بإذن الله نكمل موضوعات أقسام السلة الرمضانية
وهنا الموضوع الرئيسي للإطلاع على روابط بقية الأقسام
السلة الرمضانية ** هلموا ياأحباب فالخير كثير والحمد لله **
هل تغيرت ؟
نجمه قارب الأفول بعد أن كان ساطعاً،
وإن أفول نجمه ليجمع بين الحالين: حال العزاء، وحال الفرح والتهنئة
فلحظات وداعه لا تُنسى، ولوعتها لوعةٌ لا تبلى، وإن حرقة الوداع لتُلهب الأحشاء،
وإن دموعه لتحرق الوجنات بحرارة العبرات، وقد آن لهذا الشهر أن يودع كل مؤمن تذوَّق حلاوة هذا الشهر الكريم.
وغفل فيه عن باب الجنة، ولم يحسن العمل أن يكون ممن شملهم قول المصطفى صلى الله عليه وسلم حين رقى المنبر،
فلما رقى الدرجة الأولى قال : (آمين))، ثم رقى الثانية، فقال: ((آمين))، ثم رقى الثالثة فقال: ((آمين))،
فقالوا: يا رسول الله سمعناك تقول آمين ثلاث مرات، قال: ((لما رقيت الدرجة الأولى جاءني جبريل عليه السلام
فقال: شقي عبد أدرك رمضان فانسلخ منه ولم يغفر له، فقلت: آمين، …
هل تغيرت في هذا الشهر الكريم؟ هل خلعت ثوب الأوزار الذي طالما تقمصت به؟ هل أثرت فيك هذه المحطة الرمضانية؟
والأمر المستغرب أن يكون من الناس من يودِّعه ويودِّع معه الأعمال الصالحة،
ومن كان هذا حاله فإنه لم يتحقق فيه المعنى الأسمى الذي حدده الله للصيام
بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}
(سورة البقرة:183)،
فليس مجرد الانقطاع عن المفطرات هو الغاية،
بل الغاية من الصوم هي تحقيق ثمرة التقوى، والتزكية للعبد في أقواله وأفعاله.
والعطف وغيرها التي يجب عليه أن يستمر عليها، وأن تُرى متمثلةً في حياته وتصرفاته.
هو الإله في جميع الأزمان، فبئس قوم لا يعرفون الله إلا في رمضان،
فإذا ما انسلخ رمضان هجروا المساجد، واعتزلوا المصاحف، وأعرضوا عن طاعة الله، وأقبلوا على معاصيه،
فيهدمون ما بنوه في رمضان.
دموع على فراق رمضان
فمن أحسن فيه فعليه التمام، ومن فرط فليحسن الختام فالأعمال بالخواتيم،
فاغتنموا منه ما بقي من الليالي اليسيرة والأيام القليلة، بأعمال صالحة تشهد لكم عند الملك العلام،
وودِّعوه عند فراقه بأزكى تحية وسلام.
ومن ألم فراقه تئن، ودموعهم تهراق على فراقه،
كيف لا يجري للمؤمن على فراقه الدمع؟ وهو لا يدري هل بقي له في عمره إليه رجوع مرة أخرى؟
فكم من أناس كانوا معنا في العام المنصرم، وأتى عليهم هذا العام وهم في غياهب اللحود، قد أكلهم الدود،
ووجدوا ما عملوا في حياتهم، إن كان خيراً فخير، وإن كان شراً فشر، يتمنى أحدهم الرجوع،
لماذا؟
هل للتمتع والشهوات؟ كلا، إنما يتمنى الرجوع ليزداد من العمل.
أين قلق المجتهدين في أسحاره؟
فكم هي القلوب المنكسرة على فراقه،
وكم هي الدموع التي تسيل مشيعة لما أنِست به النفوس،
كم هي ترجوا من الله القبول، وتدعوا الله أن يعيده عليها وهي في خير؟
كم نُصح المسكين فما قبل النصح؟ كم شاهد الواصلين فيه وهو متباعد؟!
كم مر به السائرون وهو قاعد، حتى إذا ضاق به الوقت وحاق به المقت،
ندم علي التفريط حين لا ينفع الندم، وطلب الاستدراك في وقت العدم.
أيا شهر الخير أرفق،
فدموع المحبين تدفق،
قلوبهم من ألم الفراق تكاد تشقق،
فعسى وقفة للوداع تطفئ من نار الشوق ما أحرق،
وعسى منقطع عن المقبولين يلحق بهم،
عسى أسير الأوزار يطلق، فكم من الرقاب قد عتقت.
وداعا رمضان
فقبل أيام كنا نهنئ بعضنا بعضاً بقدوم شهر رمضان المبارك شهر العتق من النيران،
كنا نستقبله بلهفة وشغف وشوق، وها نحن اليوم كل واحد منا قلبه منكسر محزون على فراقه،
فقد تصرمت أيام هذا الشهر، وتقوضت خيامه، وقرب رحيله، وأذن تحويله، ولم يبق منه إلا القليل،
فتلك الليالي التي شعت بنور القائمين والتالين والمعتكفين؛ أوشكت على الظلمة،
والأيام التي عُمِّرت بالطاعة والتلاوة والصيام قد أوشكت أن تذهب بلا رجعة،
إنها لحظات لا ندري حقيقة أهي لحظات عزاء ومواساة، أم لحظات فرح وسرور.
وإن دموعه لتحرق الوجنات بحرارة الدمعات، تنطوي صحيفة شهر رمضان
وتقوض سوقه العامرة بالخيرات والحسنات، وقد ربح فيه من ربح وخسر من خسر.
فيا ترى أتراه يرحل حامداً الصنيع؟
أو ذاماً التضييع؟!!
فمن كان أحسن فعليه بالتمام، ومن كان فرط فليختم بالحسنى فالعمل بالختام.
هنيئاً لمن صلى التراويح والقيام وخشع في صلاته،
هنيئاً لمن حفظ لسانه عن اللغو والرفث وفاحش الكلام،
هنيئاً لمن جعل أنيسه في هذا الشهر كتاب ربه قارئاً باكياً،
هنيئاً لم أحسن إلى الفقراء والمحتاجين.
((من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه))
(متفق عليه)،
هنيئاً لمن وفق لقيام ليلة القدر إيماناً واحتساباً
وتخلف عن المساجد وفرط في قراءت كتاب ربه،
عزاءً لمن لم يراقب الله المطلع على كل صغيرة وكبيرة فأطلق لسانه في الغيبة والنميمة والبهتان،
وأطلق بصره للحرام،
تذكر أن الله سائلك فما عسى سيكون الجواب؟
قال الله تعالى : {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}
(الإسراء:36)،
عزاءً لمن فرط في جنب الله تبارك وتعالى فخرج رمضان ولم يغفر له،
فيا خيبة من هذا حاله، نسأل الله التوفيق والقبول.
ماذا بعد رمضان ؟
تروضت فيه النفوس على الفضيلة، وتربت فيه على الكرامة، وترفعت عن الرذيلة، وتعالت عن الخطيئة،
مسكين ذاك الذي أدرك هذا الشهر ولم يظفر من مغانمه بشيء، ما حجبه إلا الإهمال والكسل، والتسويف وطول الأمل،
وإن الأدهى من ذلك والأمر أن يوفق بعض العباد لعمل الطاعات، والتزود من الخيرات
حتى إذا انتهى الموسم نقضوا ما أبرموا ، وعلى أعقابهم نكصوا، واستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير،
قيل لبشر رحمه الله: "إن قوما يتعبدون ويجتهدون في رمضان،
فقال: بئس القوم لا يعرفون لله حقاً إلا في شهر رمضان، إن الصالح الذي يتعبد ويجتهد السنة كلها".
وسئل الشبلي رحمه الله: أيما أفضل رجب أو شعبان؟ فقال: "كن ربانياً ولا تكن شعبانياً".
وكان النبي صلى الله عليه وسلم عمله ديمة،
وسئلت عائشة رضي الله عنها هل كان يخص يوما من الأيام ؟ فقالت: لا ، كان عمله ديمة.
فالصلوات الخمس من أجلِّ الأعمال،
ولئن انتهى صيام رمضان فهناك صيام النوافل،
ولئن انتهى قيام رمضان فقيام الليل مشروع في كل ليلة،
ولئن انتهت صدقة أو زكاة الفطر فهناك الزكاة المفروضة،
وهناك أبواب للصدقة والتطوع والجهاد كثيرة.
لنا عودة بإذن الله وتوفيقه لطرح القسم التالي