- يحتج الخرافيون بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الشيطان أيس أن يعبد فى جزيرة العرب وعلى هذا فإن هذه الأمة معصومة من الشرك الأكبر وحماها الله منه.
- وكلامهم هذا مردود عليه ففهمهم للحديث خاطئ وإنما نقول إن الشيطان أيس بنفسه فهو لا يعلم الغيب ولم ييأسه الله إنما هو لما رأى عز الإسلام وظهور التوحيد أيس من أن يعبده المصلون وذلك لأن الذى يصلى الصلاة بحقينهى عن الفحشاء والمنكر ولا يأتى بالشرك ولا يعبد الشيطان لأن عبادة الشيطان من أعظم المنكرات وصلاته تنهاه عن المنكرات.
- إن يأس الشيطان من عبادة المصلين له لم يجعله يترك هذه الأمة فهو حريص على إغواء بنى آدم ولهذا نراه كان سببا فى إرتداد طائفة من الناس بعد وفاة النبى عليه الصلاة والسلام وهذا لا شك من العبادة له حيث يفعلون ما يأمرهم به ويطيعونه فى الشرك
- قال الشيخ رحمه الله باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبدون الأوثان وهذا التبعيض يدل على أنهم قليلون وليس كثير من الأمة فما زال فى هذه الأمة من يعبد الله ويحقق الإيمان والتوحيد وظاهر على الخير كما قال النبى عليه الصلاة والسلام ( ولا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم إلى قيام الساعة)
- هناك صنفان من الأمم أمة الدعوة من الإنس والجن ومما لا شك فيه أن منهم من لم يؤمن برسالة محمد صلى الله عليه وسلم وإستمر فى عبادة الأوثان وهناك أمة الإجابة وهم من إستجابوا لدعوة النبى ولكن بالتقادم ومرور العهود إرتدوا كما حدث وأوضح الشيخ فى أبواب سابقة وكان سبب ذلك الغلو فى الصالحين وما يقصده الشيخ هنا هى أمة الإجابة
- والأوثان هى جمع وثن وهى كل ما يعبد من دون الله من صنم وحجر وشجر فيذبح له أو يسجد له ويستغاث به أو يخاف منه كخوفهم الله جل وعلا.
- قال تعالى ( ألم تر إلى الذيت أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت) والجبت إسم عام لكل ما فيه مخالفة لأمر الله ورسوله عليه الصلاة والسلام فى الإعتقاد فقد يكون سحرا أو كاهنا أو أى شئ يضر صاحبه والطاغوت هو مجاوزة الحد فهو كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع.
- وجه المناسبة من هذه الآية للباب أن الذين عبدوا الطاغوت والجبت كانوا ممن أوتوا الكتاب من النصارى واليهود وقد أخبرنا الرسول عليه الصلاة والسلام فى حديث أبى سعيد حيث قال ( لتتبعن سنن من كان قبلكم ….) ومعنى هذا أن ما حدث فى الأمم السابقة سيحدث فى أمة الإسلام أيضا وهذا ما حصل فى هذه الأمة فمنهم من آمن بالسحر ومنهم من عبد غير الله ومنهم من أطاع العلماء والأمراء فى تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله وحصل منهم الإيمان بالجبت والطاغوت كما حصل ممن كان قبلهم
- وقوله تعالى ( قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله …) المائدة 60 وجه الشاهد من هذه الآة قوله ( وعبد الطاغوت) فعبادة الطاغوت وقعت فى هؤلاء الملعونين وبحسب خبر النبى فما وقع قى هذه الأمم سيقع فى أمتنا
- قال تعالى فى سورة الكهف ( قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا) قصة أصحاب الكهف أنهم كانوا أهل صلاح وأن الله أماتهم ثلاث مائة سنين وإزدادو تسعا ثم أحياهم الله فإعتقد الناس فيهم ثم ماتوا فتنازع الناس فى أمرهم فمنهم من قال إجعلوا عليهم بنيانا ومنهم من قال إجعلوا لهم فناء ودار وعظموا مكانهم وإختلف الناس فيهم.
- قال الله تعالى ( قال الذين غلبوا على أمرهم) فمن هم؟ إختلف المفسرون فى ذلك فقال قائل هم مسلموا ذلك الزمان حيث عظموهم وقالوا ابنوا عليهم بنيانا وقالوا إتخذوا عليهم مسجدا وهذا من وسائل الشرك بالله حيث يؤدى إلى عبادة القبور والإعتقاد قى أصحاب الكهف.
- والقول الثانى أنهم المشركون أتباع ذلك الدين بإعتقادهم الجاهلى ولما فى قلوبهم من الشرك والبدع ومخالفتهم أنبيائهم.
- والقول الراجح أنهم الذين كانت لهم الغلبة فى الأمر أى أصحاب النفوذ والأمرا والكبراء منهم ومن يملك الأمر والنهى فى أهل ذلك الزمان وبما أن ذلك حدث فى الأمم السابقة فإنه يحصل فى هذه الأمة أيضا حتى أن بعضهم إدعى أنه الله أو أن روح الله تتناسخ فيهم أو فى أناس معينين.
- لم أقسم النبى عليه الصلاة والسلام فى حديث ثوبان؟ وذلك ليؤكد هذا الأمر تأكيدا عظيما بأن هذه الأمة ستتبع طريق وسبيل الأمم السابقة وفى هذا تحذير لأن من الأمم السابقة من هم أهل كتاب كاليهود والنصارى وهؤلاء وصفهم الله تعالى بأنهم مغضوب عليهم وملعونون وضالون وهذا ما حدث فى هذه الأمة فمنهم من سلك سبيل اليهود والنصارى.
- وجه الشاهد من حديث ثوبان قوله عليه الصلاة والسلام ( وإنما أخاف على أمتى الأئمة المضلين) وهم المضلون الذين يتخذهم الناس أئمة قد يكون من جهة الدين وقد يكون من جهة الولاية أى ولاية الحكم وهم يضلون الناس بالبدع والشركيات حتى تغدو فى أعينهم حقا ويفرضون عليهم أشياء تخالف الشرع والعقيدة
- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى آخر الحديث ( ولا تزال طائفة من أمتى على الحق منصوة لا يضرهم من خذلهم حتى يأتى أمر الله تعالى ) وهذه الطائفة هى الطائفة المنصورة والناجية وهم الظاهرون فلقد نصرهم الله بالحجة والبيان ولو هزموا فى مواطن قليلة إلا أنهم موصوفون بالنصر على الأعداء إما بالحجة أو بالسيف تارة أخرى وموصوفون بالنجاة من النار.
تلخيص:
قال الله تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلا }
ولمسلم عن ثوبان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله زوى لي الأرض ، فرأيت مشارقها ومغارﺑﻬا ، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها ، وأعطيت الكترين : الأحمر ، والأبيض ، وإني سألت ربي لأمتي ألا يهلكها بسنة بعامة وألا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم ، وإن ربي قال :يامحمد إذا قضيت قضاء فإنه لايرد ، وإني أعطيتك لأمتك ألا أهلكهم بسنة بعامة ، وألاأسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم ، فيستبيح بيضتهم ، ولو اجتمع عليهم من بأقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضا ويسبي بعضهم بعضا ) رواه البرقاني في صحيحه وزاد : ( وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين ، وإذا وقع عليهم السيف لم يرفع إلى يوم القيامة ، ولا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين ، وحتى تعبد فئام من أمتي الأوثان ، وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون ، كلهم يزعم أنه نبي ، وأنا خاتم النبيين ، ولانبي بعدي ، ولا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم وحتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى )
و هذا الاحتجاج في غير موضعه لعدم فهمهم للحديث فالشيطان لا يعلم الغيب و هو حريص على اغواء بني آدم فالشيطان أيس بنفسه لما رأى عز الاسلام و لما رأى ظهور التوحيد على الكفر في جزيرة العرب فأيس لما رأى ذلك و لكنه لم يأسه الله جل و علا من أن يعبد في جزيرة العرب.
ـ عبادة الأوثان واقعة في بعض هذه الأمة بنص قول النبي صلى الله عليه و سلم كما وقعت في الأمم السالفة فهذه الأمة فيها عبادة غير الله سبحانه و تعالى .
اذا قلنا أمة الدعوة :فلا شك أن هناك من أمة الدعوة و هم جميع الجن و الانس من عبد الأوثان و استمر على عبادتها بعد بعثة النبي صلى الله عليه و سلم و لم يرضى ببعثته و لم يقبل ذلك و اذا قلنا ان المراد بالأمة أمة الاجابة :يعني من أجاب الرسول صلى الله عليه و سلم في دعوته تتقادم بهم العهود حتى يرتدوا على أدبارهم و يتركوا دينهم .
و الظاهر هنا أن المعني به أمة الاجابة في أنهم يتركون دينهم و يتوجهون الى الأوثان و يعبدونها .
ـ الوثن :هو كل شيء توجه اليه الناس بالعبادة اما بأن يدعوه مع الله عز و جل أو أن يستغيثوا به أو أن يعتقدوا فيه أنه ينفع و يضر بدون اذن الله تعالى أو أنه يرجى رجاء العبادة و يخاف منه كخوف الله جل و علا .
ـ الأصنام :هي الآلهة التي صورت على شكل صور كأن يجعل لنبي من الأنبياء صورة أو يجعل لرجل من الرجال كبوذا و نحوه صورة و يسجد لها و يعبدها .
ـ الجبت :اسم عام لكل ما فيه مخالفة لأمر الله جل و علا و أمر رسوله صلى الله عليه و سلم في العتقاد فقد يكون الجبت سحرا و هذا هو الذي فسر به كثير من السلف الجبت و قد يكون الجبت الكاهن و قد يكون الشيء المرذول الذي يضر صاحبه .
ـ الطاغوت :مشتق من الطغيان و هو مجاوزة الحد فالطاغية هو الذي تجاوز الحد في أمر الدين بأن جعل ما لله له و لهذا يعرف ابن القيم رحمه الله الطاغوت بأنه "كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع .
ـ بما أن ما وقع في الأمم السابقة سيقع في هذه الأمة فاننا نعلم أن في هذه الأمة من سيعبد الطاغوت و يدخل فيها عبادة الأوثان و القبور و تأليه أصحابها و التوسل بهم الى الله تعالى و الاستشفاع بهم الى الله أو طلب الشفاعة منهم و نحو ذلك من الوسائل الشركية أو ما هو من الشرك الأكبر .
قال بعض المفسرين هم المسلمون مسلمو ذلك الزمان حصل منهم تعظيم لأصحاب الكهف .
القول الثاني :أن الذين غلبوا على أمرهم هم المشركون يعني أتباع ذلك الدين لاعتقادهم الجاهل و لما في قلوبهم من الشرك و البدع التي خالفوا بها أنبياءهم .
و القول الثالث :و هو الذي رجحه عدد من أهل العلم أن الذين غلبوا على أمرهم هم الكبراء و الأمراء و أصحاب النفوذ فيهم و ملوك ذلك الزمان و أمراؤه عظموا هؤلاء الصالحين .
و ما دام أنه حصل فانه سيحصل في هذه الأمة
* احتجاج بعض المشركين أن هذه الأمة حماها الله من أن تعبد الأوثان وعصمت من الوقوع في الشرك الأكبر
لقول النبي عليه الصلاة والسلام :
(( إن الشيطان أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم ))
وهذا الإحتجاج في غير محله وذكر في الكتاب :
إن الشيطان لايعلم الغيب وهو حريص على إغواء بني آدم لقوله تعالى :
((لأحتنكن ذريته إلا قليلا ))
هو أيس لكن لم يأيسه الله ..
* في قوله : (( أيس أن يعبده المصلون ))
إشارة إلى أن أهل الصلاة الذين لاتتأتى منهم عبادة الشيطان لأن المصلين لاشك أنهم آمرين بالمعروف
وناهين عن المنكر لأن المصلي هو الذي أقام الصلاة ومن أقام الصلاة فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر وأعظم المنكر هو الشرك بالله
فليس في هذا الحديث أن عبادة الشيطان لاتكون في هذه الأمة ..
* أن الشيطان أيس لما رأى عز الإسلام لكنه لم يأيس وقد تكون عبادة الشيطان بطاعته
كما قال تعالى:
(( ألم أعهد إليكم يابني ءآدم أن لابعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين ))
وطاعة الشيطان تكون إما في الأمر والنهي أو الشرك وطاعته في ترك الإيمان ولوازمه ..
* قول الإمام : ( باب ماجآء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان )
أي أن عبادة الأوثان واقعة في هذه الأمة وهي عبادة غير الله
الأوثان : جمع وثن
الفرق بين الوثن والصنم
الأوثان : هو كل شيء توجه إليه بالعبادة إما أن يدعوه مع الله أو أن يستغيثوا به
أو أن يعتقد فيه أو أن يدف ضر أو ينفع بدون إذن الله ونحو ذلك من التوجهات والعبادات
فمن اعتقد فيه شيء من ذلك فهو وثن وقد يكون راضيا بذلك وقد لايكون
الأصنام: هي الآلهة التي صورت على شكل صورة
* قول الله تعالى: (( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ))
الجبت : اسم عام لكل مافيه مخالفة لأمر الله وأمر رسوله في الإعتقاد قد يكون الجبت سحرا وقد يكون
كاهن وقد يكون الشيء المرذول الذي يضر صاحبه
الطاغوت: مشتق من الطغيان وهو مجاوزة الحد فيما لم يأذن به الشرع
الطاغية: هو الذي تجاوز الحد في أمر الدين بأن جعل ما لله له
* يعرف ابن القيم الطاغوت :
(( كل ماتجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع ))
المقصود من معبود : الحد الذي لم يأذن به الشرع مجاوزته له
فتوجهوا إليه بالعبادة أو اعتقاده فيه بعض خصائص الإلهية أو أنه يملك الشفاعة أو يغيثه كيفما شاء أو أن يغفر له
ونحو ذلك مما لايملكه المعبودين .
والمقصود بقوله متبوع :
مثل العلماء والقادة في أمر الدين
أنهم صاروا يتبعونهم في كل ماقالوا وإن أحلوا لهم الحرام وحرموا لهم الحلال وهم يعلمون أصل الدين
ولكنهم خالفوا لأجل ماقال فلان
والمقصود بقوله مطاع :
يشمل الأمراء والملوك والحكام والرؤساء الذين يأمرون بالحرام فيطاعون ويأمرون بتحريم الحلال فيطاعون مع علم المطيع
بما أمر الله فهؤلاء اتخذوهم طواغيت ..
قول: (( حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه قالوا :
يارسول الله اليهود والنصارى ؟
قال : فمن ؟ ))
وجه الدلالة: أن كل كفر وشرك وقع في الأمم السابقة فسيقع في هذه الأمة …