الصدق
إن للصدق منزلة عظيمة وإنه خلق من الأخلاق العظيمة
،بل إن الصدق أصل الإيمان ،
وهو أساس النجاة من عذاب الله عز وجل،
وبه يتميز أهل الإيمان الحق من المنافقين الكاذبين.
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في منزلة الصدق:
«
والطريق الأقوم الذي من لم يسر عليه فهو من المنقطعين الهالكين»
… إلى أن يقول: «فهو روح الأعمال، ومحك الأحوال، والحامل على اقتحام الأهـوال،
والباب الذي دخــل منه الواصــلون إلى حضرة ذي الجلال،وهو أساس بناء الدين،
وعمود فسطاط اليقين، ودرجته تالية لدرجة "النبوة" التي هي أرفع درجات العالمين».
الصدق في كل الأمور يوصل صاحبه إلى مرتبة الصديقية، التي هي المرتبة التالية لمرتبة النبوة،
وعندما أقول في كل الأمــور أريد من ذلك عدم حصر الصدق في اللسان فقط،
وإنما الصدق في النيات والأقوال والأعمال،
والأصل تحري الصدق في ذلك كله.
الصِّدِّيقية:
هي كمال الانقياد للرسول مع كمال الإخلاص للمرسل .وقال القرطبي: (الصديق هو الذي يحقق بفعله ما يقوله بلسانه ) .
وقال ابن تيمية: (فالصِّدِّيق قد يراد به الكامل في الصدق، وقد يُراد به الكامل في التصديق) .
وقال ابن العربي: (وأما الصِّدِّيق فهو من أسماء الكمال، ومعناه الذي صدَّق علمه بعمله) .
إن مجاهدة النفس على تحري الصــــدق في جميع الأمور يوصلها إلى هذه المرتبة العظيمة؛
مرتبة الصديقية كما جاء في الحديث الـســـابق الذكر:
«… ولايزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يُكتب عند الله صدّيقا»
في الصحيحين .
وهنيئاً لمن وصل إلى هذه المرتبة، فيا لها من رتــبـة، وما أشـرف قدرها وأعظم فضلها،
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى
في وصــــف أهل هذه الطبقة: الطبقة الرابعة ورثة الرسل وخلفاؤهم في أممهم،
وهم القائمون بما بعثوا به علماً وعملاً ودعوة للخلق إلى الله على طريقهم ومنهاجهم،
وهذه أفضل مراتب الخلــق بعد الرسالة والنبوة، وهي مرتبة الصديقية، ولهذا قرنهم الله في كتابه بالأنبياء
فـقـــال تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ
وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}
[النساء: 69].
ويقول أبو حاتم:
(إنَّ الله جلَّ وعلا فضَّل اللسان على سائر الجوارح، ورفع درجته،
وأبان فضيلته، بأن أنطقه من بين سائر الجوارح بتوحيده، فلا يجب للعاقل أن يعود آلة خلقها الله للنطق بتوحيده بالكذب،
بل يجب عليه المداومة برعايته بلزوم الصدق، وما يعود عليه نفعه في داريه؛
لأنَّ اللسان يقتضي ما عُوِّد؛ إن صدقًا فصدقًا، وإن كذبًا فكذبًا)
روضة العقلاء
ولقد حث الدين على خلق الصدق وأمر به في كثير من المواضع
نذكر منها
في القرآن الكريم
1- قال الله تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ[التوبة: 119].
2- وقوله:
وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَوَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا
[النساء: 69].
3- وقوله:
إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِوَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ
وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا
[الأحزاب: 35].
4- وقوله:
قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُخَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
[المائدة: 119].
من السنة النبوية
1- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:
((
وإنَّ الكذب يهدي إلى الفجور، وإنَّ الفجور يهدي إلى النار، وإنَّ الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذَّابًا))
رواه البخاري ومسلم
2- وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((
رواه احمد وصححه الألباني
3- وعن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((
وأدوا إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضُّوا أبصاركم، وكفُّوا أيديكم))
رواه أحمد
هناك بعض الآفات التي تخل بصدق المسلم، وتوهن أركان الصدق في شخصيته؛
ولذا يجب الحذر منها، ومجاهدة النفس على الابتعاد عنها، والتخلص منها، ومن هذه الأمور:
1- الكذب الخفي:
الرياء وهو الشرك الخفي، الذي تختلف فيه سريرة المرء عن علانيته، وظاهره عن باطنه،
قال صلى الله عليه وسلم: ((أيها الناس، اتقوا الشرك، فإنه أخفى من دبيب النمل.
قالوا: وكيف نتقيه يا رسول الله؟ قال: قولوا: اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئًا نعلمه، ونستغفرك لما لا نعلمه))
رواه احمد .
2- الابتداع:
إنَّ من كمال الصدق حسن الاتباع، وبقدر استمساك المرء بهدي النبي صلى الله عليه وسلم يكون صدقه مع ربه:
أي: إن كنتم صادقين في محبتكم لربكم اتبعوا سنة رسولكم صلى الله عليه وسلم،
فعلامة صدق المحبة كمال الاتباع؛ ولهذا (كانت الصديقيَّة: كمال الإخلاص والانقياد،
والمتابعة للخبر والأمر، ظاهرًا وباطنًا).
3- كثرة الكلام:
من كثر كلامه كثر سقطه؛ إذ لا يخلو – في كثير من الأحيان – من التزيد واللغو أو الهذر
الذي إذا لم يضرَّ فإنَّه لا ينفع، وقد قال الله تعالى:
لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ
وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء: 114].
ومن الكذب أن يحدث الإنسان بكلِّ ما يسمع من أحاديث وأخبار دون تحرير لها ولا تنقيح؛
لأنه بتهاونه وإهماله وعدم تحريه الصدق في الأخبار يساهم في نشر الأكاذيب وإشاعتها؛
ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ((
رواه مسلم.
4- مداهنة النفس:
الاسترسال مع النفس في أهوائها وشهواتها، ليست من صفات الصادقين؛ ولهذا
قيل: (لا يشمُّ رائحة الصدق عبد داهن نفسه أو غيره)
مدارج السالكين لابن القيم.
فكلما ألجمها بلجام المجاهدة، وزمَّها بزمام المراقبة والمحاسبة، ثبتت على الصدق قدمه.
5- التناقض بين القول والعمل:
لقد عدَّ بعض السلف مخالفة عمل المرء لقوله أمارة كذب ونفاق.
قال إبراهيم التيمي: (ما عرضت قولي على عملي إلا خشيت أن أكون مكذبًا)
رواه البخاري .
الصدق يستعمل في ستة معان: صدق في القول، وصدق في النية والإرادة،
وصدق في العزم، وصدق في الوفاء بالعزم، وصدق في العمل،
وصدق في تحقيق مقامات الدين كلها، فمن اتصف بالصدق في جميع ذلك فهو صدِّيق.
ثمرات الصدق
كما ذكرت مجلة البحوث الإسلامية من دار الإفتاء
1 – تحقيق العبودية لله تعالى بالإخلاص له، والمتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم
2 – حسن العاقبة لأهله في الدنيا والآخرة، لقوله صلى الله عليه وسلم:
إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى البِّرِّ، وِإِنَّ البِّرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ .
3 – مراقبة الله سبحانه وتعالى، لقوله صلى الله عليه وسلم:
وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ
4 – الثناء على صاحبه في الملأ الأعلى، لقوله صلى الله عليه وسلم :
حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا
5 – الثناء على أهله في الدنيا، لقوله تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ
6 – حصول البركة العاجلة والآجلة، لقوله صلى الله عليه وسلم:
فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا
7 – عِظَم القَدْر، وعُلُو المنزلة في المجتمع، فالذي يتحلى بالصدق يَعْظُم قَدْرُهُ،
وتعلو منزلته بين الناس؛ لاعتقادهم أنه ما فعل ذلك إلا عن حسن سيرة، ونقاء سريرة، وكمال عقل.
8 – الطمأنينة والراحة النفسية، لِتَخَلُّصِه من المُكَدِّرات في تعامله مع الآخرين،
فعن أبي الحوراء قال: قلت للحسن بن علي : ما حفظتَ مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قال: حفظتُ مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيبُكَ، فَإِنَّ الصِّدْقِ طُمَأْنِينَةٌ، وَإِنَّ الْكَذِبَ رِيبَةٌ
9 – ظهور الصدق على وجه صاحبه، فعن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال:
لما قَدِمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس إليه وقيل قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم،
قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت في الناس لأنظر إليه،
فلما استبنت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب
10 – تيسير أسباب الهداية للحق، كما قال تعالى:
وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ
قال الطبري : [ لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا يقول: لنوفقنهم لإصابة الطريق المستقيمة، وذلك إصابة دين الله الذي
هو الإسلام الذي بعث الله به محمدًا صلى الله عليه وسلم ]
11 – دوامُ الصلة بالله سبحانه وتعالى بالدعاء والتضرع بطلب الثبات على الإيمان،
لقوله صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الإيمانَ لَيخلَقُ في جَوفِ أحدكم كما يَخلقُ الثوب،
فاسألوا الله تعالى أن يُجدد الإيمانَ في قلوبكم
12 – الالتزام بالعهد، كقوله تعالى:
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ
13 – الصدق عاقبته خير، لقوله تعالى:
فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ
14 – الصدق نجاة لصاحبه، كما في قصة كعب بن مالك لما تخلف عن غزوة تبوك .
15 – إدراك الأجور الكثيرة من الله تعالى وإن عجز عن العمل، ويدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:
مَنْ طَلَبَ الشَّهَادَةَ صَادِقًا أُعْطِيَهَا وَلَوْ لَمْ تُصِبْهُ
16 – التوفيق لحسن الخاتمة، لقوله صلى الله عليه وسلم :
وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا
17 – حصول الثواب الأخروي، لالتزامهم بما أوجب الله عليهم من تحري الصدق تعبدًا لله تعالى، لقوله تعالى:
قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ
قال القرطبي : أي: صِدْقُهم في الدنيا، فأما في الآخرة فلا ينفع فيها الصدق.
وصدقهم في الدنيا يحتمل أن يكون صدقهم في العمل لله، ويحتمل أن يكون تركهم الكذب عليه وعلى رسله،
وإنما ينفعهم الصدق في ذلك اليوم وإن كان نافعا في كل الأيام لوقوع الجزاء فيه
هنا موضوع ذو صلة و ذو أهمية
مفارقات بين الصدق والكذب ………… كونوا مع الصادقين
رائعة
ثمال
وصدق في العزم، وصدق في الوفاء بالعزم، وصدق في العمل،
وصدق في تحقيق مقامات الدين كلها، فمن اتصف بالصدق في جميع ذلك فهو صدِّيق.
ربنا يرزقنا واياكم الصدق فى كل شيئ وان يبعدنا الله عن الكذب وكل ما يؤدى إليه
بارك الله فيكى اختنا الحبيبه
–
–