.هكذا في الصباح وفي المساء …وفي جوف الليل لاتفتر ولاتمل..!. كنت أحرص على قراءة المجلات الفنيه والكتب ذات الطابع القصصي ..أشاهد الفيديو بكثرة لدرجة أنني عرفت به ..ومن أكثر من شيء عرف به…
لاأؤدي واجباتي كامله ولست منضبطه في صلواتي..
بعد أن أغلقت جهاز الفيديو وقد شاهدت أفلاما متنوعه لمدة ثلاث ساعات متواصله ….هاهو الآذان يرتفع من المسجد المجاور.. عدت إلى فراشي..
تناديني من مصلاها ..نعم ماذا تريدين يانورة؟
قالت لي بنبرة حاده:لاتنامي قبل أن تصلي الفجر.. أوه..بقى ساعه على صلاة الفجر وماسمعتيه كان الآذان الأول.. بنبرتها الحنونه-هكذا هي حتى قبل أن يصيبها المرض الخبيث وتسقط طريحة الفراش..نادتني ..تعالي ياهناء بجانبي.. لاأستطيع إطلاقا رد طلبها. .تشعر بصفائها وصدقها.. لاشك طائعا ستلبي .. ماذا تريدين..
اجلسي هاقد جلست ماذا لديك.؟؟
. بصوت عذب رخيم(كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامه)) سكتت برهة…ثم سألتني.. ألم تؤمني بالموت؟ بلى مؤمنه.. ألم تؤمني بأنك ستحاسبين على كل صغيرة وكبيرة.. بلى…ولكن الله غفور رحيم…والعمر طويل.. ياأختي… ألاتخافين من الموت وبغتته.. انظري هند أصغر منك وتوفيت في حادث سيارة…وفلانه …وفلانه.. الموت لايعرف العمر …وليس مقياسا له.. أجبتها بصوت الخائف حيث مصلاها المظلم..
إنني أخاف من الظلام وأخفتني من الموت.
.كيف أنام الآن كنت أظن أنك وافقت للسفر معنا هذه الإجازه..؟؟
فجأة تحشرج صوتها وأهتز قلبي..
لعلي هذه السنه أسافر سفرا بعيدا …
إلى مكان آخر..
.ربماياهناء…الأعمار بيد الله…وأنفجرت بالبكاء
.. تفكرت بمرضها الخبيث وأن الأطباء أخبروا أبي سراأن المرض لن يهملها طويلا.
.ولكن من أخبرها بذلك.!!
.أم أنها تتوقع هذا الشيء…!!
مالك تفكرين؟
جاءني صوتها القوي هذه المرة..؟
هل تعتقدين أني أقول هذا لأنني مريضة؟ كلا ربما أكون أطول عمرا من الأصحاء…
وأنت إلى متى ستعيشين..ربما عشرون سنة..ربما أربعون..ثم ..ماذا..لمعت يدها في الظلام وهزتها بقوة.. لافرق بيننا كلنا سنرحل وسنغادر هذه الدنيا أما إلى جنة أو إلى نار…ألم تسمعي قوله تعالى((فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز)) تصبحين على خير…
هرولت مسرعة وصوتها يطرق أذني..هداك الله…لاتنسي الصلاة.. الثامنه صباحا.. أسمع طرقا على الباب..هذا ليس موعد اسيقاظي.. بكاء…وأصوات..ماذا جرى.
. لقد تردت حالة نورة..وذهب بها أبي إلى المستشفى..إنا لله وأنا إليه راجعون…
لاسفر هذه السنه..مكتوب علي البقاء هذه السنه في بيتنا..بعد أنتظار طويل..!!
عند الساعه الواحده ظهرا ….هاتفنا أبي من المستشفى..تستطيعون زيارتها الآن هيا بسرعه..
أخبرتني أمي أن حديث أبي غير مطمئن وأن صوته متغير.. عباءتي في يدي..
أين السائق..ركبنا على عجل …
.أين الطريق الذي كنت أذهب لأتمشى مع السائق فيه يبدوا قصيرا ..ماله اليوم طويل..وطويل جدا..
أين ذلك الزحام المحبب إلى نفسي كي ألتفت يمنة ويسرة.
.زحام أصبح قاتلا ومملا.. أمي بجواري تدعوا لها..أنها بنت صالحة ومطيعة. .لم أرها تضيع وقتها أبدا.. دلفنا من الباب الخارجي للمستشفى.. هذا مريض يتأوه..وهذا مصاب بحادث سيارة..وثالث عيناه غائرتان ….
لاتدري هو من أهل الدنيا أم الآخرة..
منظر عجيب لم أره من قبل.. صعدنا درجات السلم بسرعة.. إنها في غرفة العناية المركزة..وسآخذكم إليها..ثم واصلت الممرضه أنها بنت طيبة وطمأنت أمي أنها في تحسن بعد الغيبوبه التي حصلت لها..
ممنوع الدخول لأكثر من شخص واحد..
هذه هي غرفة العناية المركزه…
وسط الزحام الأطباء وعبر النافذة الصغيرة التي في باب الغرفة أرى عيني أختي نورة تنظر إلى أمي
التي لم تستطع أخفاء دموعها..
سمحوا لي بالدخول والسلام عليها بشرط أن لاأحدث معها كثيرا. .دقيقتين كافية لك..
كيف حالك يانورة..لقد كنت بخير مساء البارحة..
ماذا جرى لك.. أجابتني بعد أن ضغطت على يدي:وأنا الآن ولله الحمد بخير….
الحمدلله ولمن يدك باردة..كنت جالسه على حافة السرير ولامست ساقها..أبعدته عني..
آسفه إذا ضايقتك..
كلا ولكني تفكرت في قول الله تعالى((والتفت الساق بالساق إلى ربك يومئذ المساق))عليك ياهناء بالدعاء لي ربما استقبل عن قريب أول أيام الآخرة..
سفري بعيد وزادي قليل…
سقطت دمعة من عيني بعد أن سمعت ماقالت وبكيت.
.لم أع أين أنا..
استمرت عيناي في البكاء والانطواء في غرفتي..
مع غروب شمس ذلك اليوم الحزين… ساد صمت طويل في بيتنا.
. دخلت علي ابنة خالتي.
.ابنة عمتي..
احداث سريعه.
. كثر القادمون ….
اختلطت الاصوات
..شيء واحد عرفته..نورة ماتت..
لم أعد أميز من جاء..ولا أعرف ماذا قالو.. ياالله…أين أنا وماذا جرى..عجزت حتى عن البكاء..
فيما بعد أخبروني أن أبي أخذ بيدي لوداع أختي الوداع الأخير..
وأني قبلتها..لم أعد أتذكر إلا شيئا واحدا..حين نظرت إليها مسجاه…
على فراش الموت..تذكرت قولها..((والتفت الساق بالساق))عرفت حقيقة أن ((إلى ربك يومئذ المساق)) لم أعرف أنني عدت إلى مصلاها إلا تلك الليلة…
وحينها تذكرت من قاسمتني رحم أمي فنحن تؤامين..
.تذكرت من شاركتني همومي..
.تذكرت من نفست عني كربتي..
.من دعت لي بالهداية..
.من ذرفت دموعها ليالي طويلة وهي تحدثني عن الموت…والحساب ..والله المستعان..
هذه أول ليلة لها في قبرها…اللهم ارحمها ونور لها قبرها..هذاهو مصحفها…وهذه سجادتها.
.وهذا..وهذا..
بل هذا هوالفستان الوردي الذي قالت ليسأخبئه لزواجي…
تذكرتها وبكيت على أيامي الضائعه..بكيت بكاء متواصلا..
ودعوت الله أن يرحمني ويتوب علي ويعفو عني .
.دعوت الله أن يثبتها في قبرها كما كانت تحب أن تدعو..
فجأة سألت نفسي ماذا لو كانت الميتة أنا؟مامصيري..؟
لم أبحث عن الأجابة من الخوف الذي أصابني..بكيت بحرقة..
الله أكبر…الله أكبر…
هاهو أذان الفجر قد أرتفع..ولكن ماأعذبه هذه المرة.. أحسست بطمأنينه وراحة وأنا أردد مايقوله المؤذن.
.لفلفت ردائي وقمت واقفه اصلي الفجر.
.صليت صلاة مودع …
.كما صلتها أختي من قبل وكانت آخر صلاة لها..
إذا أصبحت لاأنتظر المساء.. وإذا أمسيت لاأنتظر الصباح…
وصلني على الايميل …