تخطى إلى المحتوى

الإمام أحمد بن محمد بن حنبل ( الجزء الثاني ) 2024.

ساعة مع العارفين

الإمام أحمد بن محمد بن حنبل

أبو عبد الله الشيباني

(الجزء الثاني)

(زهده)

وعن رحيلة قال: كنت على باب أحمد بن حنبل والباب مجاف وأم ولده
تكلمه وتقول له: إنا معك في ضيق منزل، بيت صالح يأكلون ويفعلون، وهو يقول: قولي خيرا، وخرج الصبي معه فبكى –أي الصبي- فقال له أي شيء تريد؟ قال: زبيب، قال: إذهب فخذ من البقال حبة .
وعن صالح بن أحمد قال: ربما رأيت أبي يأخذ الكسر فينفض الغبار عنها، ثم يصيرها في قصعة، ثم يصب عليها ماء حتى تبتل، ثم يأكلها بالملح، وما رأيته قط اشترى رمانا ولا سفرجلا ولا شيئا من الفاكهة إلا أن يكون يشتري بطيخة فيأكلها بخبز أو عنبا أو تمرا، فأما غير ذلك فما رأيته قط اشتراه، وربما خبز له فيجعل في فخارة عدسا وشحما وتمرات شهريز فيخص الصبيان بقصعة فيصوت ببعضهم –أي ينادي- فيدفعه إليهم فيضحكون ولا يأكلون، وكان كثيرا ما يأتدم بالخل، وكان يُشترى له شحم بدرهم فكان يأكل منه شهرا، فلما قدم من عند المتوكل أدمن الصوم وجعل لا يأكل الدسم فتوهمت أنه كان جعل على نفسه إن سلم أن يفعل ذلك .
وعن النيسابوري صاحب إسحاق بن إبراهيم قال لي الأمير: إذا جاء إفطاره أرنيه قال فجاؤوا برغيفين خبز وخيارة فأريته الأمير فقال: هذا لا يجيبنا إذا كان هذا يقنعه .
وعن الحسن بن خلف الصائغ قال: جاءني المروزي في علة أبي عبد الله قال أبو عبد الله عليل فذهبت بالمتطبب فدخلنا عليه قال: ما حالك قال إحتجمت أمس قال: وما أكلت؟ قال: خبزا وكامخا، قال: يا أبا عبد الله تحتجم وتأكل خبزا وكامخا، قال: فما آكل؟.
وعن المروزي قال: سمعت أبا عبد الله يقول: قد وجدت البرد في أطرافي
ما أراه إلا من إدماني أكل الخل والملح .
وعن إسحاق قال: مات أبو عبد الله وما خلف إلا ستة قطع أو سبعة،وكانت في خرقة كان يمسح وجهه قدر دانقين .

(وعمل إلى ما بعد الموت)

وعن أبي بكر المروزي قال سمعت أبا عبد الله يقول: إنما هو طعام دون
طعام، ولباس دون لباس، وإنها أيام قلائل، وقال: سمعت أبا عبد الله يقول: أسر أيامي إلي يوم أصبح وليس عندي شيء .

(التواضع)

وعن محمد بن الحسن بن هارون قال: رأيت أبا عبد الله إذا مشى في الطريق يكره أن يتبعه أحد .

(إنا نخاف من ربنا يوما كان شره مستطيراً)

وقال المروزي سمعت أبا عبد الله يقول: الخوف يمنعني من أكل الطعام والشراب فما أشتهيه .
قال المروزي: وبال أبو عبد الله في مرضه دما، فأريته عبد الرحمن المتطبب، فقال: هذا رجل قد فتت الغم والحزن كبده .

(ورع عجيب)

وعن فوران قال: كنا عند أحمد بن حنبل قبل أن يموت بليلتين، وكان ثم غلام أسود لأبي يوسف يعني عمه اشتراه من هذا المال –مال السلطان- فذهب يُرَوِّح أحمد فنهاه !!.
وعن سليمان بن داود الشاذكوني: أن أحمد رهن سطلا عند فاميٌّ، فأخذ منه شيئا يتقوته، فجاء فأعطاه فكاكه، فأخرج إليه سطلين فقال: أنظر أيهما سطلك فخذه؟ قال: لا أدري، أنت في حل منه ومما أعطيتك، ولم يأخذ سطله، قال الفاميُّ: والله إنه لسطله، وإنما أردت أن أمتحنه فيه .
وعن أحمد بن محمد التستري قال: ذكروا لي أحمد بن حنبل أتى عليه ثلاثة أيام ما كان طعم فيها، فبعث إلى صديق له فاستقرض شيئا من الدقيق، فعرفوا في البيت شدة حاجته إلى الطعام، فخبزوا عاجلا فلما وضع بين يديه قال: كيف خبزتم هذا بسرعة؟ قيل له: كان التنور في دار صالح ابنه مسجورا فخبزنا عاجلا فقال ارفعوا ولم يأكل وأمر بسد بابه إلى دار الصالح –لأن صالح كان يعمل لدى السلطان-! .

(العزلة)

وعن عبد الله بن أحمد قال: كان أبي أصبر الناس على الوحدة، لم يره أحد إلا في مسجد، أو حضور جنازة، أو عيادة مريض، وكان يكره المشي في الأسواق .

(حفظناها في الصغر فحفظها الله لنا في الكبر)

وعنه قال: كان أبي يصلي في كل يوم وليلة ثلاث مائة ركعة، فلما مرض من تلك الأسواط أضعفته، فكان يصلي في كل يوم وليلة مائة وخمسين ركعة، وقد كان قرب من الثمانين، وكان يقرأ في كل يوم سبعا يختم في سبعة أيام، وكانت له ختمة في كل سبع ليال سوى صلاة النهار، وكان ساعةُ يصلي عشاء الآخرة ينام نومةً خفيفةً ثم يقوم إلى الصباح يصلي ويدعو، وحج أبي خمس حجات ثلاث حجج ماشيا واثنتين راكبا وأنفق في بعض حجاته عشرين درهما .

(دعاء مبارك)

وعن أبي عيسى عبد الرحمن بن زاذان قال: صلينا وأبو عبد الله أحمد بن حنبل حاضر فسمعته يقول: اللهم من كان على هوى أو على رأي وهو يظن أنه على الحق وليس هو الحق فرده إلى الحق حتى لا يضل من هذه الأمة أحد، اللهم لا تشغل قلوبنا بما تكفلت لنا به، ولا تجعلنا في رزقك خولا لغيرك، ولا تمنعنا خير ما عندك بشر ما عندنا، ولا ترنا حيث نهيتنا، ولا تفقدنا من حيث أمرتنا، أعزنا ولا تذلنا، أعزنا بالطاعة ولا تذلنا بالمعصية .

(الدعاء المستجاب)

وعن علي بن أبي حرارة قال: كانت أمي مقعدة نحو عشرين سنة، فقالت لي يوما: اذهب إلى أحمد بن حنبل فسله أن يدعو الله لي، فمضيت فدققت عليه الباب فقال: من هذا؟ فقلت رجل من أهل ذلك الجانب سألتني أمي وهي زمنة مقعدة أن أسألك أن تدعو الله لها، فسمعت كلامه كلام رجل مغضب وقال: نحن أحوج أن تدعو الله لنا ؛ فوليت منصرفا فخرجت عجوز من داره فقالت: أنت الذي كلمت أبا عبد الله؟ قلت: نعم، قالت، قد تركته يدعو الله لها، قال فجئت من فوري إلى البيت فدققت الباب فخرجت –أمه-على رجليها تمشي حتى فتحت لي الباب وقالت قد وهب الله لي العافية .

(يثبت الله الذين آمنوا)

وعن ميمون بن الأصبغ قال: كنت ببغداد فسمعت ضجة فقلت: ما هذا؟ فقالوا أحمد بن حنبل يمتحن، فدخلت فلما ضرب سوطا قال: بسم الله، فلما ضرب الثاني قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، فلما ضرب الثالث قال: القرآن كلام الله غير مخلوق، فلما ضرب الرابع قال: قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، فضرب تسعة وعشرين سوطا .
وعن محمد بن إسمعيل بن أبي سمينة قال سمعت شاباص النائب يقول: لقد ضربت أحمد بن حنبل ثمانين سوطا لو ضربته فيلا لهدته .
وعن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال قال لي أبي: يا بني لقد أعطيت المجهود من نفسي .
قال وكتب أهل المطامير إلى أحمد بن حنبل إن رجعت عن مقالتك ارتددنا عن الإسلام .

(لله قوم إذا رفعوا حواجبهم قضيت حوائجهم)

وكانت تِكّة –هو ما يشد به السروال- أحمد حاشية ثوب، فانقطعت، فنزل السراويل إلى عانته، فرمى أحمد طرفه إلى السماء وحرك شفتيه، فما كان بأسرع أن بقي السراويل لم ينزل .
فدخلت إليه بعد سبعة أيام فقلت: يا أبا عبد الله رأيتك تحرك شفتيك، فأي شيء قلت؟ قال قلت: اللهم إني أسألك باسمك الذي ملأت به عرشك، إن كنت تعلم أني على الصواب فلا تهتك لي سترا .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.