حسن الاختيار
البحث عن ذات الدين
ومرة أخرى أقول: كل واحد منا ينشد هذه السعادة، وسأحاول أن يكون حديثي حديثا واقعيا مرتبطا بحياتنا الاجتماعية؛ حتى يكون أدعى للقبول وملامسة المشكلة من أصلها.
فأقول: مقومات السعادة الزوجية تكمن فيما يلي:-
أولا: أمور يجب أن تراعى قبل الزواج:
أول أمر يجب على الزوجين أو من أراد أن يتزوج أن يراعي ما يلي: حسن الاختيار، وأهم شيء هو الدين، حسن اختيار الزوجة، فقد روي في الحديث الصحيح، روى أبو هريرة في الحديث الصحيح قال: قال صلى الله عليه وسلم " تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك " (1).
وهذه مسألة أنبه الشباب بصفة خاصة، وأنبه أولياء الأمور أيضا، وبالأخص والدة من أراد أن يتزوج، أن تهتم بأمور كثيرة من أبرزها دين الزوجة.
من المؤسف أننا نرى بعض الشباب، وبعض من يريد أن يقبل على الزواج يهتم بجمال المرأة، يهتم بعائلة المرأة، يهتم بمال المرأة، ولكنه يتناسى الدين، أقول له: من حقه أن يهتم بكثير من مقومات أو صفات المرأة، ولكن الصفة التي لا يمكن أن يتنازل عنها المرء هي الدين، " فاظفر بذات الدين تربت يداك " (2) كما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم.
ثم أقول: ليس هذا الأمر متعلقا بالمرأة فقط، بل في الرجل، ومن المحزن أن بعض الآباء عندما يتقدم الخطيب أو الرجل لخطبة ابنته يسأل عن وظيفته، يسأل عن أهله، وهذه أسئلة طيبة، ولكنه لا يسأل عن دينه، أو حتى لو سأل عن دينه لتنازل كثيرا، وقدم التنازلات العجيبة في موضوع الدين.
مما ألاحظه في بعض الأحيان أن هناك من يسأل عن الأم، وأم الأم، وعمة الأم، لأنه يقول: العرق دساس. ولكنه لا يسأل عن دين هذه المرأة، أو عن هذا البيت -بيت هذه المرأة، أو عن بيت الرجل أيضا كما قلت.
الأمر ليس مقتصرا على المرأة، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض " (3) رواه الترمذي.
الآن هذا المقياس الدقيق في مراعاة الدين للرجل والمرأة تنازل عنه الأكثرون، ومع أنهم تشددوا في أمور الدنيا، في أمور النسب، في أمور الجمال، تساهلوا تساهلا عجيبا في أمور الدين، حتى إن هناك من يزوج ابنته بمن لا يصلي، أي بعبارة مختصرة وبجملة مقتضبة: "يزوج ابنته بكافر" وهذه مسألة خطيرة.
أقول: من أول مقومات السعادة قبل الزواج أن يبحث عن ذات الدين.
رؤية المخطوبة
أيضا مسألة أخرى: وهي بين إفراط وتفريط، وهذه كلها قبل الزواج، لا زلنا في المقوم الأول الأمور التي تراعى قبل الزواج: أن يرى مخطوبته، وبحق إنني أجد إفراطا وتفريطا في هذه المسألة وبخاصة في مجتمعنا، بعض الآباء يأتي الرجل والشاب يخطب ابنته، وينتهون ويوافق، ثم يقول: أريد أن أرى ابنتك. فيقول له من العبارات، حتى قال لهم أحدهم: أفا، يعني عيب، كيف ترى ابنتي؟!
مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر برؤية المخطوبة قبل الزواج، انظر إلى الحديث الصحيح قال صلى الله عليه وسلم للمغيرة وقد خطب امرأة: " انظر إليها؛ فإنه أحرى أن يؤدم بينكما " (4) رواه النسائي والترمذي وقال: حديث حسن، وصححه الألباني في المشكاة.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: " كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه رجل من الأنصار، فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار، فأمره الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يذهب وينظر إليها " (5) الحديث رواه مسلم. لأنه ذكر له الرسول صلى الله عليه وسلم أن في عيون الأنصار شيئا.
إذن، الرسول قد أمر الرجل بأن يرى مخطوبته، والتشدد في هذا الأمر، واعتبار هذا الأمر عيبا -أن يرى البنت قبل الزواج- هذا مخالفة لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ومخالف لهدي الرسول صلى الله عليه وسلم ويجب أن نكون في جميع شئون حياتنا تبعا لما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم " لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به ".
ليس مجرد الاستسلام الحسي، بل الهوى يجب أن يكون تبعا لما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم، هذا وجه.
الوجه الثاني: هو التفريط العجيب، الآن بدأت ظاهرة خطيرة رهيبة إن استمرت فسنجني آثارها، وقد بدأنا ننظر هذه الآثار السيئة، وقد طبقتها أمم أخرى، وهي أن الشاب إذا خطب الفتاة قيل له: إنه يجب أن تنظر إليها، فيخرج بها، ويخلو بها، ويذهب وإياها إلى السوق، وهذا يقع فيه من المحاذير ما الله به عليم.
وأكثر من فعلوا هذا الفعل إما أنه طلقها قبل الزواج؛ لأنه قد يكون فعل معها أمرا لا تحمد عقباه وهي لم تعد زوجته بعد، أو أنه سرعان ما يطلقها بعد الزواج وتبدأ المشكلات بعد الزواج.
إذن، الوسط أن يرى الرجل امرأته رؤية شرعية، ما هي الرؤية الشرعية؟ أي لا يخلو بها، ويراها رؤية ما ظهر منها، لوجهها أو شعرها أو طرفي يديها وساقيها فقط، وبحضور أحد أقربائها أي محارمها، أي لا يخلو بها أبدا، وبهذا نكون قد طبقنا الجانب الشرعي.
إذن، هذا مهم، أن يرى الرجل امرأته، أو من ستكون امرأته، أن يرى الرجل مخطوبته أمر محمود في ظل الإطار الذي تحدثت عنه.
عدم المغالاة في المهور وفي حفلات الزواج
وقال عمر: " ما علمت رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح شيئا من نسائه، ولا أنكح شيئا من بناته على أكثر من اثنتي عشر أوقية " (7) الحديث الأول رواه مسلم، والحديث الآخر رواه الخمسة.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خير الصداق أيسره ".
ويقول أحد الكتاب في هذه المسألة: إذن فالتوسط والبعد عن الإسراف والخيلاء وحب المظاهر هو من أسباب السعادة والتوفيق بإذن الله، وهو أمر مطلوب من الأغنياء والوجهاء قبل غيرهم؛ لأنهم هم الذين يصنعون تقاليد المجتمع، والآخرين يتشبهون بهم.
قال جابر رضي الله عنه "حضرنا عرس علي وفاطمة، فما رأينا عرسا كان أحسن منه حشونا الفراش -يعني من الليف- وأوتينا بتمر وزبيب فأكلنا، وكان فراشها ليلة عرسها إهاب كبش".
حفل زواج بسيط، ومهر يسير، وهذه المسألة -أيها الإخوة- مسألة تحتاج إلى عزيمة، والحقيقة مرة أخرى أقول: إن هناك من يبالغ في هذه المسألة، فتنشر الصحف أحيانا أن فلانا زوج ابنته بريال، هذا غلط يا إخوان، وهذه مهزلة، نحن لا نقول يزوجها بريال، ولا بمائتي ألف ومائة ألف كأنها تباع وتشترى لا، يزوجها بالصداق الشرعي، ويقيم لها من الحفل الصداق الشرعي.
وأقول: طالما سمعنا هذا الكلام، وطالما تكرر في مسامعنا، ولكننا نرى القدوة قليلة في هذا الأمر، بل والله نرى الإسراف، حتى إن حفل الزواج يكلف أحيانا أكثر من المهر، أي الذي يدفع للمرأة.
آلاف ومبالغات، وقصور الأفراح لعدة ساعات تأخذ أحيانا عشرات الآلاف وما يقام فيها من نفقات، فلا بد من الاعتدال، ولا بد من الاقتصاد، ولا بد أن نضرب المثل، وهذا له سر في السعادة الزوجية يا أحباب؛ لأن الرجل إذا دخل على الفتاة، وهو يشعر أن هذه أثقلت كاهله بالمبالغ الطائلة، فإنه طالما سيتمنى منها المثالية، وكلما قصرت قال: خسرت عليك، ودفعت فيك كذا، واستدنت كذا، وأنت لا تفعلين كذا.
وكل مصيبة وكل مشكلة تقع في البيت يعيدها ويذكرها بما دفعه من مهر، وما خسره من أموال، والنهاية تصل إلى الشقاق، وإلى الفراق، وإلى الطلاق، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ولكنه عندما يأتي إلى البيت، ويجد أن هذه الفتاة قد دفع فيها مبلغا محترما، أي مبلغا معقولا، فإنه حتى لو وجد فيها عيبا -وسيجد، أو نقصا ولا بد أن يكون، فإنه سيتذكر أن لأبيها عليه فضل؛ لأنه قدمها له في حدود المعقول، فسيستحي أن يتكلم في عرضها، أو أن يقيم معها مشكلة.
إذن، " خير الصداق أيسره " " وأكثرهن بركة أقلهن مهرا " في الحقيقة، فإنني أتحدث مع الإخوة، وأطلب من أولياء الأمور بصفة خاصة، ومن أمهات الزوجات بصفة أخص إن كن ينشدن السعادة -ولا أشك في ذلك- ألا يبالغن في هذا الأمر، ليس والله المهم أن تقول المرأة دفع في ابنتي كذا من الألف، أو لها من الذهب كذا لا، المهم أن تعيش ابنتها حياة سعيدة مستقرة طول حياتها، هذه أمور تراعى قبل الزواج.
منقووول من محاضرات للشيخ ناصر العمر
</SPAN></SPAN>
بارك الله فيك يا اختي على نقلك الرائع وجزاك كل خيــر واثابك
وجعل الله مانقلتي في ميزان حسناتك