تخطى إلى المحتوى

أريــدُ أن أغــازلَ مثـلكِ ‏ 2024.

وقعت أحداثُ هذه القصة في الجمهورية العربية السورية .. في مدينة حلب الشهباء .. في كلية العمارة ( الرسم المعماري ) ..

الفصل الأول

بطل هذه القصة سُوريٌّ أرمني يُدعى ( ساورو ) ..و بطبيعة الحال وكمعظم الأرمن فهو نصرانيٌّ أرثوذوكسي متعصبٌ متشددٌ جداً .. يتوارثون الأرثوذوكسية و يتواصون بها ..
كان ( ساورو ) على معرفةٍ جيدةٍ بالدين الأرثوذوكسي كما كان مُعمَّداً في كنائسها وعلى علاقةٍ وطيدةٍ مع القساوسة الأرثوذوكسيين في حلب و طالما تبادل الزيارات معهم .
بدأ دراسته في الهندسة المعمارية بنظام الدبلوم – سنتين – ليتخرج مُهندساً مُساعداً ..
شابٌ صغير السن .. لم يتجاوز الحادية و العشرين من العمر فهو من مواليد العام السادس و الثمانين من القرن الماضي ..

مضت به الأيام في كلية العمارة ..
انتهت قبل قليل إحدى المُحاضرات الهندسية التي كان يحضُرها ( ساورو ) ، فقام مُتوجِّهاً إلى حديقةِ الكلية حيثُ يرتشفُ شيئاً من الشاي الساخن على نشوة دخان سيجارةٍ تعيدُ له أعصابهُ – كما يظنُّ معظم المُدخنين – !
و بينما هو يسيرُ صوب حديقة الكُليِّة كان هاتفهُ المحمولُ يرنٌّ مُستقبلاً إحدى المكالمات من أهله ، سقطت إحدى القطع الهندسية من يده و هو يسحبُ هاتفهُ من جيبه ، فأصبح في حالٍ لا يُحسدُ عليها !! يضعُ هاتفهُ على أذنه بيدٍ ، ويحاولُ لملمة ما سقطَ من باليد الأخرى ثم بالخطأ أيضاً اصطدم بإحدى الطالبات فسقط منه ما تبقى من أدواته !!

يُغلقُ ( ساورو ) خط الهاتف بعد أن حارت يداه في تمالك أدواته ، وحار عقله في استيعاب الموقف !!
– ( ساورو ) : معذرةً يا أمي … سقطت مني أدواتي ، فسأستعيدها ثم أعاودُ الاتصال بكِ .

وانحنى ( ساورو ) لرفع أدواته عن ارض الحديقة ليجد أن الفتاة التي اصطدم بها قد بدأت بهذا العمل على خجلٍ اصطبغ على وجهها واعتذارٍ لم يُفارق لسانها ..
استعاد ( ساورو ) أدواته أخيراً و اعتذر للفتاة أيضاً على الاصطدام المُفاجئ .. وولى كُلُّ واحدٍ منها في سبيله .
عاد ( ساورو ) بعد الاستراحة إلى قاعة الدروس ، لكن ما لفت نظرهُ أن تلك الفتاة التي اصطدم بها للتو كان تجلسُ على إحدى مقاعد هذه القاعة .. جالت الأفكارُ بذهن ( ساورو ) :
– صحيحٌ أنني لم أزل حديث عهدٍ بهذه الكُلية ؛ لكنني لم أنتبه أبداً أن هذه الفتاة هي زميلتي في الدفعة نفسها !

انتهت المحاضرة ، و أخذ الطُلابُ أدواتهم و حقائبهم مُتجهين إلى منازلهم بعد يومٍ حافل ، غير أن ( ساورو ) كان يتوجهُ إلى مؤخرة القاعة حيثُ كانت تجلس الفتاة التي اصطدم بها أو من كانت تُسمّى ( رنا ) ..

– ( ساورو ) : عجباً إننا زميلين في دفعةٍ واحدةٍ بيد أننا لم نجد وسيلةً للتعارف غير الاصطدام ؟!

احمرَّ وجهُ ( رنا ) لما قالهُ زميلُها .. و قالت :
– ربما تكونُ الصُدفُ أبلغُ الوسائل !

– ( ساورو ) : على أية حال حصل خيراً … وسُررتُ بمعرفتك .. ألقاكِ بالغد ..

– ( رنا ) : وأنا أيضاً … إلى اللقاء .

بدأت هُنا و من هذه اللحظة أولى لحظات حكاية بطلي القصة ( ساورو ) و ( رنا ) … فأمّا ( ساورو ) فعرفناهُ . فمن تكونُ ( رنا ) ؟!
كانت ( رنا ) تدرسُ أيضاً في كلية العمارة بنظام الدبلوم ، في دفعة ( ساورو ) أيضاً .
لم تكن ( رنا ) من هواة الصداقات بين الجنسين وكذلك فلم يكن لديها في ذلك مانعٌ مع زُملاء الدراسة ولغرض الزمالة .
أما ( ساورو ) فهو من تعلَّق قلبُه لأول وهلةٍ رأى فيها زميلته ( رنا ) .
قد لا تكون ( رنا ) ملكة جمالٍ .. أو عروساً فاتنةً .. ولكن ثمةَ ما يُعجب المرءُ بشابٍ أو فتاةٍ بالجملة و ليس لصفةٍ مُميزة فيه أو فيها .. ومع ذلك فقد كانت ( رنا ) جميلةً حقاً .
كانت كمعظم طالبات الكلية تضع حجاباً شكلياً يتكون من بالطو جميلٍ ضيّق يُلائم الجسم الأنثوي كالفستان مع إيشار (غطاء رأسٍ ) تبرُزُ من أمامه بضعةُ شُعيراتٍ ذهبيةٍ على ذلك الوجه النديِّ الذي تُزينه ألوانٌ من الماكياج و أحمر الشفاه المميز .. و من أسفل الرُكبة تظهرُ ساقين يعلوهما بنطالٌ ضيقٌ مُزركش.
بالمعنى مسلمة اسمياً ..لكنها محافظة على الصلاة على الأقل ..

دخل ( ساورو ) حديقة الكُلية كعادته الصباحية ليشرب الشاي ، وأخذ يتجوّلُ في أرجاء الحديقة حتى وصلَ إلى إحدى الطاولات .. و قال :
– معذرةً ، هل تسمحينَ لي بالجلوس معكِ على هذه الطاولة؟!

كانت ( رنا ) تجلسُ على الطاولةِ ذاتها حين رفعت بصرها باتجاه ذلك الصوت المألوف .. و قالت لنفسها :
-عجباً ! إنه نفس ذلك الشاب بالأمس ..

قطع ذلك استطرادُ ( ساورو ) :
– إن كُنتِ لا ترغبين فسأنصرف .

تلعثمت ( رنا ) دهِشَةً :
– لا على العكس تماماً .. يسرُّني ذلك .

وصل على الفور نادلُ كافتيريا الحديقة ، فاستدارَ ( ساورو ) إلى ( رنا ) قائلاً :
– إن كُنتِ لا تُمانعين سأدعوكِ اليوم إلى كوبٍ من الشاي .

– ( رنا ) : هذا لطفٌ منك .
أخذ ذلك الشابُ الأرمني (ساورو) يُبادلها أطراف الحديث .. في تلك الحديقة النضرة الخضرة المكسوَّة بالورود النديَّة على أنسام الجو الشامي الساحر .
تبادل الزميلان ( ساورو ) و ( رنا ) الأحاديث في هذا الجو العبق ..وطال جلوسهما .. إلى أن انتبهت ( رنا ) إلى ساعتها قائلةً :
– معذرةً ( ساورو ) ، لقد تأخرت . عليَّ الآن العودة إلى المنزل . ألقاك غداً .

لوَّح ( ساورو ) لـ ( رنا ) وهي تُغادر الحديقة :
– سأكون في انتظارك .

كبقية الصداقات بين الجنسين تبدأُ الصداقة بالحديث عن الدراسة و همومها .. إلى تبادل الواجبات و المشاركة في إعداد البحوث و التقارير .. هكذا تبدأ الصداقات حتى يُكتب لها النجاح و الاستمرار أو الفشل .. فإن نجحت تطوّرت الأحاديث إلى الاهتمامات المشتركة و قد تأخذُ منحىً آخر .. و جملة هذه العلاقات في أوطاننا العربية لا تعدو أن تكون تسليةً أو إضاعةً للوقت ..
استمرت العلاقة كذلك .. بيد أن ( ساورو ) كان يرسم شيئاً آخر ..
تقوّت الصداقة شيئاً فشيئاً .. أراد ( ساورو ) أن يحسم هذه الصداقة بشكلٍ ما..
جلس إلى ( رنا ) في حديقة الكلية .. و تحدّث إليها طويلاً كالمُعتاد .. و قبل أن يختم الحديث ألقى إليها بطلبٍ راجياً منها دراسته بشكلٍ مُستفيض :
– أريد أن أتقدّمَ إليك يا ( رنا ) فهل تقبلين خطبتي ؟!

سكتت (رنا) مذهولةً لهذا الطلب المُفاجئ ! و ما المُفاجئ في أن يتقدَّم شابُّ لخطبة فتاة ؟! أما السبب فأسمعته ( رنا ) لصديقها ( ساورو ) بكلِّ حزمٍ و ثبات :
– بالطبع لا .. فأنا مُسلمةٌ و أنت نصرانيٌّ !!

و بنفس ذهول ( رنا ) ذُهل ( ساورو ) أيضاً و سأل مُتعجباً :
– و ما الغريبُ في أن يتزوج نصرانيُّ مثلي من مسلمةٍ مثلك؟!
عاجلته ( رنا ) أيضاً :
– بكلِّ بساطة لا يمكن حدوثُ ذلك .. فهو مُحرمٌ في الإسلام .. و لا سبيل إلى ذلك إلاّ بإسلامك و بعدها لكل حادثةٍ حديث ..

و بشيءٍ من الغضب سأل ( ساورو ) :
– و لماذا لا تعتنقين أنتِ النصرانية ؟!

أجابت ( رنا ) بكُلِّ بدهيةٍ و على الرغم من جهلها الكبير بدينها فضلاً عن جهلها بالنصرانية :
– أريدُ أن تُقنعي بشيء واحدٍ فقط و عندئذٍ يمكن أن أتنصّر.. أقنعني فقط : "كيف يمكن أن يكون واحدٌ في ثلاثةٍ"؟! كيف يكون إلهٌ واحدٌ في ثلاثة آلهةٍ؟!

ذُهل الشاب ( ساورو ) و لم ينبس ببنت شفةٍ وولى ظهره عائداً إلى منزله..دخل منزله .. و أقفل على نفس باب غرفتهٍ واستلقى على فراشه .. وأخذ يُفكّر في ذلك السؤال المُحيِّر.. ( واحد في ثلاثة ) … ( واحد في ثلاثة ) .. هل يمكن ذلك ؟! و لماذا يكون ذلك خطئاً ؟! .. لم لا يكون صواباً .. و ما المُشكلةُ في ذلك ؟! هل يُعقل أننا نتوارثُ إرثاً دينياً مُقدساً ويتَّضحُ بعد ذلك خطئه ؟! هل تُريد عزيزتي القول بأن المسيح كان بشراً عادياً كأيِّ بشر ؟! ذلك غير مُمكن !!
تواصلت الأفكار تنهمرُ على فِكر ( ساورو ) دونما توقّفٍ..فلقد كانت المُفاجأة أكبرَ من أن تُوصفَ بهذا السؤال المُذهل .. تستطيعُ القولَ بأنه لم ينم حتى الصّباح ..

يتبع ..

الفصل الثاني

يمشي ( ساورو ) بخطواتٍ مُتثاقلةٍ إلى حديقة الكلية ؛ فهو لم ينم ليلة الأمس وهو يُفكِّرُ في لغز الواحد في ثلاثة ..
كان يتجه صوب ذلك الرصيفِ الذي اعتاد الجلوس إليه مع صديقته ( رنا ) .. و يبدو أن ( رنا ) كان تنتظرهُ على أحرَّ من الجمر في المكان ذاته .
ما إن جلس إلى الرصيف حتى بادر ( ساورو ) في الحديثِ قبل أن تتكلم ( رنا ) قائلاً :
– اسمعي ( رنا ) ! أنا لا يُمكن أن أكون مُسلماً بحالٍ من الأحوال و هذا قراري النهائي فلا تُحاولي .. مستحيلٌ أبداً أن أُسلم !

أطرقت ( رنا ) قليلاً حين سماعها لجواب ( ساورو ) وكأنها كانت تستذكر ما ردده المشركون قديماً : ( لو أسلمت بغلةُ ابن الخطاب ما أسلم عُمر ) !!
لم يطُل صمتُها طويلاً فقد استدرك ( ساورو ) ما بدأهُ قائلاً :
– و مع أنني لن أُسلم فلن يمنعني ذلك من الاستماع إلى حُججكِ و شرحكِ عن الإسلام ، و لن يمنعنا ذلك من التناقُشِ حول صحة الدينين .. و سنبقى صديقين .

ابتهج قلبُ ( رنا ) لذلك ؛ فلرُبَّما لان قلبُه أو هداه ربُّهُ ولو بعد حين .

بدأ ( ساورو ) يطرحُ على صديقته ( رنا ) شيئاً من الحُججِ التي سمعها في الكنيسة حول الإسلام ، و بدأت ( رنا ) تُجيب على قليلِ مما عرفتهُ حول دينها ؛ بيد أنها آثرت أن تؤجّلَ نقاشها معه إلى الغد حتى تستوضح بصورةٍ وافيةٍ حول أسئلته واستفساراته .
و قبل أن يُغادرا الكُلية تصافحا و في عيني كُلِّ منهما نظرةُ التَّحدِّي و الإصرار و العِناد !

عادت الفتاة ( رنا ) إلى منزلها تحملُ كومةً من الشُبَهِ التي أثارها صديقُها حول الإسلام . إنها لا تشُكُّ للحظةٍ في صحة ما تؤمنُ به ، و لكنه بدا مُلِّحاً إيجادُ أجوبةٍ مُقنعةٍ لما يُثيرُهُ ( ساورو ) .
لم تعتد ( رنا ) أن تقف أمام رُفوفِ مكتبة المنزل لتقرأ شيئاً حول بعض المسائل البسيطة عن دينها ؛ فلقد اعتادت ولساعاتٍ طوال أن تقف أمام المرآة تُسرِّحُ شعرها الذهبي وتنوِّعُ ألوان الماكياج على شفتيها و خديّها و تكّحيل عينيها!
و لكنها وبعد ساعاتٍ طويلةٍ من البحث لم تجد أجوبةً كافيةً لما تبحثُ عنه فقررت وضع خطةٍ تقضي بزيارة مكتبة حلب العامّة و استشارة معلِّمة الشريعة في المعهد الديني بحلب ..
وبعد جُهدٍ مُضنٍ عادت ( رنا ) مُستبشرةً تحملُ الإفحام لصديقها ( ساورو ) ..
وفي اليوم التالي و كما اعتاد الصديقان الجلوس في أوقات الفراغ في حديقة الكُلية فإنهما جلسا هذه المرة أيضاً إلى نفس ذلك الرصيف .. و لكن هذه المرة تبدو مختلفةً بعض الشيء.. أشبهُ بمُناظرةٍ علمية ! هذا يطرحُ الشُبه و تلك تُجيب بلهجة كُلُّها إقناع و بمشاعر ملؤها الحُبُّ و الشفقة !

يتبع ..

الفصل الثالث

– قُلتُ لكِ مراراً عزيزتي ( رنا ) أنني لن أُسلمَ مهما حاولتِ.. انسيْ هذا الأمر تماماً و لا تعاودي السؤال حول (واحد في ثلاثة ) ! إنّه يُثيرُ إزعاجي !!

– ( رنا ) : اعترفْ بأنكُ هُزمت ! لا مجال أمامك سوى اللحاق بركاب هذا الدين العظيم ..

– ( ساورو ) : قُرآنكم يقول : (لكم دينكم و لي دين ) .. فدعيني و ديني و اعتقدي ما شئت من الأديان !

مضى على حال الصديقين بضعةُ أشهُرٍ و هما يتناقشان حول المسيحية و الإسلام .. وعلى الرغم من تفوّق ( رنا ) الملحوظ في الإجابة عن شُبهِ ( ساورو ) المزعومة إلاّ أن الأخير لم يتزحزح عن موقفه قيد أُنمُلةٍ .. و مع ذلك لم تيأس ( رنا ) ..
لا يُمكن القول أن ( ساورو ) الآن بعد ستة أشهُرٍ من المُناظرات الساخنة مع زميلته ( رنا ) هو نفسُه قبلها في عدائه للإسلام ، فرغم أنه لم يقتنع بالإسلام بعد إلاّ أنه بدا أكثر ليونةً و تفهُّماً لأحكام الإسلام و تشريعاته و لم يعُد يُناقش في ذلك كثيراً .. بمعنىً آخر ، تحوَّل سيرُ مُناظراته مع ( رنا ) من الهجوم على الإسلام إلى موقف الدفاع عن عقيدته الأرثوذوكسية. لم يعُد يستغرب من صلاة المُسلمين ، و لم يعُد يستغرب التزام المُسلمات بحجابهن كصديقته و إن كان حجابُ صديقته صورياً .. المهم المبدأُ الأساسي .

شارفت سنةٌ كاملةٌ على الانتهاء منذُ بدأت " مناظرةُ الأديان " بين العشيقين في أغرب حادثةٍ على الإطلاق ! عشيقين ليس لهما من العشق إلاّ اسمه !! فهما لا يتبادلان كلماتِ الحُبِّ وعبارات الغزل بقدر ما يتبادلان الشُبهَ والردود !! حتى خروجُهما للتنزُّه في ظلال أشجار الحدائق في وقت الغروبِ لم يكُن لشُربٍ شيء من القهوة أو أكل قليلٍ من الآيسكريم –كما يفعلُ العُشَّاقُ- بقدرٍ ما يكون استكمالاً للشوط الثاني من مُناظرةٍ حاميةٍ لم يتسع في الكلية وقتٌ لاستكمالها !!!
كان يُراهنُ ( ساورو ) على عاملِ الوقت ؛ فهو يعلمُ أن حبيبته ( رنا ) ليست على إطِّلاعٍ كافٍ بدينها فضلاً عن أن تعرف دقائق و جُزئياتٍ في النصرانيَّة لا يعلمُها كثيرٌ من مُعتنقيها !! لكن ( رنا ) خيّبت أمله تماماً و أظهرت تفوقاً مُنقطع النظير ؛ فهي لم تكلَّ يوماً من سؤال من تعرفهُن من أهل التدين والاستقامة حول ما أشكل عليها من شُبَهِ زميلها ، كما أنها أصبحت مُدمنةً على قراءة الكُتب الإسلامية في مشهدٍ لم يره أحدٌ تُمارسُهُ منذُ أن أبصرت عيناها النور !

أمّا اليوم و قد مضت سنةٌ كاملةٌ فقد بدا الأمر و كأنه يتأرجحُ قليلاً !
اليوم لم يُدافع ( ساورو ) عن النصرانية .. اليوم طلب ( ساورو ) من ( رنا ) أن تُحدِّثهُ شيئاً عن الإسلام و تعاليمه وأحكامه لغرض الثقافة !
انهمرت ( رنا ) تسكُب عليه ما تعرفهُ عن دينها من قربتها الحنون ، مُفعمةٌ بروحٍ من الأمل و الرجاء أن يهدي الله من أحبّها و أحبّتهُ إلى صراطه المُستقيم و هدي خير المُرسلين .. ولا يُضيعُ الله أجر من أحسن عملاً ..
ذلك القلب الرقيقُ الحنون ، تلك المشاعر الفيّاضة ، ذلك الإخلاصُ في الدعوة ، ذلك التفاني في تبليغ الحق ، ذلك الصبرُ على تبليغ دين الله مهما كانت الظروف .. كُلُّ تلك المعاني الرائعة بدأت تُثمر ..و آنَ لذلك الجذع اليابس أن يرتوي بنور الإيمان و يحيا بعقيدة التوحيد بعد أن أكلت لُبَّهُ الصغير ديدانُ الشرك و التثليث .
اليوم أعلن ( ساورو ) بأنَّه يؤمنُ بالله ربَّاً واحداً لا شريكَ له وبأنَّ مُحمَّداً عبدُ الله و رسوله أرسله للناس بالهُدى و دين الحق ليُظهره على الدين كُلِّه و لو كره الكافرون .. و أن المسيح عيسى بن مريم رسولُ الله و كلمتُه ألقاها إلى مريم وروحٌ منه .. بشرٌ ممن خلق ربنا تبارك و تعالى ليس ابناً لله ولا شريكاً .. فليهنكما الخيرُ ( رنا ) و ( ساورو ) .

كونوا معنا لم تنته قصتنا بعد !!

يتبع ..

الفصل الرابع

أشرق وجهُ ( رنا ) للإنجاز العظيم الذي حققهُ الله على يديها بإسلام صديقها ( ساورو ) .. إنها ترسمُ بهذا الإنجاز طريقاً يضمنُ الاستمرارية لصداقتها مع ( ساورو ) و إن كانت قد نسيت أمر الصداقة نهائياً في خضم المُناظرات الطويلة التي خاضتها في أنفاق قلب ( ساورو ) المُظلمة حتى أنار الله تلك الدروب بنور الهداية.
( ساورو ) الأرمني أصبحَ يرى في عشيقته ( رنا ) عالماً آخر ؛ بل هي العالمُ كلُّه .. في صديقته الجميلة اللطيفة المُهذبة، و هي من فتح له آفاقَ عينيه على دين الإسلام .. إنها فتاةٌ عظيمة .. إنها لـ ( ساورو ) ليست كأيِّ فتاة .. وحُقَّ له ذلك .
اتفق الاثنان بعد ذلك على مواصلة الجلوس على الأرصفة لمواصلةِ شيءٍ من تلك النقاشات.

تمرُّ فتاتين من نفس الكلية بالحديقة ، فيأخذهما العجبُ من منظرٍ ألفاهُ كثيراً و تقولُ إحداهما للأخرى :
– ما أعجب هذين الصديقين ! إنهما و منذُ أكثر من سنة وهما يجلسان على الرصيف ذاته و يستذكران دروسهما بجدٍ!!

فتردُّ الأخرى :
– أوه ! لا عجبَ أنهما مُميزين حقاًً في دُفعتنا ! لأول مرة أرى صديقين يستغلان أوقات الراحة و يُخرِجان كُتبهما ودفاترهما للمذاكرة أيضاً !!

لم تكن الحقيقةُ كذلك .. فمنذُ إسلام ( ساورو ) وهو يتلقى على يدي ( رنا ) ما تعرفهُ من أحكامِ دينها وفرائضه..أصبحت معلمتهُ الأولى !
مع كل وقتِ استراحةٍ في الكلية يخرجان سويَّةً إلى الحديقة .. و إلى نفس الرصيف ، ويتظاهران بمراجعة دُروس الهندسة .. و لكن هندسةٌ من نوعٍ آخر : هندسةٌ عقدية لإعادة ضبط العقل للتوجه نحو الإله الحقيقي المُستحِقِّ للعبادة . و هندسةٌ فقهيةٌ لوزن الاتجاه على سير النبي الخاتم .. و هكذا كانت دراستهما .. أما السبب فعلى صعوبته بسيطٌ ! وهو الابتعاد عن أيِّ مكانٍ أو أشخاصٍ قد يتوهم من الاقتراب منهم اعتناق ( ساورو ) للإسلام ؛ فكعادة الأرثوذوكسيين المُتشددين فإنهم يرفضون و يعتبرون عاراً الانتماءُ للإسلام ! ولا يغسلُ ذلك العار إلاَّ إجراءُ دماءِ صاحبه ! و الأمثلةُ رآها ( ساورو ) بأُمِّ عينيه ، و لا مجال للمُغامرة !!
مضت الأيام و ( ساورو ) يكتمُ إيمانهُ عن جميع الناس عدا ( رنا ) .. فقد غدا لها التلميذ المُطيع ..
أما ( رنا ) فلقد أضافت إلى جدولها المُطالعة الشرعية اليومية ؛ فهي تعود للمنزلِ يومياً لتغوص في أعماق الكُتب تقرأُ وتُطالعُ و تُراجع ما عرفته و ما لم تعرفهُ عن دينها .. تحفظُ من ذلك ما استطاعت و تأخذ الباقي إلى الكلية لتُدرِّسه ( ساورو ) ..
و بقدر ما استفاد ( ساورو ) من إسلامه فقد استفادت ( رنا ) أيضاً ؛ أصبحت تهتمُ بصلاتها أكثر و تواظبُ على الصوم والفرائض و تعدت ذلك تدريجيَّاً إلى النوافل .. أصبحت تتأثر بما تتعلمه يومياً .
تعلّم ( ساورو ) من ( رنا ) أساسيات العقيدة الصحيحة ، وأركان الدين .. وتعلّم الصلاة أيضاً .. لكنها توقَّفت أحد الأيام عن الشرح! فلقد أتت دُروس الطهارة ، و يمنعُها الحياء من الحديث في ذلك . فما العمل ؟!
أرسلت ( رنا ) صديقها ( ساورو ) إلى أحد الزُملاء ليعلمهُ ما يعرفهُ من أمور الطهارة و اعتذرت عن ذلك بِلُطفٍ و أدبٍ جمٍّ .
لم يتوانى ( ساورو ) في الذهاب إلى ذلك الزميل ليعرف ما يُهمهُ في أمور دينه و طهارته ..
شُغفَ ( ساورو ) بالإسلام شغفاً عظيماً ، و بدا شديدَ الحماسة ليتعلم كُلَّ صغيرةٍ و كبيرةٍ عن هذا العالم الجديد .

يتبع ..

الفصل الخامس

بدأ المخزونُ الشرعيُّ لدى ( رنا ) يُشارفُ على النفاد..وبدأت القضايا الشرعية تزدادُ صعوبةً و تعقيداً ؛ فـ( رنا ) لم تكُن منذُ البداية على درايةٍ كافية بأحكام دينها.. و حينما دخل ( ساورو ) في الإسلام بدأت تشرح لهُ ما عقِلتهُ في صغرها من أساسيات الدين و شرائعه مما لا يخفى على مُسلمٍ .. بيد أن الأمر الآن أصبح أكثر تعقيداً .. فـ( ساورو ) لم يُرِد إعلان إسلامه خوفاً من بطش أهله النصارى إن عرفوا بذلك ، وبالمُقابل فهو يتحرَّقُ شوقاً لمعرفة المزيد والجديد عن دينه العظيم .
أخذت ( ساورو ) بذلك الحيرة ، و بدا مهموماً من جديدٍ لمآله هذا .. لكنه أسرَّ لنفسه قائلاً : لرُبمَّا أجدُ لدى ( رنا ) الجواب..
أخذت ( رنا ) تُفكِّرُ في حلٍ مناسبٍ .. إنها تبحثُ عن عِلمٍ سريِّ ! فأين يا تُرى يوجد ؟!
و كعادة الفتاة الذكيَّة بدأت رحلة التقصي و البحث عن المُناسب .. و بعد فترةٍ من البحث وجدت الحل ..
اقترح بعضُ الشباب المُتديِّن اصطحاب ( ساورو ) إلى أحد مشائخ حلب المعروفين بالعلم و الصلاح ليُشرف على تعليمه و تأديبه .. فراقت الفكرةُ لـ ( ساورو ) كثيراً ..
كان الشيخ (باسل الجاسر) شابَّاً داعيةً فاضلاً ورعاً تقياً فيما نحسبُه – والله حسيبه – .. وكان فطناً أيضاً ، تفهّمَ وضع ( ساورو ) تماماً .. فأخذ على عاتقه مُهمة تعليمه بشكلٍ سريٍّ تام .. حيثُ يأتي ( ساورو ) لزيارة ذلك الشيخ في منزله في أوقاتٍ مُحددةٍ يتفرغُ له الشيخُ فيها وحيداً لتعليمه ما احتاج إليه من أمور دينه ..
مرةً أُخرى يشعُرُ ( ساورو ) بالامتنان لـ ( رنا ) ..
أصبح ( ساورو ) يترددُ يومياً على شيخه الجديد في همةٍ و نشاطٍ و عزمٍ ليستدرك ما فاتهُ من حياته في الشرك ليتعلم كيف يُفردُ اللهَ بالعبادة و التوحيد .
بدأت أمور ( ساورو ) تستقرُّ مرةً أخرى إلى دراسة الهندسة في الكلية صباحاً – كما يعرفُ الجميع – و في المساء يُلازمُ شيخهُ ليتعلم أصول دينه .

عاد ( ساورو ) مُرهقاً بعد يومٍ حافل بالعلم .. واستلقى على سريره الوثير .. يُفكُّرُ في حياته الجديدة وكيف يُمكن أن تسير ..
بدا ( ساورو ) و كأنهُ قد نسي شيئاً ما ! بلا شك لقد نسيتُ شيئاً مهماً ، هكذا قال لنفسه ..
لابدَّ من عمل ذلك غداً و على الفور ..

يتبع ..

الفصل السابع

في القاعة الدراسية يتقابلُ الاثنانِ مرَّةً أُخرى ، و في نفس مكانهما المُعتادِ على رصيفِ الحديقةِ، جلسا يتبادلان الحديث .. توقف ( ساورو ) عن الحديث فجأةً، و أخذ يُحدِّقُ بوجهها ، ثم أشار ( ساورو ) بإصبعهِ إلى وجه خطيبته بحركةٍ دائريةٍ قائلاً :
– أرجو أن تهتمي بهذا !!

أطرقت ( رنا ) قليلاً .. و قالت بصوتٍ خافتٍ :
– أنت مُحقٌ .. إنني أتساهلُ بحجابي كثيراً …

غمرت السعادة فؤاد ( رنا ) ؛ فهاهو نصرانيُّ الأمس داعيةُُ اليوم ، و إن كان على حساب تقييد حُريتها !

اليوم هو منتصفُ شهرِ شُباط فبراير لعام ألفين و ستة للميلاد ، و هذا الشهر لم يكُن عاديَّاً ؛ فقد شهد اندلاع الغضب في كافَّةِ أنحاء العالمِ الإسلاميِّ من أقصاهُ إلى أدناه ؛ على إثرِ الجريمة الدنماركية الشنيعة ، حينما أعلنت إحدى الصُحف الكبرى في تلك البلاد عن جائزةٍ لأفضل الرسومات الكاريكاتورية – أو بالأحرى أبشعِها – التي تصوِّر التي تصوِّر الرسول الكريم خاتمُ النبيين محمد فكانت اثنتي عشرة فريَةً على شكل صورٍ قبيحةٍ مُقذعةٍ يصفون بها نبينا العظيم بأبشع الأوصاف بأبي هو و أمي رسولُ الله.
انتهى شهرُ شباط و ابتدأ شهر مارس و مازال الغضب الإسلاميٌّ عارماً و مُدويَّاً أرغم قادة الكُفرِ الأوروبيين على التشاورِ فيما بينهم في سُبل مقاومةِ هذا التيارِ الجارف .. ووسائلُ الإعلام لا تكُفُ عن مُتابعة تفاصيل الأزمة على المستوى العالميِّ بأكمله .

دخل ( ساورو ) إلى منزله بعد يومٍ طويلٍ في الكلية ومنزل شيخه (باسل) ، و كعادة العرب فإنهم يهتمون بمُتابعة الأخبار و المستجداتِ في منطقتهم المُلتهبة بالصراعات والحروب .. و كذلك كانت عائلة ( ساورو ) . وقف ( ساورو ) يُشاهدُ على التلفاز إحدى تلك المُظاهرات المليونية المُنددة بالفريةِ الدنماركية .. بينما كانت تظهرُ على والده أمارتُ الاستياء و السُخط ، حتى انفجر الأبُ بشكلٍ لافتٍ و غريبٍ قائلاً :
– أوووه ، أزعجونا !! ما هذا ؟! ألا يوجد في الأخبار غير هذه القضية ؟! أكلُّ هذا من أجل رسومات ؟!

و بسرعةٍ أجاب ( ساورو ) على الفور :
– إنه حقُّهم . أيُهانُ نبيُّهم و يسكتون ؟!

حدَّق الأبُ بابنه ( ساورو ) و قد رنَّت في رأسه علامات العجب و الاندهاش .. و قال :
– ( ساورو )! لا تقل لي أنك أسلمت !

ذُهلَ ( ساورو ) لما قالهُ أبوه ، و لم يتوقع أن يُفتضحَ أمرُه لهذه اللفتةِ البسيطة !! بلع ريقهُ و أخذ يبحثُ في أرجاء عقلهِ عن مخرجٍ مُناسبٍ يُنقذُهُ من هذه الورطة .. لكنه لم يفتح فمهُ قبل أن شعرَ باسطوانةٍ معدنيَّةٍ تستقرُّ على صدغه !!
ما إن سمع الأخُ الأكبرُ لـ ( ساورو ) ما قاله والدهُ حتى سحب مُسدسهُ ، و ألقمه مِشطاً من الرصاص ، وشحن المُسدسَ و رفع يدهُ إلى رأس أخيهِ ( ساورو ) قائلاً :

– أصحيحٌ هذا الذي أسمع ؟!

تمَّ كُلُّ ذلك في لحظةٍ واحدةٍ كانت تفصلُ حياة ( ساورو ) عن مماته .. لكنهُ استجمع قواه ، وأجابَ بصوتٍ عالٍ :
– بالطبع لا !! هذا مُستحيلٌ .. لا يُمكنني أن أترك النصرانية وأعتنق الإسلام !

لم يأبهِ الأخُ بقول أخيه ، وبدا يضغطُ ببُطءٍ على الزناد مُهدداً:
-أصدُقنيَ القولَ قبل أن أفرغَ الرصاص في رأسك !

و بثباتٍ واضحٍ عقَّب ( ساورو ) :
– أخبرتُك سلفاً بأنني لستُ مُسلماً .. دعك من هذه التُرّهاتِ و ارفع مُسدسك عنِّي .
أنزلَ الأخُ الأكبر فوّهةَ مُسدسه ببُطءٍ عن رأس ( ساورو )رغم أنهُ بدا غير مُقتنعاً كفايةً لما قالهُ ( ساورو ) ، كذلك كانت ملامحُ الاستغراب و عدم الاقتناع تظهرُ على أبيهما.. و لكن لابُدَّ من التعامل بحزم هكذا على كُلِّ من تُسوِّلُ له نفسُه أن يترُك دين المسيح مهما كانت قرابتهُ و أسبابُه.. وليس أعظمُ من تأديبِ من ترك دينَ المسيح بإخراج روحهِ من هذه الأرض إلى الجحيمِ المُقيم !!
هكذا كان يُفكرُّ الأبُ و ابنهُ تجاه ( ساورو )

الفصل الثامن

استلقى ( ساورو ) على فراشه مُتنهداً بعد أن كاد يفقدُ روحهُ لمُجرد الاشتباه بكونه ترك النصرانية و دخل في الإسلام !! ألهذا الحد يكرهون الإسلام ؟! و ألهذا الحد يتعصبون لدينٍ بائدٍ زائفٍ مُحرفٍ طواه الزمنُ و محتهُ الأكاذيبُ وتبرأ منه المسيحُ نفسُه ؟! لماذا لا يسمحون للمرء أن يختار ما يعتقدُه من أديان ؟! أيتوجَّبُ على الأبِ أن يُكرهه أولادهُ على دينِه و لو كان خاطئاً ؟! ماذا سأفعل حيال ذلك ؟! إنهم يشكّون بي تماماً ، و أيُّ ورقةٍ أو حركةٍ أو ردة فعلٍ ستجعلهم يتصرفون فوراً دون أدنى هوادةٍ !
أغمض ( ساورو ) عينيه و استسلم للنوم و لا يدري ماذا يُخبئُ الغدُ له من مُفاجآت !
نكمل فيما بعد

أكملي شذا الجوري قصتك مشوقة جدا … وعفوا على السؤال : هل هي حقيقية ؟؟؟
جزيت خيرا
لكن
اين بقية القصة ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
مشكوره على جهودك شذى
لكن أين باقي الحكايه ؟؟
أرجوا أن تكميليها سريعا
قصة مشوقة…!

أكملي بارك الله فيك..

الوسوم:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.