(( أســبــاب الــنــجــاة مـــن الــفــتــن )) الجزء الأخير
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم و بعد .
الأمر الرابع : لزوم الصمت و السكوت ، و ترك الأمر إلى من يحسنون القول ممن هم مُجَرَّبُون في التصدي للمعضلات و حل المشكلات بما آتاهم الله من الفقه و الخبرة و حسن السياسة .
و هذا يرشد إليه :
أولاً : آية النساء التي أسلفناها في مستهل هذا الحديث .
ثانيا : إشارة في حديث صحيح وهو قوله صلى الله عليه وسلم (( كانت بنوا إسرائيل تسوسهم الأنبياء ، كلما هلك نبي خلفه نبي ، و لا نبي بعدي )) .
وقد جعل الله سياسة هذه الأمة في العلماء ، وقد مرت أحداثٌ قديماً وحديثاً : ثبت بالتجربة أن أهل العلم الراسخين الأقوياء هم ساسة الأمة ، وهم أجدر بالقول في النوازل والحُكْمِ فيها ، و من تلكم الحوادث حادثة قريبة وهي حادثة الخليج فعلماؤنا وعلى رأسهم الإمام الفقيه المجتهد الأثري الوالد الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله و معه إخوانه من أهل العلم قالوا كلمتهم مبنيةً على الأدلة من نصوص الشارع ، و صاح من صاح ، و صرخ من صرخ ، و هيّج من هيّج ، فبان و لله الحمد أن الحق مع جماعة المسلمين لا مع هؤلاء ، و هذا الموقف يشير إليه حديث حذيفة الطويل و الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم (( تلزم جماعةَ المسلمين و إمامهم )) .
الأمر الخامس : حينما تحدث حادثه ، و تنزِل نازلة ، و يقول فيها بعض أهل العلم قولاً ، و يسكت آخرون لا يُدْرَى ما عندهم ، فالواجب على شباب الإسلام ألا يتسرعوا في الأمر فَيَسُلُّوا سِكِّيْنَ الغضب على إخوانهم ، بل عليهم أن ينظروا ماذا يقول أقرانُ هؤلاء المتكلمين و إخوانُهم ، فإن أقران المتكلم أو إخوانه لا بد أن يكون لهم كلام و لا بد أن يكون لهم قول و لكن ليس من المصلحة أن يعلنوه فوراً ، فإذا أعلنوا ــ نحن ننتظر ــ قد يعلنون الموافقة قد يعلنون المخالفة ننظر ، إِذنْ لماذا التسرع ؟
الزموا الصمت ، فإن كثيراً من الحوادث حينما يتكلم فيها بعض الناس تحمساً للحق و مجالدةً في سبيل الصدع به : سلوكهم هذا يفرق الصف و يجعله متناحراً متنافراً فإذا كنت أنت مع ذلك العالم أو الطائفة من أهل العلم الذين تكلموا في حادثة معينة فإنه من المصلحة ألا تشيع بين إخوانك الفرقة ، فإن الساحة الآن حارة و الساحة أمواج تتلاطم و من دعاة الباطل من يصطادون في الماء العكر و ينتهزون أية فرصة ـ حتى لو تشبثوا بخيط العنكبوت ـ في تفريق الصف ، حتى نقطع الطريق عليهم : نلزم الصمت ، و ننظر : ماذا تكون النتيجة بين أهل العلم الذين هم أقران للطائفة أو لذلك الشخص الذين تكلموا أو الذي تكلم في حادثة معينة لاسيما إذا كان المتكلم مُجَرَّبٌ عليه الجهاد بالقلم و بالكلمة النافذة في نصرة السنة و الذب عنها و دحض البدع و دحر أهلها فإن في سكوتك سلامة ، فإذا تكلم بعد ذلك إخوانه و أقرانه كان في ذلك الوقت الأمر واضحاً لدى الجميع .
و إخوانه وأقرانه لن يتكلموا إلا بعد سلوك سبل متعددة:
أولاً: أن إخوانه و أقرانه ليسوا آلة في يده يلف بها يميناً و شمالاً، كيف كانوا أقراناً و إخواناً له إلا و عندهم آلة و أهلية للبت في المسألة ؟! .
ثانياً : أنهم إذا وقفوا من هذا المتكلم الذي عرفناه بصدق الجهاد و الخبرة و القوة و المجالدة في سبيل السنة سوف يكون لهم به اتصالات و مدارسة معه فقد يرجع هو عن خطأ ظنه صواباً , أو خطئوه بدليل أو وافقوه بدليل ، فنكون بهذه الطريق حافظنا على تماسك الصف , و قطعنا الطريق على من يصطاد في الماء العكر و يتلمس كل و سيلة يفرق بها الكلمة و ينشر بها الفرقة هناك أمور تحدث بين الشباب في أنفسهم فالواجب على الشباب أن يحيلوا ما أشكل عليهم إلى مشايخهم الذين و ثقوا من دينهم و أمانتهم وعرفوا رسوخهم في العلم و شهدوا لهم بالنصح أن يرفعوا قضاياهم إليهم متجردين عن العاطفة العمياء و التعصب الأحمق ، ليكنْ طُلْبَةَ الجميع هو الحقُ ، بهذا سيتبين أن أحدهم مخطئ و الأخر مصيب لكن إذا تصافت القلوب و حسنت النية فإنه لن يكون هناك تفرق و لا تشتيت ، سيكون اجتماع على الحق ، زميلي أخطأ الحمد لله رجع إلى الحق ، كنت مخطأً رجعت إلى الحق و لله الحمد ما صار شيء.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
وجعل ما كتبت في ميزان حسناتك