تخطى إلى المحتوى

حاجة العبد إلى العلم 2024.


حاجة العبد إلى العلم

في الصحيحين أيضا من حديث أبي موسى -رضي الله عنه – قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم، كمثل غيث أصاب أرضًا، فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس، فشربوا منها وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفة منها أخرى؛ إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فَقِه في دين الله، ونفعه ما بعثني الله به، فَعَلِم وعلَّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا، ولم يقبل هدى الله الذي أُرْسِلْت به)، شبَّه -صلى الله عليه وسلم-العلم والهدى الذي جاء به بالغيث؛ لما يحصل بكل واحدٍ منهما من الحياة، والنافع، والأغذية، والأدوية، وسائر مصالح العباد، فإنها بالعلم والمطر، وشبَّه القلوب بالأراضي التي قع عليها المطر؛ لأنها المحل الذي يُمْسِك الماء، فينبت سائر أنواع النبات النافع، كما أن القلوب تَعِي العلم، فيثمر فيها، ويزكو، وتظهر بركته وثمرته. ثم قسَّم الناس إلى ثلاثة أقسام بحسب قبولهم، واستعدادهم لحفظه، وفهم معانيه واستنباط أحكامه، واستخراج حكمه وفوائده.
* أحدها: أهل الحفظ والفهم الذين حفظوه وعقلوه، وفهموا معانيه، واستنبطوا وجوه الأحكام، والحكم والفوائد منه، فهؤلاء بمنزلة الأرض التي قبلت الماء، وهذا بمنزلة الحفظ، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وهذا هو الفهم فيه والمعرفة والاستنباط، فإنه بمنزلة إنبات الكلأ والعشب بالماء، فهذا مثل الحفَّاظ الفقهاء أهل الرواية والدراية.
* القسم الثاني: أهل الحفظ الذين رُزقوا حفظه، ونقله، وضبطه، ولم يُرزقوا تفقهًا في معانيه، ولا استنباطًا، ولا استخراجًا لوجوه الحكم والفوائد منه، فهم بمنزلة من يقرأ القرآن ويحفظه، ويراعي حروفه وإعرابه، ولم يُرزق فيه فهمًا خاصًا عن الله، كما قال على بن أبي طالب -رضي الله عن-: "إلا فهمًا يؤتيه الله عبدًا في كتابه".
والناس متفاوتون في الفهم عن الله ورسوله أعظم تفاوت، فرُبَّ شخصٍ يفهم من النص حكمًا أو حكمين، يفهم منه الآخر مائة أو مائتين، فهؤلاء بمنزلة الأرض التي أمسكت الماء للناس فانتفعوا به، هذا يشرب منه، وهذا يسقى وهذا يزرع، فهؤلاء القسمان هم السعداء، والأولون أرفع درجة وأعلى قدرًا، {ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم}
* القسم الثالث: الذين لا نصيب لهم منه لا حفظًا، ولا فهمًا، ولا رواية ولا دراية؛ بل هم بمنزلة الأرض التي هي قيعان،لا تنبت ولا تمسك الماء،وهؤلاء هم الأشقياء،والقسمان الأولان اشتركا في العلم والتعليم،كلٌ بحسب ما قبله ووصل إليه،فهذا يعلم ألفاظ القرآن ويحفظها،وهذا يعلم معانيه وأحكامه وعلومه،والقسم الثالث لا علم ولا تعليم،فهم الذين لم يرفعوا بهدى الله رأسًا ولم يقبلوه،وهؤلاء شر من الأنعام،وهم وقود النار،فقد اشتمل هذا الحديث الشريف العظيم على التنبيه على شرف العلم والتعليم،وعِظِم موقعه،وشقاء من ليس من أهله،وذكر أقسام بني آدم بالنسبة إلى شقيهم وسعيدهم،وتقسم سعيدهم إلى سابقٍ مقرَّب،وصاحب يمين مقتصد،وفيه دلالة على أن حاجة العباد إلى العلم كحاجتهم إلى المطر بل أعظم،وأنهم إذا فقدوا العلم،فهم بمنزلة الأرض التي فقدت الغيث.

مفتاح دار السعادة
للإمام ابن القيم -رحمه الله-

اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا..

بارك الله فيك..

وإياك أختي ياسمينة الشام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.