسه تقيه الوقوع في ذل المعصية وتذكره بذنبه فيكون دائم التوبة كثير الاستغفار، أما من لا يلتفت إلى محاسبة نفسه تمضي به الأيام وهو في غفلة حتى يأتي الموت ويجد الحساب العسير وقد قيل أن أحدهم كان محاسبا لنفسه فحسب يوما فإذا هو ابن ستين سنة فحسب أيامها فإذا هي أحد وعشرون ألف يوم وخمسائة يوم فصرخ وقال ياويلتا ! ألقى الملك بأحد وعشرون ألف ذنب وخمسائة ذنب ! كيف وفي كل يوم عشرة آلاف ذنب ثم خر مغشيا عليه فإذا هو ميت فسمعوا قائلا يقول يالها من رقدة إلى الفردوس الأعلى.
5- ذكر الموت:
فمن ذكر نفسه بالموت دق في قلبه جرس الخوف وخشي الله وتذكر النار وعذابها وما أعد فيها للظالمين وتذكر الجنة ونعيمها وما أعد فيها للصالحين فينبعث في قلبه الإصرار على السير في الطريق المستقيم وتذكر الموت وما آل إليه حال من كان بالأمس بيننا حيا يثبت القلب ويورث الخشية ويكون خير معين على مواصلة الطريق.
6- كثرة ذكر الله:
"ألا بذكر الله تطمئن القلوب" (الرعد 28). الذكر أيسر العبادات ومن أقوى الأسلحة التي يتسلح بها المؤمن في حربه للشيطان والمؤمن الدائم الذكر لربه معه حصانة من الله فهو في حمى ربه لا يقربه الشيطان ولا يستطيع، فبذكر الله يطمئن القلب وتهدأ النفس فيكن ذكر الله صديق أوقاتنا وأنيسا لنا في وحدتنا. وعلينا أن نتمسك بأذكار الصباح والمساء فهي حرز من الشيطان، قال تعالى: "وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها" (طه 130).
وكذلك الأذكار بعد الصلاة وقبل النوم وهذه الأذكار تجدينها في كثير من الكتب مثل: الوابل الصيب من الكلم الطيب لابن القيم والأذكار للنووي ورياض الصالحين للنووي.
7- قراءة القرآن والبكاء عند قرائته:
كتاب الله هو النور المبين الذي إن لازمناه سمت أرواحنا وطهرت نفوسنا وارتاحت قلوبنا المثقلة بالهموم وعلينا أن نعرف أن القلب الميت ينبعث فيه نور الإيمان بالقرآن فهو شفاء ورحمة ونور فلنتمسك بكتابنا ولنجعل لنا وردا يوميا نحافظ عليه وعلينا أن نقرأه بتدبر وخشية ولا نحرك به ألسنتنا وقلوبنا غافلة. ففي البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقرأ علي. فقلت: أقرأ عليك وعليك أنزل؟ فقال: "إني أحب أن أسمعه من غيري. قال: "فقرأت سورة النساء حتى إذا بلغت فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا قال حسبك فالتفت فإذا عيناه تذرفان". وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال لما نزلت أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون بكى أهل الصفة حتى جرت دموعهم على خدودهم فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حسهم بكى معهم فبكينا لبكائه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يلج النار من بكى من خشية الله (أخرجه البيهقي).
8- المحافظة على الصلاة:
"حافظوا على الصلاة والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين" (البقرة 238). الصلاة هي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة وهي عماد الدين والصلاة تمحو الخطايا فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ألا أدلكم على ما يمحوا الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا بلى يارسول الله، قال إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطى إلى المساجد وانتظارالصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط (رواه مسلم).
وإياك وتضييع الصلاة فعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة" (رواه مسلم).
فالصلاة الصلاة لا يشغلك عنها شاغل ولا تضيعي وقتها حتى لا تكوني ممن توعدهم الله "فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون" (الماعون 4-5).
السهو: ترك الصلاة حتى يخرج وقتها.
9- الابتعاد عن أصدقاء السوء:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل. (رواه الترمذي).
يخالل: يصادق.
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحا منتنة. (متفق عليه).
يحذيك: يعطيك.
إن أصدقاء السوء لا يهدأ لهم بال إذا ما رأوا غيرهم يسيرون على طريق الحق فإذا ما ظللت معهم كانوا خير عون لك على المعاصي فهؤلاء الرفاق هم شياطين الإنس الذين يصدون عن ذكر الله ويزينون للناس المعاصي ويحسنون لهم القبيح فعلينا الابتعاد عنهم وإلا سيحدث لنا ما لا تحمد عقباه ولن نجد إلا الندم وقت لا ينفع الندم "يوم يعض الظالم على يديه يقول ياليتني اتخذت مع الرسول سبيلا ياويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا لقد أضلني عن الذكر بعد إذا جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا" (الفرقان 27-29).
واذكري دائما قول الله عز وجل "واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا" (الكهف 28).
موضوع ممتاز .. وشامل .. أعجبني ترتيب ومضمون أفكاره جداً ..
أثقل الله به ميزان حسناتك .. وجعلكِ ممن يُنصر الإسلام على أيديهم ..