تخطى إلى المحتوى

الساهرون في طاعة الله 2024.

الساهرون في طاعة الله

البداية انا قرأت هذا لكتاب وأعجبني ورأيت يتحدث عن الكثير من والفراغ الذي يحدث في الروتين اليومي لنا فحبيت أنظم وقتي واتمنى غيري نفس الشيء اي نضع جزء من وقتنا في حفظ القرآن وجزء آخر من التدبر ومعرفة معانيها وهكذا الى مدى الحياة
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
فإن بلوغ شهر رمضان نعمة عظيمة ،يدل على ذلك حديث الثلاثة الذين استشهد منهم اثنان ، ومات الثالث بعدهما على فراشه ، فرؤى في المنام سابقاً لهما فقالالنبي صلى الله عليه وسلم(أليس صلى بعدهما كذا وكذا وأدرك رمضان فصامه ، فوالدي نفسي نفسي بيده ، إنبينهما لأبعد ما بين السماء والأرض )منة من الله عز وجل عظيمة أن يبلغك هذا الشهر الكريم ، فكم هم الذين كانوا يؤملون الصوم ولكن حال بينهم وبين ذلك الموت .
فطول العمر ، والبقاء على قيد الحياة فرصة للتزود من الطاعات ، والتقرب إلى الله _ عز وجل _بالعمل الصالح ، فرأس مال المسلم عمره، وقد وقال صلى الله عليه وسلم لما سأل أي الناس خير قال :(( من طال عمره وحسن عمله )) وسئل أي الناس شر ؟ قال ((من عمره وساءعمله )).إن من الآفات التي ابتلي بها كثير من المسلمين في هذا الشهر المبارك كثرة السهر ، وتزداد مصيبة السهر إذا كان على مالا ينفع وفي العشر الأواخر من رمضان التي كان صلى الله عليه وسلم يجتهد فيها مالا يجتهد في غيرها بل يوقظ زوجاته ليشاركنه اغتنام الخير والذكر والعبادة وليلة القدر التي هي خير من ألف شهر في فضلها وبركتها وكثرة الثواب والأجر والمغفرة لما تقدم من الذنوب لمن قامها إيماناً واحتسابا كما أخبر بذلك صلى الله عليه وسلم ، ووقت المسلم ثمين في رمضان وفي غيره ، وتزداد قيمته في رمضان بسبب الفضل العظيم الذي خصهالله به فقدقال صلى اله عليه وسلم(( إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنه غلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين ))
وقال صلى الله عليه وسلم ((كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالهاإلى سبعمائه ضعف ، يقول الله عز وجل ،إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزيبه ترك شهوته وطعامه من أجلي ))
وقال صلى الله عليه وسلم (( للصائم فرحتان ، فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه )). وقال صلى الله عليه وسلم (( الصلوات الخمس ، والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان ، مكفرات لما بينهن ، إذا اجتنبت الكبائر )) وقال صلى الله عليه وسلم (( من صام رمضان إيماناواحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)) .وقال صلى الله عليه وسلمفيحديث آخر :(( العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما )).وقال صلى اللهعليه وسلم (( العمرة في رمضان تعدل حجة معي ))ويتأكد على المسلم أن يكون أشد محافظة على وقته من الضياع ، لاسيما في هذه الليالي والأيام المباركة ، وقد صح عنه_ عليه الصلاة والسلام _أنه قالL(نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس :الصحة والفراغ ))وكثير من الناس صحيح معافى فارغ وعمره يمر أمامه لا يستفيد منه ولا يستثمره.
وقد صح عنه_ عليه الصلاة والسلام _ أنه قال :((لا تزول قدما عبد يوم القيامة، حتى يسأل عن أربع )) وذكر منها : ((عن عمره فيما أفناه،وشبابه فيما أبلاه )) . وقال أحد الصالحين : العمر قصير فلا تقصره بالغفلة .وهذا حق والله ، فإن الغفلة تقصر الساعات ، وتستهلك الليالي وإن من العبارات التي أصبحت مألوفةًً ً عند مضيعي الأوقات ، إذا سألت
أحدهم عما يحمله على هذه الجلسة الفارغة المملة ، وقد تكون آثمة ً فاجرة ً، فيجيب قائلا ً: ( أقتل الوقت وأضيعه ).. وما درى هذا المسكين ، أن من يقتل وقته إنما يضر نفسه لأن الوقت هو الحياة .
وهذا الفراغ نعمة عظيمة وقد أمر صلى الله عليه وسلم باغتنامه فقال : ((اغتنم خمسا قبل خمس) وعد منها ((وفراغك قبل شغلك )). والفراغ لايبقى فراغا أبدا ، فلا بد له أن يملأ بخير أو شر ،ومن لم يشغل نفسه بالحق شغلته نفسه بالباطل ، ولهذا قال بعض الحكماء: ليست الساعة الذهبية التي تحملها في يدك ، بل هي الساعة التي تعمل فيها شيئا مفيدا لقد كان السلف الصالح إذا صاموا ، جلسوا في المساجد ، وقالوا : نحفظ صيامنا ولا نغتاب أحداً . وكان بعضهم إذا دخل رمضان ترك قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم ، وأقبل على تلاوة القرآن من المصحف . فينبغي للمسلم أن يشتغل بذكر الله وتلاوة القرآن الذي من قرأ حرفاً منه فله عشر حسنات كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكذلك الأكثار من النوافل .
السهر في رمضان على نوعين :
نوع:يكون تتمة للصيام وذلك بقيام ليله ابتغاء مرضاة الله وترقباً لموافقة ليلة القدر ، التي هي خير من ألف شهر ، هذا هو السهر المطلوب ، والذي نرجو أن ينتفع به الصائم يوم لا ينفع مال ولا بنون ، إلا من أتى الله بقلب سليم ، ولا بأس أن يقضي المسلم جزءاً من الليل في أول الشهر في زيارة الأقارب وصلة الأرحام على أن يكون اجتماعهم سليما ً مما يخدش الصيام وأن يكون تسامرهم أيضاً سليماً مما يخدش الصيام وأن يكون تسامرهم أيضاً فيما يرضي الله عز وجل .
النوع الثاني:قضاء الليل أو أكثره في اللهو ، أو في النظر إلى ما حرم الله من متابعة القنوات التي تبث السموم ، وتتنافس وخصوصاً في هذا الشهر في توزيع أنواع الفساد ،من أغان وفجورٍ ولهو غير برئ مما يحصل به الإثم وينقص به الأجر،أو قضاء الليل في القيل والقال ولعب الورق واغتياب الناس والنيل من أعراضهم بالباطل وتقليب النظر في مواقع الخطر في الإنترنت فيفوت هؤلاء على أنفسهم أمرين :
الأول ::: أنهم لا يشاركون المصلين في الصلوات ولا يشاركون القراء في قرأتهم .
الثاني:::: أنهم لا يشاركون أهل الأرباح الدنيوية في أرباحهم ، فيفوت عليهم هذا وذاك وربما أدى بهم سهرهم هذا إلى النوم عن صلاة الفجر.
وإن من السهل على الإنسان أن يترك الطعام والشراب ولكن لا يسهل عليه ترك ما عتاده من القوال والفعال الرديئة ، ولهذا قال بعض السلف :أهون الصيام ترك الطعام ،بل قال صلى الله عليه وسلم(من لم يدعقول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه )،فالصيام الشرعي صيام الجوارح ، وأما الصيام عن الطعام والشراب ، ففي مقدور كل واحد وأمر سهل ، فالتقرب إلى الله تعالى لأيتم بترك هذه الشهوات المباحة في غير حالة الصيام إلا بعد التقرب إليه بترك ما حرم الله عليه في كل حال من الكذب والظلم والعدوان على الناس في دمائهم و؟أموالهم وأعراضهم ، فالله تعالى إنما أوجب الصيام لترك المحرمات والقيام بالواجبات ولهذا قال صلى الله عليه وسلم (فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه).
رمضان رب فم تمنع
عن شراب أو طعام
ظن الصيام عن الغذاء
هو الحقيقة في الصيام
وهوى على الأعراض
ينهشها ويقطع كالحمام
يا ليته إذ صام صام
عن النمائم والحرام
إنه لمن الحرمان العظيم والخسارة الفادحة أن ترى كثيرا ً من المسلمين يمضون هذه الأوقات الثمينة فيما لا ينفعهم يسهرون معظم الليل في اللهو والباطل ن فإذا جاء وقت صلاة القيام ناموا عنها وفوتوا على أنفسهم خيارا ًكثيرا ً لعلهم لا يدركونه بعد عامهم هذا أبداً ، وهذا من تلاعب الشيطان ومكره بهم وصده إياهم عن سبيل الله وقد ثبت في الحديث الصحيح أن الله ينزل إلى السماء الدنيا وذلك في كل ليلة في الثلث الأخير من الليل نزولاً يليق بجلاله فيقول : ((هل من تائب فأتوب عليه؟ وهل من مستغفر فأغر له ؟ وهل من سائل فأعطيه؟هل من دعاء فأستجيب له ظ)).
فكيف يقابل هذا الكرم الإلهي بالسهر والضحك والتسوق وتضييع الأوقات بالأمور التافهة ، هذا إذا كان على أمر مباح فما بالك إذا كان السهر على الأمور المحرمة من التبرج في الأسواق ومشاهدة الملهيات المحرمة والنيل من أعراض الناس وهذا النوع يجب الامتناع عنه والحرص على الآهل والذرية من الوقوع فيه ومجاهدة النفس على تركه طاعة لله وتعظيماً لحرمة هذا الشهر المبارك.
لقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم كراهية الحديث بعد صلاة العشاء ، وقد بين أهل العلم رحمهم الله تعالى ، سبب تلك الكراهية للحديث بعد العشاء فقالوا: لأنه يؤدي إلى السهر ويخاف من غلبة النوم عن قيام الليل ، وأنه إن استيقظ لم ينشط للقيام ،وأنه يؤدي للنوم عن أداء صلاة الصبح في وقتها . قال بعض أهل العلم : إنما نهى عن السمر بعد العشاء الآخرة لأن مصل العشاء قد كفرت عنه ذنوبه لصلاته، فنهى أن يسمر في الحديث مع الناس خوفاً أن يكون له في كلامه ما يدنس نفسه بالذنب بعد طهارته لينام بطهارته .
ولهذا قال سفيان بن عيينة _رحمه الله _لاكيتكلمت بشيء بعد العشاء الآخرة :ما ينبغي لي أنام على هذا، فقمت فتوضأت وصليت ركعتين واستغفرت ، وما قلت هذا لأزكي نفسي ، ولكن ليعمل به بعضكم ).
وقد ذكر العلماء أن المكروه من الحديث بعد صلاة العشاء ، هو ما كان في الأمور التي لا مصلحة راجحة فيها ، وأما ما كان مصلحة وخير فلا يكره، كمدارسة العلم ، ومعرفة سير الصالحين وحكاياتهم ومحادثة الضيف ، ومؤانسة الزوجة والأولاد وملاطفتهم ومحادثة المسافرين بحفظ متاعهم وأنفسهم إلى آخر ذلك من الأسباب المباحة. إن الليل الرمضاني في عصر السلف كان أوله يقضى في صلاة التهجد وقراءة القرآن والدعاء والذكر وكانوا يقضون أوقاتهم في طاعة الله ، وينامون جزءاً من الليل ليتقووا على فعل الخيرات والمنافسة في الطاعات. فهذا أحدهم يصلي أكثر الليل فقال له بعض أصحابه : لو ارتحت قليلاً ،قال :الراحة أأريد، يعني في الآخرة، وقيل :لبعض المجتهدين في طاعات: لم تعذب هذا الجسد ؟ قال : كرامته أريد ،وكان أحدهم يقول: أهل الليل في ليلهم ، ألذ من أهل اللهو في لهوهم ولولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا . وكانت امرأة مسروق بن عبد الرحمن _ رحمهما الله تعالى _تقول : والله ما كان مسروق يصبح من ليلة من الليالي إلا وساقاه منتفختان من طول القيام ، وكنت أجلس خلفه فأبكي رحمة له ، وكان رحمه الله إذا طال عليه الليل وتعب صلى جالسا ولا يترك الصلاة ، وكان إذا فرغ من صلاته يزحف ،كما يزحف الصغير من الضعف ويروى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يضرب الناس بالدرة بعد العشاء ويقول :أسمر أول الليل ونوم آخرة.
وصاحب رجل رجلا شهرين فقال له : مالك لا تنام ؟ فقال : إن عجائب القرآن أطرن نومي ، ما أخرج من أعجوبة إلا يسيرا فعوتبت في ذلك ، فقالت : كفى بطول الرقدة، في القبور رقادا. وكان لأحد السلف جارية فباعها لأناس آخرين ، فأيقضتهم في الليل فقالوا : لا نقوم إلا إلى صلاة الفجر ، فجاءت إلى سيدها الأول تبكي وتقول : ردني لقد بعتني لأناس لا يصلون إلا الفريضة فردها .
وكانت بعض نساء السلف الصالح تقول لزوجها بالليل قد ذهب الليل وبين أيدينا طريق بعيد وزادنا قليل وقوافل الصالحين قد سارت أمامنا ونحن قد بقينا .
وكان الحسن بن صالح وأخوه وأمهما قد جزؤا الليل ثلاثة أجزاء ، فكل واحد يقوم ثلثاً، فماتت أمهما، فاقتسما الليل ، ثم مات علي ، فقام الحسن الليل كله .

إذا ما الليل أظلم كابدوه
فيسفر عنهم وهم ركوع
أطار الخوف نومهم فقاموا
وأهل المن في الدنيا هجوع
لهم تحت الظلام وهم سجود
أنين منه تنفرج الضلوع
فانظر إلى هذه المفارقة العجيبة والمباينة الغريبة بينهم وبيننا،سهروا وسهرنا فربحوا وخسرنا ، وقووا وضعفنا ، وعزوا وذللنا سهروا طاعةً لله ، وسهرنا على معصية الله ، سهروا يراوحون بين جباههم وأقدامهم ركعا وسجدا وقياما ، وسهرنا نراوح بين أصابعنا وأعيينا على أجهزة الريموت نطارد القنوات ، ونلتقط التفاهات ، ونبحث عن أرذل المحطات ، أولئك كادت تعمى أبصارهم بكاء من خشية الله ، ونحن كادت تعمى أبصارنا من الشاشات والقنوات .
هكذا كان الليل في عصر السلف في رمضان وفي غيره تهجد وقراءة للقرآن ودعاء وذكر أما في عصرنا فقد أصبح الليل الرمضاني في برنامج الغافلين مدينة ألعاب يتنقلون فيها من لعبة إلى لعبة وأما النهار الذي هو لكسب الرزق ، والسعي في الأرض لإعمارها كما أراد خالقها وخالقنا ، أصبح غطيطا يذهب بالقلوب حتى عن واجباتهاالعبادية والاجتماعية.
فمن الناس من ينام نهار رمضان ظنا منه أن يقطع مشقة الصومخصوصا في أيام الحر لاتتم إلا بالنوم فلا يشعر بلذة الصيام أبدا ولا يشعر بالحكمة من مشروعيتة ،وإن من الحكم أن يشعر الغني بالجوع ليتذكر أخاه الفقير ، ويتذكر نعمة الله عليه بالطعام والشراب التي يتمتع بها طيلة أيام العام ثم تحجب عنه هذه النعمة في هذه الأيام فقط .
ومن الحكم امتحان إرادة الصائم حيث يمنع من شهوته استجابة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ويطلع عليه أحد إلا الله فهو يراقبه، فمن نام غالب النهار وسهر الليل فاتته هذه الحكم وغيرها .
وبعض الذين يجعلون رمضان فرصة للإكثار من النوم يحتجون بأحاديث ضعيفة مثل حديث : ((نوم الصائم عبادة )) .
وعلى فرض صحته فإنه لا يدل على مرادهم فإن الذي ينبغي للصائم أن يغتنم رمضان للاستزادة من العمل الصالح بمهمة ونشاط ، كما قال معاذبن جبل رضي الله عنه : إني لأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي
فلم يكتف معاذ رضي الله عنه أنه يستثمر تحركه وقيامه في الخير فحسب بل إنه ليحرص على استثمار نومته في سبيل الله.
لأنه إنما نام ليريح جسمه ويقوي بدنه على طاعة ربه والسير في دربه فلولا الراحة والنوم لما استطاع أن يقوم، فإذا قام الليل فهو محتسب وإذا نام فهو محتسب .
وبعض الناس للأسف ،يؤخر القيام بتلبية احتياجاته المنزلية والقيام بأعماله المختلفة إلى الليل بحجة أن الإنسان حينما يكون مفطرا فإنه يكون نشيطا وذا صدر متسع ، وهذا خطأ ، فإن الصائم يحس بنشاط وخفة في الجسم ، وصفاء في الذهن لا تتوفر للمفطر ، ولو أنه أدى التزاماته أثناء النهار لما اضطر لتأديتها في الليل وإذا ذهبنا لنتحدث عن مجتمع النساء ، نجد أن بعضهن لها هموم ودوافع أخرى للسهر فهذه تذكر أن سبب سهرها انتظار عودة زوجها من سهرته مع أصحابه ، والأخرى تقول ::كيف أنام وأبنائي لا يعودون إلا بعد الفجر ، ووالدهم لا يبالي بي ولا بهم .
والأخرى ترى أن الليل هو الفرصة الوحيدة للتسوق لأنها لا تجد وقتا في النهار تتسوق فيه بحجة انشغالها بتجهيز وجبة الإفطار . والأخرى تذكر أن استضافة زوجها لأصدقائه في المنزل هو سبب سهرها لأنها تقوم على متابعة ما يحتاجونه من مأكل ومشرب وغير ذلك .
إن مسالة السهر في رمضان وفي غير رمضان حقيقة بأن يتطرق إليها لأهميتها ، لنه يترتب عليه إثم ، إذا كان على شيء محرم ، ولأنه قد ينشأ بسببه تضييع للفرائض ،أو تأخير لها عن وقتها،أو أدائها جماعة ،ولكن بدون خشوع بسبب التعب الشديد ، الذي يجعل الشخص يصارع النعاس ولا يفقه من صلاته شيئا.
إذا كان سهر الإنسان على تلاوة القرآن أو قيام الليل لا يجوز إذا كان يسبب له النوم عن صلاة الفجر فكيف إذا كان على أمر محرم لاشك أنه لا يجوز أيضا.
إن من يسهر الليل ثم ينام ويفوت الصلاة يخشى عليه أن اعتاد هذا الفعل المحرم أن يكون ممن ترك الصلاة تهاونا ، والنبي صلى الله عليه وسلم قاللاكيالعهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ).
بل إن بعض أأهل العلم يرى أن الذي يؤخر صلاة الفجر عن وقتها وهو قادر على أن يصليها في الوقت أن صلاته هذه لا تقبل منه لقوله صلى الله عليه وسلم (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد )
والذي يؤخر الصلاة عن وقتها عمدا بلا عذر قد عمل عملا ليس عليهأمر الرسول صلى الله عليه وسلم : فيكون عمله مردودا عليه . وقد يقول قائل : أنام ، وقد قال صلى الله عليه وسلم من نام عن صلاة أو نسيها فليصليها إذا ذكر ها لا كفارة لها إلا ذلك ) .
فنقول له : إذا كان بإمكانه أن ينام مبكرا ليستيقظ مبكرا ، أو يجعل عنده ساعة تنبهه أو يوصي من ينبهه من الأهل أو الجيران أو الأصدقاء فإن تأخير للصلاة وعدم قيامه لها يعتبر تعمدا لتأخير الصلاة عن وقتها بدون عذر فإن هذا كفر بالله عز وجل لأنه مخالف للكتاب والسنة وإجماع المسلمين قال الله تعالى :[فويل للمصلين الذين هم عنصلاتهم ساهون ] وقد قيل في معناها : هم الذين يؤخرون الصلاة حتى يخرج وقتها .
وأما من يؤخر الصلاة عن وقتها وهو يرى أنه عاص لله بهذا التأخير لكن يغلبه النوم وتغلبه نفسه فعليه التوبة إلى الله والإقلاع عن تأخير الصلاة وباب التوبة مفتوح نسال الله عز وجل أن يتوب علينا أجمعين.
وأما من غلبه النوم ونام عن صلاة الفجر مع أخذه الأسباب منالتبكير بالنوم ووضع ساعة منبه ووصيته لمن ينبه للصلاة فإنه لاشيء عليه ،وعليه أن يبادر بالصلاة متى استيقظ من نومه .

وأما من يعتمد ضبط الساعة إلى ما بعد طلوع الشمس حتى لا يصلي فريضة الفجر في وقتها ،فقد أفتى سماحة الشيخ ابن باز _رحمه الله _ أنه قد تعمد تركها وهو كافر بهذا عند جمع من أهل العلم _نسأل الله العافية _لتعمده ترك الصلاة ، وهكذا إذا تعمد تأخير صلاة الفجر إلى قرب الظهر ثم صلاها عند الظهر .
وبعض الناس في رمضان يصلي الفجر في جماعة ثم ينام ولا يستيقظ إلا قبيل صلاة العصر أو بعدها ، فيكون قد فوت على نفسه خيرا كثيرا ، ولئن كنا نستبشر بكثرة المصلين في صلاة الفجر في هذا الشهر ، لأنهم ينتهون من تناول السحور قريبا من أذان الفجر ولا يستقبلون الذهاب إلى المسجد ، أو لأنهم يسهرون لامن أجل القيام والتهجد أو انتظار صلاة الفجر ، وإنما لأجل السهر بغض النظر عما يفعلونه في هذا السهر الرمضاني .
إلا أننا نفتقد كثيرا منهم في صلاة الظهر ، وقل مثل ذلك في التأخر عن صلاة الجمعة وقد قال صلى الله عليه وسلم)من اغتسل يوم الجمعةغسل الجنابة ثم راح في الساعة الأولى ، فكأنما قرب بدنة (يعني ذبح بدنة ووزعها على الفقراء ) ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح الثالثة فكأنما كبشا أقرن (وخص الكبش بالأقرن ؛ لأنه أقوى وأكبر حجما ) ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة ، فإذا حضر الإمام طويت الصحف ) ولم يكتب لمن حضر متأخرا إلا أجرا الصلاة العادية وأجر الخطا من بيته إلى المسجد .

فيومالجمعة في الأسبوع كما هو معلوم كالعيد في العام ولما كان العيد مشتملا على صلاة وذبح قربان وكان يوم الجمعة يوم صلاة جعل الله سبحانه التبكير فيه إلى المسجد بدلا من القربان وقائما مقامه ، فيجتمع للرائح فيه إلى المسجد الصلاة والقربان .

فانظر إلى الفرق العظيم بين أجر من يبكر إلى الجمعة فيأتي في الساعة الأولى _ نسأل الله العظيم من فضله _ وأجر من يتأخر فلا يأتي إلا في الساعة الأخيرة إنه الفرق بين من يهدي البعير وبين من يهدي البيضة.
وبعض الناس تفوته صلاة الجمعة بسبب السهر وقد قال صلى الله عليه وسلم (لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ، ثم ليكونن من الغافلين)
ومما يفوت على من يطيل السهر إلى الفجر بركة اليوم والتي تبدأ من ساعات الصباح الباكر كما أخبر بذلك عليه الصلاة والسلام فقال لاكياللهم بارك لأمتي في بكورها ) .وقد أخذ بعض أهل العلم من هذاالحديث أن أفضل وقت أبركه لعمل الصالحات أول النهار، كمن لديه ورد من ذكرٍ ،أو حزب من القرآن ، وحفظ شيء من العلم ، أو التأليف أو طلب الرزق ، أو السفر ، أو الفلاحة ، ووجوه الكسب …. فمن أراد أحرز تقدم في علم أو عمل أو كسب أو تجارة أو صناعة أو تأليف فالصباح ، لأن الفكر مستجمع والخاطر مرتاح والنفس نشيطة والجسم مهيأ وساعة بعد الفجر أفضل وأبرك وأسعد من ساعات في غيره ، ولو لم يحصل للعامل إلا بركة دعاه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله : ( اللهم بارك لأمتي في بكورها ) لكفى بها خيرا وفضلا وبركة .
وكذلك مما يفوته ما ورد في فضل الجلوس لذكر الله بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس والنبي صلى الله عليهوسلم (كان إذا صلى الفجر جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس ) .
وقد قال صلى الله عليه وسلم(من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة )
هذا الفضل في غير رمضان فكيف قي رمضان ولو أن الإنسان نامبعضا من الوقت في ليل رمضان لكسب الكثير من الأوقات ولأحيا هذه السنة المباركة وحصل على أجر حجة وعمرة تامة تامة ، نسأل الله من فضله .
وأيضا يفوت على من يطيل السهر ،أداء سنة الضحى فقد روى مسلم في صحيحه من حديث أبي ذر رضي الله قال رسول الله صلى اللهعليه وسلم ((يصبح على كل سلامي (يعني كل مفصل ) من أحدكم صدقه ، فكل تسبيحية صدقة ، وكل تحميدة صدقة ، وكل تهليلة صدقة ، وكل تكبيرة ، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر صدقة ويجزئ من ذلك ( يعني بدلا عن ذلك ) ركعتان يركعهما من الضحى ))
هذه عظيمة فبدلا من أن تطالب في كل يوم بصدقة عن كل مفصل من مفاصلك أحياه الله وأمده بالعافية يكفيك أن تصلي ركعتين من الضحى .
ولا يخفى أن وقت صلاة الضحى يبدأ من ارتفاع الشمس قدر رمح ، يعني بعد حوالي ربع إلى ثلث ساعة ويمتد وقتها إلى قبيل الزوال بعشر دقائق ، والأفضل أن يصليها المسلم إذا أشتد الحر لقوله صلىالله عليه وسلملاكي صلاة الأوابين ترمض الفصال )أي تبرك صغار النوق من شدة الحر لاحتراق أخفافها ، ومع هذا لو نظرت إلى الناس في هذين الوقتين يعني من طلوع الشمس وارتفاعها قدر رمح إلى قبيل الزوال لوجدتهم إما في نوم عن صلاة الضحى بسبب السهرالطويل أو أنهم في غفلة عنها _ ولا حول ولا قوة إلا بالله _
وأحب أن أنبه على أن كثيرا من الناس يفرقون بين صلاة الضحى وصلاة الإشراق ويضنون أنهما صلاتان مختلفتان بينما هما شيء واحد ولعل سبب اشتهارها بصلاة الإشراق لقربها من شروق الشمس .

ومن أثار السهر :
عدم قيام بعض الموضفين بأعمالهم كما يجب بحجة الصيام والسهر ، فتجد بعض الموضفين يتأخر عن الحضور إلى عمله إذا حضر رأيته يصارع النعاس ، إن لم ينم في مكان عمله وإذا في مكان عمله ، لا بل إن بعضهم يكثر غيابه ويتضايق إذا حسم جزء من مرتب ثم يصف مديره بأنه لا يراعي ظروف العاملين ، ولنا أن نسأل هل المرتب الذي يتقاضاه الموظف من أجل أن ينام على مكتبه أو من أجل أن يخدم المراجعين ويسعى في مصالح المسلمين.لاشك أنه من أجل القيام بما كلف به من أعمال ، فلا يجوز لهأن ينام في وقت دوامه ، وإن كثيرا من الموظفين بحمد الله ، علىدرجة من الشعور بالمسؤولية والإحساس بالواجب ، وحسنمعاملة المسلمين في كل وقت وفي شهر رمضان خاص ة ولكن هذا لا يمنع من التنبيه على خطأ طائفة قليلة والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم .

ومن أثار السهر :
كثرة غياب الطلاب عن المدرسة فالطالب عن المدرسة فالطالب الذي يؤخر النوم إلى ما بعد منتصف الليل ، ويأتي للمدرسة بدون دافع قوي للعلم والتعلم ، وإنما يأتي إليها مجبرا من قبل أهله ، تكون درجة الاستعياب عنده قليلة جدا ، بل لانبالغ إذا قلنا : عنها منعدمة أحيانا ،مما يجعل بعض الطلاب يكمل نومه في الفصل ولا يلتفت إلى الدرس .
وربما أثر ذلك السلوك السيء على أداء المعلم ، عندما يدخل الفصل ويجد جملة من الطلاب قد ناموا فإنه يجد صعوبة بالغة في توصيل المعلومة إليهم حتى بعد إيقاضهم من نومهم لأنهم لم يستعدوا للدرس من الناحية النفسية. لقد ذكر الأطباء أن الذي يعتاد السهر يصبح متعكر المزاج سريع الاستثارة بعض الشيء وقادر على تحمل المهام التي تتطلب الجهد والتركيز بالإضافة إلى القلق وسرعة النسيان والكسل والفتور وسرعة الإجهاد ، وقد لا تصدق إذا قلت لك إن بعض الحالات التي أصيب أصحابها بالجنون كان سببها كثرة السهر .
ويذكر الأطباء أيضا أن السهر من أقوى العوامل المؤثرة على الجهاز المناعي والجهاز العصبي والمخ ، وانه يؤثر أيضا في نمو الإنسان وتكامل بنيته الجسدية ، فكير من الهرمونات التي يفرزها الجسم لا تفرز إلا أثناء ساعات النوم ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر هرمون النمو ، والذي يسهر يحرم نفسه من هذا الهرمون .
وغالبا ما يظهر على الذين يعتادون السهر سواء كانوا كبارا أو صغارا ضعف في البنية الجسدية والهزال .
فلا بد أن تجعل الشخص لنفسه جزءا من الليل ينام فيه ، لأن نوم الليل ليس كنوم النهار ، وإن ساعة أو ساعتين ينامها المرء في الليل ، ليعوض بدنه كثيرا من الراحة التي لا ينالها في مثلها من نوم النهار ، لاشك أن الناس يتفاوتون في الحاجة علىالنوم ، وفي المقدار الذي يكفيهم منه ولا يمكن تحديد ساعات معينة يفرض على الناس أن يناموا فيها ، ولكن على كل واحد أن يلتزم بوقت كاف حتى يستيقض بعده الصلاة الفجر نشيطا .
من أبتلى بالسهر العقيم ، فعليه أن يحاول جاهدا التخلص من تلك الآفة وذلك بطلب العون من الله تعالى أن يعينه على الخلاص منها .
ومحاولة تعويد النفس على النوم مبكرا وترويضها على ذلك من بداية الشهر ، لأن في ترويضها عليه عند انقضاءه صعوبة قال سليمان التيمي _رحمه الله _: 0إن العين إذا عودتها النوم اعتادت ،وإذا عودتها السهر اعتادت ).
وعلى من أبتلي بكثرة السهر أن يبتعد عن الوسائل الجلبة للسهر ، كالهاتف وأجهزة الإعلام والتجمعات إذا لم يكن ثمة فائدة أو حاجة داعية إليها لن الإنسان كما هو ملاحظ ينشط عند وجود أناس آخرين معه فلا يهون عليه النوم وهم حاضرون عنده يتحدثون ويتسامرون (وقد يلبس الشيطان على كثير من الصالحين أن سهرهم من اجل طاعة الله تعالى فيسهرون لمعالجة قضية من القضايا أو بحث مسألة علمية ، فيمتد بهم الحديث ، من موضوع إلى موضوع ، والحديث كما يقال ذو شجون .. فتذهب الساعاتتلو الساعات وهم منهمكون في حديثهم ولو أنصفوا أنفسهم لعلموا أن هذا الموضوع أو تلك المسالة لا تحتاج كل ذلك الوقت ..وذاك السهر فلماذا نخادع أنفسنا . ونضيع أوقاتنا ،ونهمل أسرنا في أمر لا طائل منه )
أتوب أليك يا رحمان مم
جنت نفسي فقد كثرت ذنوب
وأشكو يا إلهي من معاص
أصابتني وآذتني عيوب
أسأل الله أن ينفع بهذا المقال ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

جزاكي الله خيرا على الموضوع الرائع

جعله الله في ميزان حسناتك

دمتي في حمى المولى

جزاكي الله كل خير و جعله في ميزان حسناتك
جزاك الله خيرا

قال سفيان بن عيينة _رحمه الله _تكلمت بشيء بعد العشاء الآخرة :ما ينبغي لي أنام على هذا، فقمت فتوضأت وصليت ركعتين واستغفرت ، وما قلت هذا لأزكي نفسي ، ولكن ليعمل به بعضكم ).

الله أكبر …..

جزاك الله خير على الموضوع الممتاز ..

في انتظار المزيد من المواضيع المميزة ..

جزاك الله الجنة موضوع جداً رائع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.