الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين
نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فكل مسلم يحب أن يكون عمله مقبولاً عند الله تعالى ولكن
ممن يتقبل الله العمل؟ ومتى يكون العمل مقبولاً عند الله تعالى؟
والجواب:
يتقبل الله العمل من المتقين، قال تعالى
{إنما يتقبل الله من المتقين } فحصر الله قبول العمل من المتقين فقط
بأداة الحصر (إنما). ويكون العمل مقبولاً عند الله تعالى
إذا توفر فيه أمران:
الأول: إخلاص النية لله تعالى وحده لا شريك له.
الثاني: صواب العمل والعبادة بأن تكون مشروعة مما أمر الله به
أو رسوله صلى الله عليه وسلم.
ودليل الأمر وهو إخلاص النية هو:
1. قوله تعالى {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء..}.
2. وقوله تعالى:{قل الله أعبد مخلصاً له ديني..}.
3. وقوله صلى الله عليه وسلم
((إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً وأريد به وجهه)).
ودليل الأمر الثاني وهو صواب العمل والعبادة هو:
قوله صلى الله عليه وسلم ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد))
أي: مردود عليه.
وهناك أدلة جمعت الاستدلال للأمرين:
الإخلاص والصواب مما يدل على تلازم الأمرين
وأنه لا ينفك أحدهما عن الآخر
1. قوله تعالى{الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً.. }
فقال سبحانه:{..أحسن عملاً.. }، ولم يقل أكثر عملاً وسئل القاضي
عياض- رحمه الله- عن معنى هذه الآية.
فقيل له: ما أحسن العمل؟
قال: أخلصه وأصوبه.
فقالوا: وما أخلصه وأصوبه؟.
قال: أخلصه إذا كان لله، وأصوبه إذا كان على سنة رسول الله
صلى الله عليه وسلم، ولا يكون أخلصه إلا إذا كان أصوبه
ولا يكون أصوبه إلا إذا كان أخلصه.
2. وقوله تعالى:
{فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً}
أي فمن كان يحب لقاء ربه أو فمن كان يخاف لقاء ربه كلا المعنيين
جائز .. {فليعمل عملاً صالحاً} هذا دليل صواب العمل والعبادة
{ولا يشرك بعبادة ربه أحداً } هذا دليك إخلاص النية.
3. وقوله {بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره
عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون }
فقوله تعالى {بلى من أسلم وجهه الله } دليل إخلاص النية لله تعالى
وقوله تعالى:{وهو محسن } دليل صواب العمل والعبادة فمن كان مخلصاً لله
في نيته، ومصيباً الشرع في عمله وعبادته فإنه يحصل على ثمرة ما قدم
وأخر ما عمل يدل على ذلك تكملة الآية وهو قوله تعالى
{فله أجره عند ربه } وكذلك يجازون بانتفاء الخوف والحزن منهم.
إذاً فإخلاص النية لله وصواب العمل والعبادة أمران متلازمان لا ينفك
أحدهما عن الآخر لأن النية الصالحة لا تصلح العمل السيئ لحديث
((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) أي مردود عليه عمله ولا يقبل
ولو كانت النية الخالصة وحدها تكفي لنفعت الخوارج فإنهم كانوا
مخلصين وصادقين ولكنهم غير مصيبين في تصرفاتهم للآية
{… وجوه يومئذ خاشعة.. } وصواب العمل والعبادة وحده مع شرك النية
لا يشفع في قبول العمل للحديث القدسي فيما يرويه النبي
صلى الله عليه وسلم عن ربه تبارك وتعالى قال
(( أنا غنى الشركاء عن الشرك فمن عمل عملاً أشرك فيه
معي غيري تركته وشركه)) رواه مسلم.
قال تعالى {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيراً}.
ويحضرني في هذا المقام قصة ((الصحابي عبد الله بن مسعود رضي الله عنه
مع النفر الذين وجدهم في المسجد وقد تحلقوا حلقاً وأمامهم أكوام
من الحصى وعلى رؤوسهم رجل يقول لهم: هللوا الله مائة سبحوا الله مائة وهكذا.
فقال لهم عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: إما أنكم على ملة هي
أهدى من ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أنكم مقتحمو باب ضلالة.
فقالوا يا أبا عبد الرحمن ما أردنا بذلك إلا الخير. أي الأجر
والثواب والحسنات .. ولكن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه
لم يجعل إرادتهم للخير وهي نيتهم ؛ شافعة لعملهم المحدث وتصحيحه
بل قال لهم وكم من مريد للخير لم يبلغه، ما أسرع هلكتكم يا أمة محمد
فهذه ثياب رسول الله لم تبلى وهذه آنيته لم تكسر ثم قال لهم:
(عدوا سيئاتكم فأنا ضامن بألا يضيع من حسناتكم شيء).
وقال ابن القيم – رحمه الله – عن أقسام الناس
في قبول العمل ورده وهم أربعة أقسام:
الأول:من هو مخلص غير مصيب. أي مخلص في نيته
غير مصيب في عمله وعبادته
والثاني: من هو مصيب غير مخلص.
الثالث: من هو غير مخلص ولا مصيب
الرابع: من هو مخلص ومصيب، وهم – أي أهل القسم الرابع –
أهل السعادة في الدارين {…. مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين
والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً}.
والله أعلم. {ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم }
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
إعداد الشيخ/ عبد الله بن حسين السعيد
جزاك الله كل خير
اللهم آمين ولكن بالمثل
لاعدمت تواجدكن الطيب.
وعسى الله يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه .