1- فأنت إما أن تذكره بعيب هو فيك ، فما ظنك بربك إذا ذكرت أخاك بما هو فيك .
2- وأنت إما أن تذكره بأمر وانت فيك أعظم منه فذلك أشد داعياًَ لمقته إياك .
3- وأنت إما أن تذكره بأمر قد عافاك الله منه ، فهذا جزاؤه إذا عافاك ؟؟ أما سمعت
عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ((أتدرون ما الغيبة؟)) قالوا الله ورسوله أعلم ، قال : ((ذكرك أخاك بما يكره)) ، قيل إن كان في أخي ما أقول ؟ قال : ((إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته ، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته))(رواه أبو داود) .. أي : قال عليه ما لم يفعل .
قال الله تعالى : (ولا يغتب بعضكم بعضـًا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتـًا فكرهتموه ، واتقوا الله إن الله توابٌ رحيم)(الحجرات/12) .
أي لا يتناول بعضكم بعضـًا بظهر الغيب بما يسوؤه ثم ضرب الله تعالى للغيبة مثلاً : ( أيُحبُّ أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتـًا) وبيانه أن ذكرك أخاك الغائب بسوء بمنزلة أكل لحمه وهو ميت لا يحس بذلك ، (فكرهتموه) أي فكما كرهتم هذا الأمر فاجتنبوا ذكر إخوانكم بالسوء ، وفي ذلك إشارة إلى أن عرض الإنسان كلحمه وهي من الكبائر .
وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : " قلت للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حسبك من صفية كذا وكذا " قال بعض الرواة تعني قصيرة ـ ((فقال : لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته)) ، قالت : وحكيت له إنسانـًا فقال : ((ما أحب أني حكيت إنسانـًا وإن لي كذا وكذا))(رواه الترمذي) ، والحديث من أبلغ الزواجر عن الغيبة .
وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : ((كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله))(رواه البخاري ومسلم) .
وعن أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال في خطبته يوم النحر بمنى في حجة الوداع : ((إن دماءكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا هلا بلغت))(رواه البخاري ومسلم) .
قال علي بن الحسين : إياكم والغيبة فإنها إدام كلاب الناس .
فمعنى الغيبة أن تذكر أخاك الغائب بما يكرهه إذا بلغه ، سواء كان ناقصـًا في بدنه أو نسبه أو خلقه أو ثوبه .
وأقبح أنواع الغيبة : غيبة المتزهدين المرائين مثل أن يذكر عندهم إنسان فيقولون : الحمد لله الذي لم يبتلنا بالدخول على السلطان والتبذل في طلب الحطام ، أو يقولون : نعوذ بالله من قلة الحياء أو نسأل الله العافية ، فإنهم يجمعون بين ذم المذكور ومدح أنفسهم ، وربما قال بعضهم عند ذكر إنسان : ذلك المسكين قد بلى بآفة عظيمة تاب الله علينا وعليه ، فهو يظهر الدعاء ويخفي قصده .
واعلم أن المستمع للغيبة شريك فيها، ولا يتخلص من إثم سماعها إلا أن ينكر بلسانه ، فإن خاف فبقلبه ، وإن قدر على القيام أو قطع الكلام بكلام آخر لزمه ذلك .
الأسباب الباعثة على الغيبة :
1- تشفي الغيظ بأن يجري من إنسان في حق إنسان آخر سبب يوجب غيظه فكلما هاج غضبه تشفى بغيبة صاحبه .
2- من البواعث على الغيبة موافقة الأقران ومجاملة الرفقاء ومساعدتهم ، فإنهم إذا كانوا يتفكهون في الأعراض رأى هذا أنه إذا أنكر عليهم أو قطع كلامهم استثقلوه ونفروا منه ، فيساعدهم ويرى ذلك من حسن الصحبة.
3- إرادة رفع نفسه بتنقيص غيره ، فيقول : فلان جاهل وفهمه ركيك ، ونحو ذلك ، وغرضه أن يثبت في ضمن ذلك فضل نفسه ويريهم أنه أعلم منه ، وكذلك الحسد في ثناء الناس على شخص وحبهم له وإكرامهم فيقدح فيه ليقصد زوال ذلك .
4- اللعب والهزل فيذكر غيره بما يضحك الناس على سبيل الحاكاة حتى إن بعض الناس يكون كسبه من هذا .
علاج الغيبة :
فليعلم المغتاب أنه بالغيبة متعرض لسخط الله تعالى ومقته ، وأن حسناته تنتقل إلى من اغتابه ، وإن لم يكن له حسنات نقل إليه من سيئات خصمه ،فمن استحضر ذلك لم يطلق لسانه بالغيبة .
وينبغي إذا عرضت له الغيبة أن يتفكر في عيوب نفسه ويشتغل بإصلاحها ويستحي أن يعيب وهو معيب كما قال بعضهم :
فإن عبتَ قومـًا بالذي فيكَ مثلُهُ فكيفَ يعيبُ الناسَ مَنْ هوَ أعْوَرُ
وَإنْ عِبْتَ قَوْمـًا بالذي ليس فيهم فذلك عند الله والناس أكبــرُ
فلينظر في السبب الباعث على الغيبة فيجتهد في قطعه فإن علاج العلة يكون بقطع سببها .
كفارة الغيبة :
اعلم أن المغتاب قد جنى جنايتين :
أحدهما حق الله تعالى إذ فعل ما نهاه عنه فكفارة ذلك التوبة والندم .
والجناية الثانية : على عرض المخلوق ، فإن كانت الغيبة قد بلغت الرجل جاء إليه فاستحله وأظهر له الندم على فعله .
وإن كانت الغيبة لم تبلغ الرجل جعل مكان استحلاله الاستغفار له والثناء عليه بما فيه من خير أمام من اغتابه أمامهم لإصلاح قلوبهم .
الجمعة, 27 جمادى الثانية, 1425[/right]
13/10/2017
الغيبة كلمة توبق صاحبها في النار وتورثه العار والشنار؛ لأنه أعطى نفسه هواها, فأوردته المهالك وما اشتهاها, ولكن للأسف، فإن المؤمن الذي انحسر الإيمان من قلبه, حتى أصبح ذبالة كذبالة المصباح الذي كاد ينطفئ, وضع الشيطان خرطومه على قلبه، فلم يبق له رادعا من ضمير. قال عليه الصلاة والسلام: "إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب". وفي رواية :"يهوي بها في نار جهنم."
إنها كلمة: يصف بها أخاه المسلم وصفا ذميما: إشارة أو عبارة, ينفس بها الشيطان عن نفسه فيوقعه في الخسران المبين! وأي خسارة أعظم من أن يتكلم الإنسان بكلام لا يعود عليه إلا بنقص حسناته حتى إذا فنيت حسناته أُخذ من سيئات من اغتابه فطرحت عليه فطرح في النار.
إنها كلمة يلفظها اللسان بعد أن يلوكها ولا يفكر فيها ولا يتدبرها ولا يظن أنه مؤاخذ بها إذ إنها تغيب عن أذهان كثير من الناس, فهذا سيدنا معاذ بن جبل -رضي الله عنه-, يقول له النبي- صلى الله عليه وسلم- :" ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟" قال معاذ-رضي الله عنه-: قلت بلى يا رسول الله, قال فأخذ بلسان نفسه وقال: "كف عليك هذا" فقلت: يا نبي الله, وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال:" ثكلتك أمك يا معاذ, وهل يكبُّ النَّاس َ في النار على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم".
وفي حديث سهل بن سعد -رضي الله عنه- يقول النبي – صلى الله عليه وسلم-:"من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة"، ما بين لحييه عبارة عن الكلام الذي ينطق به: فلا ينطق إلا بما يرضي الله -عز وجل- وما بين رجليه كناية عن الجماع, فلا يقرب الحرام الذي حرمه الله من الفواحش.
والغيبة: كلمة أو كلام تذكر بها أخاك المسلم بسوء أو مكروه, وسميت غيبة لأنك تتكلم عنه وتذمه في حالة غيابه، وقد عرفها النبي – صلى الله عليه وسلم-، ولا أفضل من تعريفه لها , قال صلى الله عليه وسلم :" أتدرون ما الغيبة؟" قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: "ذكرك أخاك بما يكره"، قال الإمام النووي -رضي الله عنه-, في الأذكار: (ذكر المرء بما يكرهه سواء كان ذلك في بدن الشخص أو دينه أو دنياه أو خَلْقِه أو خُلُقِه أو ماله أو والده أو ولده أو زوجه أو خادمه أو ثوبه أو حركته أو طلاقته أو عبوسته أو غير ذلك مما يتعلق به سواء ذكرته باللفظ أو الإشارة أو الرمز … إلى أن قال: ومنه قولهم عند ذكره :"الله يعافينا, الله يتوب علينا، نسأل الله السلامة, ونحو ذلك، فكل ذلك من الغيبة).
وقد بين النبي – صلى الله عليه وسلم- الفرق بين الغيبة والبهتان في تتمة للحديث السابق حيث قيل: أرأيت يا رسول الله إن كان فيه ما أقول؟ قال: "إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته, وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته".
والبهتان قول عظيم النكارة باطل الدلالة، متحمل صاحبه إثما وعذابا أليما، قال تعالى:
"والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا" [الأحزاب: 58].
قال الحسن البصري -رحمه الله-: (الغيبة ثلاثة أوجه كلها في كتاب الله: الغيبة والإفك والبهتان، فأما الغيبة فهي أن تقول في أخيك ما هو فيه، وأما الإفك فأن تقول ما بلغك عنه، وأما البهتان فأن تقول فيه ما ليس فيه.
حكم الغيبة:
الغيبة حرام بإجماع أهل العلم كما نقل ذلك الإمام النووي، وقد نقل القرطبي الاتفاق على أنها من الكبائر, لما جاء فيها من الوعد والوعيد الشديد في القرآن والسنة.
أدلة تحريم الغيبة:
أولاً – من كتاب الله تعالى:
أ – قال تعالى: "ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم" [الحجرات:12]، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-حرم الله أن يُغتاب المؤمن بشيء كما حرم الميتة).
وقال القاضي أبو يعلى عن تمثيل الغيبة بأكل لحم الميت: (وهذا تأكيد لتحريم الغيبة, لأن أكل لحم الميت محظور، ولأن النفوس تعافه من طريق الطبع، فينبغي أن تكون الغيبة بمنزلته في الكراهة).
ب – وقال تعالى: "ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان" [الحجرات: 11]، قال الحافظ ابن كثير: "لا تلمزوا أنفسكم" أي لا تلمزوا الناس, والهماز واللماز من الناس مذموم ملعون, كما قال الله: "ويل لكل همزة لمزة" [الهمزة:1], فالهمز بالفعل واللمز بالقول.
قال الشنقيطي: (الهمز يكون بالفعل كالغمز بالعين احتقاراً أو ازدراءً, واللمز باللسان وتدخل فيه الغيبة).
ج – وقال تعالى: "ويل لكل همزة لمزة" [الهمزة:1]، وقد سبق بيان معناها وفيها: الويل: وهي كلمة زجر ووعيد بمعنى الخزي والعذاب والهلكة، أو واد في جهنم أعده الله للعصاة المعاندين والكفرة الفاسقين.
د – وقال تعالى:"ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم" [القلم:10-11]، قال الشوكاني: (الهماز: المغتاب للناس)، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (فلا يطاع المكذب والحلاف ولا يعمل بمثل عملهما.. فإن النهي عن قبول قول من يأمر بالخلق الناقص أبلغ في الزجر من النهي عن التخلق به..).
ثانياً: من السنة المطهرة:
أ – قال صلى الله عليه وسلم: "فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا"، قال ابن المنذر: (قد حرم النبي- صلى الله عليه وسلم- الغيبة مودعا بذلك أمته, وقرن تحريمها إلى تحريم الدماء والأموال, ثم زاد تحريم ذلك تأكيدا بإعلامه بأن تحريم ذلك كحرمة البلد الحرام في الشهر الحرام).
ب – وقال صلى الله عليه وسلم: "من أربى الربى الاستطالة في عرض المسلم بغير حق"، وفي رواية لأبي داود: (إن من أكبر الكبائر استطالة المرء في عرض رجل مسلم بغير حق)، قال العظيم آبادي في شرحه لأبي داودالاستطالة: أي إطالة اللسان في عرض المسلم) أي في احتقاره والترفع عليه والوقيعة فيه .
ج – وعن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- قالت: قلت للنبي – صلى الله عليه وسلم-: "حسبك من صفية أنها قصيرة, فقال: "لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته" ومعنى لو مزجت: لو خلطت بماء البحر على فرض تجسيدها وكونها مائعة، ومعنى لمزجته: أي غلبته وغيرته وأفسدته، قال المبارك فوريالمعنى أن الغيبة لو كانت مما يمزج بالبحر لغيرته عن حاله مع كثرته وغزارته, فكيف بأعمال نزرة خلطت بها؟!).
د – ولما رجم الصحابة ماعزا -رضي الله عنه-, سمع النبي- صلى الله عليه وسلم- رجلين يقول أحدهما لصاحبهألم تر إلى هذا الذي ستر الله عليه, فلم تدعه نفسه حتى رُجم رَجم الكلب، فسار النبي- صلى الله عليه وسلم- ثم مر بجيفة حمار, فقال :" أين فلان وفلان؟ انزلا فكلا من جيفة هذا الحمار!" فقالا: يا نبي الله من يأكل هذا؟ قال: "ما نلتما من عِرْض أخيكما آنفا أشد من أكلٍ منه"، والنيل من العرض السباب والقول بما يكرهه ذلك الغائب.
ثالثاً: من أقوال السلف:
-كان عمرو بن العاص –رضي الله عنه- يسير مع أصحابه, فمر على بغل ميت قد انتفخ, فقال: (والله لأن يأكل أحدكم من هذا حتى يملأ بطنه خير من يأكل لحم مسلم).
-وعن عدي بن حاتم رضي الله عنه: (الغيبة مرعى اللئام).
-وعن كعب الأحبار: (الغيبة تحبط العمل).
-ويقول الحسن البصري : (والله للغيبة أسرع في دين المسلم من الآكلة في جسد ابن آدم).
-قال سفيان بن عيينة: (الغيبة أشد من الدَّيْن, الدين يقضى والغيبة لا تقضى).
-وسمع علي بن الحسين رجلا يغتاب, فقال: (إياك والغيبة فإنها إدام كلاب الناس).
رابعاً – أسباب التخلق بخلق الغيبة:
1- ضعف الورع ونقص الإيمان يجعلان الإنسان يستطيل في أعراض الآخرين من غير روية ولا تبصر، جاء في حديث أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-, في قصة الإفك, أن زينب بنت جحش, لما سئلت قالت: (يا رسول الله أحمي سمعي وبصري, ما علمت إلا خيراً," تقول عائشة- رضي الله عنها-:وهي التي كانت تساميني من أزواج رسول الله – صلى الله عليه وسلم- فعصمها الله بالورع)، قال الفضيل بن عياض: (أشد الورع في اللسان).
2- ومن أسباب التمادي في الغيبة موافقة الأقران والجلساء ومجاملتهم، قال الله على لسان أهل النار: "وكنا نخوض مع الخائضين" [المدثر:45]، قال قتادة: (كلما غوى غاوٍ غوينا معه).
3- ومن الأسباب: الحنق والحقد على المسلمين وحسدهم والغيظ منهم: قال ابن تيميةومنهم من يحمله الحسد على الغيبة فيجمع بين أمرين قبيحين: الغيبة والحسد)، وقال ابن عبد البر: (والله لقد تجاوز الناس الحد في الغيبة والذم…"، وهذا كله بحمل الجهل والحسد.
4- ومنها حب الدنيا والحرص على السؤدد فيها: قال الفضيل بن عياض : ما من أحد أحب الرياسة إلا حسد وبغى وتتبع عيوب الناس وكره أن يذكر أحد بخير.
خامسا – كيف نتخلص من هذا الخلق الذميم؟
1- بتقوى الله -عز وجل- والاستحياء منه: ويحصل هذا بكثرة التمعن بآيات الوعيد التي جاءت في كتاب الله -عز وجل- وأحاديث المصطفى – صلى الله عليه وسلم- التي رغبت في التوبة وحذرت من مثل هذه القبائح. قال تعالى: "أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون" [الزخرف:80 ] وقال –صلى الله عليه وسلم: "استحيوا من الله حق الحياء, قلنا يا رسول الله إنا نستحي والحمد لله، قال: "ليس ذاك, ولكن من استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما حوى وليحفظ البطن وما وعى، وليذكر الموت والبِلى".
2- لنتذكر مقدار الخسارة التي نخسرها كلما اغتبنا أحدا , قال صلى الله عليه وسلم:
"أتدرون من المفلس؟" قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع, قال: "المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام, وقد شتم هذا وضرب هذا وأكل مال هذا, فيأخذ هذا من حسناته, وهذا من حسناته, فإن فنيت حسناته أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه ثم طرح في النار".
3- ومما ينفع في علاج هذه الآفة أن يتذكر عيوبه وينشغل بها عن عيوب غيره, وأن يخاف من الابتلاء بالشيء الذي يغتاب أخاه فيه، قال الحسن البصريكنا نتحدث أن من عير أخاه بذنب قد تاب منه, ابتلاه الله -عز وجل- به)، وقال أبو هريرة رضي الله عنه:
(يبصر أحدكم القذى في عين أخيه ولا يبصر الجذع في عين نفسه).
4- ومما ينفع أيضا مجالسة الصالحين والبعد عن مجالس أهل الغفلة المعرضين: قال صلى الله عليه وسلم: "مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير, فحامل المسك إما أن يحذوك (يمسح لك بشيء منه) أو أن تبتاع منه, وصاحب الكير إما أن يحرق ثيابك أو أن تجد منه ريحا خبيثاً"، قال الإمام النووي في فوائد هذا الحديث: (فيه فضيلة مجالسة الصالحين وأهل الخير والمروءة … والنهي عن مجالسة أهل الشر والبدع ومن يغتاب الناس أو يكثر فجوره وبطالته).
5- وفي قراءة سير الصالحين والنظر في سلوكهم وكيفية مجاهدتهم لأنفسهم دروس وعبر تقوي العزيمة على البعد عن ذلك الشر والإثم.قال أبو عاصم النبيلما اغتبت مسلما منذ علمت أن الله حرّم الغيبة) وقال محمد بن المنكدركابدت نفسي أربعين سنة حتى استقامت).
6- وعلى من تطاولت نفسه في الغيبة واستشرفت لها أن يحزم أمره ويجزم على معاقبتها، قال حرملة: (سمعت رسول ابن وهب يقول: "إني نذرت أني كلما اغتبت إنسانا أن أصوم يوما, فأجهدني, فكنت أغتاب وأصوم, فنويت أني كلما اغتبت إنسانا أني أتصدق بدرهم, فمن حُبِّ الدراهم تركت الغيبة"). قال الذهبي: (هكذا والله كان العلماء, وهذا ثمرة العلم النافع).
وبهذا القدر نكتفي في الكلام على الغيبة ومساوئها ومصائبها وما تعمل من تفرقة وما تنشر من عداوة وبغضاء بين المسلمين في أي مجتمع كان.
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يحمي أسماعنا وأبصارنا ونساءنا وأولادنا وبناتنا وسائر أعراض المسلمين من شر هذا الخطر العظيم والخلل الجسيم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم . (*) باحث بهيئة الإغاثة الإسلامية بمكة المكرمة.
وربي يجزانا وااياكم كل خير ووفقنا ربي واياكم لما يحبه ويرضاه