• ﴿ الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ ﴾ 1. وهو هذا القُرآنُ المُشتمِلُ على الحِكمةِ
والأحكام، الدَّالةُ آياتُه على الحقائق الإيمانيَّةِ والأوامِر والنَّواهي الشَّرعِيَّةِ،
الذي على جميع الأُمَّةِ تلقِّيه بالرِّضا والقَبُول والانقياد.
"تفسيرُ السَّعديّ"
• ﴿ أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ
آَمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ ﴾ 2.
أكان أمرًا عَجَبًا للناس إنزالُنا الوَحي بالقُرآن على رَجُلٍ منهم، يُنذِرُهم عِقابَ الله،
ويُبَشِّرُ الذين آمنوا بالله ورُسُله أنَّ لهم أجرًا حَسنًا بما قدَّموا من صالح الأعمال؟!
فلَمَّا أتاهم رسولُ اللهِ- صلَّى الله عليه وسلَّم- بوَحي الله وتلاه عليهم،
قال المنكرون: إنَّ محمدًا ساحِرٌ، وما جاء به سِحرٌ ظاهِرُ البُطلان.
"التَّفسيرُ المُيَسَّرُ"
• ﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى
الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا
تَذَكَّرُونَ ﴾ 3. إنَّ رَبَّكم اللهُ الذي خَلَقَ السماواتِ والأرض في ستة أيام،
مع أنَّه قادرٌ على خَلْقِها في لحظةٍ واحدةٍ، ولكنْ لِمَا له في ذلك من الحِكمةِ
الإلهيَّةِ. ثُمَّ استوى على العرش استواءً يليقُ بجلاله وعظمته، يُدبِّرُ أمورَ خَلْقِهِ
في العالم العُلويِّ والسُّفليِّ؛ من الإماتةِ والإحياءِ، وإنزال الأرزاق، ومُداولةِ الأيام
بين الناس، وكشفِ الضُّرِّ عن المضرورين، وإجابةِ سُؤال السائلين. ولا يَشفعُ
عنده شافِعٌ يوم القيامة إلَّا من بعد أن يأذن له بالشفاعة. فاعبُدوا اللهَ رَبَّكم
المُتصف بهذه الصفات، وأخلِصُوا له العبادة. أفلا تتَّعِظُونَ وتعتبرون بهذه
الآياتِ والحُجَج الدَّالَّةِ على أنَّه وَحدَه المعبود المحمود، ذو الجلال والإكرام؟!
"التَّفسيرُ المُيَسَّرُ وتفسيرُ السَّعديّ بتَصَرُّفٍ يَسيرٍ"
= والسِّتَّةُ أيَّامٍ التي خَلَقَ اللهُ فيها السَّماواتِ والأرضَ، هِيَ:
الأحدُ والاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجُمُعة.
= قال الإمامُ مالك رَحِمَه اللهُ تعالى:
‹‹ الاستواءُ غيرُ مجهول، والكَيْفُ غيرُ معقول، والإيمانُ به واجِبٌ،
والسُّؤالُ عنه بِدعةٌ ››.
= الشَّفاعةُ في الآخِرةِ لا تكونُ إلَّا بإذن اللهِ سُبحانه،
﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ﴾ البقرة/255.
• ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ
وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * إِنَّ فِي اخْتِلَافِ
اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ ﴾ 5-6.
اللهُ هو الذي جعل الشمسَ ضِياءً، وجعل القمرَ نُورًا، وقدَّر القمرَ منازلَ،
فبالشمس تُعرَفُ الأيامُ، وبالقمر تُعرَفُ الشهورُ والأعوامُ. ما خَلَقَ اللهُ تعالى
الشمسَ والقمرَ إلَّا لحِكمةٍ عظيمةٍ، ودِلالة على كمال قُدرة الله وعِلمه، يُبيِّنُ
الحُجَجَ والأدِلَّةََ لقومٍ يعلمون الحِكمة في إبداع الخَلْق. إنَّ في تعاقُبِ الليل والنهار
وما خَلَقَ اللهُ في السَّماواتِ والأرض- من عجائب الخَلْق وما فيهما من إبداعٍ
ونظامٍ- لأدِلَّةً وحُجَجًا واضحةً لقومٍ يخشون عِقابَ الله وسَخَطَه وعذابَه.
ومُجرَّدُ خَلْق هذه المخلوقاتِ بهذه الصفة، دالٌّ على كمال قُدرة الله تعالى، وعِلمه،
وحياته، وقيَّوميَّته، وما فيها من الإحكام والإتقان والإبداع والحُسن، دالٌّ على كمال
حِكمة الله، وحُسن خَلْقه وسعة عِلمه. وما فيها من أنواع المنافع والمصالح- كجَعْل
الشمس ضِياءً والقمر نُورًا يَحصُلُ بهما من النَّفع الضروريِّ وغيره ما يَحصُلُ- يَدُلُّ
ذلك على رحمةِ الله تعالى واعتنائه بعِباده وسعة بِرِّه وإحسانه، وما فيها من
التخصيصات دالٌّ على مشيئة الله وإرادته النافذة.
وذلك دالٌّ على أنَّه وَحدَه المعبود والمحبوب المحمود، ذو الجلال والإكرام
والأوصاف العِظام، الذي لا تنبغي الرغبةُ والرهبةُ إلَّا إليه، ولا يُصرَف خالِصُ
الدَّعاءِ إلَّا له، لا لغيره من المخلوقات المربوبات، المفتقرات إلى الله في جميع
شئونها.
وفي هذه الآياتِ الحَثُّ والترغيبُ على التفكُّر في مخلوقات الله، والنَّظر فيها
بعَين الاعتبار، فإنَّه بذلك تنفتِحُ البَصيرةُ، ويزدادُ الإيمانُ والعقلُ، وتَقْوَى القَريحةُ،
وفي إهمال ذلك تهاونٌ بما أمر اللهُ به، وإغلاقٌ لزيادة الإيمان، وجُمُودٌ للذِّهن
والقَريحة.
"التَّفسيرُ المُيَسَّرُ وتفسيرُ السَّعديّ"
• ﴿ إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ
عَنْ آَيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ 7-8.
إنَّ الذين لا يطمعون بلقاءِ الله، الذي هو أكبر ما طمع فيه الطامعون، وأعلى
ما أمَّلَه المُؤمِّلُون، بل أعرضوا عن ذلك، ورُبَّما كذَّبُوا به ورَضُوا بالحياة الدُّنيا
عِوَضًا عن الآخِرة، وركنوا إليها، وجعلوها غايةَ مرامهم ونهاية قَصْدِهم، فسَعَوْا لها
وأكبُّوا على لَذَّاتِها وشَهَواتِها، بأيِّ طريقٍ حُصِّلَت حَصَّلُوها، ومِن أيِّ وَجهٍ لاحت
ابتدروها، قد صرفوا إرادتَهم ونيَّاتِهم وأفكارَهم وأعمالَهم إليها. فكأنَّهم خُلِقُوا للبَقاءِ
فيها، وكأنَّها ليست دارَ مَمَرٍّ، يتزوَّدُ منها المُسافرون إلى الدار الباقية التي
إليها يَرحلُ الأوَّلُونَ والآخِرونَ، وإلى نعيمها ولذَّاتِها شَمَّر المُوَفَّقُونَ.
والذين هم عن آياتِنا الكونيَّةِ والشرعيَّةِ ساهون، فلا ينتفعون بالآياتِ القُرآنيَّةِ،
ولا بالآياتِ الأفقيَّةِ والنفسيَّةِ، والإعراضُ عن الدليل مُستلزِمٌ للإعراض والغَفلة
عن المدلول المقصود.
أولئك مَقَرُّهم ومَسكنُهم في الآخِرة نارُ جَهنَّمَ التي لا يَرحلونَ عنها،
جزاءً بما كانوا يكسبون في دُنياهم من الكُفر والشِّركِ وأنواع المعاصي.
"تفسيرُ السَّعديّ والتَّفسيرُ المُيَسَّرُ"
• ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ
الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآَخِرُ
دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ 9. إنَّ الذين آمنوا بالله ورسوله وعَمِلُوا
الصالحاتِ؛ فجَمَعُوا بين الإيمان، والقيام بمُوجبه ومُقتضاه من الأعمال الصالحة،
المُشتملة على أعمال القلوب وأعمال الجوارح، على وجه الإخلاص والمتابعة،
يَهديهم رَبُّهم إلى طريق الجنَّةِ ويُوفِّقُهم إلى العمل المُوصِل إليه؛ بسبب إيمانهم،
ثم يُثيبُهم بدُخُول الجنَّةِ وإحلال رضوانه عليهم، تجري من تحتهم الأنهارُ في جنَّاتِ
النَّعيم. وأضافها اللهُ إلى النَّعيم لاشتمالِها على النَّعيم التَّام، نعيم القلب بالفَرح
والسُّرور، والبَهجة والحُبُور، ورُؤية الرَّحمَن وسَماع كلامه، والاغتباط برضاه
وقُربه، ولقاء الأحبَّةِ والإخوان، والتَّمتُّع بالاجتماع بهم، وسَماع الأصواتِ
المطربات، والنغماتِ المُشجيات، والمناظر المُفرحات. ونعيمُ البَدن بأنواع
المآكل والمشارب والمناكح ونحو ذلك، مِمَّا لا تعلمه النُّفُوسُ، ولا خَطَرَ ببال
أحد، أو قدر أن يَصِفَه الواصفون. دعاؤهم في الجنَّةِ التسبيحُ (سُبحانَكَ اللَّهم)،
وتحيَّةُ اللهِ وملائكتِهِ لهم، وتحيَّةُ بَعضِهم بَعضًا في الجنَّةِ (سَلام)، وآخِرُ دُعائِهم
قولُهم: (الحمدُ للهِ رَبِّ العالَمين) أي: الشُّكرُ والثَّناءُ لله خالِق المخلوقات
ومُربِّيها بنِعَمِهِ.
"التَّفسيرُ المُيَسَّرُ وتفسيرُ السَّعديّ"
• ﴿ وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ
الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ 11. وهذا من لُطفه وإحسانه
بعِباده، أنَّه لو عَجَّل لهم الشَّرَّ إذا أتَوْا بأسبابه، وبادَرَهم بالعُقوبةِ على ذلك، كما
يُعَجِّلُ لهم الخَيرَ إذا أتَوْا بأسبابه، لَمَحَقَتهم العُقوبةُ، ولكنَّه تعالى يُمهِلُهم ولا
يُهمِلُهم، ويَعفُو عن كثيرٍ من حُقُوقه، فلو يُؤاخِذُ اللهُ الناسَ بظُلمهم ما ترك
على ظهرها من دابَّةٍ.
ويَدخُلُ في هذا: أنَّ العَبدَ إذا غَضِبَ على أولاده أو أهله أو ماله، رُبَّما دَعَا عليهم
دَعوةً لو قُبِلَت منه لَهَلكوا، ولأضرَّه ذلك غايةَ الضَّرر، ولكنَّه تعالى حليمٌ حكيمٌ.
فنترُكُ الذين لا يُؤمنون بالآخِرة- فلذلك لا يَستعِدُّونَ لها ولا يعلمون ما يُنجِّيهم
من عذاب الله- في باطلهم، الذي جاوزوا به الحَقَّ والحَدَّ، يتردَّدُونَ حائرين،
لا يهتدون السبيلَ، ولا يُوفَّقُونَ لأقوم دليل، وذلك عُقُوبة لهم على ظُلمهم،
وكُفرهم بآياتِ الله.
"تفسيرُ السَّعديّ بتَصَرُّفٍ يَسيرٍ"
• ﴿ وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ
مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ 12.
وهذا إخبارٌ عن طبيعةِ الإنسان مِن حيثُ هُو، وأنَّه إذا مَسَّه ضُرٌّ- مِن مَرضٍ أو
مُصيبةٍ- اجتهد في الدُّعاءِ، وسأل اللهَ في جميع أحواله، قائمًا وقاعدًا ومُضطجعًا،
وألَحَّ في الدُّعاءِ؛ ليَكشِفَ اللهُ عنه ضُرَّه.
فلَمَّا كشفنا عنه الشِّدَّةَ التي أصابته، استمر في غفلته مُعرضًا عن رَبِّه، كأنَّه
ما جاءه ضُرٌّ، فكشفه اللهُ عنه، فأيُّ ظُلمٍ أعظمُ من هذا الظُّلم؟!! يَطلُبُ من الله
قضاءَ غَرَضِه، فإذا أناله إيَّاه لم يَنظُر إلى حَقِّ رَبِّه، وكأنَّه ليس عليه للهِ حَقٌّ.
وهذا تزيينٌ من الشيطان، زَيَّنَ له ما كان مُستهجَنًا مُستقبَحًا في العُقول والفِطَر.
كذلك زُيِّنَ للذين أسرفوا في الكَذِبِ على اللهِ وعلى أنبيائِهِ ما كانوا يعملون من
معاصي الله والشِّرْكِ به.
"تفسيرُ السَّعديّ والتَّفسيرُ المُيَسَّرُ"
• ﴿ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ
اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا
يُشْرِكُونَ ﴾ 18. ويَعبُدُ هؤلاءِ المُشركون المُكذِّبون لرسول الله- صلَّى الله عليه
وسلَّم- مِن دُون الله ما لا يَملِكُ لهم مِثقالَ ذَرَّةٍ من النَّفع ولا يَدفَعُ عنهم شيئًا.
ويقولونَ قولاً خاليًا من البُرهان: إنَّما نعبُدُهم ليُقرِّبُونا إلى الله، ويشفعوا لنا عنده.
وهذا قولٌ من تِلقاءِ أنفسهم، وكلامٌ ابتكروه هُم. واللهُ أحاط عِلمًا بجميع ما في
السَّماواتِ والأرض، وقد أخبركم بأنَّه ليس له شريكٌ ولا إلهٌ معه. أفأنتم-يا مَعشر
المشركين- تزعمون أنَّه يُوجَدُ له فيها شُركاء؟ أفتُخبرونه بأمرٍ خَفِيَ عليه،
وعلمتوه؟ أأنتم أعلمُ أم الله؟ فهل يُوجَدُ قولٌ أبطلُ من هذا القول، المُتضمن أنَّ
هؤلاء الضُّلَّال الجُهَّال السُّفهاء أعلَمُ من رَبِّ العالمين؟ فليَكتفِ العاقلُ بمُجرَّدِ
تصوُّر هذا القول، فإنَّه يَجزِمُ بفَساده وبُطلانه. تقدَّسَ وتنزَّه أن يكونَ له شريكٌ
أو نظيرٌ، بل هو اللهُ الأحدُ الفَردُ الصَّمَدُ الذي لا إله في السَّماواتِ والأرض إلَّا
هُوَ، وكُلُّ مَعبودٍ في العالم العُلويِّ والسُّفليِّ سِواه، فإنَّه باطِلٌ عقلا وشرعًا وفِطرةً.
﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ
الْكَبِيرُ ﴾ الحج/62.
"تفسيرُ السَّعديّ بتَصَرُّفٍ يَسيرٍ"
• ﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا
يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ
قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ
كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ 24. إنَّما مَثَلُ الحياة الدُّنيا وما تتفاخرون
به فيها من زينةٍ وأموال، كمَثَل مَطرٍ أنزلناه من السماء إلى الأرض، فنبتت به
أنواعٌ من النبات مُختلطٌ بعضها ببعض مِمَّا يقتاتُ به الناسُ من الثمار، وما
تأكُلُه الحيواناتُ من النبات، حتى إذا ظهر حُسْنُ هذه الأرض وبهاؤها، وظَنَّ
أهلُ هذه الأرض أنَّهم قادرون على حَصادِها والانتفاع بها، جاءها أمرُنا
وقضاؤنا بهلاك ما عليها من النبات والزينة، إمَّا ليلاً وإمَّا نهارًا، فجعلنا هذه
النباتات والأشجار مَحصودةً مقطوعةً لا شيء فيها، كأنْ لم تكُن تلك الزروعُ
والنباتاتُ قائمةً قبل ذلك على وجه الأرض، فكذلك يأتي الفناءُ على ما تتباهَون
به من دُنياكم وزخارفها، فيُفنيها اللهُ ويُهلِكُها. وكما بيَّنا لكم- أيُّها الناس- مَثَلَ
هذه الدُّنيا وعرَّفناكم بحقيقتها، نُبيِّن حُجَجَنا وأدِلَّتنا لقومٍ يتفكَّرون في آياتِ الله،
ويتدبَّرون ما ينفعُهم في الدُّنيا والآخِرة.
"التَّفسيرُ المُيَسَّرُ"
• ﴿ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ 25.
عَمَّ تعالى عِبادَه بالدَّعوة إلى دار السَّلام، والحَثِّ على ذلك، والترغيب،
وخَصَّ بالهِدايةِ مَن شاء استخلاصَه واصطفاءَه، فهذا فضلُه وإحسانُه،
واللهُ يَختَصُّ برحمته مَن يشاء، وذلك عَدْلُه وحِكمته، وليس لأحدٍ عليه
حُجَّةٌ بعد البيان والرُّسُل، وسَمَّى اللهُ الجنة "دار السلام" لسلامتها من
جميع الآفاتِ والنقائص، وذلك لكمال نعيمها وتمامه وبقائه، وحُسنه
من كل وجه.
"تفسيرُ السَّعديّ"
• ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ
الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ 26. للذين أحسنوا في عِبادة الخالِق؛ بأنْ عَبَدُوه
على وَجه المُراقبةِ والنصيحةِ في عُبُوديَّته، وقاموا بما قدروا عليه منها، وأحسنوا
إلى عِباد الله بما يقدرون عليه من الإحسان القوليِّ والفِعليِّ، من بذل الإحسان
الماليِّ، والإحسان البدنيِّ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعليم الجاهلين،
ونصيحة المُعرضين، وغير ذلك من وجوه البر والإحسان. فهؤلاء الذين أحسنوا،
لهم "الحُسْنَى" وهِيَ الجنَّة الكاملة في حُسْنِها و "زيادة" وهِيَ النَّظَرُ إلى وَجه الله
الكريم، وسَماعُ كلامه، والفوزُ برضاه والبَهجةُ بقُربه، فبهذا حصل لهم أعلى
ما يتمنَّاه المُتَمَنُّونَ، ويسألُه السائلون.
ثم ذَكَرَ اندفاعَ المحذور عنهم، فقال: لا ينالُهم مكروهٌ بوجهٍ من الوجوه؛
لأنَّ المكروه إذا وَقَعَ بالإنسان، تبيَّن ذلك في وجهه، وتغيَّر وتكدَّر.
هؤلاء المتَّصِفُونَ بهذه الصفات هُم أصحابُ الجنَّةِ ماكثون فيها أبدًا.
"تفسيرُ السَّعديّ والتَّفسيرُ المُيَسَّر"
• ﴿ وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآَنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ
وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ 37. غيرُ مُمكنٍ ولا مُتَصَوَّرٍ أن
يُفتَرَى هذا القرآنُ على الله تعالى؛ لأنَّه الكتابُ العظيمُ الذي أنزله اللهُ رَحمةً للعالمين،
وحُجَّةً على العِباد أجمعين. وهو الكتابُ الذي لو اجتمعت الإنسُ والجِنُّ على أن
يأتُوا بمِثله لا يأتون بمِثله ولو كان بعضُهم لبعض ظهيرًا، وهو كتابُ الله الذي
تكلَّم به، فكيف يَقدِرُ أحدٌ من الخَلْق أن يتكلَّم بمِثله، أو بما يُقاربه، والكلامُ
تابِعٌ لعَظمةِ المتكلِّم ووَصْفِهِ؟!
أنزله اللهُ مُصدِّقًا للكُتب السَّماويَّةِ التي أنزلها على أنبيائه، بأنْ وافقها،
وصدَّقَها بما شَهِدَت به، وبَشَّرَت بنُزُوله، فوَقَعَ كما أخبرت.
وفيه تفصيلٌ وبيانٌ للحلال والحرام، والأحكام الدينيَّة والقَدَريَّة،
والإخبارات الصادقة، لا شَكَّ ولا مِرْيَةَ فيه بوَجهٍ من الوجوه،
بل هو الحَقُّ اليقين، تنزيلٌ من رَبِّ العالمين الذي رَبَّى جميعَ الخَلْق بنِعَمِهِ.
ومِن أعظم أنواع تربيته أنْ أنزل عليهم هذا الكتابَ الذي فيه مصالِحُهم
الدينيَّة والدُّنيويَّة، المُشتمِلُ على مكارم الأخلاق ومَحاسِن الأعمال.
"تفسيرُ السَّعديّ بتَصَرُّفٍ"
• ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى
وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا
يَجْمَعُونَ ﴾ 57-58. يا أيُّها الناس، قد جاءتكم مَوعِظةٌ من رَبِّكم تُذكِّركم عِقابَ
الله وتُخوِّفُكم وَعِيدَه؛ وهِيَ القُرآنُ وما اشتمل عليه من الآياتِ والعِظاتِ لإصلاح
أخلاقِكم وأعمالِكم، وفيه دواءٌ لِمَا في القلوب من الجهل والشِّركِ وسائر الأمراض،
ورُشْدٌ لِمَن اتَّبَعَه من الخَلْق، فيُنجِّيه من الهلاك. جعله سُبحانه وتعالى نِعمةً
ورحمةً للمُؤمنين، وخصَّهم بذلك لأنَّهم المُنتفعون بالإيمان، وأمَّا الكافرون فهو
عليهم عَمَى.
قل- أيُّها الرسولُ- لجميع الناس: بفضل الله وبرحمته، وهو ما جاءهم من الله
من الهُدَى ودِين الحَقِّ وهو الإسلام، فبذلك فليفرحوا؛ فإنَّ الإسلامَ الذي دعاهم
اللهُ إليه، والقُرآنَ الذي أنزله على مُحمدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم، خيرٌ مِمَّا يَجمعون
من حُطام الدُّنيا وما فيها من الزَّهرة الفانية الذاهِبة. فنِعمةُ الدِّين المُتَّصِلَة بسعادة
الدَّارَيْن، لا نِسبةَ بينها وبين جميع ما في الدُّنيا، مِمَّا هو مُضمَحِلٌّ زائِلٌ عن
قريب. وإنَّما أمَرَ اللهُ تعالى بالفَرح بفَضله ورَحمته؛ لأنَّ ذلك مِمَّا يُوجِبُ انبساطَ
النَّفْس ونشاطَها، وشُكرَها لله تعالى، وقُوَّتَها، وشِدَّةَ الرغبةِ في العِلم والإيمان
الدَّاعي للازديادِ منهما. وهذا فرحٌ محمودٌ، بخِلافِ الفَرح بشَهَواتِ الدُّنيا ولَذَّاتِها،
أو الفَرح بالباطِل، فإنَّ هذا مذمومٌ.
"التَّفسيرُ المُيَسَّرُ وتفسيرُ السَّعديّ"
• ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا
يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ
هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ 62-64. يُخبِرُ تعالى عن أوليائه وأحِبَّائِهِ، ويَذكُرُ أعمالَهم
وأوصافَهم وثوابَهم؛ فهم لا خَوفٌ عليهم فيما يستقبلونه مِمَّا أمامهم من المخاوف
والأهوال، ولا خَوفٌ عليهم في الآخِرة من عِقاب الله، ولا هُم يَحزنونَ على ما
أسلفوا؛ لأنَّهم لم يُسلِفُوا إلَّا صالح الأعمال، ولا يَحزنون على ما فاتهم من حُظُوظ
الدُّنيا.
مِن صِفاتِ هؤلاءِ الأولياءِ أنَّهم آمنُوا بالله وملائكته وكُتُبه ورُسُله واليوم الآخِر
وبالقَدَر خَيره وشَرِّه، وصَدَّقُوا إيمانَهم باستعمال التَّقوى؛ بامتثال الأوامر، واجتناب
النَّواهي. فكُلُّ مَن كان مُؤمِنًا تَقِيًّا كان للهِ تعالى وَلِيًّا.
لهولاءِ الأولياءِ البِشارةُ من اللهِ في الدُّنيا؛ بالثناءِ الحَسَن، والمودَّة في قُلوب
المؤمنين، والرُّؤيا الصالحة، وما يَراه العَبدُ مِن لُطف الله به وتيسيره لأحسن
الأعمال والأخلاق، وصَرفه عن مَساوئ الأخلاق، وفي الآخِرةِ بالجنَّةِ.
لا يُخلِفُ اللهُ وَعدَه ولا يُغيِّرُه. ذلك هو الفوزُ العَظيمُ؛ لأنَّه اشتمل على النَّجاة
من كُلِّ مَحذُورٍ، والظَّفَر بكُلِّ مَطلوبٍ مَحبُوبٍ.
والحَاصِلُ أنَّ البُشرَى شامِلَةٌ لكُلِّ خَيرٍ وثوابٍ، رَتَّبَه اللهُ في الدُّنيا والآخِرة
على الإيمان والتَّقوى، ولهذا أطْلَقَ ذلك، فلم يُقيِّده.
"تفسيرُ السَّعديّ والتَّفسيرُ المُيَسَّرُ بتَصَرُّفٍ"
• ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ
يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ 107. هذا من أعظم الأدِلَّةِ
على أنَّ اللهَ وَحدَه المُستَحِقُّ للعِبادة، فإنَّه النَّافِعُ الضَّارُ، المُعطِي المانِع، الذي
إذا مَسَّ بضُرٍّ- كفقر ومَرض ونحوهما- فلا كاشِفَ له إلَّا هو جلَّ وعلا؛ لأنَّ
الخَلْقَ لو اجتمعوا على أن ينفعوا بشيءٍ، لم ينفعوا إلَّا بما كَتَبَه اللهُ، ولو اجتمعوا
على أن يَضُرُّوا أحدًا، لم يَقدِرُوا على شيءٍ مِن ضَرره إذا لم يُرِده اللهُ. فلا يَقدِرُ
أحدٌ من الخَلْق أن يَرُدَّ فَضلَه وإحسانَه سُبحانه، يَختَصُّ برَحمتِهِ مَن شاء مِن خَلْقِهِ،
واللهُ ذُو الفضل العظيم، وهو الغَفُورُ لجميع الزلَّاتِ، الذي يُوفِّقُ عَبْدَه لأسباب
مَغفرته، ثم إذا فعلها العَبدُ، غَفَرَ اللهُ ذُنُوبَه، كِبارَها، وصِغارَها. وهو سُبحانه الرَّحيمُ
الذي وَسِعَت رحمتُه كُلَّ شيءٍ، ووَصَلَ جُودُه إلى جميع الموجودات، بحيثُ لا تستغني
عن إحسانه طرفة عين. فإذا عَرَفَ العَبدُ بالدليل القاطِع أنَّ اللهَ هو المُنفرِدُ بالنِّعَم،
وكَشْفِ النِّقَم، وإعطاءِ الحَسناتِ، وكَشْفِ السيِّئاتِ والكُرُباتِ، وأنَّ أحدًا من الخَلْق
ليس بيده مِن هذا شيءٌ إلَّا ما أجراه اللهُ على يَدِه، جَزَمَ بأنَّ اللهَ هو الحَقُّ،
وأنَّ ما يدعون مِن دُونِهِ هو الباطل.
"تفسيرُ السَّعديّ بتَصَرُّفٍ"
أُختُكُنَّ: الساعية إلى الجنة
ربيع آخِر 1445 هـ / فبراير 2024 م
هلا وسهلا بــ الساعية ومواضيعها النّافعة التي تقربنا إلى الله
– بفضله وكرمه ولطفه_
جزاكِ الله خيرا ..*
نشكر لكِ وجودكِ وحضورك يا نجمة الدّار
أدام الله حضوركِ ()
وفي جهودك
اسعدك البارئ