ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بـســم الله الـــرحـمــن الرحيـــــم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بيان الأخلاق والصفات التي ينبغي للدعاة أن يتخلقوا
بها وأن يسيروا عليها :
منها :
أولاً : الإخلاص : فيجــب عــلــى الداعية أن يكــــون
مخلصا لله عـز وجل لا يريد رياء ولا سمعة ولا ثناء
الناس ولا حمدهم، إنما يدعو إلى الله يريد وجهه عز
وجل ، كمـا قــال سبحانه ( قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى
اللّهِ ) ، وقـال عز وجل ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا
إِلَى اللَّهِ ) .فعليك أن تخلص لله عز وجل ، هـذا أهم
الأخلاق ، هذا أعظم الصفات أن تكون فـي دعوتك
تريد وجه الله والدار الآخرة .
ثـــانياً : أن تكـون عـلى بينة في دعوتك – أي : على
علــم – لا تكن جاهلا بما تدعو إليه ( قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي
أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ ) فلا بد من العلم ، فالعلم
فريضة ، فإياك أن تــدعـو علــى جهالة ، وإيــاك أن
تتكلم فيمـا لا تعلم ، فالجاهل يهدم ولا يبني ، ويفسد
ولا يصلح ، فاتق الله يا عبد الله، إياك أن تقول على
الله بغير علم ، لا تدعو إلى شيء إلا بعد العلم بـه ،
والبصيرة بمـا قاله الله ورسوله ، فلا بد من بصيرة
وهــي العـــلم ، فعلى طالب العلم وعلــى الداعية أن
يتبصر فيما يدعو إليـــه ، وأن ينظر فيما يدعو إليه
ودليله ، فـــإن ظهر له الحق وعرفه دعا إلى ذلك ،
سواء كان ذلك فعلا أو تركا ، فيدعو إلــى الفعل إذا
كان طاعة لله ورسوله ، ويدعو إلــى ترك ما نهى
الله عنه ورسوله على بينة وبصيرة .
ثـالثاً: أن تكون حليما في دعوتك رفيقا فيها، متحملا
صبورا كـما فعل الرسل عليهم الصلاة والسلام، إياك
والعجلة، إياك والعنف والشدة، عليك بالصبر، عليك
بالحلم، عليك بالرفق في دعوتك … ، قـال جل وعلا
( ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَــــةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) ، وقوله سبحانه ( فَبِمَا
رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ ) وقوله جل وعلا في قصة
موسى وهارون ( فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ
يَخْشَى ) .
وفـي الحــديث الصحيح يقـول النبـي صـلى الله عليه
وسلم « اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم
فارفق به ومن ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم
فاشقق عليه » خرجه مسلم في الصحيح .
فعليك يا عبد الله ، أن ترفق فـــي دعوتك ، ولا تشق
عـلى النــاس ، ولا تنفرهم مــن الديــن ، ولا تنفرهم
بغلظتك ولا بجهلك ، ولا بأســلـــوبك العنيف المؤذي
الضار، عليـك أن تكون حليما صبورا ، سلس القياد،
لين الكلام ، طيب الكلام ؛ حتى تؤثر في قلب أخيك ،
وحتى تؤثر في قلب المدعو ، وحتــى يأنس لدعوتك
ويلين لها، ويتأثر بها ، ويثني عليك بها ، ويشكرك
عليها أما العنف فهو منفر لا مقرب ومفرق لا جامع
ومن الأخلاق والأوصاف التي ينبغي – بل يجب – أن
يكــون عليهـــا الداعية : العمل بدعوته ، وأن يكون
قدوة صالحة فيمـا يدعو إليه ، ليس ممن يدعو إلـى
شيء ثم يتركه ، أو ينهى عنه ثم يرتكبه ، هذه حال
الخاسرين ، نعوذ بالله من ذلك .
أمـا المؤمنون الرابحون فهم دعاة الحق يعملون بــه
وينشطون فيه ويسارعون إليه ويبتعدون عما ينهون
عنه قال الله جل وعلا(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ
مَا لَا تَفْعَلُـــونَ ، كَبُـــرَ مَقْتاً عِنــدَ اللَّهِ أَن تَقُـــولُـــوا
مَا لَا تَفْعَلُونَ ) ، وقــال سبحانه موبخا اليهود عــلى
أمـــرهم النــاس بالبر ونسيان أنفسهم ( أَتَأْمُـــرُونَ
النَّاسَ بِالْبِــــرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ
أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ) .
وصح عـن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال«يؤتى
بالــرجل يــوم القيامة فيلقى فـــي النار فتندلق أقتاب
بطنه فيدور فيهــــا كما يدور الحمار بالرحى فيجتمع
عليـه أهل النار فيقولون له يا فلان ما لك ؟ ألم تكن
تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ؟ فيقول بلى كنت
آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عـــن المنكـــــــر
وآتيه»(1)هذه حال من دعا إلى الله وأمر بالمعروف
ونهى عن المنكر، ثم خالف قوله فعله وفعله قوله،
نعوذ بالله من ذلك .
فمـن أهم الأخلاق ومن أعظمها في حق الداعية : أن
يعمل بما يدعو إليه ، وأن ينتهي عــما ينهى عنــه ،
وأن يكــون ذا خلق فاضل ، وسيرة حميدة ، وصبـــر
ومصابرة، وإخلاص في دعوته، واجتهاد فيما يوصل
الخير إلـى الناس ، وفيما يبعدهم من الباطل ، ومـــع
ذلك يدعو لهم بالهداية ، هـذا من الأخلاق الفاضلة ،
أن يدعو لهم بالهداية ويقــــول للمدعو : هداك الله ،
وفقك الله لقبول الحق ، أعانك الله على قبول الحق،
تدعوه وترشده وتصبر على الأذى ، ومع ذلك تدعو
لـه بالهداية « قــال النبــي عليــــه الصلاة والسلام
لمــا قيل عن دوس إنهم عصوا ، قـــال " اللهم اهد
دوسا وأت بهم "»(2) تدعو له بالهداية والتوفيق
لقبول الحق ، وتصبر وتصابر فـــي ذلك ، ولا تقنط
ولا تيأس، ولا تقل إلا خيرا، لا تعنف ولا تقل كلاما
سيئا ينفر من الحق، ولكن من ظلم وتعدى له شأن
آخر كما قال الله جل وعلا (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ
إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ) .
فالظالم الــذي يقابل الدعوة بالشر والعناد والأذى له
حكم آخر ، فــي الإمكان تأديبه على ذلك بالسجن أو
غيـــره ، ويكون تأديبه على ذلك عـلى حسب مراتب
الظلم ، لكـــن ما دام كافا عن الأذى فعليك أن تصبر
عليه وتحتسب، وتجادله بالتي هي أحسن، وتصفح
عما يتعلق بشخصك من بعض الأذى، كما صبر
الرسل وأتباعهم بإحسان .
وأسأل الله عز وجل أن يوفقنا جميعا لحسن الدعوة
إليه وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا، وأن يمنحنا جميعا
الفقه فـي دينه ، والثبات عليه ، ويجعلنا من الهداة
المهتدين ، والصالحين المصلحين ، إنـه جل وعلا
جواد كريم . وصـلى الله وسلــم وبارك عــلى عبده
ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه
بإحسان إلى يوم الدين .
كتاب مجموع فتاوى العلامة عبد العزيز بن باز (ج 1 / ص345)
( بتصرف )
(1 ) رواه مسلم . (2) رواه البخاري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بارك الله فيكِ غاليتي