لماذا يذكرنا الله بعمليه اتباع الهوى؟ هوي النفس؟
إن ذلك لعدة أسباب منها: أن الله سبحانه و تعالى قد جعل منهجه قائما على الحق، و الحق غالبا ما يكون ضد ما تهوى النفس.
فالنفس تهوى أن تأخذ ما لا حق لها فيه، تهوى مثلا أن تأخذ شقة جارك و ماله و أثاثه و كل ما يمتلك و تضمه إلى ما تملك.
و النفس تهوى الفائدة العاجلة، و هي في سبيل ذلك تكذب و تزور و تنافق، دون أن ترى أثر ذلك كله على المجتمع و كيف أنها تفسده.
و النفس تهوى أن تكون لها الكبرياء في الأرض، و أن تحصل على كل ما تريد دونما عناء أو مشقه.
و لكن هل يستقيم المجتمع الإنساني بهوى النفس؟
ماذا يمكن أن يحدث لو أطلقنا العنان و أبحنا لكل انسان أن يسرق من المال ما يريد، و أن يأخذ من حقوق غيره ما يشاء، و أن يستبعد البشر و يسخرهم لخدمته؟
ما الذي يمكن أن يحدث في الكون؟ إلا أن يتحول الكون كله إلى مجموعة من العصابات و القتله، و يصبح كل إنسان غير آمن على حياته و لا على بيته؟
فبدلا من أن يسخر طاقاته لعمارة الأرض و يسخرها لحماية نفسه، و تصبح الدنيا كلها مجموعة من الفوضى بلا نظام و لا آمن، و بلا معنى لكي تضع قوانين الحماية لكل فرد لتستقيم الحياة.
إذن فالمسألة هنا ضرورة، يلجأ الناس إليها ليقوم المجتمع، و عندما يبتعد الناس عنها يفسد المجتمع، و يتحكم فيه هوى النفس فيكثر الظلم و الرشوة و الاختلاس و الفساد و الفاحشة.
و الذي يتخذ هوى النفس وسيلة ينسى أن الله سبحانه و تعالى قد نظم الحياة ليحمي حق كل فرد فينا، ذلك أنه حرم علي مال غيري، و حرم مال غيري على المجتمع كله، فالمستفيد من قوانين الله هو كل فرد في المجتمع.
و الله سبحانه و تعالى يعاملنا بحق الربوبيه، و لذلك يرعى حقوقنا جميعاً و لا يبيح لمسلم أن يسرق كافرا، ولا لمؤمن أن يعتدي على عرض غير المؤمن. فكل منا له حقوق التي يجب أن يحترمها الجميع، يصرف النظر إلى درجة إيمانه؟. و لذلك عندما سرق مسلم من يهودي، و أراد الصحابة أن يمالئوا المسلم و يتهموا اليهودي بالسرقة نزل قول الله سبحانه و تعالى : ((إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا 105 وَاسْتَغْفِرِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا 106 وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا 107 يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا 108 هَاأَنتُمْ هَـؤُلاء جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً 109 ))
و كان هذا القول فيه حسم لئلا يحاول الناس ممالاة إنسان لأنه مسلم على حساب الحق، ذلك لأن الله سبحانه و تعالى- و هو الحق- لا يرضى في منهجه بظلم مهما كانت أسبابه، بل إن من قوة منهج الله أنه يحفظ حقوق الناس جميعا، حتى إذا جاء من لا يؤمن بهذا الدين يقع في خصومه مع من يؤمن به ووجد أن القضاء هذا لصالحه، و وجد أن الدين لم يسلبه حقه، و لم يبح ظلمه لأنه لا يؤمن به؛ أحس بعظمه دين الله و بأنه دين الحق، و ربما دخل فيه و اعتنقه. فإذا لم لم يعتنقه كان هناك دوي في المجتمع كله عن هذا الدين الذي هو مع الحق وحده، دون النظر لأي اعتبار آخر، و في هذا يحس الجميع بأن هذا الدين هو دين الحق لم يضعه بشر، و لم ينبع عن هوى حتى إذا كان ذلك يخدم أؤلئك الذي اتبعوه، بل نبع عن الحق المطلق الذي لا يأتي إلا من الله سبحانه و تعالى.
إذن فأعدى أعداء منهج الله هو هوى النفس، الذي يريد أن يقلب الباطل حقاً، و أن يعطي لكل إنسان ما لا يستحقه، ظلماً.
و لذلك فإن الله سبحانه و تعالى بخبرنا أن ذلك الذي أخلد إلى الأرض و اعتبرها هي دار الخلود و عمل من أجلها فقط لا يفعل شيئا إلا للمادة، و زاد على ذلك بأنه ابتع هوى النفس الذي يهدم كل عدل في المجتمع و يشيع الظلم و الفساد.
حينما يفعل أي إنسان ذلك يكون قد ابتعد عن مشيئة الهداية لله سبحانه و تعالى فيتلقه الشيطان و يجعله يتخبط بين مادية الأرض و هوى النفس فيأخذ به الفساد، و يتخذه أداة لظلم الناس و الإعتداء عليهم و سرقة حقوقهم.
من كتاب أمثال القرآن الكريم
للداعية الشيخ محمد متولي الشعرواي رحمه الله
قال تعالى (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ)
بارك الله فيك ونفع بك …
جزاك الله ألف خير أخي الكريم …
و لكم تحياتي .