إعداد / القسم العلمي بمدار الوطن .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على ختام الأنبياء والمرسلين , نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين , أما بعد :
فقد سئم كثير من الناس حياة الغفلة والشرود والبعد عن الله تعالى , وتاقت أنفسهم إلى حياة الطهر والعفة والاستقامة , يريدون أن يعيشوا حياة طيبة سعيدة هادئة مطمئنة , بعيدة عن نيران الشهوات وأشواك المعاصي والمخالفات .
إنهم ينتظرون رياح التغيير , ونسمات الإصلاح , ووميض التوبة , وإشراقات الاستقامة فيتساءلون في حيرة .
كيف نغير أنفسنا ؟
كيف ننهض من كبوتنا ؟
كيف نستيقظ من غفلتنا ؟
كيف نعالج واقعنا الأليم ؟
إلى هؤلاء جميعاً أهدي هذه الكلمات …
البداية
أخي الحبيب ! إن مجرد تفكيرك في التغيير يعدُ ـ بحد ذاته ـ نوعاً من التغيير , لأن هناك فئة ما من الناس ألفوا حياة الغفلة , واستساغوا مسيرة الضياع , واستحسنوا طريق الشهوات , فهم لا يبحثون عن التغيير , بل لا يتصورون ترك هذه الحياة التي يعيشونها طرفة عين , ولذلك فإنهم لا يشعرون بألم البعد عن الله , ولا يحسون بوحشة , وهؤلاء موتى في صورة أحياء , لا يعرفون معروفاً , ولا ينكرون منكراً إلا ما أشربوا من هواهم , وهذا نتيجة تراكم الذنوب على القلب حتى اسودّ وانتكس , كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث حذيفة : " تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عوداً عوداً , فأيّ قلب أشربها , نُكتت فيه نكتة سوداء , وأي قلب أنكرها , نكتت فيه نكتة بيضاء , حتى تصير على قلبين , على أبيض مثل الصفا , فلا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض , والآخر أسود مربادّاً , كالكوز مجَخِّياً , لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً , إلا ما أشرب من هواه " ( رواه مسلم ) .
أما أنت ـ أخي الحبيب ـ فما دمت تسأل عن التغيير , وما دامت نفسك تتطلع إلى السمو والارتقاء نحو المعالي , فإن ذلك يدل على حياة في قلبك وخير في نفسك , ولكن التفكير في التغيير وإن كان نوعاً من التغيير فإنه ليس هو التغيير المطلوب , بل إن الإكتفاء بهذا التفكير دون إحداث خطوات عملية نحو التغيير الحقيقي يجعل هذا التفكير مجرد أماني باطلة لا تنفع صاحبها , بل هي رأس مال المفاليس كما يقال .
والثاني : العزم على الاستمرار على الطاعات بعد الدخول فيها , وعلى الانتقال من حالٍ كاملٍ إلى حالٍ أكمل منه , وهو من النهايات , وعون الله للعبد على قدر قوة عزيمته وضعفها , فمن صمم على إرادة الخير , أعانه وثبته ( 1 ) .
5ـ العزم على فعل المأمور والتزامه في الحال والمستقبل .
والنوع الثاني : باعتبار العموم
7- إن كان الحق متعلقاً بآدمي فعليه أن يرد له حقه …( 2 )
إن عمليه التغيير لابد أن تسير بخطيً سريعة , لأن البطء يمكن أن يؤدي إلى التكاسل عن إتمام تلك العملية , وبالتالي الانسحاب من المعركة دون تحقيق شيئ من النصر .
قال تعالى : {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } ( آل عمران133 ) .
وقال تعالى : {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ …. } ( الحديد21 )
ومدح الله عز وجل زكريا عليه السلام وآله فقال : { إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ } ( الأنبياء90) , ومدح أهل الإيمان والخشية بقوله : {أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ } ( المؤمنون61 )
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " التؤدة في كل شيء إلا في عمل الآخرة " ( رواه أبو داوود وصححه الألباني ) , والتؤدة هي التأني والتثبت وعدم العجلة .
وأنظر إلى مسارعة عمير بن الحمام رضي الله عنه إلى نيل الشهادة فإنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض "
فقال : يا رسول الله ! جنة عرضها السموات والأرض !!
قال : " نعم " .
قال : بخٍ بخٍ .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما يحملك على قولك بخٍ بخٍ ؟ "
قال : لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها .
قال : " فإنك من أهلها " , فأخرج عمير تمرات من قرنه , فجعل يأكل منهن , ثم قال : لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه , إنها لحياة طويلة !! فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتل الكفار حتى قتل رضي الله عنه " ( رواه مسلم ) .
وانظر كذلك إلى مسارعة الصحابة رضوان الله عليهم في الاستجابة لأمر الله تعالى في تحريم الخمر وهم الذين نشئوا وتربوا على شربها , فما أن سمعوا المنادي ينادي بأن الخمر قد حرمت حتى أهرقوا ما معهم في شوارع المدينة .
هكذا كانت مسارعة القوم إلى مرضات الله تعالى , فأين نحن من هؤلاء ؟
5 ـ الفورية :
إن التغيير من المعصية إلى الطاعة , ومن الاعوجاج إلى الاستقامة واجب على الفور , لا يجوز في ذلك التراخي أو الانتظار , فمن انتبه من غفلته وأبصر ما هو عليه من ضياع ومخالفة , لا بد أن يبدأ فوراً بالتغيير , أسوة بالصديق رضي الله عنه , فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما عرض عليه دعوة الإسلام , وعرف أنه الحق , لم يتلعثم ولم يتردد , وإنما آمن بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم وشهد شهادة الحق من ساعته , وبذل نفسه وماله في سبيل الله عز وجل .
وهؤلاء سحرة فرعون , لما ألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون , علموا أن موسى على الحق , وأنه رسول من رب العالمين , فقالوا على الفور {قَالُواْ آمَنَّا بِرِبِّ الْعَالَمِينَ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ } ( الأعراف 121,122) , ولم يلتفتوا بعد ذلك إلى فقد مناصبهم الدنيوية ومكانتهم الاجتماعية , حيث كانوا مقربين من فرعون , ولم يعبئوا كذلك بما توعدهم به فرعون من العذاب والنكال بتقطيع أيديهم وأرجلهم وصلبهم على جذوع النخل .
6 ـ العلم :
إن عملية التغيير وهي الجانب العملي , لابد أن يرافقها جانب علمي , وهذا الجانب العلمي هو الذي تنضبط به عملية التغيير , فلا تنحرف لا إلى التفريط ولا إلى الإفراط , وإنما تسير على المنهج الوسط الذي ارتضاه الله تعالى لعباده , قال تعالى في شأن أعظم كلمة وهي كلمة التوحيد : {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ }( محمد19) فعلى مريد التغيير أن يطلب العلم بكل وسيلة شرعية , فيجالس العلماء وطلاب العلم , ويواظب على حضور الدروس العامة والخاصة , ويكثر من المطالعة في كتب أهل العلم , ويمكن كذلك الاستفادة من الأشرطة العلمية المسجلة , والاستماع إلى إذاعة القرآن الكريم , وكذلك متابعة مواقع أهل العلم المنتشرة عبر شبكة الإنترنت .
على طالب التغيير أن يتقيد بالكتاب والسنة وما دار في فلكها , وليحذر أشد الحذر من أهل الأهواء والبدع , فإن فتنتهم عظيمة وخطرهم كبير , فعليه في باب الاعتقاد أن يعتقد عقيدة أهل السنة والجماعة , وهي العقيدة الصحيحة التي لا نجاة للمرء إلا باعتقادها , وحبذا لو أخذ هذه العقيدة عن أهل العلم المعروفين بالتقوى وحسن المعتقد , فقد قال أيوب رحمه الله : إن من سعادة الحدث والأعجمي أن يوفقهما الله لعالم من أهل السنة .
وليحذر كذلك من البدع في العبادات وغيرها , فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " كل محدثة بدعة , وكل بدعة ضلالة " .
وقال صلى الله عليه وسلم : " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " أي : مردود على صاحبه لا يقبل , فإن العمل لا يُقبل إلا إذا ابتغى به وجه الله تعالى , وكان موافقاً لسنة النبي صلى الله عليه وسلم .
8 ـ الجدية :
الجدية مطلب أساس لطالب التغيير , فإن بعضاً من المستقيمين افتقدوا الجدية , فتساهلوا في بعض القضايا , وتميعت لديهم بعض المفاهيم , وتنازل بعضهم عن كثير من الأمور الشرعية حتى صارت الاستقامة لديهم مجرد شكل دون مضمون , والله تعالى يقول : { خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ } (البقرة93 ) , وقال عن موسى عليه السلام {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ }( الأعراف145 )
وأرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى الجدية في التمسك بالسنة , فقال عليه الصلاة والسلام : " عضوا عليها بالنواجذ ….. "
والجدية تشمل المظهر , فلا بد أن يكون المسلم جاداً في مظهره غير مائل إلى الترف والتبذير , ولا يمنع ذلك أن يكون نظيف الثياب حسن الهندام .
والجدية تغلب كذلك على مجالس المسلم , فهي ليست مجالس لهو ولعب وغيبة ونميمة وسخرية واستهزاء , وإنما مجالس علم ومعرفة وثقافة وكلمات نافعة وحوارات بناءة , ولا بأس ببعض الطرائف التي لا تُخرج المجلس عن حدود الوقار والأدب .
9 ـ تبديل الاهتمامات :
على طالب التغيير أن يقوم بتبديل اهتماماته وفقاً لمنهج الإسلام الذي ارتضاه , فيترك ما كان عليه من اهتمامات باطلة ويجعل مكانها غيرها من الاهتمامات النافعة , مثال ذلك : يترك شرب الدخان والمسكرات والمخدرات , ويترك الممارسات المحرمة , كالزنا واللواط والعادة السرية والمعاكسات بأنواعها , ويترك سماع الغناء ومشاهدة سموم القنوات , ويترك الكبر والغرور والسخرية والاستهزاء بالآخرين , وتترك المرأة التبرج والسفور وتغيير خلق الله عز وجل , وتترك ترك الصلاة والتهاون بها , وتترك مجالس الغيبة والسخرية والنميمة والكذب .
ويتجه الجميع إلى طاعة الله عز وجل وذكره وشكره ودعائه في السراء والضراء , ويتجهوا إلى تلاوة كتاب الله عز وجل وحفظه وتدبره وتعلُمه وتعليمه , ويلجئوا إلى الصلاة والمحافظة عليها , وإلى حضور مجالس العلماء والقراءة في كتب أهل العلم إلى غير ذلك من الأمور الجادة التي تدل على صدق المرء في توجهه نحو التغيير الصحيح .
من المتعين على طالب التغيير ـ وهو في بداية الطريق ـ أن يقطع علاقاته بأهل الفساد والغواية , لأنه إن استمر معهم لم يكن صادقاً في توجهه نحو التغيير , وحتى إن لم يشاركهم في منكرهم شاركهم في الإثم بالجلوس معهم , والله تعالى يقول : {الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ }الزخرف67 , ويقول : {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً , يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً }( الفرقان 27 28 )
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : " المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل " .
فالاستمرار في مخالطة أهل الشر والفساد يؤدي إلى الانتكاس والعودة إلى الماضي السيئ وكم من شاب انتكس بسبب حنينه إلى صحبته القديمة .
11ـ ترتيب الأولويات :
على طالب التغيير أن يبدأ بأهم المهمات , ثم الأهم فالأهم , فيبدأ بتصحيح العقيدة , ويقدم الفرائض على النوافل , والواجبات على المستحبات , ويعطي كل شيء حقه من العناية , ويهتم بتنظيم وقته حتى لا يضيع منه شيء دون فائدة .
12 ـ الاستعانة بالله عز وجل :
والاستعانة بالله عز وجل من أهم المهمات في مرحلة التغيير , فهي تعني الخروج من الحول والقوة وطلب الحول والقوة والمعونة من الله تعالى , ولأهمية الاستعانة بالله عز وجل أمر الله عباده أن يقولوا في كل ركعة من ركعات الصلاة {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } ومن الاستعانة بالله عز وجل أن يكثر مريد التغيير من دعاء الله عز وجل بالتوفيق والثبات على الطريق , واللجوء إلى الله عز وجل وكثرة ذكره وشكره وتلاوة كتابه .
13 ـ الصبر والمجاهدة :
إن عملية التغيير ليست بالأمر اليسير , فإنها ميلاد جديد وحياة بعد موت , ولذلك فإنها تحتاج إلى صبر ومجاهدة , وبهذا الصبر والمجاهدة يتبين الصادق من الكاذب , فالصادق يتجرع مرارة الصبر , ويجاهد نفسه على طاعة الله عز وجل , ولا يزال في صبر ومجاهدة حتى تألف نفسه الطاعة , وتنفر من العصيان , أما الكاذب فإنه لا يقدر على ذلك , بل يستسلم لأول بارقة من فتنة , وينكص على عقبيه ويعود القهقري , قال تعالى : {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ }( العنكبوت69) .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
ملاحظة / الكتاب بتصرف بسيط مني جداً جداً
والله من وراء القصد
~*~ أختكن ومحبتكن في الله ~*~
وبلغك أعالي الجنان
جوزيتِ خيرا يا غاليه
وجزاك المولى كل خير ..
دمت محبة لله و رسوله ..
محبتك في الله ..
مريم..
أم الشفيعين
حياك الله
نورتي المنتدى
سعدت بوجودك هنا
أختك في الله
مريم
جزيت خيراً
وبارك الله فيك
~*~ أختك ومحبتك في الله ~*~
نسأل الله يتقبل تبتنا