الفصل التاسع
رسل الله وبينات رسالتهم
الحكمة من إرسال الرسل :
س : لماذا أرسل الله الرسل؟
ج : 1 ـ أرسل الله رسله لتعريف الناس بربهم وخالقهم، ودعوتهم لعبادته .
قال تعالى :﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِي﴾[الأنبياء: 25] .
2 ـ أنت تعلم أن كل شيء فيك قد خلقه الله لحكمة، فعينك قد خلقت لحكمة ولم تخلق عبثاً، وكذلك أنفك، وفمك ، وأذنك حتى أصغر عرق فيك قد خلق لحكمة ولم يخلق عبثاً ، فمما لا شك فيه أنك بأكملك قد خلقت لحكمة ولم تخلق عبثاً .قال تعالى :﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَفَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ﴾[المؤمنون : 115ا، 116] .
ولكنك لن تعرف الحكمة؛ إلا بتعليم من خالقك بواسطة رسله.
وسكان الأرض اليوم كانوا قبل مائة عام في عالم الغيب ثم جاءوا إلى الدنيا، وهم بعد مائة عام على أكثر تقدير يخرجون منها .
ولن يعرف إنسان لماذا جاء إلى الدنيا ، أو لماذا يخرج منها إلا بتعليم من خالقه الذي خلقه ولم يك شيئاً، وجاء به إلى الدنيا حياً وقضى عليه بالموت والخروج من الدنيا.
ولقد أرسل الله الرسل لتعليمنا هذه الأمور التي هي أخطر قضايا حياتنا والتي غابت عنا ، وجهلناها .
1- وربنا الذي خلقنا أعلم بما يصلح أحوالنا ، ويزكي نفوسنا ، ويطهر أخلاقنا ، وقد هدانا بواسطة رسله إلى كل ما فيه سعادة الدنيا والآخرة .قال تعالى:﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾[البقرة : 151] .
3ـ وأرسل الله رسله لإنقاذ البشر من الاختلاف في أصول حياتهم ، وهدايتهم إلى الحق الذي يريد خالقهم .
قال تعالى:﴿وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمْ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾[النحل : 64] .
4ـ وأرسل الله الرسل لإقامة الدين وللحفاظ عليه والنهي عن التفرق فيه ، وللحكم بما أنزل الله .
قال تعالى:﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾[الشورى : 13] .﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا﴾[النساء : 105] .
5ـ وأرسل الله الرسل لتبشير المؤمنين بما أعد لهم من نعيم مقيم جزاء طاعتهم، وإنذار الكافرين بعواقب كفرهم، وإسقاط كل عذر للناس، وإقامة الحجة عليهم من ربهم .قال تعالى: ﴿رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِأَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾[النساء : 165] .
6ـ إعطاء الأسوة الحسنة للناس في السلوك القويم، والأخلاق الفاضلة، والعبادة الصحيحة ، والاستقامة على هدى الله .قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾[الأحزاب : 21] .
وهذه التعاليم الإلهية العالية لا يمكن للبشر أن يصلوا إليها بعقولهم وإنما يتعلمونها بوحي الله .
آيات صدقهم وبينات رسالتهم :
س: ما هي الأدلة التي زود الله رسله بها لئلا يكذبهم الناس ؟
ج : الأدلة والبراهين يسميها القرآن : (آيات ) أي علامات ودلائل وبينات ، تصدق الرسل فيما يقولون ، ويسميها الناس : معجزات .
س : وما هي المعجزة؟
ج: المعجزة (البينة، البرهان، الآية) هي : الأمر الذي يعجز البشر عن الإتيان بمثله يجريه الله على يد نبي مرسل ليقيم به الدليل على صدق نبوته وثبات رسالته.
وكأن الرسول يقول للناس : أيها الناس لقد أرسلني الله إليكم وأعطاني أمارات من قدرته تصديقاً لي فيما أقول ؛ وهذه الأمارات والآيات مما لا يقدر عليها إلا الله . فلا يقدر أحد من البشر أن يأتي بمثلها؛ حتى لا تظنوا أني أفتري على الله الكذب.﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ [الحديد: 25] .
س: ما هي أمثلة المعجزات التي أيد الله رسله بها ؟
ج: من الأمثلة التي ذكرها الله في كتابه ما حدث لسيدنا إبراهيم ـ عليه السلام ـ مع قومه .
قال تعالى :﴿قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِينَ(68)قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾[الأنبياء : 68، 69] .
ومنها ما قصه الله علينا عن سيدنا موسى ـ عليه السلام ـ قال تعالى: ﴿وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ﴾ [النمل : 12]
من هذه التسع الآيات ما حل بقوم فرعون من عذاب جزاء تكبرهم وكفرهم .قال تعالى: ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ﴾ [الأعراف:133] .
ومنها ما قصه الله علينا في بينات سيدنا عيسى عليه السلام .
قال تعالى: ﴿إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنْ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ [المائدة : 110] .
ونتيجة لما حدث من تحريف في دين عيسى ـ عليه السلام ـ ظن الجهلة فيما عرفوا من بينات رسالته القوية أنها لا تكون إلى على يد الله أو ابنه في زعمهم، تعالى الله.
أما معجزات وبينات رسالة محمد صلى الله عليه وآله وسلم فسيأتي بيانها .
1- يرسل الله الرسل لتعريف الناس بربهم، ودعوتهم لعبادته، ولبيان الحكمة من خلقهم، ولإنقاذهم من ويلات الاختلاف، ولإقامة الدين بين الناس والحكم بما أنزل الله، ولتبشير المؤمنين بما أعد لهم ربهم من نعيم، ولإنذار الكافرين من عواقب كفرهم، ولإقامة حجة الله على الناس وليكونوا أسوة حسنة للمسلمين .
2- يؤيد الله رسله ببراهين وأدلة تسمى في كتاب الله آيات وبينات، ويسميها الناس معجزات، تشهد للرسل بصدق رسالتهم وثبوت نبوتهم وأنهم مبلغون عن ربهم .