أما بعد :
فهذه رسالة في بيان حكم القول بأن فلانا شهيد أو الشهيد فلان الى غير ذلك من المسائل التي تتضمن الخوض في الغيبيات التي هي من علم الله تعلى الذي لا يعلمه غيره
وقد جمعت بعض الأدلة من كتاب "الرأي السديد في بيان أنه لا يقال فلان شهيد" لمؤلفه جزاع الشمري
وأنا عملي في هذا المقال أن جمعت بعض الأدلة التي ذكرها الكاتب غفر الله له في عدم مشروعية ذلك وعدم جوازه
الدليل الأول :
عن أبي الجعفاء السلمي قال خطبنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان من خطبته أنه قال :وأخرى تقولونها في مغازيكم فلان شهيد أو مات فلان شهيدا وعسى أن يكون قد أثقل عجز دابته أو اردف راحلته ذهبا وورقا , فابتغى الدنيا فلا تقولوا ذلك ولكن قولوا كما قال رسول الله " من قتل أو مات في سبيل الله فهو في الجنة "
بوب البخاري رحمه الله : باب لا يقول فلان شهيد وذكر الحافظ هذا الأثر عند شرحه لتبويب البخاري
الدليل الثاني :
عن هذيل بن شرحبيل قال خرج ناس فقتلوا فقال : أي الناس ـ فلان شهيد . فقال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه :إن الرجل ليقاتل للدنيا ويقاتل ليعرف , وإن الرجل ليموت على فراشه وهو شهيد ثم تلا قوله تعالى :" والذين آمنوا بالله ورسله أو لئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم "
الدليل الثالث :
عن أم العلاء الأنصارية رضي الله عنها في قصة مرض عثمان بن مظعون الذي مات فيه ــ قالت رضي الله عنها : فلما توفي وغسل وكفن في أثوابه دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : فقلت : رحمة الله عليك أبا السائب ــ كنية عثمان ــ فشهادتي عليك لقد أكرمك الله . فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم " وما يدريك أن الله أكرمه ؟ قالت : فقلت : بأبي أنت يا رسول الله فمن يكرمه الله ؟ فقال : أما هو فقد جاءه اليقين والله اني لأرجوالخير والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي "
قالت أم العلاء فوالله لا أزكي ؛أحدا بعده أبد
تنبيه :
أما من شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم باشهادة أو باجنة فهذا يختلف أمره لا نه" ما ينطق عن الهوى إن هو إلا هو إلا وحي يوحى" فالرسول لا يعلم الغيب وهذا من الغيبيات التي عرفت عن طريق الوحي
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فأجاب بقوله : لا يجوز لنا أن نشهد لشخص بعينه أنه شهيد حتى ، لو قتل مظلوماً أو قتل وهو يدافع عن الحق، فإنه لا يجوز أن نقول فلان شهيد وهذا مخالف لما عليه الناس اليوم حيث رخصوا هذه الشهادة وجعلوا كل من قتل حتى ولو كان مقتولا في عصبة جاهلية يسمونها شهيدا ، وهذا حرام لأن قولك عن شخص قتل وهو شهيد يعتبر شهادة سوف تسأل عنها يوم القيامة ، سوف يقال لك هل عندك علم أنه قتل شهيدا ؟ ولهذا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " ما من مكلوم يكلم في سبيل الله والله أعلم بمن يكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة وكلمه يعثب دما ، اللون لون الدم ، والريح ريح المسك " فتأمل قول النبي صلى الله عليه وسلم : " والله أعلم بمن يكلم في سبيله " – يكلم : يعني يجرح – فإن بعض الناس قد يكون ظاهرهم أنه يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا ولكن الله يعلم ما في قلبه وأنه خلاف ما يظهر من فعله ، وهذا باب البخاري – رحمه الله – على هذه المسألة في صحيحه فقال ( باب لا يقال فلان شهيد ) لأن مدار الشهادة على القلب ، لا يعلم ما في القلب إلا الله – عز وجل – فأمر النية أمر عظيم ، وكم من رجلين يقومان بأمر واحد يكون بينهما كما بين السماء والأرض وذلك من أجل النية فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه " ].
فأجاب بقوله : الوجوب على ذلك أن الشهادة لأحد بأنه شهيد تكون وجهين :
أحدهما : أن تقيد بوصف مثل أن يقال كل من قتل في سبيل الله فهو شهيد ، ومن قتل دون ماله فهو شهيد ، ومن مات بالطاعون فهو شهيد ونحو ذلك ، فهذا جائز كما جاءت به النصوص ، لأنك تشهد بما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونعنى بقولنا – جائز – أنه غير ممنوع وإن كانت الشهادة بذلك واجبة تصديقا لخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم .
الثاني : أن تقيد الشهادة بشخص معين مثل أن تقول بعينه إنه شهيد ، فهذا لا يجوز إلا لمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم أو اتفقت الأمة على الشهادة له بذلك وقد ترجم البخاري – رحمه الله – لهذا بقوله : ( باب لا يقال فلان شهيد) قال في الفتح 90/6 " أي على سبيل القطع بذلك إلا إن كان بالوحي " وكأنه أشار إلى حديث عمر أنه خطب فقال تقولون في مغازيكم فلان شهيد ، ومات فلان شهيدا ولعله قد يكون أوقر رحالته ، إلا لا تقولوا ذلكم ولكن قولوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من مات في سبيل الله ، أو قتل فهو شهيد وهو حديث حسن أخرجه أحمد وسعيد ابن منصور وغيرهما من طريق محمد ابن سريرين عن أبي العجفاء عن عمر ) أ . هـ . كلامه .
ولأن الشهادة بالشيء لا تكون إلا أن علم له ، وشرط كون الإنسان شهيدا أن يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا والنية باطنة لا سبيل إلى العلم بها ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ، مشيرا إلى ذلك : " مثل المجاهد في سيبل الله ، والله أعلم لمن يجاهد في سبيله " . وقال : " والذي نفسي بيده لا يكلم أحد في سبيل الله ، والله أعلم بمن يكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة وكلمه يثعب دما اللون لون الدم ، والريح ريح المسك " . رواهما البخاري من حديث أبى هريرة . ولكن من ظاهره الصلاح فإننا نرجو له ذلك ، ولا نشهد له به ولا ننسي به الظن . والرجاء مرتبة بين المرتبتين ، ولكننا نعامله في الدنيا بأحكام الشهداء فإذا كان مقتولا في الجهاد في سبيل الله دفن بدمه في ثيابه من غير صلاة عليه، وإن كان من الشهداء الآخرين فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه.
ولأننا لو شهدنا لأحد بعينه أنه شهيد لزم من تلك الشهادة أن نشهد له بالجنة وهذا خلاف ما كان عليه أهل السنة فإنهم لا يشهدون بالجنة إلا لمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم ، بالوصف أو بالشخص ، وذهب آخرون منهم إلى جواز الشهادة بذلك لمن اتفق الأمة على الثناء عليه وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيميه – رحمه الله تعالى – . وبهذا تبين أنه لا يجوز أن نشهد لشخص أنه شهيد إلا بنص أو اتفاق ، ولكن من كان ظاهره الصلاح فإننا نرجو له ذلك كما ثبت ، وهذا كاف في منقبته ، وعلمه عند خالقه – سبحانه وتعالى – .
تنبيهي جدااااااااااااااااااااااااااا" مهم