تخطى إلى المحتوى

الحلقة الخامسة و السادسة – من يشتري الجنة؟ للدكتور راغب السرجانى 2024.

  • بواسطة

ثانيا : بين الصلاة و الإنفاق

=============

كثيرا ما جمع الله بينهما في قرآنه..ومن المعروف أن الصلاة عماد الدين ، وهي أهم عبادة في الإسلام ..و من ثم يأخذ الإنفاق في سبيل الله من قلب المؤمن حيزا يقترب من حيز الصلاة

تأمل قوله تعالى : (إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19)إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20
وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) المعارج..صفات أساسية مجبول عليها الإنسان : الهلع ، والجزع ، والمنع : أي البخل ..ثم يأتي الاستثناء
إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22)
الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) فالصلاة أولا ..ثم ماذا ؟( وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ (24)لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) المعارج
.فجاء الإنفاق تاليا للصلاة مباشرة

فهم ذلك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حتى صار منهج حياتهم ..فقد روى الطبراني عن عبد الله بن مسعود رضي الله قال : ( أمرنا بإقام الصلاة ، و إيتاء الزكاة ..فمن لم يزك فلا صلاة له..) ومن هنا كان هذا الموقف الحاسم لأبي بكر رضي الله عنه ..ذاك الرجل الذي لا تنقضي عجائبه!! فإنه لما ارتدت القبائل ، وكان منها من ارتد بمنع الزكاة فقط ، رأى بعض الصحابة أن أهل هذه القبائل ما داموا قد شهدوا أن لا إله إلا الله ، و أن محمدا رسول الله ..فلا يقاتلون .. أما الصديق فكان يعلم أن الجميع متفقون على أن منكر الصلاة كافر ..ولاحظ هو أن الله قد جمع بين الزكاة ( الإنفاق ) و بين الصلاة في مواضع كثيرة جدا في القرآن الكريم ، فقال قولته الحكيمة : ( لا أفرق بين شيئين جمعهما الله ) انظر إلى الفقه ! فإذا كان حكم إنكار الصلاة كفرا ، والله قد جمع بين الصلاة والزكاة كثيرا ..فإنكار الزكاة كفر إذن …المهم عندنا أن نفهم أن هذا الجمع بين الصلاة والإنفاق لم يتكرر بين الصلاة وشيء آخر ..مما يحفز المؤمن على الاهتمام بالإنفاق والتدريب عليه

ثالثا : لولا أخرتني؟
==========

ومن وسائل التحفيز : ( التحذير من التسويف و التأجيل )، وهذه آفة خطيرة ، فالشيطان لا يأتي للصالحين يقول لهم : لا تدفعوا أموالكم لفلسطين..لكن يأتي و يقول : فلتدفعوا غدا .. أو بعد غد .. أو فلتدفع بعد أن تشتري كذا وكذا..أو فلتدفع بعد أن يأتي لك مبلغ كذا وكذا ..الشيطان إذن يستعمل وسيلة التسويف . ولا شك أنها فعالة ! استمع إلى قوله تعالى يحفزك على الإنفاق لاكيوَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ (10)
وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11) المنافقون
..فلو خطر على ذهنك الآن أن تدفع شيئا لأهلك في فلسطين فأخرجه الساعة ..حدد الآن بينك و بين نفسك .. أو بينك وبين الله رقما ستدفع اليوم .. إن لم تكن تحتفظ به في جيبك فلا تسوف ، و إن جائك الموت قبل أن تصل إلى بيتك و مالك فستؤجر بنيتك ..تصدق ، فقد تكون هذه الصدقة هي المرجحة لكفة الحسنات ، فتسعد سعادة لا شقاء بعدها

رابعا : سبعمائة لا عشرة
============

و من وسائل التحفيز على الإنفاق – أيضا – مضاعفة الحسنات بشكل فريد ..فإننا في كل أمور الخير قد اعتدنا أن تضاعف الحسنات إلى عشر أمثالها .كما في قوله سبحانه وتعالى مثلا ( مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ (160) الأنعام

أما في الإنفاق ..فالأمر مختلف ، ذلك أن الإنسان جبل – كما ذكرنا – على حب المال ، ويحتاج إلى دوافع كبيرة ، ومحفزات عظيمة ، فيزيد الله في أجر الإنفاق أكثر من أمور الخير الأخرى ، حيث يتضاعف إلى أجور كثيرة .. إلى سبعمائة ضعف
انظر إلى قوله سبحانه وتعالى : ( مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261)
البقرة..والله إنه مشروع اقتصادي هائل !! لو أنفقت ألف جنيه لأهل فلسطين كان المردود ما يوازي سبعمائة ألف جنية!!لابد أن تفكر .. لماذ توافق على أن تضع ألف جنيه في مشروع دنيوي يعود عليك بألفين مثلا ..ولا تضعها في مشروع رباني يعود عليك بسبعمائة ألف؟مع أن المشروع الأول دنيوي غير مضمون ، والمشروع الثاني رباني مضمون لاشك فيه !! فكر ..والحمد لله أنك مازلت حيا ، ومازالت أمامك الفرصة للاستثمار ..روى الإمام أحمد والترمذي وصححه ..عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله عز وجل يقبل الصدقات ، ويأخذها بيمينه فيربيها لأحدكم ، كما يربي أحدكم مهرة أو فلوة أو فصيلة ..حتى أن اللقمة لتصير مثل جبل أحد) صدق رسول الله

خامسا : أنفق بلال
=========

ينظر الإنسان إلى المال باعتباره وسيلة لقضاء الحوائج و تيسير صعاب الحياة ، ومن ثم يتعلق به و يحبه ، فهو لا يريد أن يأتي عليه يوم يحتاج لنفقة فلا يجدها .. إنه يريد أن يكفي نفسه و من يعولهم..والله تبارك و تعالى يعالج هذا الأمر في النفس عمدما يعلمك أنه هو – سبحانه – من سيتولى الإنفاق عليك إذا أنفقت في سبيله؟ فكيف تخشى وقد وعدك بحسن العوض؟.. ألا تعرفه؟ إنه ملك السماوات و الأرض..بيده خزائنهما

أيهما أجدى عليك نفعا: أن تباشر أنت شئون نفسك؟ أم أن يتولى الله كل ذلك عنك-بقدرته و كرمه و سعة فضله؟
انظر إلى قوله تعالى ..يطمئنك بالتعويض الرباني عما أنفقت لاكي وما أنفقت من شيء فهو يخلفه ) ..نعم ، هو الذي يخلفه ..وهو الواسع العليم
بل تأمل هذا الحديث العجيب و التحفيز الرباني بالتعويض ..روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( قال تعالى : أنفق يا ابن آدم .. أنفق عليك ) سبحان الله ! إذا أنفقت على أهل فلسطين أو العراق أو غيرهما .. أنفق الله عليك؟.. أما ترضى أن ينفق الله عليك؟
على هذا الفقه العميق ربى رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه ، فطابت نفوسهم بالبذل في سبيل الله ، وجادت أيديهم بالعطاء ..فقد وجد صلى الله عليه وسلم قدرا من الطعام مدخرا عند بلال رضي الله عنه فقال له : ( كما روى الطبراني في المعجم الكبير عن أبي هريرة ) لاكي أنفق يا بلال ..ولا تخش من ذي العرش إقلال).

يتبع
الحلقة الأولى

منقول

سادسا: مال لا ينتقص
================

يقسم الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم أن الصدقة لن تنقص من مالك .. بمعنى أنه لابد أن يتم التعويض في الدنيا قبل الآخرة .. إما بمال قادم ، أو برفع أمر كنت ستنفق فيه مالك حتما ..والمسلمون لا يحتاجون لقسم رسول الله حتى يصدقوه ، ولكنه يقسم على أشياء قد يتسلل الشك فيها إلى قلوب البعض ، وذلك تأكيدا لها ، وتحفيزا لمن تزعزع قلبه واهتز يقينه.

روى الترمذي و قال : حديث حسن صحيح ، وروى الإمام أحمد أيضا عن أبي كبشة عمرو بن سعد الناري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ثلاث أقسم عليهن ، و أحدثكم حديثا فاحفظوه : ما نقص مال عبد من صدقة …..) هذه أول الأشياء التي يقسم الصادق المصدوق عليها في يقين .ثم يقول : ( ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله بها عزا ..ولا فتح باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر) . وكلها أمور تحتاج إلى كثير اليقين ، و إلي عظيم عقيدة.

ترى .. أما زال في القلوب شك؟ أما زال بعضنا حريصا على ماله؟ إن كان الأمر كذلك فإليك وسيلة سابعة من وسائل التحفيز الرباني.

سابعا: القرض الحسن:

====================

في موضوع الحث على الإنفاق يستعمل القرآن ألفاظا عجيبة لا يتخيلها الناس ، ولا يتوقعونها ..انظر إلى كتاب ربك كيف يناديك و ينادي غيرك متلطفا متحببا مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245)البقرة..

سبحانك يا الله !! كم أنت كريم !! المال مالك ، والعبيد عبيدك ، ثم أنت سبحانك تستقرضنا من مالك ؟ ثم إذا أقرضناك أموالنا ضاعفت لنا أضعافا كثيرة ؟؟ سبحان الله !! إن إلها بهذه الصفات لجدير أن يعبد ، و أن يحب ، و أن يعظم ، و أن يبجل ..و الآية فعلا عجيبة ، وسياقها مبهر .. و كما تعجبنا منها فقد تعجب منها الصحابة ، لكن انظر إلى التعجب الإيجابي ..روى الطبراني عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : إنه لما نزلت هذه الآية قال أبو الدحداح الأنصاري : يا رسول الله ، و إن الله عز وجل ليريد منا القرض؟ قال : نعم يا أبا الدحداح .قال : أرني يدك يا رسول الله ! قال عبد الله بن مسعود : فناوله يده ..قال فإني قد أقرضت ربي عز وجل حائطي – أي حديقتي – و أرضي ..قال عبد الله بن مسعود : وحائطه فيه ستمائة نخلة ، و أم الدحداح فيه و عيالها ..قال : فجاء أبو الدحداح فناداها : يا أم الدحداح ! قالت : لبيك ! قال : اخرجي ، فإني قد أقرضته ربي عز وجل.

عطاء في كرم ، وقرار في حسم ! لقد كان أبو الدحداح الأنصاري معطاء بشكل عجيب ..روى الإمام مسلم عن جابر ابن سمرة رضي الله عنه قال : ( لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من جنازة أبي الدحداح رضي الله عنه قال : ( كم من عذق معلق في الجنة لأبي الدحداح ) ) كم من فروع نخيل لأبي الدحداح في الجنة !!

يذكر الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم سبب ذلك فيقول : إن يتيما خاصم أبا لبابة رضي الله عنه في نخلة ، فبكى الغلام فقال النبي صلى الله عليه وسلم له :-أي لأبي لبابة – أعطه إياها و لك بها عذق في الجنة ..فقال : لا ..فسمع أبو الدحداح، فاشتراها من أبي لبابة بحديقة له !! ثم قال : يا رسول الله ، إلي بها عذق في الجنة إن أعطيتها اليتيم؟ قال: نعم ..ثم قال: ( كم من عذق معلق في الجنة لأبي الدحداح ) ..ثم مرت الأيام و ذهب أبو الدحداح ، وذهب الغلام ، وذهب الحائط ، وذهبت النخلة ، ولكن ماذا بقى؟ بقى عذق أبي الدحداح في الجنة ..( ما عندكم ينفذ وما عند الله باق )

فارق كبير جدا بين رد أبي الدحداح للآية الكريمة : ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا ) و بين ردة فعل اليهود لما أنزلت الآية نفسها ..قالت اليهود : يا محمد ، افتقر ربك فسأل عباده القرض؟
انظر إلى سوء الأدب، وفظاظة اللفظ، ووقاحة الفعل! فأنزل الله عز وجل : (لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ (181) آل عمران.

ولا يمكن لمثل تلك النفوس المريضة أن تبصر جلال الحكمة و الكرم الإلهيين من وراء سؤال المؤمنين القرض الحسن ..فحقيقة الأمر أن الله قد رفع –كثيرا – من شأن عباده يوم جعل إنفاقهم في سبيله قرضا حسنا يسألهم إياه ..مع أنه صاحب الفضل و العطاء أولا و آخرا .. ومع أنه الغني عن عباده ، وهم جميعا فقراء إليه.

إن الله تبارك و تعالى يعلم حرص النفس الإنسانية على المال ، وحبها له ، فيعطف – سبحانه – على هذه الغريزة في عباده مصورا إنفاقهم في سبيله بصورة القرض الحسن!!

ولا يملك المؤمن – إن فقه هذا المعنى – إلا أن يذوب حياء من ربه ، ويفيض عطاء و إنفاقا لماله في سبيل رضا مولاه1

لقد كان استشعار الصحابة رضوان الله عليهم بالغا لهذا المعنى ( معنى إقراض الله ) فها هي آيات الكتاب الحكيم تواصل حثهم و تحفيزهم بمثل قوله تعالى : ( ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده و يأخذ الصدقات ) فصاروا يوقنون بوقوع الصدقة في يد الله – سبحانه – قبل أن تقع في يد الفقير..

ثامنا : بين وعد الفضل ..ووعد الفقر
=========================

جعل الله الإنفاق في سبيله اختبارا حاسما تختار فيه بين وعد الله ووعد الشيطان ..يقول عز وجل : (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268)البقرة.

انظر أيهما تصدق ..استقرضك الله مالا لفلسطين ..فجاء الشيطان فقال : لا تنفق كثيرا ، حتى لا تفتقر ..ما زلت تحتاج إلى كذا وكذا ..مازال هناك طعام وشراب .. ما زال هناك بيت و سيارة ..مازال هناك سفر ومشاريع ..مازالت هناك زوجة و أولاد ..و يعظم المسألة في ذهنك تماما حتى تثاقل إلى الأرض ، وترضى بالحياة الدنيا من الآخرة ، ثم من الناحية الأخرى ..فإن الله يعدك أن يخلفك خيرا مما أنفقت في الدنيا و في الآخرة ..ويبارك لك في مالك و أهلك ..ويضاعف لك أضعافا كثيرة ..وفوق ذلك رحمة و توبة و مغفرة ..وفوق كل ذلك جنة ونعيم ..عليك أن تعرض المقارنة على ذهنك بسرعة كسرعة أبي الدحداح ، فستمر الأيام ، وتذهب أنت ، ويذهب المال ، و يذهب أهل فلسطين ..و لايبقى إلا ما عند الله ، فآثروا ما يبقى و يدوم على ما يفنى وينعدم.

الحلقة

الثانية


منقول

جزاكِ الله خيراً على النقل الطيب..
يسلموو خيتوو ع النقل الررووعه
جزاكما الله خيرا

شكرا على المرور الكريم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.