: تعرفي على مركز اهتمامك ا لرئيسية :
مفكرة الإسلام: لازلنا أخيتي في رحلة البحث عن البوصلة الذاتية التي تُسيِّر حياتك، والتي تشكل الدافع الأكبر من وراء كل أفعالك وتصرفاتك، كخطوة أولى في طريق حيازة النجاح والفاعلية في هذه الحياة ، كما سبق وأن بينا في المقالة السابقة[1]، وقد استعرضنا معك في المرة القادمة بعضا من الاهتمامات الشائعة التي يجعلها معظم الناس مركزا لحياتهم، ونستكمل هذه المرة بقية هذه المراكز إن شاء الله تعالى.
4- أنا…. أنا.
كثير من الناس يجعل نفسه مركز اهتمامه الوحيد في هذه الدنيا؛ فيتمحور حول ذاته، ولا يهتم إلا بشخصه وبصحته وسعادته، ولا يصرف أي اهتمام لغيره إلا بمقدار ما يستفيد منه لذاته.
وهذا هو الإنسان الأناني، الذي يضع ذاته قبل أمته وأسرته وأصدقائه وأقرب الناس إليه، فهو يأخذ دائمًا ولا يعطي، وهذا الصنف من الناس فوق أنه يكسب كراهية كل من حوله، فإنه أيضًا لا يشعر أبدًا بسعادة حقيقية، فكثيرون لديهم فكرة خاطئة عن الشيء الذي يشكل السعادة الحقيقية، إن السعادة لا تتحقق عن طريق إشباع المرء لذاته أو إشباعه لرغباته، وإنما عن طريق إخلاصه لهدف قيم.
5-لو كان لأحد أن يسجد لأحد:
أخيتي .. فرض الله عز وجل طاعة الزوج، وبذلك جاءت أحاديث كثيرة عن سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، فمنها قوله صلى الله عليه وسلم [ لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد، لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها] فواجب عليك طاعته إلا في معصية الله، ولكن لا يصح أبدا أن تجعلي زوجك هو المركز الرئيسي لحياتك بحيث تتبعيه في كل شيء سواء كان طاعة أو معصية.
فنجد سيد الخلق صلى الله عليه وسلم يضع لنا المنهج القويم في العلاقات العاطفية عامة والزوجية خاصة، فيقول: [[أحبب حبيبك هونًا ما عسى أن يكون بغيضك يومًا ما، وأبغض بغيضك هونًا ما عسى أن يكون حبيبك يومًا ما]].
ويقول عمر رضي الله عنه: [لا يكن حبك كلفًا، ولا بغضك تلفًا]. .
وما نرفضه هنا هو التبعية العمياء، والتي تتجاوز حد الاعتدال الذي وضعه الشرع الحنيف، فهو الذي يلزم كل طرف بواجبات، ويجعل له حقوق بإزائها، بما يحفظ لكل من الزوجين شخصيته السوية، فالمطلوب إذًا أن يؤدي كل طرف واجباته، ويأخذ حقوقه، ويهتم بالطرف الآخر كما أمرته الشريعة، ولا يجعل من شريكه صنمًا يتعبد له في محرابه.
فالزواج مهما بلغت أهميته فإنه أيضًا وسيلة لتحقيق العفة والسعادة والاستقرار، ولكنه ليس بغاية يحيا من أجلها الإنسان.
[6] العائلة أو الأسرة:
بالطبع أخيتي إن الوقت التي تقضيه مع عائلتك هو من أكثر الأوقات التي تشعرين فيها بالراحة والسعادة، وهو من باب أولى صلة رحمك، ولكن لا تصلح العائلة أن تشكل اهتمامنا الوحيد والرئيسي، فمن الجميل أن تجلسي معهم وتتحدثي إليهم وتهتمي بهم، ولكن لا يصلح أن يمتلكوا كل أوقاتك، بحيث أنك تتنازلين عن بعض الأوليات لإرضائهم.
7- التركيز على الأصدقاء:
ليس هناك ما هو أفضل من الانتماء إلى مجموعة كبيرة من الأصدقاء، وخاصة أن يد الله مع الجماعة، وليس هناك ما هو أسوأ من الشعور بالوحدة والانعزال، وإن الأصدقاء مهمون جدا ولا شك، ولكن لا يجب أبدًا أن يصبحوا مركزًا لحياتك، لماذا؟ لأنهم بشر تتقلب مشاعرهم، ولديهم تقلبات مزاجية حادة، ثم إنهم ينتقلون أحيانًا للعيش في مكان آخر.
فصدقي أو لا تصدقي، سوف يأتي اليوم الذي لا يكون فيه الأصدقاء هم أعظم الأشياء في حياتك، فهذه احدى الزهرات تقول: أثناء دراستي كانت لدي مجموعة هائلة من الصديقات، كنا نفعل كل شيء معًا، لقد أحببتهم كثيرًا، وشعرت بأننا سنظل أصدقاء إلى الأبد، وبعد التخرج من المدرسة والانتقال شعرت بالدهشة من ندرة عدد المرات التي أصبحنا نرى فيها بعضنا الآخر، إننا نعيش متباعدات، وتلتهم أوقاتنا علاقات وصديقات ووظائف وعائلات ومشاغل جديدة، وكمراهقة ما كنت أبدًا أستطيع أن أفهم ذلك.
فالشرع أباح لك اتخاذ الصديقات، بل جعل الصداقة في مقام عال إذا كانت في الله، فإن للمتحابين في الله منابر يوم القيامة يغبطهم عليها الأنبياء والشهداء، ويأتون في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله، ولكن كل هذا الثواب من أجل المنافع التي تأتي بها هذه العلاقة الإيمانية، حيث التعاون على البر والتقوى، ولكن ليست للأشخاص.
ولا تنسى أخيتي أن تحسني اختيار أصدقائك، فكما قرأتِ في مقالة سابقة إن الصاحب ساحب.
وبما أن الأصحاب ما هم إلا بشر عرضة للتغير والتقلب والانتقال، فلا يصلحوا أن تبنى عليهم حياتك بحيث تجعلين منهم مركز اهتمامك.
8- التركيز على الدراسة:
تركيز الحياة على الدراسة هو أمر شائع بين الشباب أكثر مما قد يظن البعض، إليك قصة تلك الفتاة التي تأسف على أن جعلت حياتها مركزة على الدراسة لفترة طويلة للغاية: [لقد كنت شديدة الطموح، وكانت حياتي مركزة تمامًا على المدرسة، لدرجة أنني لم أستمتع قط بسنوات شبابي، ولم يكن ذلك ضارًا لي فحسب، ولكنه كان نوعًا من الأنانية؛ لأن كل ما كنت أهتم به هو نفسي وإنجازاتي.
لقد كنت وأنا في الصف السابع أجتهد بشدة، وكأنني في سنة التخرج النهائية من الجامعة، لقد كنت أريد أن أصبح جراحة مخ فقط؛ لأن هذا كان هو أصعب شيء يمكنني أن أفكر في الوصول إليه، كنت استيقظ في السادسة من كل صباح كل يوم خلال أيام الدارسة كلها، ولا أذهب للنوم قبل الثانية من صباح اليوم التالي، وكل ذلك بغرض الإنجاز، لقد شعرت أن أساتذتي وزملائي كانوا يتوقعون ذلك مني، وكانوا دائمًا ما يصابون بالدهشة إذا لم أحصل على درجات ممتازة، وحاول والدي أن يحرراني من هذا الالتزام القاسي، ولكن آمالي الشخصية كانت تتفق مع توقعات أساتذتي وزملائي.
وإني أدرك الآن أنه كان باستطاعتي إنجاز ما أردته، بدون بذل هذا الجهد الفائق، وكان يمكنني أن أستمتع بوقت جيد في هذه الأثناء.
إن تعليمنا أمر حيوي هام لمستقبلنا، ويجب أن يكون له أولوية كبيرة، ولكن يجب أن نحذر من أن نجعله كل حياتنا كما تطالبنا قوائم النصائح التي يلقي بها عميد الكلية أو المدرسة، إن المراهقين الذين يركزون حياتهم على المدرسة غالبًا ما تسيطر عليهم فكرة تحقيق درجات ممتازة، لدرجة ينسون معها أن الغرض الأساسي من المدرسة هو التعلم، وليس حصد أعلى الدرجات، وكما أثبت آلاف المراهقين، يمكنك أن تؤدي بشكل رائع في المدرسة، وتحافظ- مع ذلك- على توازن صحيح جيد في الحياة عمومًا.
ونشكر الله على أن أهليتنا كبشر لا تقاس بالدرجات.
9- المبادئ .. لا تخفق أبدًا.
يقول المثل الصيني: [العقول الصغيرة تناقش الأشخاص، والعقول المتوسطة تناقش الأشياء، والعقول الكبيرة تناقش المبادئ]
إن الأمر الوحيد الذي يستحق أن يجعله الإنسان العظيم مركز اهتمامه الرئيس في هذه الحياة هو القيم والمبادئ القويمة، ذلك أن الذي يبني حياته على أساس القيم؛ إنما يبنيها على أساس متين، لا يمكن أن يتزعزع مهما تغيرت الظروف، حيث إن المبادئ القويمة لا تموت، فهي ثابتة لا تتغير بتغير الظروف والأحوال، ولا تتبدد كالأموال.
ولذلك فإن الشخص صاحب المبادئ يعيش حياة آمنة مستقرة غير مهددة بالضياع والتذبذب، بخلاف من يعيش من أجل أشياء صغيرة، كالمال أو الزوجة أو الأسرة أو الذات، وغير ذلك من الأهداف المتغيرة بتغير الظروف والأحوال.
ولا شك أن المبادئ القويمة إنما تحض الإنسان على الاهتمام بنفسه وأسرته وعمله، ولكن دون تفريط أو إفراط، ودون الإخلال بالمبادئ التي تشكل الاهتمام الأول للإنسان الحكيم العاقل.
إن اهتمام الإنسان بالمبادئ القويمة يحرره من الخوف والقلق؛ لأنه يستند إلى قاعدة صلبه لا تتوفر لمن يقدس الثروة أو الزوجة أو العمل، إنها تعطيه قوة تنبع من إيمانه بذاته وقدراته، فهو يستطيع أن يبدأ دائمًا من جديد، حتى لو فقد عمله أو ماله، كما يستطيع أن يتقبل الصدمات بصبر وعزيمة لو فقد عزيزًا عليه؛ فلا يقتله الحزن أو يفقد الأمل في الحياة مهما صادفه من عقبات.
تعرفي… على مركز اهتمامك:
وبعد أن استعرضت معكِ تلك المراكز الرئيسية التي يضعها أكثر الناس في بؤر اهتماماتهم؛ فتعالي أخيتي لأساعدكِ أكثر على تحديد مركز اهتمامك الرئيسي، وذلك بأن تجيبي معي على هذه الأسئلة الأربعة :_
1- من أين تستمدين الشعور بالأمان وتقدير الذات ؟
2- ما هي المعايير التي تحكم أفعالك؟ وعلى أساسها تتخذين قراراتكِ في الحياة ؟
3- كيف تقدرين الأمور وتحكمين عليها بالصواب أو الخطأ؟
4- ما الذي يحكم قدرتك على تنفيذ ما تقتنعين به من مبادئ وما تتخذينه من قرارات ؟
إن الإجابة على هذه الأسئلة الأربعة هي التي ستحدد حقيقة مركز اهتمامك.
وبعد أن تحددي مركز اهتمامك، وتجعلي هذا المركز هو المبادئ والقيم التي حث عليها الشارع؛ يبدأ طريق التغير والفاعلية، فتابعينا في المقالات القادمة إن شاء الله.
و للحديث بقية إن شاء الله
هلا ومرحبا فيكِ أختي أم هيونه …
بارك الله فيكِ غاليتي أم هيونه على هذا النقل الموفق …
وقد أعجبني صراحة من المقال بعض المقتطفات …
وبما أن الأصحاب ما هم إلا بشر عرضة للتغير والتقلب والانتقال، فلا يصلحوا أن تبنى عليهم حياتك بحيث تجعلين منهم مركز اهتمامك.
كلام صحيح فالإنسان منا علية ان لا يضع كل ثقتة في صاحب او صديق …
ولا شك أن المبادئ القويمة إنما تحض الإنسان على الاهتمام بنفسه وأسرته وعمله، ولكن دون تفريط أو إفراط، ودون الإخلال بالمبادئ التي تشكل الاهتمام الأول للإنسان الحكيم العاقل.
ان الاسلام دين الوسطية لذا هو يحضنا على الاعتدال في كل شيء حتي في توزيع العواطف و الإهتمام …
فالزواج مهما بلغت أهميته فإنه أيضًا وسيلة لتحقيق العفة والسعادة والاستقرار، ولكنه ليس بغاية يحيا من أجلها الإنسان.
فعلا الزواج هو وسيله لإقامة أسرة صالحة و ليس غاية في حد ذاته يحيا لأجله الإنسان …
بوركتي اخيتي وجزيتي خيرا