لقد وقع الاختيار على تسمية هذه الحرب بحرب (( الدهشة والصدمة ))،فيعتبر السلاح الأول فيها هو سلاح التدمير النفسي الذي وان لم يدمر المحاربين المهيئين لذلك،فسيدمر بالتأكيد التوازن النفسي للمدنيين وعلى وجه الخصوص الأطفال… وهكذا الحروب دائما يصنعها الكبار ويقع ضحية لها الصغار.
ولعلنا في العالم العربي لا نعطي اهتمام كبير بالرعاية النفسية والوسائل المطلوبة لاحتواء ردة فعل الصدمات على الأطفال في حين أن غالبية المختصين يؤكدون أن أخطر آثار الحروب وهذه الحرب على وجه التحديد هو ما سيظهر بشكل ملموس لاحقاً في جيل كامل من الأطفال ، سيكبر من ينجو منهم وهو يعاني من مشاكل نفسية قد تتراوح في خطورتها بقدر استيعاب ووعي الأهل لكيفية مساعدة الطفل على تجاوز المشاهد التي مرت به ….. ومن الممكن تفادي هذه الحالات فقط إذا تذكر أحدهم الجانب النفسي للطفل في هذه الأوقات العصيبة .
الدكتور محمد النابلسي : الزمن لا يشفي الصدمة بل يحولها إلى مزمنة
في موقعه الخاص يتحدث الدكتور " محمد النابلسي " عن ردود الفعل إزاء الإنفجارات ويصنفها إلى :
1 ) ردود الفعل الأولية : التخدير الحسي عند سماع الإنفجار ثم الانتقال إلى مرحلة عدم استيعاب الحدث يتبعها مرحلة الهستيريا من الصراخ والبكاء .
2 ) ردود الفعل قريبة الأمد : وهي صعوبات التفكير وحالة من القلق والاضطرابات .
3 ) ردود الفعل متوسطة الأمد : فيها يبدأ الإنسان بالشعور بعدم الاطمئنان وأحياناً الإحساس بالذنب لعدم قدرته على تقديم المساعدة وقد تنتابه حالة من الغضب الناتج عن العجز وهذا يؤدي إلى انتكاسات نفسية وجسدية .
4 ) ردود الفعل الطويلة الأمد : تعتمد على قدرة الإنسان على التكيف مع الأحداث .
الـصـدمــة
نستخدم عادة كلمة ( صدمه ) للتعبير عن التأثر النفسي الشديد … ولكن المفتاح لتعريف هذه الحالة والمعروفة بـ "trauma" بشكل مبسط هو حالة من الضغط النفسي تتجاوز قدرة الإنسان على التحمل والعودة إلى حالة التوازن الدائم بعدها ، دون آثار مترسبة .
ولقد قام المختصون بتعريف الصدمات النفسية بأشكال مختلفة يعتمد كل منها على التجربة الفردية الخاصة نحو الحدث الذي أدى إلى الصدمة ويعتبر أكثرها أثراً هو ذلك النوع من الصدمات التي تهدد بخطورة على الحياة أو الإصابات الجسدية والمفاجآت الخارقة للعادة … فتجعل الإنسان في مواجهة الخوف من الموت ، الإبادة ، الإيذاء ، الخيانة ، الوقوع في فخ ، العجز ، الألم أو الخسارة .
هذا هو التعريف الواسع للصدمة بشكل تقريبي ويتضمن ردود الفعل على الحوادث التي نتعرض لها مثل الحوادث العرضية ، الكوارث الطبيعية ، الجرائم ، الجراحات ، الوفيات ، أو الأحداث العنيفة بشكل عام …. ويتضمن أيضاً لدى الأطفال حوادث التحرش، الإهمال، القتال، الحرمان وعلى رأس كل هذا الحروب.
الأطفال والحروب
تقول الدكتورة " نعمة البدراوي " اخصائية الطب النفسي: (( تعتبر الصدمات التي يتعرض لها الطفل بفعل الإنسان أقسى مما قد يتعرض له من جراء الكوارث الطبيعية وأكثر رسوخاً بالذاكرة ويزداد الأمر صعوبة إذا تكررت هذه الصدمات لتتراكم في فترات متقاربة … ومن معوقات الكشف عن هذه الحالات لدى الأطفال هو أنه يصعب عليهم التعبير عن الشعور أو الحالة النفسية التي يمرون بها بينما يختزلها العقل وتؤدي إلى مشاكل نفسية عميقة خاصة إذا لم يتمكن الأهل أو البيئة المحيطة بهم من احتواء هذه الحالات ومساعدة الطفل على تجاوزها ))
ومن أهم الحالات التي يتعرض لها الأطفال خلال الحروب :
ـ سوء التغذية في المناطق الفقيرة
ـ المرض
ـ التشرد
ـ اليتم والفواجع
ـ المشاهد العنيفة
ـ الإرغام على ارتكاب أعمال عنف
ـ الإضطراب في التربية والتعليم
وقد تصاحب هذه الصدمات حالات من الفوبيا المزمنة من الأحداث أو الأشخاص أو الأشياء التي ترافق وجودها مع وقوع الحدث مثل الجنود ، صفارات الإنذار ، الأصوات المرتفعة ، الطائرات …. وفي بعض الأحيانيعبر الطفل عن هذه الحالات بالبكاء أو العنف أو الغضب والصراخ أو الإنزواء في حالات من الإكتئاب الشديد …. إلى جانب الأعراض المرضية مثل الصداع، المغص، صعوبة في التنفس، تقيؤ، تبول لا إرادي،انعدام الشهية للطعام، قلة النوم، الكوابيس، آلام وهمية في حال مشاهدته لأشخاص يتألمون أو يتعرضون للتعذيب .
وفي حال مشاهدة الطفل لحالات وفاة مروعة لأشخاص مقربين منه أو جثث مشوهة أو حالة عجز لدى مصادر القوة لدى الطفل (( الأب و الأم على سبيل المثال )) يصاب عندها الطفل بصدمة عصبية قد تؤثر على قدراته العقلية .
وغالباً ما تظهر المشاعر التي يختزنها الطفل أثناء اللعب أو الرسم فنلاحظ أنه يرسم مشاهد من الحرب كأشخاص يتقاتلون أو يتعرضون للموت والإصابات وأدوات عنيفة أو طائرات مقاتلة وقنابل ومنازل تحترق أو مخيماتويميلون إلى اللعب بالمسدسات واقتناء السيارات والطائرات الحربية …. وتمتليء مشاعر الطفل بالعنف والكراهية والشك أو اليأس و القلق المستمر
دور الأهل
يقول المختصون في هذا المجال أنه علىالأهل في حال تعرض الطفل لظروف مروعة أن يبدؤوا مباشرة بإحاطتهم بالاطمئنان ولا يتركونهم عرضة لمواجهة هذه المشاهد دون دعم نفسي وذلك عن طريقالحديث المتواصل معهم وطمأنتهم بأن كل شي سيكون على ما يرام وأنهم لن يصيبهم شي مع التركيز على بث كلمات من الحب أو تشتيت فكرهم عن التركيز في الحدث المروع خاصة في أوقات الغارات المخيفة في حال وقوعها على مقربة منهم …. فهذه اللحظة هي الأهم في حياة الطفل النفسية وكلما تركناه يواجهها وحده يزداد أثرها السلبي بداخله على المدى القريب والبعيد .
وللأطفال الأكبر سناً يمكن مناقشة ما يجري معهم وإقناعهم بأنهم في مكان آمن أو أن القصف لن يطالهم وأن الأهل متخذين كافة الاحتياطات لحمايته …. مع ضرورة عدم منعهم من البكاء أو السؤال عن ما يجري والحديث عنه فمن الضروري أن نعرف ما يدور في تفكير الطفل و نترك لمشاعرهم العنان في هذه الأوقاتحتى لا تتراكم الصدمة ….. ويمكن تشجعيهم على الحديث بمبادرة من الأب أو الأم للحديث عن مشاعرهم مع اختيار الأسلوب والألفاظ التي يمكن للطفل استيعابها والتجاوب معها .
ومن المهم أيضاً أن يراقب الآباء تصرفاتهم ويحاولوا المحافظة على الحالة الطبيعية لهما وقوة التحمل وتلطيف الأجواء ليبثوا الثقة في الأطفال … وأن لا يتغير أسلوب الحياة بشكل كبير وبقدر المستطاع .
اللجوء إلى الله
ويبقى في الواقع الجانب الروحي أو الديني هو الأهم حيثيكفل للإنسان الاطمئنان فيمكن التجمع في اللحظات العصيبة لقراءة القرآن أو الصلاة الجماعية والدعاء ، و زرع الإحساس بداخل الطفل عن وجود قدرة الاهية عظيمة قادرة على نجدته في هذا الوقت من أي شيء مهما كان قوياً ومروعاً يعتبر أمر مهم جداً لمساعدته على تجاوز حالة العجز والخوف التي قد ترافقه بقية حياته وتساهم أيضا في استعادته لثقته بنفسه وبالعالم حوله وعدم فقدان الأمل ….. مع محاولة تهوين الأمر عليه بذكر قصص تحكي عن فضائل الصبر والجلد والعزيمة.
منقول