باحث في إعجاز القرآن الكريم والسنة النبوية
إنها ظاهرة شغلت بال البشر في كل العصور، ونسجوا حولها الخرافات والأساطير، فكانت توحي لهم بالخوف أحياناً وبموت العظماء أحياناً أخرى، أو ولادة ملك أو زعيم وغير ذلك من الأفكار التي كانوا يتخيلونها مثل سقوط حاكم أو وقوع كارثة طبيعية أو خسارة معركة…
تضمنت بعض الأساطير أفكاراً نراها مضحكة في عصرنا هذا، ولكنها كانت هي التفسير المنطقي قبل آلاف السنين. فقد كان الصينيون يفسرون ظاهرة كسوف الشمس على أن تنّيناً يحاول أن يبتلع قرص الشمس!!! لذلك كانوا يضربون بالطبول ويقذفون بالسهام لأعلى محاولة منهم إخافة التنين وإعادة الشمس لهم من فمه! وفي الهند كان الناس يغمرون أنفسهم بالماء عند رؤيتهم هذه الظاهرة لكي لا يسقط عليهم شيء منه!! وحتى يومنا هذا يعتقد الإسكيمو أن الشمس تختفي وتذهب بعيداً أثناء ظاهرة كسوف الشمس ثم تعود من جديد!! (1).
عندما تقدم العلم وبدأ عصر الكشوفات الفلكية والبحث العلمي، وجد العلماء تفسيراً لهذه الظاهرة، واتضح أنها ظاهرة طبيعية تحدث نتيجة دوران القمر حول الأرض، ووقوع القمر بين الشمس والأرض مما يمنع رؤية الشمس. وتتكرر هذه الظاهرة باستمرار بقانون كوني ورياضي محسوب ويمكن التنبؤ به مسبقاً.
رأينا فيما سبق كيف تطورت المعرفة بالكسوف من الأساطير والخرافات وصولاً إلى التفسير العلمي الذي أظهر بأن الكسوف هو حدث كوني عادي جداً. فالشمس لا تنكسف لحياة ملك ولا لموت حاكم، فالأمر أكبر من ذلك بكثير.
الثابت أن هذه المعتقدات كانت سائدة في حياة سيدنا محمد صلوات الله عليه وسلامه. وقد شاءت إرادة الله تعالى أن يحدث الكسوف على زمن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم. وعلى الفور سارع الناس للقول بأن أحد العظماء مات أو وُلد!
ولكن ماذا كان موقف من تلقى علمه من ربّ الشمس والقمر؟؟ هل صحح المعتقدات؟ هل وضع الأساس العلمي قبل أن يراه العلماء بأكثر من ألف سنة؟ هل وافقهم على معتقدهم أم هداهم إلى الحقيقة العلمية اليقينية؟
لقد قال كلمات قليلة لخّص فيها كل الحقائق التي اكتشفها العلماء في القرن العشرين؟ لقد خاطب قومه ومن بعدهم فقال عليه أفضل الصلاة والسلام: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالى لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله تعالى وإلى الصلاة)[رواه البخاري و مسلم وغيرهما]. لقد حدّد هذا الحديث عدة حقائق علمية لم تكن معروفة من قبل:
1- وضّح الحديث الشريف أن الشمس والقمر مخلوقات وآيات سخرها الله تعالى ولا علاقة لهما بما يحدث على الأرض من ولادة أو موت أحد أو غير ذلك. وفي هذه العبارة قد وضع الرسول الكريم أساساً للبحث العلمي في الظواهر الكونية على اعتبار أنها آيات من عند الله ومخلوقات تخضع لإرادة خالقها عز وجل.
2- أشار الحديث إلى أن هذه الظاهرة تحدث بفعل الشمس والقمر معاً! بينما كان الناس يعتقدون أن القمر لا علاقة له بهذه الظاهرة، بل إنهم كانوا يعتقدون أن الشمس تختفي وتذهب بعيداً أو أن هنالك قوة ما تحاول أن تلتهمها.
ولو كان رسول الله يأتي بشيء من عنده لكان وافقهم على معتقدهم. ولكن نجده عليه الصلاة والسلام يميز بين الحق والباطل، كيف لا وهو الذي قال الله تعالى عنه: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى *إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) [النجم: 3-4].
3- لقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نفزع إلى الصلاة والدعاء عند كسوف الشمس: (فافزعوا إلى الصلاة). أليس هذا أسلوباً لوقاية العين من الأشعة تحت الحمراء الخطيرة والتي قد تسبب العمى الدائم؟ وإذا كانت الزَّهرة تنحني أوراقها عند كسوف الشمس وربما هي تسجد لله تعالى، أفلا نسجد نحن لله تعالى كما علّمنا الرسول الكريم عليه الصلاة والتسليم؟
4-روى البخاري عن المغيرة بن شعبة قال: انكسفت الشمس يوم مات إبراهيم، فقال الناس: انكسفت لموت إبراهيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموها فادعوا الله وصلوا حتى ينجلي).
وقد وجدتُ في هذه الرواية إعجازاً في قوله عليه الصلاة والسلام: (حتى ينجلي). أليست هذه العبارة تحمل إشارة إلى جلاء القمر أي ذهابه من أمام الشمس؟ وفي معجم مختار الصحاح نجد معنى كلمة (ينجلي) أي ينكشف، ومعنى ذلك أن القمر قد أظل الشمس وسوف ينجلي ويذهب عنها وسوف تنكشف الشمس من جديد، وهذه منتهى الدقة اللغوية والعلمية، والله تعالى أعلم.
– هنالك شيء مهم يثبت أن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول من عند الله تعالى، وهو أن هذا النبي الكريم لو كان يريد الشهرة والمال وجاءه من يمدحه ويجعل من كسوف الشمس مناسبة لموت ابنه، فلو كان الرسول كذلك لسكت عن هذا الأمر، وترك الناس يقدسونه ويرفعون من شأنه. ولو كان يجب المديح والثناء لتركهم يتحدثون عن كسوف الشمس وأنها انكسفت بسبب موت ابنه إبراهيم، وهذا سيزيده علوّاً عند قومه.
ولكنه عبد من عباد الله تعالى لا يريد شيئاً إلا رضا ربه والقرب منه وتبليغ ما أُمر به. وهذا يؤكد أنه رسول صادق لم تكن الشهرة تعني بالنسبة إليه شيئاً، بل كان كل همه رضوان الله تعالى. ولذلك فقد مدحه الله في كتابه الكريم فقال عنه: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ)[التوبة: 128-129].
خاتمة
يتضح لنا مما سبق أن الكسوف آية من آيات الله تعالى كما حدّثنا عنها حبيبنا عليه الصلاة والسلام عندما قال: (آيتان من آيات الله) وبما أنه ينبغي على المؤمن أن يتفكر في آيات الله تعالى فإن قراءة أبحاث كهذه هي نوع من أنواع العبادة لله!
وهذه الكلام ليس من عندي بل هو كلام الله تعالى القائل: (كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [يونس: 24]. ويقول أيضاً: (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) [البقرة: 266]. والقرآن يحضنا على التفكر في مخلوقات الله وآياته الكونية، وذلك لنصبح أكثر علماً بالله تعالى. وعسى أن نكون من الذين قال الله تعالى فيهم في سورة [الفرقان الآية 73]:
(وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا)
كلمة الناقل : اخواني الأعزاء شهدنا هذه السنة كسوفا للشمس وخسوفا للقمر فصلت بينهما مدة وجيزه جدا وهذا ان دل على شيء فانما يدل على غضب رب العباد علينا فلنكثر من الاستغفار والتقرب الى الله تعالى بالأعمال الصالحة ولنحافظ على صلواتنا جماعة في المساجد ولنحيي بيوت الله واسأل الله العظيم رب العرش الكريم ان يهدينا ويهدي جميع المسلمين لما يحبه ويرضاه من الأقوال والأعمال الصالحه انه سميع مجيب واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.