فما أقساهم من آباء وأمهات حين يسلبونهم حقهم في التمتع بحياة طبيعية سليمة، ينهلوا فيها من حب والديهما معا في آن واحد وفي أي وقت كان، فليس عليهم أن يلتزموا بجدول أسبوعي ليستمتعوا فيه بصحبة أحد منهم ولا أن ينتظروا حتى يحين موعد الزيارة القادمة لعلهم يكملون فيها ما فاتهم من حنان سيحرمون منه باقي أيام الأسبوع.
أليس من حق هؤلاء الأطفال أن يستيقظوا كل صباح على رؤية وجه الأبوين، فيتجدد عندهم الإحساس بالأمان والطمأنينة، ويقبلوا على الحياة بنفس راضية يملأها الأمل والتفاؤل؟!
أليس من حقهم أن يجدوا قلبا حانيا يلجأون إليه إذا ما قسا عليهم من يتولى حضانتهم سواء كان الأب أو الأم، ومن يكون صاحب هذا القلب سوى الطرف الآخر الذي منع من المشاركة في تربيتهم ومقابلة القسوة باللين والرفق.
ولكن، ليس من العدل أن نتعاطف مع الأبناء ونشفق عليهم، وفي المقابل لا نلتمس أي عذر لآبائهم فيما فعلوه،فلا يعقل أن نكون نحن أرق قلبا على أبنائهم منهم ، فهم بالتأكيد يعانون لمعاناة أبنائهم ويتألمون في كل لحظة يشعرون أنهم حرموهم من أسباب السعادة التي يتمتع بها بقية الأطفال ممن يعيشون وسط أب وأم في أسرة هانئة سعيدة.
وليس من العدل أن نتسرع في الحكم على أحد الأبوين أو كليهما ونتهمهما بالأنانية أو بتفضيل مصلحتهما الشخصية على مصلحة الأبناء، فهذا الكلام غير صحيح ولا ينطبق على كل الحالات:
فمن ناحية ان وجود خلافات مستمرة بين الزوجين وحدوث مشاحنات وإهانات على مرأى ومسمع من الأبناء لا يمكن أن نعتبره في صالحهم لما يمكن أن يسببه ذلك من مشاكل نفسية تزداد وتتعقد مع تقدم أعمارهم.
ومن ناحية أخري: أين يقيننا في عدل الله تبارك وتعالى وهو الذي لا يشرع أمرا من الأمور فيكون فيه ظلم لأحد؟! فالطلاق أو الخلع من الأمور التي شرعها الله وإذا توافرت الأسباب التي تؤدي لوقوع أحدهما فلن يكون ذلك ظلما للأبناء، فالظلم من صفات البشر ونحن من نظلم حين لا نراعي حدود الله ولا نطبق أحكامه بطريقة صحيحة.
وحين نُجبَر على العيش مع شخص كل ما يربطنا به هو الأبناء ،فنحن هنا نظلم أنفسنا وأطفالنا في نفس الوقت، فالله العادل لا يرضى باستمرار هذه العلاقة – وهو من أوصانا جل وعلا بالمودة والرحمة- لما يمكن أن تجره من عواقب يبغضها ولعله يحرمنا بها من نيل رضاه وربما من دخول جنته، فقد قال تعالى مخاطبا المؤمنين: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْراً لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } التغابن : 16
جعل الله هذه الكلمات في ميزان حسناتك