مما تقدّم أن الاستعاذة عبادة عظيمة يجب إخلاصها لله جل وعلا،
وأنها تستلزم ما تستلزم من الإيمان بالأسماء الحسنى والصفات العليا
فالمستعيذ يؤمن بسعة علم الله عز وجل وسمعه وبصره وقدرته ورحمته وعزته وملكه وغيرها من الصفات الجليلة
التي يجد المؤمن الذي يحسن الاستعاذة أن الإيمان بها ضروري لتحقيق معنى الاستعاذة.
وهي تقتضي من العبد محبة الله تعالى وحسن الظن به والإنابة إليه والتوكل عليه
واعتقاد أن النفع والضر بيده وحده جل وعلا؛ فيحصل للعبد بذلك من السكينة والطمأنينة
والثقة بالله جل وعلا ما لا تقوم له وساوس الشيطان ولا الشرورُ كلها؛ لأن الله تعالى مع عباده المؤمنين المتقين،
وهو وليّهم الذي ينصرهم ويؤيدهم ويحفظهم، ويحبهم ويحبونه؛ فلا يخذلهم ولا يتخلى عنهم،
ولا يعجز عن نصرهم، ولا يُشقيهم بعبادته وتوحيده.
بل يريهم أن السعادة والفوز والفلاح في الإيمان به واتباع رضوانه.
{برب الناس} أي: خالقهم ومالكهم ومدبر أمورهم.
{ملك الناس} المتصرف فيهم بما يشاء، فلا يخرج أحدٌ منهم عن ملكه وتصرفه.
{إله الناس} معبودهم الذي يألهونه ويخضعون له ويتقربون إليه ، فيحبونه غاية المحبة، ويعظمونه غاية التعظيم،
ويخضعون له غاية الخضوع، وهو إلههم الذي لا إله لهم سواه.
فهو مُنشؤهم من العدم، ومدبر أمورهم، والمتصرف فيهم، وهو منتهى حاجاتهم وآمالهم.
وهذه الصفات الثلاث قد رتبها الله جل وعلا أحسن الترتيب،
والاستعاذة بها تكشف للمؤمن اللبيب؛ أصولاً عظيمة تنتظم كثيراً من المسائل في الخلق والأمر.
وأسأل الله تعالى أن يعين على بيان ذلك بياناً حسناً .
فنقول: تخصيص الاستعاذة بهذه الصفات الجليلة يتضمن الدلالة على أمور عظيمة:
الأمر الأول: أنها تضمنت المبدأ والولاية والغاية؛ فالله تعالى هو ربُّ الناس الذي أنشأهم من العدم؛ وأنعم عليهم بالنعم،
وهو إلههم الذي يجب أن يعبدوه وحده لا شريك له، وأن يتوجهوا إليه بقلوبهم ودعائهم ومحبتهم وخشيتهم ورجائهم.
فهو تعالى: (رب الناس) (ملك الناس) (إله الناس).
"
الأمر الثاني: أن هذه الصفات الثلاث حُجّة قاطعة على وجوب التوحيد؛
فالله تعالى هو الذي خلق الناس وأنعم عليهم ولم يخلقهم غيره وما بهم من نعمة فمنه جل وعلا،
وهو ملك الناس لا يملكهم غيره ولا يملك ضرهم ونفعهم إلا هو جل وعلا، فيجب أن يكون هو إله الناس لا يعبدون غيره.
فالله تعالى ليس له شريك في ربوبيته، وليس له شريك في الملك، فيجب أن لا يكون له شريك في الألوهية.
"
الأمر الثالث: أن أصل بلاء الناس إنما هو في الشرك بالله جل وعلا في هذه الأمور الثلاثة (الربوبية، والملك، والألوهية)، وضعف التعبد لله تعالى بها.
وكل شرك فيها فإنما حصل بوسوسة الشيطان، وهذا هو حظ الشيطان من الناس.
وهذه الأمور الثلاثة يقع فيها الشرك الأكبر والشرك الأصغر، ويقع فيها الشرك الجلي والشرك الخفي.
فالمشركون بالله الشركَ الأكبر منهم يقع في الشرك في الربوبية بنسبة بعض الخلق أو النعم إلى غير الله جل وعلا،
ويقع منهم شرك في الملك باعتقاد النفع والضر والتصرف في غير الله جل وعلا،
ويقع منهم الشرك في عبادة الله جل وعلا بدعاء غيره والتقرب إليه بأنواع العبادات.
ومِن عصاة المسلمين من يقع منه الشرك الأصغر في هذه الأمور؛
إما بالغفلة عن نسبة النعم لله عز وجل والغفلة عن شهود إنعامه بها، ونسبة ذلك لأحد من الخلق مع هذه الغفلة،
فيقول: لولا الطبيب الفلاني لهلكت، ومطرنا بنوء كذا وكذا، ونحو ذلك من أنواع الشرك في الربوبية.
وإما بتعظيم بعض الخلق بشهود الظاهر من تصرفه وتسببه في النفع والضر حتى يطيعه في معصية الله جل وعلا إن كان فاجراً
أو يغلوَ فيه إن كان صالحاً، وهذا من الشرك في ملك الله جل وعلا.
وإما بتعلق القلب بغير الله جل وعلا فيكون في القلب نوع تأله وتعبّد لغير الله تعالى.
وكل ذلك إنما هو من الشيطان لأن عبادة غير الله عز وجل إنما هي عبادة للشيطان
"
الأمر الرابع: أن التعبد لله جل وعلا بما تقتضيه هذه الصفات الثلاث أمر واجب،
والتقصير في ذلك ظلم من العبد لنفسه، وهذا الظلم هو منشأ شقاء العبد وضلاله وتسلط الشياطين عليه وإضلالهم له.
وإذا أحسن العبد التعبد لله تعالى بهذه الصفات الثلاث فاز فوزاً عظيماً وسَعِد سعادة عظيمة في الدنيا والآخرة.
التعبد لله تعالى بهذه الصفات الجليلة له مقتضياته وآثاره:
– فأما الإيمان بربوبية الله تعالى للناس؛ فيقتضي التصديق بأنه خالقهم ومنشؤهم من العدم،
ومصور صورهم ومقدر أرزاقهم وأقدارهم وآجالهم، وهو المنعم عليهم فما من نعمت دقت ولا جلّت إلا والله تعالى هو المنعم به
المتفضل بها على عباده من غير استحقاق سابق، فيؤثر هذا في قلب المؤمن الاعتراف بنعم الله جل وعلا وشكرها بالقول والعمل.
– وأما الإيمان بملك الله جل وعلا للناس؛ فيقتضي التصديق الجازم بأن الله تعالى هو الذي يملك الناس كلَّهم، لا يخرج أحد منهم عن ملكه،
بل هو مالكهم الذي له جميع معاني الملك، فهو يملك أجسادهم وأرواحهم وجميع أعضائهم ومنافعهم، ويملك تصرفاتها،
ويملك تدبيرها والتصرف فيها، فلا تتصرف إلا بإذنه، ولا ينطبق جفن على جفن إلا بإذنه، ولا يتنفّس متنفّس إلا بإذنه،
وهو الذي يملك بقاءهم وفناءهم, وهو على جمعهم إذا يشاء قدير.
– ولا يملك أحد منهم لنفسه نفعاً ولا ضراً إلا بإذنه جل وعلا، فلا يأتي بالحسنات إلا الله، ولا يدفع السيئات إلا الله،
ولا يجلب النفع إلا الله، ولا يدفع البلاء ولا يرفعه إلا الله تبارك وتعالى.
– وهذا مما يوجب إخلاص العبادة لله وحده .
– وأما الإيمان بألوهية الله تعالى للناس؛ فتقتضي إخلاص العبادة لله وحده؛ واجتناب جميع ما ينقض الإخلاص أو يضعفه.
الأمر الخامس: أن الاستعاذة بربوبية الله وملكه وألوهيته تقتضي تعظيمها وأن لها شأناً عظيماً وآثاراً جليلة في الخلق والأمر،
فكل ما في الكون مبني على هذه الصفات الثلاث العظيمة.
الأمر السادس: أن مدار عمل الشيطان على إخلال العباد بهذه الأمور الثلاثة؛ وتأمل ما يقدح في التوحيد تجده راجعاً إلى هذه الأمور الثلاثة؛
فمن الناس من يكون عنده شرك في الربوبية يقل أو يكثر، ومنهم من يشرك في الملك، ومنهم من يشرك في الألوهية، كما سبق بيانه.
فميدان الصراع مع الشيطان هو في هذه الأمور الثلاثة؛ فمن أخلصها لله جل وعلا؛ فقد خلص من شر الشيطان وشركه، وكان من عباد الله المخلصين.
الأمر السابع: أن هذه السورة تضمنت إيجازاً بديعاً لمدار الابتلاء والامتحان فبين الله للناس فيها أنه ربهم وملكهم وإلههم،
وأن عدوهم هو الشيطان الرجيم، وأن سلاحه هو الوسوسة وأنه سعيه إنما هو ليشركوا بالله جل وعلا في ربوبيته وملكه وإلهيته
ليكون مصيرهم إلى عذاب الله وسخطه .
الأمر الثامن: أن العبد المؤمن حينما ينادي ربه هذا النداء ويستعيذ به فهو لاجئ إلى ربه وملكه وإلهه ليعيذه من شر عدوه،
وإذا حقق العبد الإخلاص في هذه الأمور الثلاثة وأحسن التعبد لله تعالى بها فقد أوى إلى معاذ منيع وحصن حصين،
وكان في عصمة الله تعالى وضمانه وأمانه. وإذا وقع منه تفريط في شيء من ذلك وتقصير فليبادر بالتوبة إلى الله تعالى،
ويحسن الإنابة إليه ويتبع السيئة الحسنة لتمحوها.
قوله تعالى: {قل أعوذ برب الناس * ملك الناس * إله الناس} سورة النّاس
فيه أن من رضي بالله ربَّا، ورضي به ملكاً، ورضي به إلها، وأحسن التعبد لله تعالى بهذه الصفات الجليلة فقد حُفظ من كيد كل وسواس خناس ،
وكان في حفظ الله ورعايته ومعيّته، لا يخاف ولا يحزن، ولا يضلّ ولا يشقى.
فقولك: {قل أعوذ برب الناس} فيه إقرار منك بأن الله تعالى هو ربّ الناس، وهذا الإقرار له ما يتبعه؛
فليس هو إقرار باللسان دون أن يكون لذلك أثر على القلب واللسان والجوارح.
فإذا كنت تؤمن بأن الله تعالى هو ربّ الناس فليظهر أثر هذا الإيمان على عامّ شأنك وخاصّه، وفي حال الشدة والرخاء، وحال العافية والبلاء.
والتقصير في هذا الأمر عند العباد يكون في حالي الرخاء والشدة.
فمنهم من إذا كان في عافية وَدَعَة نسي أن الله تعالى هو ربّ الناس، وهو وإن كان يقر بذلك بلسانه لكنّ قلبه في غفلة عن ذلك،
وعملُه عمل الغافل اللاهي عن هذه الحقيقة العظيمة وهي أن الله ربّ الناس، فتراه يعظّم ما حقّره الله، ويستهين بما عظّمه الله،
ويقبل على ما أمر الله بالإعراض عنه من اللغو واللهو المحرم، ويعرض عما أمر الله بالإقبال عليه من ذكره وشكره وحسن عبادته،
ومن حسن استماع آياته، والتفكر في مخلوقاته.
سؤال الدّرس:
ما أصل بلاء النّاس ؟
:
الإجابة هنا بنفس الصفحة
☆
بفضلِ الله وحوله وقوته باقي اسبوع وننهي المُسابقة
سُبحان الله قريباً بدأنا الوقت يمرّ سريعا
يللا بانتظــــار مُشاركتكم يا بهيّات الدّار
تسجيل حضور لي عوده للاجابه
أصل بلاء الناس هو الشرك بالله
لكن ..ما شاء الله الأخوات دائما في همة و نشاط الله يديم عليهن النعمة .
بما أن الدرس دسم هذه المرة بعد اذن الأستاذة علو الهمة أحضرت لكن معي القهوة
هذه القهوة لزوم التركيز
لو سمحتن كل واحدة تاخذ فنجانها و تجلس في مكانها ليس الآن وقت الدردشة
الآن تركيز في الدرس و حل السؤال…
لي عودة بعد التركيز ان شاء الله
أحبكن
الجواب هو
أن أصل بلاء الناس إنما هو في الشرك بالله جل وعلا في هذه الأمور الثلاثة (الربوبية، والملك، والألوهية)، وضعف التعبد لله تعالى بها.
وكل شرك فيها فإنما حصل بوسوسة الشيطان، وهذا هو حظ الشيطان من الناس.
جواب سريع أبلى مشغولة لكن قرأت الدرس بتمعن وتركيز شديد حتى أفهم المعاني الرائعة
جوابي مختصر ومن الدرس
فهمت جيدا الشرك الاصغر والشرك الاكبر ويقع فيها الشرك الخفي والشرك الجلي
* الشرك الاكبر الشرك بالربوبية
* شرك الملك
* الشرك في عبادة الله جلا وعلا
– – الشرك الاصغر
* الغفلة عن نسبة النعم لله عز وجل والغفلة عن شهود إنعامه بها
* تعلق القلب بغير الله عز وجل
* تعظيم بعض الخلق بشهود الظاهر من تصرفه
والله اعلم اتمنى يكون فهمي صحيح
وجزاك ربي عن كل حرف كتبته اجرا عظيما
ما أصل بلاء النّاس ؟
أصل بلاء الناس إنما هو في الشرك بالله جل وعلا في هذه الأمور الثلاثة (الربوبية، والملك، والألوهية) وضعف التعبد لله تعالى بها.
وكل شرك فيها فإنما حصل بوسوسة الشيطان وهذا هو حظ الشيطان من الناس.
وهذه الأمور الثلاثة يقع فيها الشرك الأكبر والشرك الأصغر ويقع فيها الشرك الجلي والشرك الخفي.
و كل شرك في أي نوع من هذه الأنواع له آثاره السيئة على العبد من تسلط الشياطين و من عقوبات الذنوب و المعاصي …
نسأل الله أن نكون من الموحدين المخلصين
و نعوذ بالله من الشرك .
ما أصل بلاء النّاس ؟
اصل البلاء هو وسوسة الشيطان و الشرك بالله من حيث الوهيته وملكه وعبوديته وحده لا شريك له
سؤال الدّرس:
ما أصل بلاء النّاس ؟
هو الشرك بالله عزوجل فى ( الربوبية , الألوهيه , الملك ) , فقد يكون الشرك أكبر أو أضغر
وهناك الشرك الخفى والشرك الجلى .
نسأل الله الاخلاص
س : ما أصل بلاء النّاس ؟
جــ :
أن أصل بلاء الناس إنما هو في الشرك بالله جل وعلا , وضعف التعبد لله تعالى بها.