قبل سبعة أشهر فقط كنت شخصاً آخر .. قبل سبعة أشهر كانت حياتي مختلفةً تماماً
.. ولو أخبرني أحد وقتها أني سأكتب بعد سبعة أشهر ما أكتب الآن في هذا المنبر
لتصورته إما هازئاً وأما مجنوناً.
أقول لكم .. قبل سبعة اشهر فقط كنت إنساناً آخر .. منذ المراهقة تكالب علي
رفاق السوء وكبلوني وشدَّوا الأغلال في عنقي وجروني معهم في درب المعاصي
والغفلة التي استمرت لعشرين عاماً .. تخيلوا .. ضيعت عشرين سنة من عمري وأنا
في تلك الغفلة .. الله ستير يحب الستر، لن أذكر لكم كبائري ومعاصي .. لكني
أقول لكم .. لم أفوت شيئاً .. أفكر أحياناً أن صفحة حسناتي كانت ربما خالية
.. لكن الله كان قد قدَّر لي شيئاً آخر .. لقد قاد خطواتي فجأة إليه، بعد
عشرين عاماً من الضياع.
فجأة .. ذات يوم قبل حوالي سبعة أشهر، أصابني ألم حاد في أسناني عند الماء
البارد .. كنت قد سئمت من طبيب أسناني القديم، ونويت أن أستبدله .. لم يكن
في بالي اسم معين، ذهبت إلى منطقة تكثر فيها العيادات، ودخلت إلى أي عيادة،
هكذا لا على التعيي. في الحقيقة أني تصورت أني أدخل لا على التعيين، لكني
أدري الآن أني دخلت على التعيين .. لكن بتعيين من رب العالمين .. لقد عيَّن
لي الله دخولي إلى تلك العيادة بالذات، كان يستدرجني إلى دربه، دخلت،
وخلال الشهر التالي كان لدي حملة مكثفة لعلاج أسناني .. وخلال هذا الشهر بدأت
تنمو بيني وبين طبيب الأسنان هذا نوع من الألفة والمودة .. لا أريد أن أمتدحه
الآن على صفحات الإنترنت ولكني أقول لكم أني ارتحت له .. كان
شاباً يصغرني بعدة أعوام، خجول لكن ودود .. أعرف الآن أنه طوال هذا الشهر
كان يخطط لما سيفعله لاحقاً .. كان يسألني أسئلة تبدو كما لو كانت طبية بحتة
لكن كان يجمع من خلالها معلومات عني، مثلاً كان يسألني عندما يصف لي دواءً
معيناً .. هل أتعاطى الكحول ؟ كان ظاهر سؤاله طبياً وباطنه أنه يريد أن أعرف
مستوى ارتكابي للمعاصي .. كان يختار لي دوماً مواعيد مسائية متأخرة بحيث أكون
آخر مريض يعالجه، حتى يتسنى له أن يأخذ ويعطي معي في الكلام .. بالتدريج
زادت الألفة وفي نهاية الشهر وبعد أن أكملت العلاج، دعاني للعشاء في أحد
المطاعم الحديثة .. من يرفض صداقة طبيب أسنان شاب وناجح وودود ؟ خرجنا
سويةً .. هذه المرة كان صريحاً أكثر .. قال لي ببساطة أني لن أكون صديقه إلا
إذا صليت .. قال إني لا أستطيع الاستمرار في عمري هذا (37 سنة) هكذا .. قال
إني يجب أن أبدأ بالصلاة .. وكنت أنا أيضاً صريحاً معه .. فتحت قلبي له وحكيت
له عن حياة المعاصي التي عشتها .. بل إني ذكرت له أسراراً لا يعرفها إلا الله
.. زاده ذلك تصميماً على ما يبدو وقال لي إنه لن يتركني هكذا ..
بعد أربعة أيام فاجئني برسالة شخصية منه موجهة لي تحدث فيها عن الصلاة، عن
كيف إنها ستنظم و تغير حياتي، وتعيد ترتيب أولوياتي، وتفتح لي صفحة جديدة
مع الله عز وجل ..
اقتنعت .. شيء في داخلي مسه هذا الكلام .. بدأتُ في الصلاة والانتظام عليها،
لكن بدأ إبليس يوسوس لي عن طبيب الأسنان، لماذا هو مهتم هكذا ؟ كيف يجد
وقتاً لي وعنده عمله وعيادته وأسرته وأطفاله ؟ ما دخله في صلاتي أو عدم
صلاتي ؟ بدء إبليس يلقي في نفسي إن هناك شيئاً وراء طبيب الأسنان هذا ..
نفس الوساوس التي عرفت فيما بعد أنه يلقيها للجميع .. بدأت الألفة تقل، بدأت
أتهرب من صديقي طبيب الأسنان، إذا وجدت رقمه في الكاشف فلا أجيب الاتصال ..
بدء هو يحدس ذلك، فيتصل من أماكن أخرى، ويتأكد إنني أتهرب منه عندما ارفع
السماعة .. ظل صبوراً ولحوحاً، يحاول معي دونما يأس، وظللت أتهرب منه إنما
بأدب .. عندما كنت أضطر إلى مواجهته كنت أختلق له الأعذار ولا أصطدم به، في
داخلي كان هناك الشد والجذب .. كان إبليس يوسوس .. وكنت مقتنعاً بوساوسه،
ولكن في الوقت نفسه كان هناك المودة والاحترام .. ظللت أتهرب وأختلق الأعذار
.. في تلك الفترة كنت مستمراً على الصلاة .. لقد ارتحت إليها فعلاً .. أحسست
أني إذا تركتها فلن أعود إليها ثانية، مع نفسي عاهدت الله أن لا أترك الصلاة
.. ذات يوم، أتصل بي صديقي طبيب الأسنان ووجدت رقمه في الكاشف عندي، لم أرد
.. ركب هو سيارته وجاءني .. وجد سيارتي عند الباب، دق الجرس اضطررت أن أفتح
له .. كان متعباً ومتألماً .. لم يكن وضعه المهني والاجتماعي يسمحان له
بمعاملة كهذه، أفهم الآن أنه كان يدوس على كرامته من أجل هدايتي، وقف عند
الباب وقال بألم .. هاك. أعتقد أن هذه ستكون محاولتي الأخيرة .. ناولني
قرصاً مضغوطاً وذهب .. كانت محاضرة للأستاذ عمرو خالد،
وكان الزلزال.
عندما أفكر الآن بكل شيء، أعتقد أن ما حدث مع طبيب الأسنان كان نقطة التحول،
لكن عمرو خالد أحدث الزلزال .. ظل صديقي يرفدني بهذه الأقراص .. وكانت قليلة
ونادرة في البلد الذي نعيش فيه، كثيراً ما كنت أعود إلى شقتي متأخراً فأجد
صديقي قد مر ووضع لي الأقراص تحت الباب .. كان يتندر ويقول إن عمله تحول من
طبيب أسنان إلى ساعي بريد عند عمرو خالد ! وأحدث عمرو خالد الزلزال، صرت
أعيش مع كلامه، صرت لا أستطيع في كل مجلس أرتاده الا أن أحكي عن هذا الشخص
وعن كلامه .. أقول لكم لقد تغيرت، عرفت الندم، عرفت التوبة، عرفت الدموع
.. تلذذت بعبادتي وذقت معنى الخضوع، عرفت معنى صلاة الفجر وانتشيت بالخشوع،
أقول لكم إن هذه الكلمات كلها لم تكن لها أي معنى في حياتي السابقة .. (قبل
سبعة أشهر) .. لكنها الآن صارت واقعاً أعيشه .. وعرفت أيضاً ذلك الشيء الرائع
الذي لم أسمع به من قبل .. المحبة في الله والأخوة في الله التي يمكن أن تجعل
من طبيب أسنان يتحول إلى ساعي بريد عند عمرو خالد !
هناك أيضاً ظروف مهنية واجتماعية معقدة تحيط بي تجاوزت ذكرها، لقد ساعدتني
الهداية على احتمال أزمتي التي لاتزال قائمة .. أرجو من كل من يقرأ هذه
الكلمات أن يدعو الله أن يفرجها علي ..
صار طبيب الأسنان أعز أصدقائي (بعد عمرو خالد !) وأستطيع أن أقول إنني أنا
أيضاً أعز أصدقائه (بعد عمرو خالد طبعاً ..!) .. كثير من قصص الهداية والتوبة
تبدأ بعد أحداث مفجعة .. موت صديق أو حادث أو مرض خبيث الخ .. الله كان أرفق
وأرحم بي، لقد هداني إليه بعد ألم في الأسنان عند الماء البارد .. تخيلوا ..
إنه الماء البارد الذي أنقذني من الماء المغلي في حميم جهنم ! فسبحان الله!
منقول
قصة جميلة جداً, الله يبارك فيك.
الله يفك كربته ويثبته ويجزي هذا الطبيب خير جزاء.
لاحرمك الله الأجر أخيه على نقل هذه القصه..
والله يكثر من امثال هذا الطبيب
ربنا كريم وغفور وكرمه ومغفرته وسعت السماوات والارض .
ومن كرم الله علينا ان هدانا الى دينه العظيم ..
اللهم ثبتنا على ديننا ..