أخي الكريم، أختي الكريمة
من منّا يَسْلَمُ من الخطأ، أو الوقوع في الزلل، أو مقارفة الذنب، فكلنا ذو خطأ وخير الخطّائين التوابون المستغفرون.
ومهما بلغت ذنوبناً ومعاصينا، فالله –تعالى- يغفرُها، فإنَّ من أسمائه جلّ وعلا (الغَفُورَ)، ومن صفاته (المغفرة) وهذا يدل على حاجة العباد إلى مغفرة ذنوبهم، ويدل على عدم عصمتهم من الوقوع في الذنب؛ قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53].
وقال عليه الصلاة والسلام: (والذي نفسي بيده، لولم تُذنِبوا لَذَهَبَ الله بكم، ولَجَاءَ بقومٍ يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم) رواه مسلم.
ورمضانُ هو شهر الغفران، إذ تكثر فيه أسبابُ المغفرة؛ لأنه شهرُ الرحمة، وشهر المغفرة، وشهر العتق من النار، وشهر الإحسان، فهو فرصةٌ عظمى لمحو الذنوب والمعاصي والوقاية من النار.
من لم يغفر الله له في رمضان فمتى سيغفر الله له؟ ومن لم يحقق الأسباب الجالبة للمغفرة فماذا يرجو من ربه بعد ذلك؟
قال رسول الله -صلى الله علية وسلم-: "رَغِمَ أنفُ رجل دخل عليه رمضانُ ثم انسلخ قبل أن يغفر له…" الحديث [أخرجه الترمذي والحاكم وصححه الألباني].
ومعنى (رغم أنف رجل) أي ذلّ عن كُرهٍ، وأرغمه الذل، كما أشار الفيروزأبادي في القاموس المحيط، والمعنى -والله أعلم- ذلّ أنفُ رجُلٍ ودُسّ في الرَّغام -وهو التراب- دخل عليه رمضانُ ولم يُغفر له فيه.. (نسأل الله السلامة).
ولخطورة الأمر نجدُ اللهَ –تعالى- نوّعَ أسبابَ المغفرة في رمضان، من أجل أن يغفر ذنوبَ العباد خلال هذا الشهر، ويخرج كل مسلم من هذا الشهر كيومَ ولَدَته أمُّه، ليس عليه من الذنوب شيء.
فمن أسباب المغفرة في رمضان:
1) الصيام بالنهار إيماناً بالله، وامتثالاً لأمره، واحتساباً للأجر والثواب من عند الله تعالى، يقول عليه الصلاة والسلام: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدم من ذنبه) متفق عليه، وفي الحديث الآخر قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله تبارك وتعالى فرض صيام رمضان عليكم، وسننت لكم قيامه؛ فمن صامه وقامه إيماناً واحتساباً خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه) [رواه النسائي واللفظ له، وأحمد وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح].
2) القيام بالليل إيماناً بالله واحتساباً للأجر من عند الله، لا لرياءٍ ولا لسمعةٍ ولا لدنيا ولا لصحةٍ، وإنما طلباً للثواب من الله جلّ وعلا؛ يقول صلى الله عليه وسلم: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدم من ذنبه" متفق عليه.
3) قيام ليلة القدر إيماناً واحتساباً؛ لأنها ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر؛ من حُرِم خيرها فقد حُرم؛ قال عليه الصلاةُ والسلام: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدم من ذنبه) متفق عليه.
4) الصدقة، وهي من القربات العظيمة، التي تُطهّر المال، وتدفع البلاء، وتُكفّر السيئات؛ قال تعالى: {وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 35]، وقال عليه الصلاة والسلام: (الصوم جُنّة، والصدقة تُطفئ الخطيئة كما يُطفئ الماء النار) [رواه الترمذي وأحمد وصححه الألباني].
وقد كان رسولنا -عليه الصلاة والسلام- أجودَ الناس، وأجودَ ما يكون في رمضان؛ حين يلقاه جبريل، إذ كان أجود من الريح المُرسلة.
ومن أجلّ أعمال الصائم: تفطير الصوّام؛ ففي الحديث: (من فطّر صائماً كان له مثلُ أجره غير أنه لا يَنقُصُ من أجر الصائم شيئاً) [رواه الترمذي وابن ماجه وصححه الألباني].
5) العُمْرة؛ فهي مما يُكفّر الذنوب، ويطهّر القلوب؛ قال صلى الله عليه وسلم: ( العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) متفق عليه، والعمرة في رمضان أعظم منها في غيره، وقد جاء في الصحيحين عن رسولنا -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (عُمرةٌ في رمضان تعدل حِجّة) وفي رواية (كحجّة معي)، ويا له من فوزٍ عظيم أن يكون المعتمرُ في رمضان كمن حج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكمن صحبه في إحرامه وفي طوافه وفي سعيه وفي كل مناسكه.
6) الدعاء في الأوقات الفاضلة من هذا الشهر الكريم، وخصوصاً ليلةَ القدر؛ فقد سميت بذلك لعظم قدرها، وجلالة مكانتها عند الله، ولكثرة مغفرة الذنوب وستر العيوب بها، فهي بحق ليلة المغفرة، وقد ورد في فضل الدعاء فيها أن عائشة -رضي الله عنها- قالت: يا رسول الله ماذا أقول لو أدركت ليلة القدر؟ قال: "قولي: اللهم إنك عفُوّ تحب العفو فاعفُ عني" [رواه الترمذي وابن ماجه وصححه الألباني]. وقد كان ابنُ عمر -رضي الله عنهما- يقول عند فطره: (اللهم يا واسع المغفرة اغفر لي)، وأسباب المغفرة في هذا الشهر كثيرة، فأين من يحققُها ويحرص على طلبها؟ من أجل أن يغفر الله ذنبه ويرضى عنه.
نسأل الله أن يغفر ذنوبنا، وأن يستر عيوبنا، وأن ييسر أمورنا، وأن يجعلنا من عباده الصالحين، وأن يرضى عنا وأن يثبتنا على الحق حتى نلقاه، وأن يجعلنا نخرج من ذنوبنا في شهرنا هذا كيوم ولدتنا أمهاتُنا.
إنه على كل شيء قدير.
شكرا لكاتب المقالة الشيخ حسين مسعود القحطاني وجعلها الله في ميزان حسناته