من مشاهد الاستخفاف بالآخرين
إن الناس يقدرون من يقدرهم , ويجلون من يعطيهم حقهم بإنصاف , فطريق كسب قلوب الناس احترامهم , وتنزيلهم منازلهم .
لقد اعتادت شرذمة من الناس عادة مشينة , وصفة ذميمة , توحي بفساد خلق وفكر من يعملها, ألا وهي الاستخفاف بالآخرين , ولأحدكم أن يسأل ماذا تقصد بالاستخفاف؟
الاستخفاف: هو عبارة عن عدم إعطاء الآخرين حقوقهم المادية و المعنوية التي يملكونها والاستهانة بها, أو التحايل على الآخرين لسلبهم ما يملكون من حقوق مادية ومعنوية , مثل : التكبر عليهم , وفرض أمور عليهم ليست واجبة عليهم , والتحايل عليهم , واستصغارهم , وحملهم على الجهل والخفة , وعدم المبالاة بهم .
ولقد ورد في القرآن الكريم ذكر استخفاف فرعون بقومه , يقول تعالى : {فاستخف قومه فأطاعوه}[سورة الزخرف :54].
وجاء في لسان العرب [9/79](استخف فلان بحقي إذا استهان به ….. استخفه فلان إذا استجهله فحمله على اتباعه في غيه ومنه قوله تعالى :{ولا يستخفنك الذين لا يوقنون})[سورة الروم :60].
إن هذا الداء إذا دب في الشخص أفسده وأفسد غيره , ومن أبرز أسباب نشأته قانون الطاغية فرعون {ما أريكم إلا ما أرى} كذلك الأنانية , كذلك سوء تركيب المفاهيم في عقله الباطن …
تعال معي لنرى تلك المشاهد المقززة التي تجسد هذا الخلق الذميم في أكثر من مكان وفي أكثر من صورة :
1- المشهد الأول: في المنزل: وفيه صورتان :
الصورة الأولى : بين الزوج وزوجته لا بد أن تحدث مشاكل, والناجح في حياته من لا تطغى مشاكله على سير حياته العامة , فيخطئ بعض الأزواج في عنجهيته وتسلطه على زوجته أمام أولاده , برفع صوته عليها , وربما ضربها , وهو بذلك يستخف بها أمام أولاده.
• الأثر السلبي من هذه الصورة : استخفاف الأبناء حقوق أمهاتهم , وعدم تأديتها حق التأدية كل ذلك بسبب الأب -هداه الله-.
الصورة الثانية : علاقة الأب مع ابنه لا بد أن تكون وطيدة قوية متينة , إن كثيراً من الآباء لا يعدون أبنائهم شيئاً , مهما وصل إليه ذلك الابن , ويستخف بكل شيء يعمله ذاك الابن حتى لو كان عظيماً , ولا يفكر في إلقاء كلمة تشجيعية لابنه , وفي سيدنا يعقوب في تعامله مع ابنه يوسف –عليهما السلام- معه أحسن مثال , عندما جاء الابن إلى الأب , وأخبره بخبر رؤيته التي رآها , فما كان من الأب إلا توجيه ابنه إلى ما هو خير , وعدم الاستخفاف به .
• الأثر السلبي من هذه الصورة : عدم إخبار الابن أبيه بما يكنه في صدره , وما يحصل له من مشاكل في حياته , وضعف العلاقة بين الابن والأب , وربما أوصلت إلى العقوق –أعاذنا الله منه- في حالة كثرة استخفاف الأب بابنه .
2- المشهد الثاني : في المجتمع: تعامل الصغار مع الكبار لا بد أن يكون تحت آلية متوازنة يتآلف فيها الجيلان , تحت حماس هؤلاء ورزانة أولئك , تعجب من بعض الكبار في المجالس العامة في عدم مبالاتهم بالصغار , وعدم الحديث معهم في نفس المجلس , حتى كأنهم جمادات ساكنة , وربما قال بعضهم : هذا الأمر لحياء الصغار , وليس لاستخفاف الكبار .
هذا الإيراد متجه , لكن أقصد أن الصغير لو أراد أن يتكلم مثلا في المجلس لاتجهت إليه النظرات المستحقرة كالسهام السامة , أو ربما لأخرس ذاك الصغير , أو ربما أطلقت عليه كلمة جرحته .
• الأثر السلبي من هذا المشهد: عدم تفاعل الصغار مع الكبار , وعدم وجود مكانة للكبار في قلوب الصغار , وعدم حضور هذه المجالس , ولربما قل الإبداع عندهم , وصاروا يكتمون ما يريدون قوله , و التخوف من التعبير عن رأيهم .
3- المشهد الثالث : في الإعلام المرئي (القنوات الفضائية) : إنه سلاح ذو حدين يجرح تارة , ويبري تارة أخرى , صار ميداناً للعب واستخفاف بالناس في عديد من الصور , فصورة يظهر بالمسابقات الرابحة أو التصويتية , وهي في الحقيقة ناهبة , وصورة يظهر بإشاعة الأخبار المزيفة , وتزيينها للناس , في صورة الحقيقة المجردة .
والمشكلة أن كثيراً من الناس , يعلمون أن الإعلام يستخفهم مع ذلك يستمرون ويشاهدون , وهم في غيهم عامهون .
• الأثر السلبي من هذا المشهد : عدم العود على المشاهد بأي فائدة مرجوة , وإشغالهم بالتافه عما ينفعهم , وربما نهب أموالهم .
4- المشهد الرابع : في حلقات القرآن : إن ربط الطالب بحب القرآن , له نتاج عظيم يثمر مع الوقت , وصورة الاستخفاف في هذا المشهد , أن بعض المعلمين وبعض المتعلمين من الأقران يستخفون بقلة حفظ الشخص المتعلم, فيعيبونه على ذلك , كأنما همهم الوحيد الكم .
• الأثر السلبي من هذا المشهد: حسد وحقد بين الأقران,وتحطيم معنويات المتعلم , وتحويل همته إلى الكم, وصرف نظرته إلى الماديات…
5– المشهد الخامس: في المحاضن التربوية : متى ما هيئنا الجو التربوي المناسب في محاضننا التربوية ,خرجنا بجيل ناجح في حياته الدينية والدنيوية , ومما يحصل في هذه المحاضن من الاستخفاف صورتان :
الصورة الأولى :استخفاف بالطالب : ويحصل هذا الاستخفاف له , بتنصيب طالب مثله كمشرف , أو ليس بكفءٍ له في مرحلته العمرية , والاستخفاف في هذا ظاهر , من حيث عدم ترجي الفائدة المطلوبة من هذا الشخص المنصب .
• الأثر السلبي من هذه الصورة : إخراج جيل هزيل فكريا وعلميا لا يقدم ولا يؤخر شيئا .
الصورة الثانية : استخفاف بالمشرف : وهذا يكون في حال كثرة المشرفين على الطلاب دون حاجة , كأن يكون في المحضن التربوي الواحد خمسة مشرفين على عشرين طالب , فيرى الرائي هذا الأمر على أنه محضنان في آنٍ واحد للطلاب والمشرفين .
• الأثر السلبي من هذه الصورة : تضييع الجهود التي يمكن الاستفادة منها في محضن آخر , وربما تضييع الطلاب في تشتيتهم على أكثر من مشرف في وقت واحد .
6- المشهد السادس : في المدرسة : هي البيت الثاني التي يأخذ الطالب منها أخلاقه وتصرفاته ومعاملاته , وفي هذه المدرسة المعلمين الذين تختلف وجهات نظراتهم في كيفية تعاملهم مع الطلاب , بين مد وجزر , ولين وقسوة وتوسط , وما دام أننا في الاستخفاف نذكر صورة وهي : نظرة المعلم للطالب نظرة استحقار ونظرة دونية , ويتخرج من هذه النظرة حدة في التعامل , وعدم الاكتراث لما يهم الطالب من أمور, وعدم السماع له ولو كان محقا , فاقتراح الطالب لديه في سلة المحذوفات , فينطبق عليه قانون ما أريكم إلا ما أرى , ولربما حصل هذا في الحلقات أو المحاضن التربوية .
• الأثر السلبي من هذا المشهد : الجفاء بين المعلم والمتعلم , وإذا حصل هذا , لم ينفذ العلم في صدر المتعلم, وتحصل المصيبة ؛ لأن أخذ العلم ممن تحب , ثباته وحفظه أسهل وأكثر ممن لا تحب .
إن نظراتنا للآخرين إن لم تكن إيجابية كانت وبال علينا , قبل أن تكون على غيرنا, وصار قدرنا عند الناس ينقص بالسالب . والجزاء من جنس العمل , فمن استخف بالناس استخف به ولو بعد حين .
بارك الله فيك
موضوع جميل جدا
وجزاك الله خيرا
جزاك الله خيرا يااختي فعلا موضوع قيم00 نسأل الله تعالى ان يهدينا دوما للخير ويرزقنا حسن الخلق وطيب معاملة الاخرين