الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من بعثه الله تعالى رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين، أما بعد:
فقد انتشرت بدع وأخطاء في مقابرنا، وجب التنبيه عليها، ففي الحديث المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"، وذم النبي صلى الله عليه وسلم البدعة بجميع أنواعها فقال صلى الله عليه وسلم كما في صحيح الإمام مسلم : "كل بدعة ضلالة"، فهذه رسالة نضعها تذكيراً للمؤمنين كما قال الله تعالى: "وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ" [الذاريات : 55]، لتكون عوناً لهم على إنكار هذه البدع، وإزالة هذه الأخطاء بلسان الواعي العالم، نسأل الله تعالى أن ينفعنا بها، ومن هذه البدع والأخطاء:
• عدم السلام على أهل القبور عند دخولها أو المرور بها:
يسن للداخل إلى المقابر إذا رآها أو مر بها أن يقول كما كان يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَلَاحِقُونَ أَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمْ الْعَافِيَةَ". رواه مسلم.
• جلوس من تبع الجنازة أو مرت به قبل أن توضع أو تتوارى عنه:
ينبغي لمن تبع جنازة أن لا يجلس حتى توضع بالأرض، ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: "إِذَا رَأَيْتُمُ الْجَنَازَةَ فَقُومُوا لَهَا حَتَّى تُخَلِّفَكُمْ أَوْ تُوضَعَ"، وقوله أيضاً: "إِذَا اتَّبَعْتُمْ جَنَازَةً فَلاَ تَجْلِسُوا حَتَّى تُوضَعَ" رواهما مسلم.
• تخصيص يوم معين لزيارة القبر كيوم العيد أو الجمعة أو غيرهما:
لا يوجد دليل يجيز للمسلم تعيين يوم لزيارة القبر، إنما يشرع للمسلم زيارة القبر في كل وقت فيسلم على الميت ويدعو له ويتذكر الآخرة بموت أقاربه وأحبائه؛ فيرق القلب وتخشع الجوارح.
• قصد القبر للدعاء عنده للميت رجاء الإجابة:
الدعاء للمتوفى ينفعه بإذن الله تعالى سواء أكان الدعاء عند القبر أو بعيد عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمور التي ينتفع بها العبد بعد موته: " إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ: إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ" رواه مسلم، لكن بعض الناس قد يعتقد أن الدعاء للميت عند قبره أرجى للإجابة، وهذا لم تثبت به سنة، ولا نعرفه من هدي السلف، كما أنه ذريعة للوقوع في الشرك.
• قراءة الفاتحة للمتوفى عند القبر أو بعيد عنه:
لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من صحابته رضي الله عنهم قراءة الفاتحة للميت، ويشرع لأهل الميت ومن أراد الإحسان إليه أن يدعو له بالخير والثبات عند السؤال ويسأل الله تعالى له المغفرة.
• رش ماء الورد ووضع الزهور وأغصان الشجر على القبر:
في هذا الفعل الشنيع تألٍ على الله بادعاء معرفة حال الميت، وفيه سوء ظن بالميت وأنه من المعذبين، لذا يرجى التخفيف عنه بوضع هذه الأشياء على قبره، كما أن وضع الزهور من التشبه بالكفار، أما حديث ابن عباس –رضي الله عنهما-: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَبْرَيْنِ فَقَالَ : إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لا يَسْتَتِرُ مِنْ الْبَوْلِ ، وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ ، ثُمَّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً فَشَقَّهَا نِصْفَيْنِ فَغَرَزَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لِمَ فَعَلْتَ هَذَا ؟ قَالَ : لَعَلَّهُ يُخَفِّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا . فهو حديث متفق عليه، والذي رجحه المحققون من أهل العلم أن هذا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يشرع لغيره، لأن الله أطلع نبيه على أمر المعذّبَين كما في الحديث، ولم يطلعنا على أحوال موتانا في قبورهم.
كما أن هذا الفعل لم ينقل لنا عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولو كان خيراً لسبقونا إليه.
• كتابة اسم المتوفى وتاريخ وفاته على الرخام أو غيره عند القبر:
لا تجوز الكتابة على القبر بجميع صيغها، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم النهي عن ذلك، قال جابر رضي الله عنه: نَهَى أَنْ يُقْعَدَ عَلَى الْقَبْرِ وَأَنْ يُجََصَّصَ وَيُبْنَى عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ قَالَ عُثْمَانُ أَوْ يُزَادَ عَلَيْهِ وَزَادَ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى أَوْ أَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهِ. رواه أبو داود وصححه الألباني.
ولكن يجوز وضع علامة يُعرف بها قبر الميت إن احتيج لذلك، لما روى أنه صلى الله عليه وسلم أتى بحجر لما دفن عثمان بن مظعون فوضعه عِنْدَ رَأْسِهِ وَقَالَ « أَتَعَلَّمُ بِهَا قَبْرَ أَخِى وَأَدْفِنُ إِلَيْهِ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِى ». رواهأبو داود في سننه وحسنه الألباني.
ويجدر التنبيه على أن بعض شركات الرخام وغيرها من الشركات والخطاطين يتصلون بأهالي الموتى – وفي أغلب الأحيان يخصون النساء بهذه الاتصالات – ويقومون بسرد عروض الكتابة على القبر وتوفير الرخام، والذي ينبغي على المسلم أن ينصحهم أن هذا تعاون على البدعة والإثم، وقد قال الله تعالى: "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" [المائدة : 2].
• زيارة النساء للقبور:
لا يجوز للنساء زيارة القبور، لا في الأعياد ولا في غيرها، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم زوّارات القبور، فعَن أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لَعَنَ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ" رواه أحمد وحسنه الألباني.
• التحدث في أمور الدنيا عند القبر:
كان هدى السلف عند المقابر تدبر الموقف، وتذكر الموت، وكأن على رؤوسهم الطير، بل كانوا يبكون عند زيارة القبور من شدة تأثرهم بمواقف الجنازة ودفنها.
هذا نبينا صلى الله عليه وسلم يزور قبر أمه فيبكي ويُبكي من حوله، ثم قال: "اسْتَأْذَنْتُ رَبِّى فِى أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِى وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِى أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأُذِنَ لِى فَزُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ " صحيح مسلم.
وكان الأعمش يقول: "إن كنا لنشهد الجنازة فما ندري أيهم نعزي من حزن القوم" الزهد لوكيع (2/460)
• رفع القبر أكثر من شبر:
روى ابن حبان في صحيحه والبيهقي في سننه من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ألحد ونصب عليه اللبن نصبا ورفع قبره من الأرض نحوا من شبر.
فلا ينبغي أن يُزاد على فعله صلى الله عليه وسلم فإن هذا من تشريف القبر ورفعه الذي قد نهانا عنه، كما نقل لنا من قول علي ابن أبي طالب –رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "لاَ تَدَعَ تِمْثَالاً إِلاَّ طَمَسْتَهُ وَلاَ قَبْرًا مُشْرِفًا إِلاَّ سَوَّيْتَهُ". ومن صور هذا الرفع: وضع الرخام على القبر قائماً، أو بطول القبر ، وبناء القبر بالإسمنت، وغيرها من صور الرفع المعروفة
كما لا ينبغي أن تسوى القبور بالأرض صيانة لها، فيكون الوسط العدل في ذلك هو اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم.
• ترك الدعاء بالتثبيت عند السؤال والاستغفار للميت بعد دفنه، وترك التذكير بذلك:
يستحب للمسلم أن يدعو للميت بالتثبيت عند السؤال، ويستغفر له، فقد روى أبو داود في السنن عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ: "اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ وَسَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ فَإِنَّهُ الآنَ يُسْأَلُ".
• ارتكاب المعاصي عند القبور كالتدخين و الغيبة والنميمة:
إن ارتكاب المعاصي حرام على كل حال، وتشتد الحرمة إذا كان في زمن معظم كرمضان أو مكان مطهر كالحرم، وارتكاب المعاصي بجميع أنواعها عند القبور داخل في عموم النهي عن ارتكابها، ولقد رأى ابن مسعود رضي الله عنه رجلا يضحك في جنازة ، فقال: "تضحك في جنازة ، لا أكلمك بكلمة أبدا" الزهد لوكيع.
هذا وهو لم يرتكب محرماً، فما بالنا لو رآه يدخن مثلاً !!، و كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إِذَا وَقَفَ عَلَى قَبْرٍ يَبْكِي حَتَّى يَبُلَّ لِحْيَتَهُ، فَقِيلَ لَهُ: تَذْكُرُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ وَلَا تَبْكِي وَتَبْكِي مِنْ هَذَا !!. قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ فَإِنْ نَجَا مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ" قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا رَأَيْتُ مَنْظَرًا قَطُّ إِلَّا وَالْقَبْرُ أَفْظَعُ مِنْهُ". رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
هذا ما يسر الله تعالى جمعه، وقد تحرينا أن تكون مادة هذه الرسالة عن البدع المنتشرة بيننا، وإلا فإن هناك الكثير من البدع التي تتعلق بالقبور، والتي لا توجد في بلدنا بفضل الله تعالى، ثم باتباع الكثير من المسلمين لسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم ونبذهم لهذه البدع، وصلِّ اللهم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.