تخطى إلى المحتوى

حقيقة الشكر ظهور أثر نعمة الله على لسان العبد وجوارحه 2024.

الشكر نصف الإيمان (1 من 4)

الله يشكر عباده وهو المنعِم المتفضل.. فما بالكم بالمنعَم عليه؟!

الشكر حق من حقوق الله على عباده. وقد أمرنا عز وجل به في مواضع كثيرة من كتابه الكريم، منها قوله تعالى: فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون (152) (البقرة:152). وعن زياد قال: سمعت المغيرة رضي الله عنه يقول: "إن كان النبي ص ليقوم أو ليصلي حتى ترم قدماه أو ساقاه فيقال له، فيقول: أفلا أكون عبداً شكوراً" (1)؟! عن ابن المنكدر قال: كان من دعاء رسول ص "اللهم أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك"(2).
إن الشكر من أعلى المنازل، وقد أمر الله به، ونهى عن ضده، وأثنى على أهله، ووصف به خواص خلقه، وجعله غاية خلقه وأمره، ووعد أهله بأحسن جزائه، وجعله سبباً للمزيد من فضله، وحارساً وحافظاً لنعمته، وأخبر أن أهله هم المنتفعون بآياته، واشتق لهم اسماً من أسمائه، فإنه سبحانه هو "الشكور" و"الشاكر".
ولنا مع الشكر وقفات نجلي فيها حقيقته، كما نلقي فيها الضوء على بعض المعاني التي تتصل به:

معنى الشكر

جاء في لسان العرب:
الشكر: عرفان الإحسان ونشره، وهو الشُّكور أيضاً، والشكر لا يكون إلا عن يد "أي نعمة"، والحمد يكون عن يد وعن غير يد، فهذا الفرق بينهما.
قال أبو نخيلة:
شكرتك وإن الشكر حبل من التقى
وما كل من أوليته نعمة يقضي
قال ابن سيده: وهذا يدل على أن الشكر لا يكون عن يد، ألا ترى أنه قال: وما كل من أوليته نعمة يقضي؟ أي ليس كل من أوليته نعمة يشكرك عليها.
والشكر مثل الحمد؛ إلا أن الحمد أعم منه، فإنك تحمد الإنسان على صفاته الجميلة وعلى معروفه، ولا تشكره إلا على معروفه دون صفاته. (3)
وإن نظرنا إلى معنى الثناء، فإن ثناء كل مثن يكون على فعل غيره، والرب عز وجل إذا أثنى على أعمال عباده، فقد أثنى على فعل نفسه، لأن أعمالهم من خلقه، ومن ثنائه عز وجل على عباده قوله سبحانه وتعالى: والذاكرين الله كثيرا والذاكرات (الأحزاب:35). وقوله جلَّ من قائل: نعم العبد إنه أواب 30 (ص).
كل ذلك وما يجري مجراه عطية من الله سبحانه.
وقال ابن منظور رحمه الله تعالى : والشكور من أسماء الله عز وجل معناه: أنه عنده يزكو القليل من أعمال العباد، فيضاعف لهم الجزاء، وشكره لعباده: مغفرته لهم وإنعامه عليهم، وجزاؤه بما أقامه من العبادة. وقال ابن السعدي: وأما الشكور من عباد الله فهو الذي يجتهد في شكر ربه بطاعته وأدائه ما وظف عليه من عبادته.
ومن أسماء الله الحسنى الشكور، وهو الذي يشكر القليل من العمل الخالص النقي النافع، ويعفو عن الكثير من الزلل، ولا يضيع أجر من أحسن عملاً، بل يضاعفه أضعافاً مضاعفة بغير عد ولا حساب، ومن شكره أنه يجزي الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، وقد يجزي الله العبد على العمل بأنواع من الثواب العاجل قبل الآجل، وليس عليه حق واجب بمقتضى أعمال العباد، وإنما هو الذي أوجب الحق على كرم منه وجود، والله لا يضيع أجر العاملين، إذا أحسنوا في أعمالهم وأخلصوها لله تعالى.(4)
وأما الشكور من عباده فهو يجتهد في طاعته وأدائه ما خلق له من عبادته، والشكر مقابلة النعمة بالقول والفعل والنية، فيثني على المنعم بلسانه، ويجتهد في طاعته بعمله.
وأما حقيقته في العبودية، فهو ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده: ثناءً واعترافاً، وعلى قلبه: شهوداً ومحبة، وعلى جوارحه: انقياداً وطاعة.(5)
الشكر نصف الإيمان: والشكر نصف الإيمان، قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه الإيمان نصفان: نصف صبر، ونصف شكر، ولهذا جمع الله سبحانه بين الصبر والشكر في قوله: إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور (5) (إبراهيم).
وقد ذكر لهذا التصنيف اعتبارات:
منها: أن الإيمان اسم لمجموع القول والعمل والنية، وهي ترجع إلى شطرين، فعل وترك، فالفعل هو العمل بطاعة الله، وهو حقيقة الشكر، والترك هو الصبر عن المعصية، والدين كله في هذين الشيئين: فعل المأمور وترك المحظور.
ومنها: أن الإيمان مبني على ركنين: يقين وصبر، وهما المذكوران في قوله تعالى: وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون 24 (السجدة).
فباليقين يعلم حقيقة الأمر والنهي والثواب والعقاب، وبالصبر ينفذ ما أمر به ويكف نفسه عمَّا نهى عنه، ولا يحصل له التصديق بالأمر والنهي أنه من عند الله وبالثواب والعقاب إلا باليقين، ولا يمكنه الدوام على فعل المأمور وكف النفس عن المحظور إلا بالصبر، فصار الصبر نصف الإيمان، والنصف الثاني الشكر بفعل ما أُمر به وبترك ما نُهي عنه.
ومنها: أن جميع ما يباشره العبد في هذه الدار لايخرج عمَّا ينفعه في الدنيا والآخرة، أو يضره في الدنيا والآخرة، أو ينفعه في أحد الدارين ويضره في الأخرى، وأشرف الأقسام أن يفعل ما ينفعه في الآخرة ويترك ما يضره فيها وهو حقيقة الإيمان، ففعل ما ينفعه هو الشكر، وترك ما يضره هو الصبر.
ومنها: أن الحياة نعم ونقم، ومقتضى الإيمان الشكر على النعم والصبر عند نزول النقم.

الله شاكر لخلقه سعيهم

والشكر من الله: المجازاة والثناء الجميل، والشكور من أسماء الله عز وجل، ومعناه: أنه يزكو عنده القليل من أعمال العباد، فيضاعف لهم الجزاء، وشكره لعباده: مغفرته لهم، والشكور من أبنية المبالغة، قال تعالى: إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا 22 (الإنسان).
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ص قال: "بينا رجل يمشي فاشتد عليه العطش، فنزل بئراً فشرب منها، ثم خرج فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال: لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي، فملأ خفه ثم أمسكه بفيه، ثم رقى فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له، قالوا: يا رسول الله: وإن لنا في البهائم أجراً؟ قال: في كل كبد رطبة أجر"(6)، وعنه رضي الله عنه أن رسول الله ص قال: "بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطريق، فأخره فشكر الله له فغفر له"(7).

نعمة الإيجاد

لقد أوجدنا الله من العدم، وخلقنا في أحسن تقويم، وركَّب فينا من الحواس والجوارح ما يمنحنا حرية الحركة والتنقل في كل مكان، وما يمكننا من التمتع بكل ما في الكون من حولنا، قال الله تعالى: والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون 78 (النحل).
ولكن القليلين هم الذي يقدِّرون هذه النعم، ويشكرون الله عليها، قال تعالى: وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون (9) (السجدة).
والقرآن الكريم بعد أن يذكِّر الإنسان ببعض نعم الله عليه في بدء نشأته، يرشده إلى طريق الشكر فيقول: ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا حتى" إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى" والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين 15 (الأحقاف).

نعمة الإمداد

ومن نعمة الإيجاد أمدنا الله بكل مقومات الحياة واستمراريتها، وذلك بأن أفاض علينا بنعم كثيرة، وساق إلينا خيرات وفيرة، ورزقنا من طيبات الأرزاق ما يقيم أبداننا ويحفظ علينا حياتنا، قال الله تعالى: وما بكم من نعمة فمن الله (النحل:53).
وقال تعالى: وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار 34 (إبراهيم).
هذه النعم منَّا أن نشكر المنعم، ولقد أمرنا الله بذلك فقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون 172 (البقرة).
فشكر الله على نعمه من حقوق العبودية وتمامها، كما أنه الطريق لنيل مرضاة الله عز وجل، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله ص: "إن الله ليرضى عن العبد أن يكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها"(8).
وعن ابن أعبد رضي الله عنه قال: قال لي علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "يا ابن أعبد، هل تدري ما حق الطعام؟ قال: قلت: وما حقه با ابن أبي طالب؟ قال: تقول: بسم الله: اللهم بارك لنا فيما رزقتنا. قال: وتدري ما شكره إذا فرغت؟ قال: قلت: وما شكره؟ قال: تقول: الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا"(9).
وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي ص قال: "ما أنعم الله على عبد من نعمة، فعلم أنها من عند الله إلا كتب الله له شكرها، قبل أن يحمده، وما علم الله من عبد ندامة على ذنب إلا غفر له قبل أن يستغفره، إن الرجل ليشتري الثوب بالدينار فيلبسه، فيحمد الله، فما يبلغ ركبتيه حتى يغفر له"(10).
وعن أبي هريرة عن النبي ص قال: "يقول عز وجل يوم القيامة: يا ابن آدم، حملتك على الخيل والإبل وزوجتك النساء وجعلتك تربع وترأس، فأين شكر ذلك؟"!.
وفي هذا الحديث القدسي تذكير ببعض النعم التي يسألنا الله عن شكرها يوم القيامة.
وقلة من الناس هي التي تشكر، والكثرة جاحدة، قال الله تعالى: إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون 243 (البقرة).

أشكَر الناس أقنعهم
من أعظم الشكر، الرضا بما تيسر، والقناعة بما يسوقه الله لك من رزق، أو يهبه لك من خير، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ص: "يا أبا هريرة! كن ورعاً تكن أعبد الناس، وكن قنعاً تكن أشكر الناس، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مؤمناً، وأحسن جوار من جاورك تكن مسلماً، وأقلَّ الضحك، فإن كثرة الضحك تميت القلب"(12).
وإذا كان الله عز وجل قد منح الشاكرين بعض أجرهم في الدنيا، وادخر لهم المزيد ليوم القيامة في جنات ونهر، فإنهم يزداد فرحهم، ويعطهم شكرهم، حين يرون مقاعدهم التي كانت لهم في النار لو أنهم لم يستقيموا على طاعة الله، فعن أبي هريرة قال: قال النبي ص: "لا يدخل أحد الجنة إلا أُرِي مقعده من النار لو أساء، ليزداد شكراً، ولا يدخل النار أحد إلا أُري مقعده من الجنة لو أحسن ليكون عليه حسرة"(13).
الهوامش
(1) فتح الباري بشرح صحيح البخاري 3-14-1130.
(2) الدر المنثور في التفسير بالمأثور 1-279.
(3) لسان العرب، مادة شكر 4-423.
(4) موسوعة نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم ص 6-2394.
(5) مدارج السالكين 2-254، دار الحديث القاهرة.
(6) فتح الباري 5-40-2363.
(7) فتح الباري 2-139-652.
(8) صحيح مسلم بشرح النووي 17-5 {89(2734)}.
(9) المسند 1-153.
(10) الدر المنثور 1-280.
(11) المسند 2-492.
(12) سنن ابن ماجه 2-1410- 4217 الزهد الورع والتقوى.
(13) الجامع لأحكام القرآن 10-259.

منقول

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.