بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على اشرف الخلق صاحب المقام المحمود ، والحوض المورود وعلى آله وصحبه وسلم ،
الله سبحانه وتعالى وضع في كونه كله آيات تنطق بوجوده ، وتنطق بعظمته ، وتنطق بأنه هو الخالق ،
الجماد يشهد أن لااله إلا الله ، والنبات يشهد أن لااله إلا الله ، والحيوان يشهد أن لااله الاالله والإنسان يشهد أن لااله إلا الله ، وكل شيء يشهد أن لااله إلا الله ، وسبح بحمده سبحانه .
قال تعالى (( وان من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لاتفقهون تسبيحهم)) ولقد خاطب الله سبحانه وتعالى ، الناس جميعا قائلاً (( يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون))
كيف نعبده ؟ وكيف نشكره؟ وماذا اعد لنا من جزاء يثيب به من أطاعه ، ويعاقب من عصاه
فخلق الله سبحانه الكون وسخره لنا ، وأرسل الرسل على مر الأزمان بالرسالات ،وانزل القرآن ليوضح لنا المنهج الذي نسير ، قال تعالى (( وهديناه النجدين )) وقال تعالى (( إنا هديناه السبيل إما شاكرا وما كفورا )) وبعد ذلك قال تعالى (( من اهتدى فلنفسه ومن أساء فعليها))
ووعدنا سبحانه بدار السلام ، ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ، (( والله يهدي إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم)) فإذا اخترنا دار السلام وهي الجنة هدانا الله إلى الطريق الموصل إليها، وهي الدار التي قال عنها رسول الله " إن فيها مالا عين رأت ، ولاأ ذن سمعت ، ولاخطر على قلب بشر "
أما إذا اخطأنا الطريق واتبعنا هوى أنفسنا والشيطان فإنها الخسارة في الدنيا والآخرة قال تعالى
( ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير) )
تركت الصلاة – حرمت التوفيق والسعادة والرزق
استطلت في أعراض الناس – استطال الناس في عرضك
تكبرت – أهانك الله – تواضعت رفعك الله
أنفقت فعوض الله عليك بخير – بخلت – فاتلف الله مالك
غضضت بصرك عن محارم الله أسعدك الله في قلبك
أطلقت بصرك على محارم الله – أشقاك الله بقلبك
كذبت على الناس – فضحك الله
فما منا واحدة إلا وقد فرح الله بها إن شاء الله وخاصة إنا فقد اجتمعنا على ذكر الله و أسال الله أن يعيننا على التوبة والرجوع إلى الله
من أسماء الله عز وجل التسعة والتسعون المذكورة في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة :
اسم التواب : وهو الذي لم يزل يتوب على التائبين ويغفر ذنوب المنيبين . " من كتاب شرح أسماء الله الحسنى / للشيخ سعيد بن وهف القحطاني.
وكذلك من معاني اسم الله التواب / الذي يسوق إليهم الشدائد ليحملهم إلى التوبة .
فلو سألنا أنفسنا كيف يتوب الله على عباده ؟
فأمامنا خيارين إما أن نأتي إلى الله ……. أو يأتي بنا الله
يقول الله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي ( من أقبل الي تلقيته من بعيد ومن اعرض عني ناديته من قريب ومن ترك لأجلي أعطيته فوق المزيد ومن أراد رضاي أردت مايريد، ومن تصرف بحولي وقوتي ألنت له الحديد ) " من كتاب النهج الأسمى في شرح اسماء الله الحسنى / محمد النجدي" ويقول سبحانه أيضاً في الحديث القدسي ( عجبت لأقوام يقادون إلى الجنة بالسلاسل)فإن تابوا الي الله فهو حبيبهم ، فالله يحب التوابين ويحب المتطهرين، وإن لم يتوبوا الي فأنا طبيبهم ابتليهم بالمصائب لأطهرهم من المعايب . وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام ( يؤجر المؤمن رغم أنفه)
لو أن معلمة في فصل دراسي دخلت على طالباتها مع بداية العام وأخبرتهم أن من اجتهدت في هذا العام فانه ستنجح بإذن الله ومن أهملت فإن مصيرها الرسوب وكان في الفصل طالبة مهملة سمعت ما قالت المعلمة ولكنها لم تبالي وفي نهاية العام ظهرت النتائج بنجاح جميع طالبات الفصل عدا الطالة المهملة فإننا نقول إن هذه المعلمة عادلة لم تظلم تلك الطالبة فرسوبها نتيجة إهمالها،
كذلك لو أن هناك معلمة أخرى دخلت على طالباتها مع بداية العام وأخبرتهم بما أخبرت به المعلمة الأولى لكنها لم تترك الطالبة المهملة وإنما أخذت تقومها بالترغيب وبالتهديد تارة وبالعقاب تارة حتى استقامت الطالبة واجتهدت في دروسها وفي نهاية العام كانت النتيجة إنها نجحت مع زميلتها .
فالله سبحانه ركب فينا فطرة سليمة وأعطانا العقل والاختيار وارسل لنا الرسل وكتاب يوضح لنا طريق الحق والباطل (( وهديناه النجدين )) ، وبعد ذلك
((من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها)) هذا هو العدل لكن العدل والرحمة في المتابعة وذلك بأن يسوق إلى من تعصي الله الشدائد لحملها إلى التوبة والهداية والرجوع والإنابة إلى الله
فإن لم تستجب يرفع مستوى الشدة .
الطبيب أحياناً يعطي المريض دواء عيار 250 فان لم يستجب لهذا الدواء رفعه إلى 500 فان لم يستجب دفعه إلى 700 ، فلو أن الله عاملنا بعدله هلكنا ولكنه جل جلاله عاملنا برحمته ومتابعته لنا ليحملنا ويسوقنا إلى الجنة.
مثال قصرت في صلاتك ساق إليك مشكلة تقومك وترجعك إليه لتتوبي فتستحقين الجنة فإما أن تأتي إلى الله أو يأتي بك الله.
فإما أن تأتي إلى الله قال تعالى (( تابوا فتاب الله عليهم )) أي قبول التوبة وهي توبة العبد أي رجوعه إلى الله طائعا من غير أن يسوق الله إليه الشدائد ليحمله إلى التوبة .
شاب كويتي من محافظة الجهراء..مسرف على نفسه في وارتكاب الفواحش.. يقضي اجازة الصيف في إحدى دول أوروبا الشرقية …
وفي أحد الكباريهات أو البارات ..كانت الراقصة على المسرح..وكانت تستعرض أعلام الدول على جسدها العاري ، فمن علم أوروبي إلى علم أفريقي إلى علم آسيوي …. وفجأة قال الشاب لرفاقه.. يا جماعة ألا ترون معي كأن كلمة ( الله ) على جسد الرقاصة؟.. فقال له زملائه..نعم إنها ترقص بالعلم السعودي – قبحها الله – فقال الشاب هذا لا يجوز السكوت عليه وقام منتفضا غاضبا وصعد إلى المسرح .. … وإذ به ومن غير مقدمات يصفعها كفا وينتزع العلم منها ويقول الله اكبر…فما كان من رجال الحماية الخاصة بالراقصة إلا أن انهالوا عليه بالضرب واللكمات والركلات وهو متشبث بالعلم ، وانتهى الأمر به الى المستشفى مضرجا بدمائه متشنجا في أطرافه ..فلما أفاق واسترخى قليلا كانت إحدى كفيه منقبضة بعنف فلما فتحها وجد فيها قطع من العلم السعودي وفيها جزء من كلمة التوحيد ( لا إله إلا الله ) …
كانت هذه الغيرة الصادقة وهذا الحادث العنيف منعطفا حادا في حياة الشاب مما جعله يطلق دنيا الفساد وينتبه إلى نفسه ويرجع إلى ربه فتاب وأناب ولله الحمد.
أقول .انه موقف مشرف يدل على النزعة الخيرة التي هي في نفوس جميع الناس حتى المسرفين على أنفسهم أما آن أن يبعث الإنسان منا هذا الدفين الإيماني ليعيش حياة نظيفة..
فهذا الشاب رجع الى الله قبل أن يأتي به الله ،
مولاي فامنن بإحسان ومغفرة فنحن ياوسع الإكرام ضيفان
وإما أن يأتي بك الله قال تعالى (( تم تاب عليهم ليتوبوا )) 118 التوبة
في هذه الآية الكريمة ذكر الله توبته قبل توبة عبده والمعنى ساق إليهم من الشدائد ليحملهم إلي التوبة .
لم أكن أعرف طريق المسجد ، رغم أن والدي كان شيخاً ، يعلم القرآن ، فقد أفسدني المال ، وأبعدني عن طريق الله ، وبقيت على هذا الحال ، لا آمر معروفاً ، ولا أنكر منكراً ، حتى أراد الله أن يأتي بي رغما عن أنفي ، وفي يوم من الأيام بينما كنت أقود السيارة ، وفجأة اصطدمت السيارة صدمة شديدة ، تعرضت بعدها لصدمة عصبية سببت لي شللاً في قدماي لم أعد أقدر على المشي ، وأصبحت أتنقل بالكرسي المتحرك ، وسمعت صوت آذان الفجر ، وأخذت أواظب على صلاة الفجر ، وفي ليلة من الليالي ، وقبل صلاة الفجر ، رأيت في المنام والدي وقد قام من قبره ، وربت على كتفي ، وأنا أبكي ، وقال : يابني لاتحزن ، لقد غفر الله لي بسببك ، فتهللت جداً لهذه البشرى ، وأخذت اصلي وأسجد لله شكراً ، وقد تكررت رؤياي عدة مرات ، وبعد سنوات كنت أصلي في المسجد المجاور لبيتنا ، وكنت جالساً على الكرسي في الصف الأول وفي صلاة القنوت أخذ الإمام يدعو طويلاً ورق قلبي كثيراً لدعائه وانهمرت دموعي ، وأخذ جسدي يرتعش وقلبي كاد يقفز من صدري ، وشعرت باقتراب الموت مني وبعد انتهائي من الصلاة ، لم أشعر بنفسي إلاّ وأنا واقف على قدمي ،كدت أطير من الفرح أخذت أصلي ركعتين ، شكراً لله على ما أنعم الله به علي ، فحقاً ، إما أن تأتي إلى الله طائعةً ، او يأتي بك الله …
ذكر أحد الصالحين :-
أن في القلب شعثٌ لا يلمه إلا الإقبال على الله وفيه وحشة لا يزيلها إلا الأنس به في خلوته
وفيه حزن لا يذهبه إلا السرور بمعرفته
وفيه قلق لا يسكنه إلا اللجوء إلى الله
فالله تبارك وتعالى هو التواب الذي لم يزل يتوب على التائبين ويغفر ذنوب المنيبين ، فكل من تاب إلى الله توبةً نصوحاً تاب الله عليه وقبله ، فهو التائب على التائبين بعد توبتهم قبولاً لها وعفواً عن خطاياهم ، فهو سبحانه يوفق عباده للتوبة ، ويقبلها منهم ويثيبهم عليها ، فسبحان التواب الرحيم الجواد الكريم.
وأسأل الله العظيم أن يتوب علينا وييسر لنا التوبة ويقبلها منا ، ويثيبنا عليها ……….آمين.
وصلي اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.
و المحاضرة مفيدة للجميع ان شاء الله
كلمات راااااااائعة ومؤثرة لاحرمك الله الأجر