الفصل الثالث عشر
الإيمان باليوم الآخر
﴿إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ﴾ [غافر:27] .
الحياة البشرية قسمان:
س: إلى كم تنقسم حياة قصيرة في دار العمل، وحياة خالدة في دار الجزاء .
دار العمل:
س: ما هي دار العمل؟
ج: دار العمل هي هذه الأرض التي نعيش عليها اليوم مدة مؤقتة من الزمان؛ هي المهلة المعطاة لنا لنفعل فيها ما نشاء من أعمال، ونعيش عليها المدة المحددة لنا كما عاشت الأمم السابقة من قبلنا . قال تعالى:
﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًاوَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا﴾ [فاطر:44، 45] .
وكلما مر يوم نقصت المهلة، وقربنا من دار الجزاء، فإذا انقضت المهلة أصبحت حياتنا الماضية في نظرنا لا تساوي ساعة .
﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾ [يونس:45] .
دار الجزاء:
س: وما هي دار الجزاء؟
ج: دار الجزاء هي: الدار الآخرة حيث يجد الإنسان نتيجة ما قدمت يداه في دنياه، وجاء ما عمله فيما أعطاه الله، والموت: انتقال من دار العمل إلى دار الجزاء. فهذا الجيل الذي نعيشفيه ينتقل بعد مائة عام ـ على أكثر تقدير ـ كله، وأنت واحد منه ليجد كل إنسان جزاء عمله . قال الله تعالى:
﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَوَلَوْ تَرَى إِذْ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُوا رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ﴾ [السجدة : 11، 12] .
﴿وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَوَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَقِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنْ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الزمر: 70-75] .
اليوم الآخر مقتضى العدل الإلهي:
س: وما هو دليل المؤمن على إيمانه باليوم الآخر؟
ج: أهم الأدلة على أن رسل الله جميعاً، الذين قدموا للبشرية أدلة صدقهم قد بلغوا إلينا كلام خالقنا، وخالق الجنة والنار، وأخبرنا الله بنفسه، بحقائق اليوم الآخر. وهناك أدلة عقلية أخرى .
س: ما هي هذه الأدلة العقلية؟
ج: هي كثيرة، نذكر منها: دليل العدل الإلهي .
س: وما هو دليل العدل الإلهي؟
ج: في الإنسان حب العدل، هو الذي يجعله يكره الظلم ويحب العدل وخالق حب العدل في الإنسان هو الله خالق الإنسان ، ومما لا شك فيه أن الخالق أكمل وأعظم من مخلوقاته، وله المثل الأعلى .
* عدل الله أكمل من عدل مخلوقاته الإنسان .
* فإذا كان عدل الإنسان يأبى التسوية بين الظالم والمظلوم ، والقاتل والمقتول، والمطيع والعاصي.
* لا شك أن العدل الإلهي ـ من باب أولى ـ يأبى التسوية بين الظالم والمظلوم، والقاتل والمقتول، والمطيع والعاصي، والمؤمن والكافر، والبر والفاجر. قال تعالى:
﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ النَّارِأَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ﴾ [سورة ص: 27 ، 28] .
ولكنا لا نجد عدلاً كاملاً في الدنيا، ولا نجد إنصافاً كاملاً أو مجازاة وافية على أعمال الناس في الدنيا. فلا نشك في عدل الله الذي قام الدليل القاطع عليه، ولكنا نقول ونؤمن بأن الحساب لا يكون في هذه الدنيا، وأنه مؤخر ليوم معلوم يوم الحساب كما أخبر الرسل .
تنقسم الحياة البشرية إلى قسمين: دار عمل قصيرة، ودار جزاء خالدة، هذه الدنيا هي دار العمل، والآخرة دار الجزاء، والموت ينقلنا من دار العمل إلى دار الجزاء .
من عمل صالحاً في الدنيا أثابه الله عليه، ومن عمل سيئاً عاقبه الله عليه وأرسل الله إلى البشر رسلاً أقاموا الأدلة على صدق رسالتهم وبلغوا إلى البشر كلام ربهم الذي عرفهم باليوم الآخر وما أعد لهم فيه .
عدل الله أكمل من عدل الإنسان، ومن مقتضى العدل: عدم التسوية بين المسيء والمحسن . وليس في الدنيا ثواب كامل لمحسن، أو عقاب كامل لمسيء . فجعل الله يوماً كاملاً لمكافأة المحسنين وعقاب الكافرين .
فهذا الجيل الذي نعيشفيه ينتقل بعد مائة عام ـ على أكثر تقدير ـ كله، وأنت واحد منه ليجد كل إنسان جزاء عمله .