تخطى إلى المحتوى

المغرب العربي أنشأ وزارة للزواج 2024.

وزارة للزواج

آراء
الأربعاء 9/5/2017
د. هيفاء بيطار

حين سمعت الخبر لأول مرة بأن المغرب العربي أنشأ وزارة للزواج ضحكت كما لو أن الأمر دعابة, لكن سرعان ما استفزني هذا التعبير (وزارة للزواج) حين عكس خيالي ملايين من الشباب العربي اليائس والمحبط وغير القادر على الزواج.

كلنا نعرف أن المجتمعات العربية مجتمعات فتية, يشكل فيها الأطفال والشبان الغالبية العظمى من السكان, وحسب الإحصاءات فإن نسبة من تقل أعمارهم عن 25 سنة حوالي 70% من تعداد السكان.‏

وبنظرة بانورامية على حال معظم الشباب العرب, نجد شريحة كبيرة منهم تعيش عند حدود خط الفقر, فالبطالة مرتفعة جداً, وفرص العمل قليلة, والرواتب هزيلة ومصابة بالشلل, لدرجة بالكاد يكفي الراتب لسد حاجات المعدة – وهذا الوضع عام في كل البلدان العربية – باستثناء بعض دول الخليج العربي.‏

من ناحية أخرى تكفينا نظرة على أبواب السفارات الأجنبية كي نحس بحجم المأساة, مئات الألوف من الشبان ينتظرون فرص عمل في تلك الدول, وعادة ما يعيشون في بلاد الغربة حياة قاسية جداً إذ يتشارك العديد من الشبان في استئجار غرفة, ويعيشون في الحدود الدنيا, كي يتمكنوا بعد سنوات طويلة من الكفاح الشاق أن يؤمنوا شقة صغيرة في بلدهم الأم.‏

مشكلتنا أننا نميل لطرح المواضيع الطنانة الكبيرة, أما المشكلات البديهية التي نتنفسها كالهواء فنعتاد عليها وننسى أنها يجب أن تحتل الأولوية في اهتماماتنا.‏

إن أبسط سؤال وأكثره بديهية هو: كيف سيتمكن شاب عربي (جامعي أو غير جامعي) من تأمين مستقبله? أي أن يؤمن منزلاً ويفرشه بأثاث لائق, وأن يتمكن من إعالة أطفاله وتأمين عيش كريم لهم?!‏

لنفترض في أحسن الأحوال أن الشاب الجامعي قد وفق بوظيفة, سيكون راتبه بين 5000- 10000 ليرة في الشهر. راتب لا يكفي لاستئجار بيت! فكيف سيؤمن مصروفه, طعامه وكسوته, وطبابته!!‏

كم راتب يحتاج هذا الشاب ليشتري تلفازاً, وكم راتب سيحتاج ليشتري براداً أو غسالة, أو غرفة نوم.. إلخ?‏

وهل يجرؤ هذا الشاب على الحلم بالزواج وهو يقبض راتباً كسيحاً يحتاج – على الأقل – إلى عشرين ضعفه كي يتمكن من الإقدام على خطوة الارتباط.‏

إن ارتفاع نسبة العنوسة في مجتمعاتنا العربية صار يشكل خطراً على بنية المجتمع, فوجود الملايين من الشباب المحبط, غير القادر على الارتباط, وما يجر هذا الوضع اللاإنساني إلى انحرافات, وإدمان وشتى أشكال الأمراض النفسية الاكتئابية, والأهم إلى ما يجر إليه من تطرف وعنف لتنفيس هذا الكبت والإحسان بانعدام القيمة.والأهم فقد بين علم النفس أن الكبت الجنسي ليس جوعاً جسدياً فقط, بل إن معاناة الإنسان ليست معاناة كبت غريزة فقط, بل يستفيض يونغ (رائد التحليل النفسي) في شرح تأثير الكبت الجنسي عند الشباب, ويبرهن كيف أنه يجعل الإنسان يتدهور روحياً وجسدياً, وبأن الشاب أو الفتاة, بانقطاعهما عن عيش مشاعرهما الجنسية الإنسانية الطبيعية يشعران أن مرتبتهما قد هبطت إلى مستوى المقعد أو المجنون.‏

ثم تصبح الحياة بالنسبة لهؤلاء حياة غير مقبولة, ويعيشونها دونما غاية, لقد عولجت مواضيع مثل العنوسة, والبطالة في العالم العربي, عن طريق إقامة مئات الندوات الطنانة, وكتابة آلاف المقالات الجذابة, لكن لم تحل بشكل فعلي هذه المشكلات.‏

لذا فإن إنشاء وزارة للزواج في كل بلد عربي, قد تكون فكرة عبقرية حقاً, خاصة إذا تمكنت تلك الوزارة من وضع أسس عملية لمساعدة الشباب العربي عن طريق منح قروض طويلة الأمد وبدون فوائد, أو تأمين مساكن للشباب, أو مساعدتهم بإيجاد فرص عمل.‏

والأهم من كل ذلك عن طريق رفع الرواتب.. عن طريق تحقيق تلك المعجزة بأن يصون الراتب كرامة الإنسان.‏

الشباب هم المستقبل, هم القوة الإنتاجية الحقيقية, وهم صناع الحياة – كما نسميهم – ترى ما المواد التي نضعها بين يدي صناع الحياة?‏

كيف سننتظر منهم أن يكونوا منتجين وفعالين, وأن يحسنوا قيادة الوطن في المجال الاقتصادي والفكري, والاجتماعي, إن كانت أمراض البطالة والفقر والاكتئاب تنهش أجسادهم الفتية وعقولهم المتعبة?‏

أتمنى لو تحذو الدول العربية حذو المغرب العربي, وتنشأ وزارة للزواج.‏

د. هيفاء بيطار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.