هذا أدب أمر به الرسول صلى الله أمته، والكلام على هذه الجملة المكونة من ثلاث كلمات، (فعل وفاعل ومفعولين) لا توفيها إلا رسالة مستقلة، وبخاصة في هذا العصر الذي اتسعت فيه الطرق والشوارع ومن يسلكها وما يسير فيها عند الرحلات والأسفار، في البر والبحر والغابات والشواطئ والأنهار، وفي المدن العامرة والقرى والديار.
ويجتمع في تلك الطرق أصناف من البشر كبارا وصغارا، رجالا ونساء، مثقفين وأميين، ولكل صنف أهدافه وأوطاره، ووسائله ونشاطاته، قد ترضي الآخرين وقد تسخطهم، قد تكون معروفا وقد تكون منكرا.
ولست بصدد الكلام على حق الطريق بعمومه وشموله، فذاك أمر يثنيني عن بلوغ شأوه في هذا المقال عرضه وطوله.
وسأقتصر على أمرين من حق الطريق لفتا نظري:
أولهما: إصلاح الطرق وصيانتها:
وكذلك الشوارع الداخلية في كل المدن التي تزدحم فيها السيارات، وعندما يرى المواطن شارعا يُصلَح أو يصان يسر بذلك كثيرا، لأنه يسهل للسكان السير بانسياب، ويصون سياراتهم من الخراب الذي يصيبها في الطرق والشوارع التي لم تحظ بالإصلاح والصيانة.
ولكن هناك ثلاث ملحوظات:
الملحوظة الأولى: أن الشوارع العامة تجد من العناية والصيانة أكثر من الشوارع في داخل الأحياء والحارات، التي يكثر في بعضها الخراب، بسبب إهمال صيانتها، وهذا يؤثر على السيارات ويعرضها للتفكك في فترة أقصر، لهذا ينبغي أن يهتم المسئولون بهذه الشوارع في الأحياء والحارات.
الملحوظة الثانية: ما يحصل من المضايقات للمواطنين من صيانة الشوارع العامة في المدن، هذه المضايقة تحصل بسبب القيام بأعمال الصيانة في الأوقات التي تزدحم فيها السيارات، إما في أول الدوام الرسمي للموظفين الذين يحرصون على الوصول إلى مكاتبهم في الأوقات المحددة، وإما في أوقات خروجهم من مكاتبهم مرهقين، كل منهم يود الوصول إلى منزله لينال قسطا من الراحة، وكذلك وقت خروج المدرسين وطلابهم من مدارسهم ومعاهدهم، فيجدون آلات الإصلاح قد سدت الطرق، فتقف السيارات وقتا طويلا تنتظر فرصة رحمة القائمين بالعمل في هذا الوقت الحرج، وفي هذا تضييع لأوقات الناس التي هي حق من حقوقهم التي لا يجوز لأحد إهدارها.
والمفروض أن صيانة الشوارع في المدن تكون في الليل عندما تخلو الشوارع من السيارات، وهذا ما يفعله المسئولون في دول الغرب التي لا تهدر أوقات مواطنيها، فيصحو الناس وقد رأوا الشوارع أمامهم جاهزة للسير بدون ازدحام محرج.
لهذا ينبغي أن يراعوا الملحوظتين، الاهتمام بالشوارع الداخلية في الأحياء، والقيام بالصيانة للشوارع العامة في غير الأوقات التي يضطر الناس للحركة فيها، إلا إذا كان العمل لإنشاء جسور أو أنفاق، فذاك أمر مقبول، لأن الطريق سيقفل رأسا حتى ينتهي الجسر أو النفق
وهي تخالف حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (أعطوا الطريق حقه)
وفي الحديث فقرة تشمل الملحوظات الثلاث كلها، وهي قوله صلى الله عليه وسلم – وهو يعدد تلك الحقوق – : (وكف الأذى)
والحديث رواه أبو سَعِيدٍ ألخدري رضي لله، عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: (إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ عَلَى الطُّرُقَاتِ).
فَقَالوا: مَا لَنَا بُدٌّ إِنَّمَا هِيَ مَجَالِسُنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا.
قَالَ: (فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلاَّ الْمَجَالِسَ، فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا).
قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ قَالَ: غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلاَمِ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَر) متفق عليه..
ولقد أدخل الرسول صلى الله عليه وسلم إزالة الأذى عن الطريق من الإيمان، كما في حديث أبي هريرة؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع وستون شعبة. فأفضلها قول لا إله إلا الله. وأدناها إماطة الأذى عن الطريق. والحياء شعبة من الإيمان).
وهذا يدل على أن من يوجد الأذى في طريق الناس، مع قدرته على عدم تعاطيه قد ارتكب معصية
منقول
************************************************** *******