أبو العلاء المعري من أشهر شعراء العصر العباسي وأحد فلاسفته، هو أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوحي المعري، ولد عام 363هـ – 973م في معرة النعمان والتي تقع في سوريا بين كل من حماة وحلب، ويرجع نسبه إلى قبيلة تنوح باليمن. وكان المعري يزهد الدنيا فكان يحرم إيلام الحيوان ولم يأكل اللحم 45 عاماً وكان يلبس خشن الثياب، عرف بلقب "رهين المحبسين" ويقصد بهم العمى والمنزل وذلك عندما مر بفترة اكتئاب وتشاؤم شديدة ولزم الجلوس في المنزل فكان لا يغادره وكان ذلك بعد وفاة والدته حيث نظر إلى الحياة بنظرة متشائمة رافضة.
كان أبو العلاء نحيف الجسم ضعيف أصيب بالعمى صغيراً وبالتحديد في الرابعة من عمره وذلك بعد إصابته بمرض الجدري، وعلى الرغم من فقده لبصره صغيرا إلا أن هذا لم ينل من إبداعه الشعري شيء حيث قدم الكثير من القصائد والدواوين الشعرية والتي كان يقوم بإملائها على كاتبه علي بن عبد الله بن أبي هاشم وبتلك الطريقة تم حفظ أشعار أبي العلاء لتظل خالدة إلى الآن لتنضم إلى موكب الشعر في العصر العباسي.
رحلته الشعرية
أنكب أبو العلاء على دراسة اللغة والأدب، فتعلم على يد علماء بلدته العديد من النواحي اللغوية والأدبية بالإضافة لدراساته هو الشخصية وسعيه الدائم من أجل الإلمام بجميع الأدوات اللغوية، ومما يدل على عشقه للشعر هو قيامه بنظم الشعر وهو ما يزال في الحادية عشر من عمره.
رحل إلى العراق عام 389هـ فأقام بها لفترة تقترب من السنتين، وعكف أبو العلاء على نظم الشعر والتزود بالعلوم الأدبية وغيرها وبالنظر إلى شعره نجده ينقسم إلى ثلاثة أقسام " لزوم مالا يلزم" ويعرف باللزوميات، و" سقط الزند"، و"ضوء السقط" .
ترجمت العديد من أشعار أبو العلاء إلى لغات أخرى ولديه تراث ضخم من الكتب وفهرسها في معجم الأدباء، نذكر من تصانيفه كتاب " الأيك والغصون" – في الأدب والذي يزيد على المائة جزء، " تاج الحرة " في النساء وأخلاقهن وعظاتهن- أربع مائة كراس، و"عبث الوليد" شرح به ونقد ديوان البحتري، و" رسالة الملائكة" صغيرة، و"رسالة الغفران" ، و"الفصول والغايات"، و"رسالة الصاهل والشاحج".
أسلوبه الشعري
تميز الأسلوب الشعري للمعري بضمه الأمثال والحكم بالإضافة للخيال الواسع، وذكره للعديد من الأحداث التاريخية من الوقائع التي تجرى بين العرب، هذا بالإضافة إلي اللمحة التشاؤمية والتي نجدها تتسلل إلي شعره ونثره، كما تميز شعره بالوصف، بالإضافة لقيامه بعدد من الأمور الأدبية الأخرى مثل النقد والشرح لبعض الكتب والدواوين مثل ديوان معجز أحمد لأبي الطيب المتنبي ، وديوان ذكرى حبيب لأبي تمام ، وديوان عبث الوليد لأبي عبادة البحتري.
توفى أبو العلاء في عام 449هـ – 1057م وقد رثاه العديد من الشعراء، وترك المعري للمكتبة الشعرية كم هائل من الأشعار والدواوين والكتب.
من شعره
وَأَيُّ الناسِ لَيسَ لَهُ iiعُيوبُ
وَلِلإِنسانِ ظاهِرُ ما iiيَراهُ
وَلَيسَ عَلَيهِ ما تُخفي iiالغُيوبُ
يَجُرّونَ الذُيولَ عَلى المَخازي
وَقَد مُلِئَت مِنَ الغِشِّ iiالجُيوبُ
وَكَيفَ يَصولُ في الأَيّامِ iiلَيثٌ
إِذا وَهَتِ المَخالِبُ iiوَالنُيوبُ
ومن شعره أيضاً
ما فيهِ إِلّا شَقِيُّ الجَدِّ iiمَضرورُ
أَرى شَواهِدَ جَبرٍ لا أُحَقِّقُهُ
كَأَنَّ كَلّاً إِلى ما ساءَ مَجرورُ
هَوِّن عَلَيكَ فَما الدُنيا iiبِدائِمَةٍ
وَإِنَّما أَنتَ مِثلُ الناسِ iiمَغرورُ
وَلَو تَصَوَّرَ أَهلُ الدَهرِ iiصورَتَهُ
لَم يُمسِ مِنهُم لَبيبٌ وَهوَ iiمَسرورُ
لَقَد حَجَجتَ فَأَعطَتكَ السُرى عَنتاً
فَهَل عَلِمتَ بِأَنَّ الحَجَّ مَبرورُ
وَالخَيرُ وَالشَرُّ مَمزوجانِ ما اِفتَرَقا
فَكُلُّ شُهدٍ عَلَيهِ الصابُ مَذرورُ
وَعالَمٌ فيهِ أَضدادٌ مُقابِلَةً
غِنىً وَفَقرٌ وَمَكروبٌ iiوَمَقرورُ
رثاء لوالده
فلا جادَني إلا عَبوسٌ منَ iiالدَّجنِ
فَلَيتَ فَمي إن شامَ سِنّي iiتبَسُّمي
فمُ الطّعنةِ النّجْلاءِ تَدْمى بلا iiسِنِّ
كأنّ ثَناياهُ أوَانِسُ iiيُبْتَغَى
لها حُسنُ ذِكْرٍ بالصّيانةِ والسّجنِ
أبي حَكَمَتْ فيهِ اللّيالي ولم iiتَزَلْ
رِماحُ المَنايا قادِراتٍ على iiالطّعنِ
مضَى طاهر الجثمان والنّفس iiوالكرَى
وسُهدِ المنى والجَيبِ والذيلِ والرُّدنِ
فيا لَيتَ شِعري هل يَخِفّ iiوَقارُهُ
إذا صَارَ أُحْدٌ في القِيامَةِ iiكالعِهْنِ
وهلْ يرِدُ الحوْضَ الرّويَّ مُبادِراً
معَ النّاسِ أمْ يأبَى الزّحامَ فَيَستأني
حِجىً زادَهُ من جُرْأةٍ وسَماحةِ
وبعضُ الحجى داعٍ إلى البخلِ والجُبنِ
أسعدنى حقاً قراءة هذه الأبيات من شعره
رمضان كريم