تخطى إلى المحتوى

توازن الإسلام في: [التوكل مع الأخذ بالأسباب]، 2024.

توازن الإسلام في: التوكل مع الأخذ بالأسباب

المسلم لا يرى التوكل على الله تعالى في جميع أعماله واجبا خلقيا فحسب، بل يراه فريضة دينية ،وجزء من عقيدته.
والتوكل هو: عمل وأمل، مع هدوء القلب وطمأنينة النفس، واعتقاد جازم أن ما شاء الله تعالى كان ، وما لم يشأ لم يكن ،وأن الله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا،وأن يطرح أمره كله لله عز وجل، مع بذل الأسباب والعمل.
إن التصور الإسلامي يتسم بالتوازن المطلق بين تقرير القدرة المطلقة لقدر الله تعالى ، وتحقيق هذا القدر في الحياة الإنسانية من خلال نشاط الإنسان وفاعليته وعمله.. فسنة الله تعالى تجري بترتيب النتائج على الأسباب ، ولكن الأسباب ليست هي التي تنشئ النتائج.
فالفاعل المؤثر هو الله تعالى، والله تعالى يرتب النتائج على الأسباب بقدره ومشيئته.. ومن ثم يطالب الإنسان أن يؤدي واجبه ،وأن يبذل جهده، ويسعى بالتزاماته، ..وهكذا تظل النتائج والعواقب متعلقة بمشيئة الله تعالى وقدره… وهكذا يتوازن تصور المسلم وعمله.. فهو يعمل ويبذل ما في طاقته ..ويتعلق في نتيجة عمله بقدر الله تعالى ومشيئته ، ولا حتمية في تصوره بين النتائج والأسباب .. فهو لا يحتم أمرا بعينه على الله تعالى !!
قال تعالى: [وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)] الطلاق.
والمسلم إذ يؤمن بسنن الله تعالى في الكون ، فيعد للأعمال أسبابها المطلوبة لها، ويستفرغ الجهد في إحضارها ..ولا يعتقد أبدا أن الأسباب وحدها كفيلة بتحقيق الأغراض، وإنجاح المساعي؛ لا.. بل يرى وضع الأسباب أكثر من شيء أمر الله تعالى به يجب أن يطاع فيه كما يطاع غيرة مما يأمر به وينهى عنه، أما الحصول على النتائج ،والفوز بالرغائب،فقد وكل أمرها إلى الله تعالى.. إذ هو القادر على ذلك وحده دون غيره.
ومن هنا كانت نظرة الإسلام إلى الأسباب : أن الاعتماد عليها وحدها واعتبارها هي كل شيء في تحقيق المطلوب ..شرك ، لأن العبد ليس خالق أعماله ولا محقق مكاسبه وأرباحه بنفسه، كذلك ترك الأسباب المطلوبة لأي عمل وإهمالها وهو قادر على إعدادها ..فسق ومعصية، وإنما المسلم إذ يقول بوجوب الاعتماد على النفس في الكسب والعمل .. يريد بذلك أن لا يظهر افتقاره لأحد غير الله تعالى وحده.
والمسلم إذ يعيش هذه العقيدة من التوكل على الله تعالى والاعتماد على النفس ، يغذي عقيدته هذه، وينمي خلقه ذاك بإيراد خاطره من وقت لآخر إلى الآيات القرآنية،وبالأحاديث النبوية.

والتوكل مع الأخذ بالأسباب ، كجناحي طائر، لا يقوى على الطير بواحد منهما، بل لابد أن يطير بكليهما حتى يستطيع الوصول.

وكثير من الناس لا يدرك هذه الحقيقة.. فالبعض يعتمد اعتمادا كليا على الأخذ بالأسباب..اعتمادا قد ينافي كمال الإيمان، بل يوقعه في بعض الأحيان في الشرك !! لتعلقه بغير الله تعالى ،واعتقاده أن ذلك السبب هو النافع أو جالب المصالح والخير..، وعلى النقيض من ذلك..فهناك أناس أيضا يدّعون التوكل على الله تعالى والاعتماد عليه ، مع ترك جميع الأسباب !!! فيترك نفسه بلا علاج ولا عمل .. فيهلك نفسه التي بين جنبيه ، لسوء تصوره ،وقصر علمه عن التوكل.
وكلا الطرفين خارج عن الاعتدال.. وتوازن دين الإسلام…
والتوكل مع الأخذ في الأسباب ..سنة الأنبياء والمرسلين.. ،قال تعالى لموسى عليه السلام: [فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (23)]الدخان، كذلك لما قيل له [وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21)]القصص، خرج عليه السلام، وقال يعقوب لبنه يوسف عليهما السلام –من باب الاحتياط..[ قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (5)] يوسف، وقال يعقوب علية السلام لبنيه خوفا عليهم : [وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (67)] ، وقال تعالى : [هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)] الملك،وقال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا (71)]النساء، وقال تعالى: [وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60)]الأنفال، وقال تعالى: [فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10)] الجمعة.
وقد ظاهر رسول الله rبين درعين –أي: لبس احدهما على الأخر- ، وشاور الطبيب، واختفى في الغار..، وأمر بغلق الأبواب، ففي الصحيحين من حديث جابر-رضي الله عنه- أن النبي r قال: (أغلق بابك) خ/3280-م/2016.
وقال رجل: يا رسول الله أعقلها وأتوكل، أو أطلقها وأتوكل؟ قال: (أعقلها وتوكل) 2517،حسنه الألباني في صحيح الترمذي. وعن بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون ويقولون نحن المتوكلون فإذا قدموا مكة سألوا الناس فأنزل الله تعالى { وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197) }البقرة، خ/1[ 1451 ].
وقال r: (يا عباد الله تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد : الهرم ) صحيح الجامع/ 7934 ، قال r: (ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء)خ/2 [ 5354] ، قال r: (إن هذه الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا من السام قلت: وما السام قال الموت)خ/2 [ 5363 ]، وقال تعالى عن النحل:[ يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69)] النحل.
قال رسول الله r: (لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر وفر من المجذوم كما تفر من الأسد)خ/2[ 5380 ]،وفي رواية: (لا عدوى ولا صفر ولا هامة، فقال أعرابي يا رسول الله : فما بال إبلي تكون في الرمل كأنها الظباء فيأتي البعير الأجرب فيدخل بينها فيجربها؟ فقال: فمن أعدى الأول)خ/2[ 5387 ]

*********************

كذلك لا ينبغي للإنسان أن يستسلم.. وينتظر هداية الله تعالى له، إنما عليه أن يبحث عن أسباب الهداية.. ويسعى لطرق الموصلة إليها.. ويجاهد نفسه بالعلم والعمل.. إلى أن يصل إلى ما أمره الله تعالى به، قال تعالى: [وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)] العنكبوت.

****************************

ومن أجمل وأروع صور التوكل على الله تعالى.. تلك الطيور الصغيرة المبدعة..التي فوضت أمرها كله لله تعالى مع أخذها بالأسباب ..، قال r: (لو أنكم توكلون على الله تعالى حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا و تروح بطانا ) صحيح الجامع/5254
أي: أنها تخرج صباحا لتبحث عن رزقها، وتطير هنا وهناك ..متوكلة على الله تعالى
فتعود إلى أوكارها ممتلئة البطن لحسن توكلها على الله تعالى ثم بسعيها..
قال ابن عقيل: يظن أقوام أن الاحتياط والاحتراز ينافي التوكل !! وأن التوكل هو إهمال العواقب، واطراح التحفظ.. وذلك عند العلماء هو العجز والتفريط الذي يقتضي من العقلاء التوبيخ.
ولا أجهل ممن يدعي العقل والعلم ..ويستسلم للبلاء ، إنما ينبغي أن تكون أعضاء المتوكل في الكسب والسعي.. وقلبه ساكن مفوض إلى الله وحده، منع أو أعطى ..فالله تعالى لا يتصرف إلا بالحكمة والرحمة..
وقد قال تعالى لنبيه: [فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)] أل عمران، فلو كان التعلق بالاحتياط قادحا في التوكل ،لما خص الله تعالى به نبيه!!
والخلة التي يحبها الله تعالى ويحب أهلها هي التي ينبغي أن يحرص عليها كل مسلم.. بل هي التي تميز المؤمنين.. قال تعالى: [وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160)] آل عمران. والتوكل على الله تعالى ورد الأمر إليه ، هو خط التوازن في التصور الإسلامي وفي الحياة الإسلامية ، وهو التعامل مع الحقيقة الكبيرة : حقيقة أن مرد الأمر كله لله تعالى ، وأن الله تعالى فعال لما يريد.
__________________________________

لاكيلاكيلاكي
لاكي
جزاك الله خير
جزآك الله خير على الموضوع
القيم

اثابك الله

جزاكم الله خيرا.. وبارك الله فيكم..
أشكـركم على تواجدكم الـــــــــرائع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.